12 - 05 - 2012, 12:16 PM
|
|
|
..::| VIP |::..
|
|
|
|
|
|
حياة التواضع والوداعة31
كيف تقتني الوداعة؟
السبت 14 يناير 2012
بقلم قداسة البابا شنودة الثالث
ولماذا يفقدها البعض أحيانا
اقتناء الوداعة:
هناك من ولدوا من بطون أمهاتهم ودعاء,بطبع هاديء لم يتعبوا في اقتنائه إنما نالوه عن طريق الوراثة أو هبة من الله وهبهم إياها بعكس البعض الذين يولدون بطبع ناري يميل إلي العصبية أو إلي العنف.
اقتناء الوداعة:
هناك من ولدوا من بطون أمهاتهم ودعاء,بطبع هاديء لم يتعبوا في اقتنائه إنما نالوه عن طريق الوراثة أو هبة من الله وهبهم إياها بعكس البعض الذين يولدون بطبع ناري يميل إلي العصبية أو إلي العنف.
ولسنا عن الودعاء بالطبع أو الميلاد أو الهبة نتكلم هنا...
إنما نتحدث بصفة عامة عن كيفية اقتناء الوداعة أو تعودها .
والإنسان الذي يصل إلي الوداعة بجهاد وضبط للنفس ومحاولات للسيطرة علي أعصابه وعلي إرادته هذا يكون أجره عند الله أكبر.
إنه يجاهد-ربما بتداريب كثيرة-لكي يضبط ذاته ويضبط أفكاره ويضبط ألفاظه ويضبط حركاته ويقتني كل أنواع الهدوء...ويتخلص من الغضب والنرفزة بكل أنواعهما وكل نتائجهما...
إنها وداعة ليست طبيعية وإنما مكتسبة مثالها القديس موسي الأسود الذي كان غضوبا وقتالا وحاد الطبع,بل كان مخيفا أيضا ولكنه بضبط النفس وبالتدريب والصبر وبحكمة المرشد ومعونة الله,صار وديعا جدا وقد اختبروا وداعته يوم سيامته قسا ونجح في الاختبار.
ومادام الله يطلب منا أن نكون ودعاء فلابد أنه قد وضع في إمكانية طبيعتنا الوصول إلي هذه الفضيلة وتنفيذ وصيته فيها مت11:29.
تدرب يا أخي إذن علي الهدوء وابدأ مثلا بهدوء الصوت:
في حديثك العادي ابعد عن الصوت العالي,وحاول أن يكون صوتك منخفضا خفيفا ولاشك أن هذا أمر سهل تدرج منه إلي الصوت الهاديء غير الحاد فلا تتكلم بعنف ولابشدة محتفظا بأعصابك حينما تتكلم متحكما في نبرات صوتك.
فإن تدربت علي هدوء الصوت تدرب أيضا علي هدوء الملامح.
لأن الشخص الغضوب يظهر غضبه في ملامحه وفي نظرات عينيه وفي تجهمه وتقطيب جبينه فإن وجدت أنك قد وصلت إلي هذا كله أو إلي بعض منه قل لنفسك إن شكلي الآن أصبح لايليق بل ربما أصبح منفرا ..وحينئذ حاول أن تهديء ملامحك وستجد أنك مضطر في نفس الوقت أن تهديء انفعالاتك الداخلية.
نقطة ثالثة:وهي هدوء الحركات:
الشخص الغضوب قد يظهر غضبه في عدم هدوء حركاته وبخاصة في حركات يديه.. في العسكرية لايستطيع جندي أن يحدث أحد رؤسائه وهو يحرك إحدي يديه,بل يقال لهأثبتكذلك; أنت, حاول أن تضبط ليس فقط حركات يديك بل كل حركاتك وكن هادئا في جلستك وفي مشيتك لا تتململ ولاتظهر العصبية عليك ولاتبدو أمام الناس منفعلا..
وفي كل ذلك تدرب علي هدوء ألفاظك
غير الودعاء تصدر عنهم ألفاظ قاسية عنيفة أو ألفاظ متهكمة تثير محدثيهم أو ألفاظ تدخل في نطاق الشتيمة والإهانة أو إنهم في غضبهم:إذا تكلموا لايراعون دقة الألفاظ فتمسك عليهم الأخطاء وقد يكونون في كلامهم غير مهذبين يستخدمون ألفاظا جارحة أو غير لائقة أو ألفاظا تخرج عن حدود الأدب والوقار والحشمة وكل هذا ضد الوداعة.
