منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 22 - 08 - 2012, 05:50 PM
الصورة الرمزية Ebn Barbara
 
Ebn Barbara Male
..::| VIP |::..

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Ebn Barbara غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 6
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 41
الـــــدولـــــــــــة : EGYPT
المشاركـــــــات : 14,701

جميلة كترصة، حسناء كأورشليم
6: 4 -9

بعد ما قالته العروس فأسرَّت لنا بما في قلبها من قلق وحب وسعادة مستعادة، كان من الطبيعيّ أن يدخل العريس "على المسرح". ولكن بما أنه سبق له وأفصح عن إعجابه بجمال العروس في القصيدة الثالثة، لا ندهش إن رأيناه يستعيد العبارات نفسها. فهي تسرّه أو هو بالاحرى لا يستطيع أن يجد صورًا جديدة يعبّر فيها عمّا في قلبه من حب وفي فمه من مديح. تشبه هذه القصيدة ما في ف 4: تأمل واحد في العروس، وتصوير لها. مجيء العروس من مكان مجهول أو بعيد. امتلاك فيه ملء السعادة.
(آ 4) "ي ف ه " (جميلة). هذا ما قيل عن العروس في 1:8 ؛5: 9؛ 6: 1، 10. وقرأنا "ر ع ي ت ي " (رفيقتي، خليلتي) في 1: 9؛ 2: 2؛ 5: 2. واجتمعت الصفتان في 1 :15؛ 2: 10، 13؛ 4: 1، 7: "جميلة كلّك يا رفيقتي، وما فيك عيب ".
ترصة هي مدينة كنعانيّة قديمة (يش 12: 24). صارت عاصمة مملكة الشمال، مملكة اسرائيل ساعة انقسام مملكة سليمان (1 مل 14: 17؛ 15: 21- 33 ؛ 16: 6، 8، 9، 15، 17، 23). وظلّت كذلك حتى عمري الذي بنى السامرة وأقام فيها (1 مل 16: 24-28). مثّلت ترصة مملكة الشمالي، كما ستمثّل أورشليم مملكة الجنوب. وهكذا تكون الحبيبة تجسيدًا للمملكتين، للأمّة كلها التي اجتمعت من جديد كما في وحدتها الأولى.
مثل هذه النظرة هي تعبير عن رغبة تقليديّة نجدها بشكل خاصّ في نصوص بعد المنفى. نقرأ في هو 2: 2: "ويجتمع بيت يهـوذا وبنو اسرائيل جميعًا ويختارون لهم رئيسًا واحدًا" وفي 3: 5: "وبعد ذلك يرجعون ويطلبون الرب إلههم، وداود يكون ملكًا لهم ". وفي إر 31: 1: "أصير إلهًا لجميع عشائر إسرائيل وهم يكونون شعبًا" (رج آ 27، 28، 31؛ حز 16: 53- 55؛ 37: 15- 28؛ زك 9: 13 ي؛ 10: 6- 10؛ مز 80: 1ي).
