اليوم الرابع -1: الشمس والقمر
"وقال الله: لتكن أنوار في جَلَدْ السماء، لتفصل بين النهار والليل. وتكون لآيات وأوقات وأيام وسنين. فعمل الله النورين العظيمين؛ النور الأكبر لحكم النهار، والنور الأصغر لحكم الليل" (تك14:1-16).
فبعد أن هيأ الله الأرض للحياة، وبعد أن أنبتت النباتات لاستمرارية حياة الكائنات الأخرى، وقبل أن يتدرج الله في عمل الخلق، وجد بحكمته الإلهية أن الأرض تحتاج لمزيد من الطاقة الضوئية والحرارية، بما يتناسب مع احتياجات الإنسان وباقي الكائنات الحيوانية. فعمل النورين العظيمين: الشمس و القمر.
← فيلم فلاش: الشمس بمختلف الإشعاعات اللاليكترومغناطيسية.
فلنضع أمامنا ثلاثة مواضع حسب التدرج الزمني لذكرها:
1- في البدء خلق الله السموات والأرض (تك1:1).
2- وقال الله ليكن نور (تك3:1).
3- فعمل الله النورين العظيمين (16:1).
وبالمقارنة بين الثلاث عبارات نصل إلى إجابة السؤال الأول:
1- العبارة الأولى تقول: "خلق الله"، وعبارة خلق أي أوجد الشيء من لا شيء.. أوجد السموات من العدم، بكل ما تحتويه من مجرات ونجوم وكواكب وأجسام مضيئة ذاتيًا، وأجسام تعكس ضوء أجسام أخرى..
2- العبارة الثانية تقول: "ليكن نور"، ففي هذه المرحلة لم يغير الله شيئًا من طبيعة مصادر الضوء، وبصفة خاصة الشمس. ولكن ما تم تغييره كان يخص الأرض نفسها، حيث كانت مُحاطة بكميات كبيرة من الأبخرة (كما أوضحنا سابقًا بموقع الأنبا تكلا هيمانوت). وكل ما حدث أنه بسبب توالي برودة الأرض بالتدريج، تكاثفت الأبخرة المحيطة بها، وغمرت الأرض كمياه، وبالتالي تمكن الضوء –سواء من السديم الذي أُخِذَت منه الشمس أو من غيره من مصادر الضوء المختلفة- من الدخول إلى الأرض.
3- العبارة الثالثة يكلمنا فيها الوحي الإلهي على لسان موسى النبي قائلًا: "فعمل الله النورين العظيمين"، ونلاحظ أنه لم يقل "خلق". ومن هذا نرى أن ما حدث إنما هو تغيير نسبي في طبيعة مصدر الضوء (الشمس)، فعبارة "عمل" لا تعني الخلق من العدم، ولكنها تعني أنه عمل شيئًا من شيء آخر.
كمثال أن نقول أن النجار قد عمل هذا الكرسي، ولا نقول أن النجار قد خلق هذا الكرسي!
وهذا ما عمله الله في أليوم الرابع، حيث وصلت الشمس إلى شكلها وقوتها وإمكانياتها الجديدة كما نراها الآن، والتي لم تكن متميزة بها قبل اليوم الرابع، ففي هذا اليوم وصلت إلى ذروة قوتها.. وهذا ما يؤكده العلماء في أن النجوم تمر بمراحل نمو، حتى تصل إلى الذروة. وبعدها تبدأ قوتها في النقصان التدريجي، حتى تصل إلى مرحلة النهاية، حيث الانفجار والفناء.
فالشمس لم تُخلَق في اليوم الرابع من العدم، وإنما تم تطور شكلها وحجمها وقوتها، بعد أن كانت سديمًا ضعيفًا.
وماذا عن القمر؟ فالقمر كذلك موجودًا من البدء في عبارة "خلق الله السموات والأرض" (تك1:1)، ولكنه كجسم معتم لا ينبعث منه ضوء.. لذا قيمته واستخدامه مرتبطًا بالشمس وعملها وقوتها..
مر
مثال: عندما نضع مرآه في حجرة مظلمة، ثم ننير ضوء خافت جدًا، ثم لو وضعناها أمام أشعة الشمس.. ففي الحالة الأولى لا نرى المرآة، وفي الثانية نراها ولكن كجسم معتم، وفي الأخيرة سنراها جسمًا منيرًا بسبب انعكاس ضوء الشمس عليها.
وهذا ما حدث مع القمر، فالمرحلة الأولى مع المرآة تمثل القمر في النصف الأول من اليوم الأول. والمرحلة الثانية تمثل علاقة القمر بالأرض عندما كان مصدر الضوء ضعيفًا، وكان الضوء المنبعث من الشمس في حالة تكوينها ضعيف، فبالأولى كان ضوء القمر ضعيف جدًا ولا يكفي للانعكاس على الأرض.. ( وهذا يمثل ضوء النصف الثاني من اليوم الأول. وأخيرًا، المرحلة الثالثة تمثل حالة القمر بعد اليوم الرابع، حيث صار السديم الضعيف شمسًا قوية، أرسلت ضوءها الشديد الذي وصل إلى القمر، وانعكس عليه إلى الأرض، فظهر كجسم مضيء يعكس لما ضوء الشمس ليلًا.
اضغط هنا لمشاهدة لقطة فيلمية عن هذا الموضوعاضغط هنا لمشاهدة صورة متحركة أكثر وضوحًا لمراحل انعكاس الضوء على القمر (2,5 ميجا)
وكما أوضحنا سابقًا، فقد كان الحديث في هذا قاصرًا على الشمس والقمر دون الكواكب الأخرى، بسبب أن هذا أكثر ما يهم الإنسان في كل هذا الكون.. فالشمس هي أقرب نجم للأرض، ومرتبط بها بقوة الجاذبية، بل أكثر النجوم تأثيرًا على الأرض من جهة الحرارة والضوء، حتى أن بقاء واستقرار واستمرارية الأرض إنما هو مرتبط بالشمس. ونفس الحال مع القمر، فهو أقرب جسم سماوي لنا، ومن خلال ضوء الشمس المنعكس عليه ينير الليل في وسط الظلام، وله علاقة وثيقة معنا من خلال الجاذبية المتبادلة التي تكون المد والجزر على شواطئ البحار..
اضغط هنا لمشاهدة لقطة فيلمية عن هذا الموضوع أما عن تعاقب الليل والنهار كظاهرة طبيعية، فهي مرابطة بطبيعة العلاقة بين الأرض والكيان الذي تدور حول نفسها أمامه، سواء كان شمسًا في اليوم الرابع، أو سديمًا قبل ذلك.. ومن المؤكد أن الأرض منذ تكوينها، إنما تدور حول نفسها مرة كل 24 ساعة تقريبًا أمام مصدر الضوء الذي أُخِذَت منه وارتبطت به برباط الجاذبية. وعلى هذا فتعاقب النهار والليل، إنما يرجع إلى اليوم الأول، والتغير الوحيد هو في درجة إضاءة الأرض نهارا متأثرة بقوة إضاءة المصدر. تلك القوة التي وصلت ذروتها في اليوم الرابع.
← فيلم فلاش: مدة اليوم - الضوء والظلام على كوكبنا.