أما أنت فحاول أن تضبط ألفاظك وإن لم تستطع ذلك في غضبك إذن حاول أن تضبط غضبك أو علي الأقل:إن غضبت اصمت وقلضع يارب حافظا لفمي وبابا حصينا لشفتيمز141:3.
علي أن أهم من هذا كله هدوء القلب ووداعته.
فالوداعة في أصلها هي وداعة القلب والقلب الوديع حكون وديعا في كل شيء في صوته في ملامحه في ألفاظه في أعصابه في حركاته لأن كل هذه مظاهر خارجية تعبر عن حالة القلب من الداخل..ومع ذلك فالتدريب عليها يوصل إلي وداعة القلب.. أو ينبه القلب إلي الالتزام بالوداعة.
علي أن وداعة القلب ترتبط بفضائل أخري كثيرة:
لعل في مقدمتها التواضع فالإنسان المتواضع يتصرف في وداعة والسيد المسيح جمع الفضيلتين معا في آية واحدة حينما قالتعلموا مني فإني وديع ومتواضع القلبمت11:29كذلك المحبة أيضا إن عاش الإنسان فيها يحيا بالضرورة في حياة الوداعة.. فالمحبة كما قال الرسول:تتأني وتترفق ولاتقبح ولاتحتد ولاتظن السوء.. وتحتمل كل شيء وتصبر علي كل شيء 1كو13:4-7وكل هذه من صفات وعناصر الوداعة أيضا.
كذلك الوداعة ترتبط بفضائل اللطف والهدوء وطول الروح وسعة الصدر والتسامح وربح النفوس والحكمة فمن يقتني هذه الفضائل وأمثالها يقتني الوداعة أيضا التي من صفاتها أيضا:البشاشة.
والوداعة تعتني أيضا بعمل النعمة في القلب.
ويحتاج الإنسان أن يطلب ذلك في صلاته وأن يتجاوب عمليا مع عمل النعمة فيه ويشترك مع الروح القدس الذي يقوده إلي الوداعة.
فإن اقتنينا الوداعة نحرص ألا نفقدها.. فما أسباب فقدها؟.
أسباب فقد الوداعة:
هناك أسباب إذا سلك فيها الإنسان بطريق خاطيء فإنها تفقده وداعته أو لاتساعده علي اقتنائها من باديء الأمر نذكر من بينها.
السلطة والمركز والغني وسائر نواحي العظمة.
أحيانا يتولي إنسان منصبا رفيعا فيظن أنه من مستلزمات المنصب أن يأمر وينهي ويزجر وينتهر ويتعالي وينظر إلي الآخرين من فوق وهكذا يفقد وداعته وتواضعه أيضا ويدخله روح التسلط...
ولكن ليست المناصب العليا أمرا مانعا للوداعة فهناك عظماء ودعاء جمعوا بين الرئاسة والوداعة مثل داود النبي وهو قاذد للجيش في عهد شاول الملك1صم18:5كان وديعا ويختلط بالناس في محبةوكان جميع إسرائيل ويهوذا يحبون داود لأنه كان يخرج ويدخل أمامهم1صم18:16
والسيدة العذراء وصلت إلي أعلي مركز تصل إليه امرأة إذ أن جميع الأجيال تطوبهالو1:48ومع ذلك لم تفقد وداعتها
والسيد المسيح نفسه في كل مجده كان وديعا.
لكن الذي يستغل المنصب والعظمة استغلالا خاطئا فهذا الذي يفقد الوداعة مثل الكتبة والفريسيينمت23وهامان في سفر أستير.
ويدخل في نطاق العظمة أيضا:الغني والمال:
وفي هذا المعني قال أحد شعراء المهجر:
لما صديقي صار من أهل الغني-أيقنت أني قد فقدت صديقي.
وعلي الرغم من ذلك نقرأ في التاريخ عن أغنياء كانوا ودعاء وكانوا يختلطون بالفقراء والمحتاجين يحلون لهم مشاكلهم مثل المعلم إبراهيم الجوهري وأخيه المعلم جرجس الجوهري.