ولكن لماذا اختار الكاتب ترصة ليرمز إلى مملكة الشمال، ولم يختر السامرة؟ أولاً، بسبب اسمها: هي تسرّ (الله)، هي ترضيه. هذا ما فهمته الترجمات. فقالت السريانيّة: صبيونا أي المسرّة والمشيئة. ثانيًا، أراد الكاتب أن يتجنّب ذكر السامرة التي صارت مبغوضة في أيامه لما تمثّل من عبادة أوثان. كانت السامرة في أساس الانشقاق، ثم صارت وثنيّة (2 مل 17: 24- 41)، وفي النهاية خاصمت العائدين من المنفى (عز 4: 1- 23؛ نح 4: 1 ي). وإذا أردنا أن نعرف الكره العميق والعنيد للسامرة، نقرأ سي 50: 25- 26: "أمّتان أمقتهما، والثالثة لا تستحقّ أن تدعى أمّة... القوم الأغبياء الساكنون في شكيم " (رج مت 10: 5؛ لو 10: 29- 37؛ 17: 16- 18؛ يو 4: 9؛ 8: 48)
"فاتنة مثل أورشليم ". نجد "ن و ه" التي طبّقها إر 6: 2 (المترفة بنت صهيون، التي يفتخر بها. رج ناوأ في العربية). وكلنا يعرف التعلّق العميق بأورشليم من قبل المؤمنين بالرب. "أنظر إلى صهيون مدينة أعيادنا. تريان عيناك أورشليم مسكنًا مطمئنًا، وخيمة لا ترحل ولا تُقلع أوتادها إلى الأبد ولا يقطع حبل من حبالها" (أش 33: 20). "مدينة إلهنا، جبله المقدّس. جميلة ورفيعة. هي بهجة الأرض كلها" (مز 48: 3). ونقرأ في مرا 2: 15: "أهذه هي المدينة التي يدعونها كاملة الجمال بهجة الأرض كلها"؟
"رهيبة كالجحافل ". هي حاشية مستلهمة من آ 10. "ا ي م ه" هي مؤنث "ا ي م" الذي نقرأه في حب 1: 7 في معرض الحديث عن الكلدانيين ذاك الشعب المعروف باندفاعه وشراسته. تركت البسيطة "ك ن د ج ل وت " (كجحافل، كجيش برايات) وقرأت "ك ن د ب ه و ت " أي "كالمختارة، كالمصطفاة (ايك جبيتا في السريانيّة).
لماذا تقال هذه "الجميلة" إنها مرهوبة كجيش برايات؟ هنا تباينت الآراء. الأول: عبّر الشاعر عن قوة مفاتنها المسيطرة، وهذا ما جعلها ساحرة رهيبة. الثاني: مرآها وحده يولّد الخوف والاحترام ويجعل المتجرّئين لا يجسرون على الاقتراب منها. الثالث: نحن أمام تلميح إلى رقصة السيف والترس. الرابع: ترك اسرائيل منفاه وسار إلى فلسطين.
في الواقع، نقرّب بين هذه الآية وبين 4: 4. فاللفظة هي هي في الآيتين. عادلة الأمّة إلى فلسطين وظلّت جميلة. كما كانت مرهوبة من أعدائها. ضايقها الغرباء مدّة طويلة، واحتقرتها الشعوب المحيطة بها، ومزَّقتها المنازعات الداخليّة. وهي تنتظر يومًا تستعيد فيه مع وفر ورفاه الحقبة الاسكاتولوجيّة، استقلالها والقوّة التي كانت لها في عهد داود وسليمان. ويرتبط هذا الامل بإعادة تكوين الوحدة الوطنيّة. نشير هنا إلى أن بعض الشرّاح يلغي هذه العبارة (مرهوبة كالحجافل) لأنه يقرأها في آ 10.
(آ 5) "حوّلي عينيك عنّي، فهما ترهبانني " (رهـ ب كما في العربيّة). قالت السبعينيّة: "جعلتاني أطير، أهرب " (رج الشعبيّة). والسريانيّة: "جعلتاني أهرب ". ولكن يبدو أن الترجمات تأثّرت بغياب العريس المفاجئ وبنهاية آ 4، فتحدّثت عن الهرب. في الواقع، عيناها تسحرانه، تحيطان به وتحاصرانه بسبب قوّة الحبّ التي تثيرانها فيه.
ونهاية آ 5 (شعرك قطيع معز رابض على جبل جلعاد) هي تكرار حرفيّ لما في 4: 1 ب مع اختلافة بسيطة. "م هـ ر. ج ل ع د" (من جبل جلعاد) صارت "م ن. ج ل ع د" (من جلعاد). وفي بعض المخطوطات اليونانيّة الجرارة وفي الشعبيّة صار النص: "صعد" (سلق في السريانيّة): "صاعدة على جبل جلعاد".
(آ 6) تكرّر هذه الآية 4: 2 (أسنانك قطيع نعاج. ولكن بدل "هـ رح ل ي م " (رج رخلة في العربيّة: الأنثى من أولاد الضأن) أي النعاج، جعل النصّ "هـ ق ص د ب و ت " (أي تلك التي تجزّ).
