حقيقة الخطيئة، من نظرةٍ مسيحيّةٍ عمليّةٍ، وكما يعرّفها القدّيس بالاماس، هي رفض الله كأب، رفض الحبّ الأبويّ، أي رفض النعمة الإلهيّة، والعيش في عزلة عقلانيّة. ما أحزنَ الأب في مَثَل “الابن الضال” هو رحيل ابنه. لقد أهان الابن أباه بحرمانه من وجوده كابن، لذلك فإنَّ هذه الخطيئة لا تُغتفر إلاَّ بالعودة. إنَّ الحبّ الإلهيّ المنسكب جعل الله، إذا جاز التعبير، “قابلاً للتجريح”. خطيئة هي أن نرفض النور ونحبّ الظلام حين يجيئ النور إلينا. خطيئة الابن دائماً تكمن في أنّه يفكرّ وحده فقط. أكبر إهانةٍ للأب هي أن نتجاهل حبّه. يمكننا أن نحيا بعقلانيّةٍ ونحدّد مصيرنا بتحاليلنا. ويمكننا أيضاً أن نحيا مع الله بالإيمان، وهنا فقط نعطي للآب حقّه. لم يُخطئ آدم في شيءٍ بالجوهر إلاَّ في أنّه أراد أن يحيا ويفكّر ويخطط لذاته دون الله. أن ننعزل عن الله يعني أيضاً أن نعزله. أليس هذا هو الإلحاد الحقيقيّ، وهذه هي الخطيئة إذاً بين الابن وأبيه، بيننا وبين الله؟ “الخطيئة” هي أن ندّعي أنّنا أبناء بينما محبّة الآب ليست فينا. لا تعني الحياةُ مع الله مجرّد الاعتراف بوجوده، أو أن نعرف عن وجوده الأمور الكثيرة وحسب؛ الحياة مع الله تعني أن نسعد بحياتنا معه، وبكلمةٍ أخرى أن يكون اللهُ سعادتَنا. أن نقرأ، مثلاً، اللاهوت من أجل المعرفة فقط، فهذه خطيئة! لأنّه إن قرأنا اللاهوت ولم نفرح، ونتخشَّع، ونحيا، فنحن نهين الله الذي أتى إلينا حياةً. لأنّ الله لم يأتِ ليَشغَلَ عقلنا وإنّما ليُشعِلَ قلبنا. الحياة مع الله ليست معلومات وإنّما خبرات. لا يُدَرك الله ولا يوصَف من قِبَل الدراسات، وإنّما يُخبَّر عنه من الخبرات. الدراسات إيجابيّة حين تزيد الخبرات. يمثّل برلعام خدعةَ الدين كمعرفة، ويذكِّرنا القدّيسُ بالاماس بخبرة الدين كحياة.
من كتاب سفر الكلمة- الجزء الأول
للمتروبوليت بولس يازجي