الراهب القمص بطرس البراموسي
- كيف نصلي؟
يوجد عددًا كبير من أحبائنا المؤمنين قد ينتابهم في بعض الأوقات شعور بالملل أثناء الصلاة؟ وقد يشرد فكرهم وتتبدل أحاسيسهم وقد ييأس البعض من قبول صلاته فيعكف عنها مدعيا انه سوف يجاهد في ضبط الفكر والحواس أولًا ويحاول أن يصل إلى الاشتياق إلى الصلاة ثم بعد ذلك يقف ويصلى. ولكن هيهات لو اتبع الإنسان هذا النهج.. فهو حيلة من المكار... الشيطان الكذاب وأبو الكذاب... فهو يحاول أن يوهم الشخص أولًا بذلك أنه سوف يستطيع ضبط الفكر والحواس وانه سوف يعود سريعا بقوة اعزم وسوف يصل إلى نقاء الفكر... بل من الممكن انه يصل إلى اختطاف العقل إلى السمائيات ولكن بعد هدنة بسيطة من صلاته الحالية... كلها أوهام يضعها عدو الخير وعدو الجنس البشرى لكي يسقطه في الإهمال والتراخي ويدخله في الفتور الروحي ثم البرودة الروحية وبنزله من المرتبة التي عليها فيكون مثل الكرة التي تتدحرج من اعلي جبل حتى تصل إلى أسفله في وقت سريع.. في لحظة غفلة وضعف...
وقد يشكو البعض من الملل بسبب تكرار الكلام إلى أن يصل الإنسان إلى حفظة فيردده بشفتيه دون عقله وحواسه.. فتصبح الصلاة بالنسبة له عادة روتينية خالية من النمو الروحي والاشتياق إلى الصلاة والتمتع بها... فعندما يسقط الإنسان في هذا الفخ المنصوب له.. يقف الشيطان ساخرًا منه مرحبًا به لأنه استطاع أن يغلبه ويثنيه عن عزمه وعن جهاده... بسب الشكوى من روتينية الصلاة...
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا تركت نفسك أيها الأخ الحبيب والأخت المباركة إلى أن تصل إلى هذا الملل وهذه الروتينية في الصلاة...؟! لماذا وقفت مكتوف الأيادي عندما اكتشفت إنك بدأت تبرد روحيًا؟ هل تنتظر إلى أن تصل إلى الجمود فالماء يتدرج من دافئ إلى فاتر إلى بارد إلى جامد...؟! هذه مراحل قد يعيشها الإنسان في غفلة من الزمان... وهناك من يصلى ويصدر صوتا في صلاته... ربما لكي يركز في الخفاء "إذا صَلَّيْتَ... فَصَلِّ فِي الْخَفَاءِ... فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً." (إنجيل متى 6: 6).
* أقول لك أيها العزيز أن الله لا يريد منا أن نحرك شفاهنا فقط وننطق بأعزب الكلمات وننمق العبارات دون أن نشعر بما نقول...
* فأبسط تعريف للصلاة المقبولة: هو أنها حديث من القلب "يَا ابْنِي أَعْطِنِي قَلْبَكَ، وَلْتُلاَحِظْ عَيْنَاكَ طُرُقِي." (سفر الأمثال 23: 26)، فالله يريد القلب لا الشفتين... يريد قلبا منسحقًا متضعًا متذللًا: "فالقلب المنكسر والمتواضع لا يرذله الله" (سفر المزامير 51: 17)، فالحديث مع الله لا يكون بالجسد لا الشفتين إنما بالروح لان الله روح "وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ" (إنجيل يوحنا 4: 24) وهو يخاطبنا أيضًا بالروح ولذلك نقول أن علاقتنا مع الله هي العلاقة الروحية أو الحياة الروحية بأكملها، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.. فإذا كانت صلاتنا بملل وبدون اشتياق "يَا اَللهُ، إِلهِي أَنْتَ. إِلَيْكَ أُبَكِّرُ. عَطِشَتْ إِلَيْكَ نَفْسِي، يَشْتَاقُ إِلَيْكَ جَسَدِي" (سفر المزامير 63: 1) تصبح صلاتنا مجرد كلام وثرثرة دون معنى... فتصبح صلاة غير مقبولة وينطبق علينا قول الرب "هذا الشعب يعبدني بشفتيه أما قلبه فمبتعد عنى بعيدًا، ونص الآية هو: "لأَنَّ هذَا الشَّعْبَ قَدِ اقْتَرَبَ إِلَيَّ بِفَمِهِ وَأَكْرَمَنِي بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَأَبْعَدَهُ عَنِّي" (سفر إشعياء 29: 13).
فليعطنا الرب أن تكون صلواتنا من كل القلب والفكر والحواس لتكون صلاتنا مثل البخور الصاعد إليه فيشتمه رائحة ذكية ترضى عظمته، الذي له المجد الدائم إلى الأبد آمين.