(آ 7) هنا تتكرّر أيضاً 4: 3 ب. لماذا كرّر النص هنا 4: 1 ب، 2- 3 ب؟ إن الكاتب الذي يصوّر الآن العودة من المنفى، يكرّر كلامه عمدًا ليدلّ على تشابه هذا الحدث مع الخروج من مصر وليفهمنا أن حبّ الله تجاه شعبه هو هو الآن كما في الماضي، رغم الخطايا التي تراكمت خلال الحقبة الملكيّة. وإذا كان الكاتب لم يستعد صورة "برج داود" (4: 4)، فلأن الوضع تبدّل فيما بعد المنفى. على كل حال، فالتكرار يدلّ على أن حبّ العروسين لا يتبدّل (إر 31: 3). وإن تكرّرت الكلمات فالعواطف تتجدّد وتتعمّق.
(آ 8) نجد هنا تعداد ثلاث ألفاظ: "م ل ك وت ": بنات الملوك والأميرات اللواتي يقفن في الصفّ الأوّل. "ف ل ش " هي الجارية التي تعيش مع سيّدها. "ع ل م ه" هي الصبيّة التي لم تتزوّج بعد. والصبايا المذكورات هنا، قد يشكّلن حاشية الملكة، أو ينتظرن أن يدعوهن (أو يدعو واحدة منهن، كما في أس 2: 12- 17) الملك، أو يخدمن في القصر الملكيّ. يعود النصّ هنا إلى 1 مل 11: 3 الذي يتحدّث عن حرم سليمان. في 1 مل 11: 1، 3، الأعداد هي 700 و 300 وهنا هي 60 و 80 (ومع ذلك يبقى العدد كبيرًا). ولا ننسى أن الملوك في القديم كان لهم عدد كبير من النساء. مثلاً رحبعام: 18 زوجة و 60 جارية (2 أخ 11: 81). وكانت الأعداد تتصاعد بتصاعد قوّة الملك وعدد معاهداته. ولكن يبقى أننا في المعنى المجازي. فالملكة فريدة واحدة، وإن كثُرت النسوة.
إذن، نحن أمام فرضيّة تقدّم بطريقة نفهمها حين نضع الجملة إزاء الجملة، ولا نربط الجملتين. لو كانت الملكات ستين والعرائس ثمانين، فأنت يا حبيبتي يمامتي الوحيدة وجميلتي الفريدة. مهما كانت أمم الأرض كثيرة، فهي في شكل من الأشكال عرائس يهوه، ساعة تلتقي الأمم مع شعب اسرائيل في عبادة الإله الحقيقيّ، ليعرف هذا الشعب دوره الفريد في مخطّط الخلاص.
(آ 9) الحبيبة فريدة، لا صبيّة تضاهيها. والمديح الذي يوجَّه إليها يذكّرنا بذلك الذي وجّهته في ما مضى إلى حبيبها (5: 10). يمامتي يعني جميلتي، جميلتي (1: 15؛ 2: 14؛ 4: 1 ). "وحيدة أمها" لا تعني فقط أن لا صبيّة غيرها في البيت، بل أنها تعامل كما لو كانت وحيدة. يستلهم الكاتب أم 4: 3: "كنت ابنًا صغيرًا لأبي وولدًا وحيدًا لأمّي" (رج تك 22: 2). "ب ر ه" رج "ب ر و ر" في 1 أخ 7: 40؛ 22:9؛ 16: 41 وفي نح 5: 8. وهو يعني المختار أو النخبة. هذا ما تقوله الترجمات القديمة.
العروس هي أعظم من الصبايا والملكات والجواري بعد أن ميّزها عريسها. فقد شاهدنها وامتدحنها. نحن هنا قريبون من أم 31: 28- 29: "ينهض أولادها فيباركونها وزوجها يمدحها فيقول: نساء كثيرات أظهرن قدرة وأنت تفوّقت عليهن جميعًا". في كلا الحالين، هي امرأة تُمتدح من أجل صفاتها التي لا تُضاهى.

