عيد القديسة رفقا، الراهبة اللبنانيّة المارونيّة
يقع دير مار سمعان القرن – أيطو في منطقة زغرتا الزاوية على رابية عالية عند قمة قرن أيطو. يبعد 33 كلم عن محافظة الشمال. يعلو عن سطح البحر 1150 متر. تاريخ تأسيسه يعود إلى ما قبل سنة 1556. تسلمت الرهبانية اللبنانية المارونية هذا الدير سنة 1863 بعهد الآباتي افرام جعجع رئيس عام الرهبانية اللبنانية المارونية آنذاك. على أثر ذلك كثرت فيه طالبات الترهب. إنبثق عن هذا الدير، سنة 1897 دير مار يوسف جربتا، حيث فصلت ست راهبات ليأسسن الدير المذكور ومن بينهنّ الطوباوية رفقا رغم ما كانت تعاني من آلام مبرحة، وكأن العناية الإلهية أرادت أن تقدّس أمكنة عدّة، بمرور قديستنا رفقا على هذه الأرض.
أبصرت الطوباوية رفقا النور في حملايا في 29 حزيران 1832 ودُعيت بطرسية. فقدت والدتها وهي في سن الطفولة. خدمت في بلاد الشام. دخلت دير سيدة النجاة لجمعية المريمات للترهب، ونَذرت النذور الرهبانية في 10 شباط 1856، أرسلت إلى إكليريكية غزير مدة سبع سنين، ثمّ إلى دير القمر سنة 1860، ومن ثمّ إلى جبيل، وأخيراً إلى بلدة معاد حيث علّمت سبع سنوات. في عام 1871 ضمت الجمعيتين (جمعية قلب يسوع وقلب مريم) تحت اسم جمعية واحدة (القلبين الأقدسين) تُركت الحرية لراهبات الجمعيتين للرجوع إلى العالم أو الانضمام إلى رهبانية أخرى. صلّت كثيراً ذلك اليوم وسمعت صوت القديس انطونيوس الكبير يقول لها: "بتترهبي بالرهبانية المارونية" أي بالهام إلهي وقع اختيارها على دير مار سمعان القرن – أيطو التابع لهذه الرهبانية.
"واصلة إليك هذه النعجة فاقبلها في مصاف المبتدئات" بهذه العبارة كتب المطران يوسف فريفر إلى الآباتي افرام جعجع البشراني. في أول تموز 1871 دخلت دير مار سمعان القرن – أيطو، بعد أن دفع عنها السيد انطوان عيسى الراتب المفروض. لبست ثوب الابتداء في 12 تموز 1871، ونذرت فيه النذور الرهبانية في 25 آب 1872 واتخذت اسم أمها رفقا إسماً لها.
كانت دائمًا تلبّي صوت الطاعة غير مكترثة إلى ما فيها من صعاب. كانت متعلّمة ومتمرسة بالتعليم، ذكية ولكن ذكاؤها محجوب ببساطتها المسيحية وممزوج بنعومة وحلاوة سماوية. متواضعة وهذا التواضع لمع نوره في أحاديثها الروحية وكيفية شرحها الإنجيل والرسائل وسير القديسين هذا ما جاء في شهادة الأخت حنة علوان التي عايشتها.
في أحد الوردية الكبير سنة 1885، أثناء صلاتها أمام القربان، سالت القديسة رفقا الرب يسوع أن يشركها في آلامه قائلةً له: "يا رب، لماذا أنت متباعد عنّي، لا تفتقدني بمرض، العلّك ناسيني؟ عند الرقاد، شعَرت رفقا بوجع أليم في رأسها يمتدُّ إلى عينيها. أُرسلت بأمر من رئيستها آنذاك، الأم زياده عساف الغسطاوية للمعالجة. تنقلت بين سرعل وطرابلس وجبيل وبيروت. في انطش مار يوحنا-مرقس جبيل بإيعاز من الأب اسطفان بنتاعل. أجرى لها الطبيب الأميركي عملية جراحية سريعة لعينها اليمنى، لم تقبل البنج لتُخفف ألمها. أثناء العملية قلع الطبيب عينها، فقالت: "مع آلام المسيح، سلمت يداك، الله يآجرك".
وهنا بدأت مسيرة الألم والعذاب.
سنة 1899 فقدت نظرها تماماً وما لبثت أن أُقعدت وبدأت مفاصلها تتفكك. قضت السنوات السبع الأخيرة من حياتها ممدّدة على السرير، نائمة على جنبها الأيمن فقط، لا تستطيع الحراك، ولا يمس كتفها الأيسر الفراش، بسبب جرح كبير فيه، آلمها كثيراً فكانت تردّد: "مع جرح كتفك يا يسوع".
كانت الطوباوية رفقا تقول لأخواتها: "عندما أموت سترون عظامي منخورة مثل إسفنجة". وقد أكّد الأطباء بعد الكشف على رفاتها أنها كانت تعاني من سلّ في العظم. هذا الوجع آلمها مع وجع عينيها مدة 29 سنة، قضتها مصلّية للرب يسوع وأمه البتول، شاكرة صابرة فرحة مبتسمة قائلة: "إنّي أشارك المسيح في حمل صليبه". (زحفت القديسة رفقا إلى الكنيسة، في عيد القربان الأقدس، وهي عمياء ومفكّكة، بقدرة إلهية. خلال آلامها المبرحة لم تفارقها الابتسامة أبداً وكلامها كان عذباً). عايشتها الحياة الرهبانية، خلال وجودها في دير مار سمعان – أيطو 58 راهبة وآخِرهُنّ الأخت معربس من حصرون التي توفيت سنة 1975 وكان للطوباوية الفضل الكبير عليها، إذ اقترعت لها بالقبول في سلك الرهبانية.
توفيت في 23 آذار 1914 وظهر النور على قبرها. قد أظهر يسوع بشفاعتها عجائب كثيرة باهرة لاسيما الشفاء من مرض السرطان. عاشت رفقا في دير مار سمعان أيطو حوالي 27 سنة متتالية أي من عام 1871 إلى 1897 أمضت منها 12 عشر سنة بالألم أي من سنة 1885 إلى سنة 1897 تاريخ انتقالها إلى دير مار يوسف.
أعلنها القديس البابا يوحنا بولس الثاني مكرّمة في 11 شباط 1982، ثمّ طوباويّة في 17 تشرين الثاني 1985، وقدوة ومثالاً في عبادة القربان الأقدس لليوبيل القرباني لعام 2000. ثمّ رفعها قديسة على مذابح الكنيسة الكاثوليكية الجامعة في 10 حزيران سنة 2001.