وقد يفقد البعض وداعتهم إذا ما دخلوا في مجال إصلاح الآخرين بطريقة خاطئة.
ويبظن هؤلاء أن وسيلة الإصلاح لا تأتي إلا بالعنف والشدة أو أن الدفاع عن الحق لايتم إلا بالتشهير وإدانة المخطئين أو من يظنونهم مخطئين بسبهم علنا وتحريض الناس ضدهم ويحسبون أنهم بذلك يخلعون الزوان من الأرض بينما يخلعون الحنطة معهمت13:29ولايضعون أمامهم قول السيد الرب أخرج أولا الخشبة من عينك وحينئذ تبصر جيدا أن تخرج القذي من عين أخيكمت7:5
مشكلة أولئك وأمثالهم أنهم يفقدون وداعتهم ويرتكبون العديد من الخطايا دون أن يدركوا ذلك بل علي العكس يفتخرون بما يفعلون!!..وأكثر من ذلك يحسبون أنفسهم أبطالا ومصلحين..!
يذكرني هذا بأشخاص يعهد إليهم بتنظيم أحد الاجتماعات.
وباسم العمل علي حفظ النظام ينتهرون ويصيحون بل ويمنعون ويطردون ويستخدمون كل القسوة في عملهم وأحيانا لانسمع ضوضاء في الاجتماع إلا ما يصدر من أصوات المنظمين!!
لماذا لايعمل أولئك علي حفظ النظام في هدوء وفي غير عنف مثل عصا الراعي التي ينظم بها مسيرة غنمه بالإشارة واللمس دون أن يضرب لذلك يقول المرتل في مزمور الراعي عصاك وعكازك هما يعزياننيمز23:4.
البعض يفقد وداعته باسم الصراحة وقول الحق:
وباسم الصراحة يجرح شعور الآخرين بطريقة منفرة مؤذية والعجيب أنه يقول في افتخارأنا إنسان صريح أقول للأعور أنت أعور في عينه!ولماذا يا أخي تجرحه وتؤلمه بصراحتك هذه الخالية من المحبة ومن اللياقة ؟!أما كان ممكنا أن تستخدم أسلوبا آخر؟!
إن السيد المسيح كان صريحا مع المرأة السامرية في رفق بأسلوب لم يجرح فيه مشاعرها بل امتدحها فيما تستحق فيه المديحيو4:18,17وبهذا الأسلوب الرقيق اجتذبها إلي الإيمان.
وقد يدخل في موضوع الصراحة هذه, العتاب.
فقد يوجد إنسان-بالعتاب-يربح أخاه بينما آخر بفقده للوداعة في عتابه يفقد صديقه أيضا وقد قال الشاعر في هذا:.
ودع العتاب فرب شر-كان أوله العتاب.
إنسان آخر يفقد وداعته بسبب الحزم.
والحزم ليس معناه بالضرورة العنف فما أسهل أن يكون الإنسان حازما ووديعا يأخذ موقفا حازما وفي نفس الوقت يشرح سبب هذا الحزم بطريقة مقنعة لاتفقده محبة من يستخدم الحزم معهم وهكذا يفعل الأب مع أبنائه يتصرف بحزم ممزوج بالمحبة والإقناع وبمثل هذا الحزم أيضا يتصرف رئيس مع مرؤوسيه ولكن بحزم بعيد عن الغضب والنرفزة بل بحكمة رصينة هادئة.
بهذا الحزم منع الرب داود النبي من بناء الهيكل شارحا السبب في ذلك1مل28:6,3وفي نفس الوقت لم يجرح شعور داود ولم يتعارض ذلك مع محبته.
البعض يفقد وداعته بسبب الحرص علي كرامته الشخصية.
وهذا أمر رديء فالكرامة الحقيقية هي أن يحتفظ الإنسان بالصورة الإلهية التي خلق بهاتك1:26ولكي نكون علي صورة الله وشبهه ينبغي أن نكون ودعاء مثله.
والبعض يفقد الوداعة في مجال الشجاعة
وليس المجال يتسع الآن لنشرح كيف تجتمع الوداعة والشجاعة معا.فإلي اللقاء في العدد المقبل إن أحبت نعمة الرب وعشنا.
|