* جميلة مثل ترصة
في افتتاح القصيدة الخامسة، جاء العريس فجأة وبشكل سريّ. جاء كعادته بدون استعداد ولا "مقدّمات ". وكالعادة أيضاً، هو لا يتكلّم إلا ليعلن دهشته لدى جمال حبيبته. تسع مرات في نش نقرأ وصف العروس على شفتَي العريس. "جميلة أنت يا رفيقتي". (آ: 15 أ). "جميلة أنت " (1: 15 ب). "يا جميلتي تعالي " (2 :10). "يا جميلتي تعالي " (2: 13). "جميلة أنت يا رفيقتي " (4: 1 أ). "جميلة أنت " (4: 1 ب). "جميلة أنت يا رفيقتي " (6: 4). "جميلة أنت يا حبيبة" (7:7).
"جميلة أنت! ما أجملك "! ولقد ترافقت القوّة مع جمال العروس. هي لا تشبّه فقط بأرض فلسطين في الربيع، بل بمدينتين (عاصمتين) قويّتين هما ترصة وأورشليم. وهو وعد للشعب، وعد للعروس، بأن عودتها التامة إلى عريسها، سينتج عنه عودة الإخوة بعضهم إلى بعض. سيجتمعون كما يجتمع الآن في اسمها المدينتان اللتان كانتا تتقاتلان في ما مضى، واللتان تصالحتا الآن. فبعد الانفصال الذي تعيشه الأمّة اليوم، سيأتي زمن الوحدة كما يتمنّاها الشعب بعد المنفى، وكما تتمنّاها كنيسة المسيح في مسيرتها الطويلة إلى الملكوت. فالاتحاد المستعاد مع الله يتبعه تجمّع الاخوة. "فهو سلامنا وقد وحّد ما كان مقسومًا" (أف 13:2-14).
ترصة هي التي ترضي الله باسمها. فالرب كان قد وعد في أش 62: 4: "لا يُقال لك من بعد مهجورة، ولأرضك لا يُقال خربة، بل تدعين "مرضاتي بها"، وأرضك تُدعى "مزوَّجة". ومع ترصة هي أورشليم. أما بالنسبة إلى الحسن والجمال، فلا تُقابل العروس إلا بأورشليم. هي المحبوبة. هي موضع الاعجاب. "ما أحبّ مساكنك، يا ربّ الاكوان " (مز 84: 1)! "الرب يحبّ أبواب صهيون (ويفضّلها) على كل مساكن يعقوب " (مز 87: 2).
هي جميلة. وهي قويّة. لهذا تُقابل مع الجحافل التي تُرهب الاعداء. حين يصف المرنّم أورشليم، فهو يقول إنها تقاوم من يهاجمها: "طوفوا بصهيون ودوروا حولها، عدّوا بروجها، تأمّلوا قصورها" (مز 48: 13- 14). كان نش قد قال في 4: 4: "عنقك كبرج داود مبنيّ للسلاح، ألف ترس معلّق فيه وكل دروع الجبابرة". فمن حاولّ أن يهاجم المدينة المقدّسة كان متهوّرًا. فهذا الجمال الذي هو موضوع اعجاب، هو أيضاً جمال لا يُقهر. هذا ما تأثّر به العريس نفسه فهتف:

* حوّلي عينيك عنّي فهما ترهبانني
ليس الخوف من الحبيبة هو الذي يجعله يطلق هذا الهتاف، بل نار حبّها التي لا تقاوَم. كانت هي قد قالت عن عريسها في القصيدة الأولى: "جيشه عليّ (في هجومه) هو الحبّ " (2: 4). وفي هذه المرّة يحسّ العروس نفسه أنه ضعيف أمام قوّة حبّ تلك التي يحبّ، ففي "لعبة" الحبّ، هو سريع العطب ويجرح بسهولة. العروس تهاجم العريس بعينيها، تحاصره بحبّه، فلا يستطيع بعد أن يفعل شيئًا.
أحسّ الحبيب أنه أعزل بلا سلاح أمام حبيبته التي لم تعد عيناها عيني حمامة هادئة وادعة (كان قد قال: عيناك حمامتان، 1: 15). بل صارتا عيني جمال لا يُقاوم، جمال ينتصر دائمًا. وهكذا تأخذ الحبيبة ثأرها على مستوى الحبّ. قالت إحدى المتصوّفات: "أيها الحبيب، سررت بأن تعذّبني. والآن آخذ بثأري حين أسبّب لك الجرح الذي به عذّبتني. أجل، يجب أن "أنتقم"!
