قيامة الأموات
آ23. في ذلك اليوم، جاءت إليه الزنادقة. هؤلاء قد شرحنا عن أصلهم وتعليمهم في مت 3، قائلين له: لا قيامة. فقد سمعوا أنَّ المسيح يعلِّم بالقيامة ويُقنع بها الناس بأن يتوبوا ويحسِّنوا سيرتهم، فأرادوا مقاومته بهذه المسألة التي كانوا يرَونها غير قابلة الحلّ، ليفنِّدوا بها تعليمه. وسألوه قائلين له:
آ24. يا معلِّم، إنَّ موسى قال لنا. في تث 25: 5. إن ماتَ رجلٌ ولم يخلِفْ بنينَ فليأخذْ أخوه زوجتَه ويُقِمْ لأخيه زرعًا، أي ذرِّيَّة.
آ25. وقد كان عندنا سبعةُ إخوة فاتَّخذَ الأوَّلُ امرأةً ومات، ولم يَخلِفِ ابنًا فتركَ زوجتَه لأخيه.
آ26. وهكذا كانَ حالُ الثاني والثالث إلى السابع.
آ27. وأخيرًا ماتتِ المرأة.
آ28. ففي القيامة لمَنْ مِن هؤلاء السبعة تكونُ امرأةً لأنَّ جميعَهم تزوَّجوها. كان الزنادقة يظنُّون أنَّهم يُفحمون المخلِّص بهذا السؤال، لأنَّه إن قال إنَّ هذه المرأة تكون لأحدهم، فيهيِّج إلى الغضب والحسد والخصام، إذ لا وجه لتفضيل أحدهم على غيره بأخذها. وإن قال إنَّها تكون عامَّة للإخوة السبعة، فيشكون تعليمه بالقباحة والفساد. فبدَّد المخلِّص توهُّمهم كما يأتي:
آ29. فأجابَهم يسوعُ قائلاً: لقد ضللتم ولا تعرفون الكتب التي يتَّضح منها أنَّ الموتى يقومون كما ورد في أي 19: 25؛ 2 مك 7: 9؛ 12: 44، أش 26: 19؛ حز 37: 1، 9؛ دا 12: 12 وفي غير محلاّت. ولا قوَّةَ الله الغير المتناهية التي يستطيع بها الإنسان الميت أن يعود إلى الحياة، مع أنَّ العَود إلى الحياة بعد الموت أيسر من الإتيان من العدم إلى الوجود.
آ30. لأنَّ الموتى في القيامةِ لا يتَّخذون نساء ولا النساءُ يتَّخذنَ رجالاً، لكنَّهم يكونون في السماء مثلَ ملائكةِ الله. يعني أنَّ الطوباويّين يكونون بعد القيامة كالملائكة، لا نظرًا إلى الطبيعة، بل نظرًا إلى الطهارة والعفَّة والحياة الروحيَّة وعدم الفساد وعدم الميتوتة، ثمَّ السعادة والمجد الخالدين. ولذا لا يكون احتياج إلى زواج وولادة. ويظهر أنَّ إيلاريوس* وأثناسيوس* في خطبة 3 ضدّ الأريوسيّين وغيرهما من الآباء، توهَّموا من هذه الآية أنَّه بعد القيامة لا يكون في السماء جنس الإناث، كما لا يوجد في الملائكة، بل تستحيل الإناث إلى رجال. لكنَّ ذلك باطل، فإنَّ جنس الإناث حال طبيعيَّة لا رذيلة وخلق في الفردوس آدم وحوّاء، وفي القيامة يجب أن تقوم الطبيعة كاملة بالفرديَّة. وقول المخلِّص نفسه لا يتَّخذون نساء ولا النساء تتَّخذ رجالاً" يفترض أنَّ الموتى يقومون في آخر العالم رجالاً ونساء.
آ31. أما قرأتم ما قيل لكم منَ اللهِ القائل. في خر 3: 5. في شأن قيامة الأموات.
آ32. إنّي أنا إلهُ إبراهيم، إلهُ إسحق، إلهُ يعقوب، وليس اللهُ إلهَ الموتى بل إلهُ الأحياء؟ يعني أنَّ الله الموجود من ذاته، والمانح الوجود لكلِّ شيء، لا يمكن أن يكون إلهًا وربًّا ومجازيًا لمن لم يعودوا موجودين ولا أحياء، نظرًا إلى جزء منهم. كذا لا يُدعى إلهًا وربًّا للبهائم، مع أنَّه قال في سفر الخروج: أنا إله إبراهيم وإله إسحق. فإذًا هؤلاء لم يزالوا موجودين وأحياء نظرًا إلى النفس، وبالتالي يقومون وقتًا ما نظرًا إلى الجسد. فإنَّ النفس تطلب طبعًا الاتِّحاد بالجسد لكونه شريكًا وقرينًا لها. على أنَّ الزنادقة وغيرهم من الفلاسفة لم ينكروا قيامة الموتى، إلاّ لإنكارهم عدم ميتوتة النفس. فبرهان عدم ميتوتة النفس، يبرهن القيامة أيضًا. ولذا نرى الرسول برهن متواترًا قيامة الأجساد من عدم ميتوتة النفس، كما صنع في 1 كو 15: 18. ولماذا أراد المسيح أن يورد هذه الآية دون غيرها من آيات الكتاب المقدَّس الكثيرة المثبتة القيامة؟ فيظهر أنَّه أراد ذلك لكون الزنادقة أخذوا برهانهم من موسى، فأراد تفنيده ببرهان مأخوذ من أسفار موسى نفسه. كذا قال فم الذهب* وتاوافيلكتوس* وأوتيميوس*. وقال أويجانوس* وإيرونيموس* وغيرهما، إنَّه أورد هذه الآية دون غيرها لكون الزنادقة لم يكونوا يسلِّمون إلاّ بأسفار موسى، ويرفضون باقي الأسفار المقدَّسة.
آ33. ولمّا سمعتِ الجموعُ اندهشوا من تعليمِه. الساطع والراهن والمُفحِم الفرّيسيّين والزنادقة.