البابا شنودة الثالث
الله.. للجميع
من صفات الله الجميلة انه يأخذ جميع عينات الناس، ويجعل لهم نصيبًا في ملكوته. وفي الكتاب المقدس نجد ألوانًا من النفسيات والعقليات.... ملكوت الله مثل شبكة في البحر جمعت من كل نوع... دعا يونان العنيد المتمسك بكلمته، كما دعا آنسانا كثير الشك مثل توما، وأنسانا سريع الاندفاع مثل بطرس. دعا شخصا حليما وديعا مثل موسى، وشخصا ناريا مثل إيليا. دعا إبراهيم الذي كان يخاف، ويقول عن سارة أنها أخته، وجعله أبا لجمهور المؤمنين. أنها عينات من الناس يأخذها الله ويعمل فيها بنعمته وروحه القدوس.
أنها عينات من الناس كأنها كتله من الخشب الخام، يتناولها "أبن النجار" ويعمل فيها. عرق خشب، جزء منه يأخذه بالفارة، وجزء بالمنشار، وجزء بالشاكوش. وهكذا يظل ينشره ويمسحه، ويقطعه ويفصله، ويسمره، حتى يتحول إلى كرسي لطيف يستريح عليه.
أو كأننا قطعة من الطين يتناولها الخزاف العظيم، ويشكلها حتى تصبح إناءا للكرامة. أنه الله الذي كان روحه يرف على وجه المياه، وظل يعمل حتى حول الأرض الخربة الخالية المغمورة بالمياه والظلام، إلى هذه الطبيعة الجميلة التي يتغنى بجمالها الشعراء والأدباء.
هكذا فعل الله مع يونان، ومع أهل نينوى، ومع ركاب السفينة... عمل فيهم جميعا حتى حولهم إلى هياكل مقدسة لروحه، ومنحهم النقاوة والقداسة، حتى يكون فضل القوة لله وليس لنا (2كو 4: 7). وحتى أن افتخر أحد فليفتخر بالرب (2كو10: 17). وحتى لا ييأس أحد من خلاصه أو خلاص غيره.. أنه الله الذي "يخرج من الجافي حلاوة" (قض14: 14).
فلا يقل أحد: أن طبيعتي رديئة، أسوأ من الأرض الخربة الخالية المغمورة بالمياه والظلام. أنا جربت نفسي فوجدت أنني لا أتغير، وقد تعبت في إصلاح أباء الاعتراف وكل المرشدين والمعلمين. الظاهر أنني سأبقى في ظلمة ما قبل اليوم الأول للخليقة !! لآن صوت الله ما يزال يرن في أذني طوال 20 سنة قائلًا "ليكن نور" وأنا ما أزال في ظلمتي بعد...!
كلا يا أخي لا تيأس، أن الذي عمل في يونان قادر أن يعمل فيك أيضًا. والذي عمل مع أهل نينوى وأهل السفينة، قادر أن يعمل معك أيضًا. والذي حول الطين إلى آنية للكرامة، قادر يحولك أنت كذلك..
أصبر، وانتظر الرب. ولكن ليس معنى هذا أن نتهاون ونتراخى وتستمر في الطين حتى يأتي الخزاف.
أن التوبة تحتاج إلى أمرين: عمل من الله، واستجابة من الإنسان. كما استجاب لدعوة الله أهل السفينة فآمنوا ونذروا نذرًا، وكما استجاب أهل نينوى، فتابوا ورجعوا عن طرقهم الرديئة، وكما استجاب يونان أخيرًا..
درس أخر نتعلمه من سفر يونان، وهو أن الله على الرغم من عظمته التي لا تحد، يحب أن يتفاهم مع الإنسان..