والوصف الذي يلي يدلّ على هذه القوة وما فيها من سيطرة. في الظاهر هي الصورة التي رأيناها في القصيدة الثالثة. ولكن من خلال الحبّ الذي لا يتبدّل، ينشد الحبيب جمالاً خطيرًا يفرض نفسه فلا يقاومه أحد.

* شعرك قطيع معز، أسنانك نعاج
هي صور قرأناها في القصيدة الثالثة، كما قلنا. وهي صور متعارضة: شعر أسود كالابنوس، كمعز البلاد. أسنان بيضاء كالنعاج، ومرتّبة في صفوف. كيف تشبّه أسنان العروس بنعاج بريئة (4: 2)، مع أن التقليد البيبلي حين يتحدّث عن الاسنان يذكر أسنان الوحوش التي تمزّق وتفترس بدون شفقة؟ ولكن الشاعر يقابل أسنان العروس بنعاج الراعي الصالح التي اغتسلت وتنقت كلها في ماء العماد. وتحت الحجاب، يبقى الوجه في لمعانه. وهكذا نكون أمام ألوان الحبيبة: الأسود، الابيض، الأحمر. ونلاحظ أن الذهب غائب. ففي نش، يُحصر الذهب بالحبيب وحده.
وصف فيه الكثير من التكرار. هي الصور عينها، وأقوال الحبّ ذاتها. هو لحن سبق وسمعناه. ولكننا نسمعه الآن مستعادًا في نغمة أخرى. لا شك في أن ذات المواضيع تُعرض من جديد، ولكن الحركة الموسيقيّة تختلف كل الاختلاف. نحن أمام استنباط عجيب، لا أمام تكرار مملّ. وبعد أن وقف الحبيب أمام باب الحبيبة ابتعد عنه وعبر. وبعد ذلك سكت. لم يُسمع في ذلك لومًا ولا تشكيًا.
فترك صديقته تكتشف وحدها لجّة جنونها. فقد بكت بكاء مرًا، وبحثت وأطالت البحث، وسألت حتى حرّاس المدينة بما عندهم من فظاظة. وبما أنها لم تعد تستطيع أن تكلّمه، انطلقت تحتفل به وتنشده. فهي له من جديد. له بكليّتها. وهي مغرمة به كما لم تكن من قبل. وها هي قد وجدته الآن. هو دومًا هنا، في حميميّة جنّته. وكانت قد تمتمت: "أنا لحبيبي، وحبيبي لي". ولكن كلماته في تبادل حبّهما، هل ستكون هي هي كما من قبل؟ لا شك في أنه لا يوجّه إليها لومًا ولا توبيخًا. فهي تعرفه جيّدًا. ولكن هل يستطيع أن يستعيد اللحن الذي كان ينشده لها؟
وإذا بنشيد العريس يرتفع نحوها كما في السابق. نشيد الأعراس. لم يلمّح أبدًا إلى الماضي، ولم يطرح أي سؤال عن سلوك سابق. استعاد اللحن ذاته الذي سبق له وأنشده في سكر حبّه في القصيدة الثالثة. تلك كانت طريقته لكي يُفهمها أن شيئًا لم يتغيّر. بل وجد السبيل لكي يقوله لها حقًا إنه يرى أنها أقوى من المدن الحصينة. أنها جميلة مثل أورشليم وترصة. وهذا ما لم يقله لها في السابق. في الحقيقة، لقد تقوّت كثيرًا بعد أن قامت من سقطتها بحيث بدت "مرهوبة الجيش برايات "، كجيش مصطفٍ للقتال.
عجيب هذا الحبيب! فالمغفرة بالنسبة إليه هي أن ينشد دومًا نشيد الحبّ، أن ينشده بصوت أعلى، بصوت أوضح. هذا ما فعله يسوع مع معان بطرس عند شاطئ البحيرة: لا لوم ولا توبيخ. لا تلميح إلى الإنكار المثلّث إلا داخل الاعلان المثلّث بالحب الذي دفعه إلى أن يتلفّظ به: "يا سمعان ين يوحنا، أتحبني" (يو 21: 15-17)؟
وها هو حبيب نش يقول الآن لصديقته (ولا يقول لها شيئًا آخرا: إنها فريدة، فضّلها على الجميع واختارها. لا كما سبق ودندن في يوم من الايام فشبّهها مازحًا بسائر النساء وقال: "سوسنة بين الأشواك " (2: 2). بل هي فريدة وحيدة بالنسبة إليه، وهذا بمعزل عن تفوّقها على سائر النساء.

* يمامتي، كاملتي وحيدة
أجل، تتجاوز الحبيبة جميع النساء، تتجاوز أجمهلنّ وأكثرهنّ شهرة وأعظمهنّ لقبًا. تتجاوز الملكات وبالحري سائر النساء. هذا ما لا شك فيه. لهذا يقول العريس: "هناك ستون ملكة، وثمانون جارية وصبايا لا عدد لها. ولكن حمامتي كاملتي هي وحيدة. وحيدة لأمّها والمفضّلة لدى التي ولدتها".
سبق قلنا إنه وإن كان لسليمان مثل هذا العدد من الملكات، فالعروس هي وحيدة بالنسبة إلى عريسها. قال غريغوريوس النيصيّ: "تلك التي بدّلت حالة العبدة والجارية إلى حالة الملكة، تلك التي صارت بحرّيتها ونقاوتها، جديرة بأن تتقبّل الروح، هي الحمامة الكاملة التي ينظر إليها العريس حين يقول لها: وحيدة يمامتي، فريدة كاملتي ".
اختلف الحبيب كل الاختلاف عن سليمان الذي ترك مفاتن نساء عديدة تسلب قلبه، فدلّ على أمانته الثابتة وأحبّ عروسه حبًا لا مقاسمة فيه، حبًا محصورًا فيها. أحبّها اليوم أكثر مما أحبّها في البارحة. كانت قد قالت عنه ساعة تخيّلت أنها أضاعته: "يُعرف بين عشرات الألوف... لا نظير له " (5: 10، 15). هذا صدى للفاتحة التي يتلوها المؤمن ثلاث مرات في النهار: "إسمع يا إسرائيل، الرب إلهنا هو الربّ الواحد. فأحبّ الرب إلهك من كل قلبك، وكل نفسك، وكل قدرتك " (تث 6: 4- 5). وفي نظره هو، فريدة هي وحيدته، كاملته. وهذا ما أسمعها إياه في تث 7: 6- 8: "أنتم شعب مقدّس (مكرّس) للرب إلهك. أنت الذي اختارك لتكون شعبه الخاص وسط جميع أمم الأرض ".
في الحقيقة، كل أمم الأرض هي هنا، أخواتها الصغرى: الملكات، الجواري، الصبايا، ولكن إن نظر العريس إليهنّ كلّهن، لا يني يردّد لعروسه أنها فريدة. إنها كالابنة الوحيدة في البشريّة، كالمفضّلة على جميع النساء. هي فريدة بولادتها، وفريدة باختياره لها. فريدة حين خُلقت، وفريدة حين اختيرت. وإذا كانت تتفوّق على سائر بنات أمها (البشريّة)، على سائر نساء العالم، فليس ذلك بسبب جمالها وحسب (في أي حال، جمالها عطيّة من خالقها)، بل بسبب الحبّ الفريد الذي يكنّه عريسها لها. قال لهاكما في أش 43: 4: "أنت عزيزة في نظري، أنت ثمينة، أنا أحببتك".
هنا نورد ما قاله أوريجانس في سفر عزرا الرابع: "نظرت إلى غابة الأرض كلها وجميع أشجارها، فاخترت كرمة فريدة. ونظرت إلى كل أزهار الكون، فاخترت السوسن وحده. وشاهدت الطيور وسط المخلوقات، فدعوت طيرًا واحدًا ليكون لك: يمامتي".
هذا ما قيل عن شعب العهد القديم الذي اختير من أجل مهمّة روحيّة. وهذا ما يقال اليوم عن الكنيسة وعن البشريّة كلها. كما يقال عن كل واحد منا. وهكذا يرتفع نشيد شكرنا لذلك الذي أحبّنا حبًا تفضيليًا. لهذا يأتينا النداء: "أترك نفسك تُحَب اكثر من هؤلاء".
ولكن نجاوب على هذا الحبّ الفريد بحبّ فريد. ولا نشبه بعض "الصبايا" (كما يراهنّ الآباء في نش) اللواتي يحببن الحبيب من كل قلبهنّ، ويحببن عددًا من الأشياء معه. عرفن اسم العريس الذي لا يهمّه إلاّ الحب والغفران. أحببنه حبًا ما زال في عهد الصبا، واحببن معه الخواتم والترهّات بحيث ينسون من يجب أن يمتلك كل انتباه في قلبهن وفي حياتهن.
في الواقع، لا نرى شيئًا من ذلك عند الصبايا في نش. فكلهنّ يُظهرن سخاء ما بعده سخاء. بدأن فسمعن في صمت عظيم نشيد الاحتفال بالعريس. ولاحظن أنه بعد أن كلّم عروسه بشكل مباشر (عيناك، شعرك، أسنانك أنت) أوقف فجأة مسيرة حديثه وما فيه من حبّ، وتوجّه إليهنّ، إلى جوقتهنّ. جعلهنّ شاهدات لميل قلبه الوحيد. "هناك ستون ملكة، ثمانون جارية، وعدد لا يُحصى من الصبايا، ولكن يمامتي، كاملتي، وحيدة". لم يدبّ الحسد في قلبهنّ. فكل الصبايا، كل أمم العالم. فرحن بسعادة اختهن التي بواسطتها يستشففن تتمّة آمالهن. سعادة الأخت الكبرى هي نفسها سعادة أخيّاتها الأصغر منها. وما أصابها من خير سوف يصيبهنّ، لأن كل أمّة في الأرض تستطيع أن تعتبر نفسها بالنسبة إلى الله: يمامتي، كاملتي، وحيدتي. وهكذا تستطيع كل نفس أيضاً أن تعتبر نفسها وحيدة لدى الله، محبوبة وكأنها وحدها على الأرض.

* رأتها فهنّأتها الصبايا
فرحت الصبايا فأنشدن لاختهن الكبرى التي تحمل رسالة العبادة لله الواحد. وهكذا قال نش 6: 9 ب: "رأتها فهنأتها الصبايا، والملكات مدحنها والجواري ".
إذ تتلقّى العروس مديح عريسها، تتلقّى نشيد الأرض كلها في وقت واحد، مثل يهوديت التي امتدحها كل شعرا في يوم انتصارها: "أنت مجد أورشليم، أنت بهجة شعبنا" (يه 15: 9). ولكن ليس شعب أورشليم هو الذي يسير أمام عروس نش ويهتف لها. بل نسمع كل جوقة أم الأرض تنشد فتتمّ كلمة الرب في حز 16: 14: "انتشرت شهرتك وسط الأمم ". وقالت مريم الممتلئة النعمة: "تغبّطني جميع الأجيال ".
يرى فرنسيس السالسي أن هذه الكلمات لا تليق حقًا إلا بالعذراء مريم التي قال عنها ماكس توريان (من اخوة تازيه): إن ابنها قادها "من وضعها كأم إلى وضعها كعروس". وتابع فرنسيس السالسي: "مريم العذراء وحدها وصلت إلى هذه الدرجة السميا في حبّ حبيبها. فهي حمامة فريدة في الحبّ، بحيث تصبح كل الصبايا تجاهها غربانًا لا حمائم". ونتذكّر جواب برناديت التي ظهرت لها مريم العذراء في لورد من أعمال فرنسا. سئُلت: "هل كانت مريم جميلة جدًا"؟ أجابت: "كانت من الجمال بحيث إن من رآها يودّ أن يموت لكي يراها من جديد".
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
سفر نشيد الأنشاد
سفر نشيد الأنشاد
جميلة حسناء !
جروح الحب جميلة سفر نشيد الأنشاد
نشيد الأنشاد


الساعة الآن 08:46 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024