|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ثُمَّ قالَ يسوعُ لِتَلاميذِه: ((مَن أَرادَ أَن يَتبَعَني، فَلْيَزْهَدْ في نَفْسِه ويَحمِلْ صليبَه ويَتبَعْني، تشير عبارة "مَن أَرادَ أَن يَتبَعَني" الى جملة شرطية يطلب يسوع من بطرس ان يتبعه بحرية ليسير وراء معلمه وان لا يكون "حجر عثرة" يقف عائقا في الطريق الى اورشليم. وكان الإنباء الاول هو الذي حدَّد شروط إتباع المسيح. طلب يسوع من تلاميذه ان يتبعوه في طريقه الى اورشليم ويتألموا معه. كل إنباء بالآلام تبعته أقوال يسوع الذي يستخلص النتائج لتلاميذه. يفصل قول يسوع بين مَن يتبعه بالحق ومَن لا يتبعه. أمَّا عبارة "يَتبَعَني" فتشير الى الدعوة للسير على خطى يسوع ومعه والعيش وفق أسلوبه كي يكون تلميذا ويخلص بواسطة يسوع. تأتي الدعوة من يسوع، حيث ان المعلم هو الذي يختار التلميذ، وليس التلميذ الذي يختار معلمه، وعندما يُلبي التلميذ الدعوة يتبع يسوع، لا كسامع فقط، بل كمعاون وشاهد لملكوت الله (متى 10: 1-27). فالتلميذ لا يتمسك بتعليم المعلم فقط، بل يلازم شخصه. ومن هذا المنطلق "إتباع يسوع لا يعني سيرا خارجيا وراء شخص يتعلق التلميذ به، بل الزهد في الذات وحمل الصليب. أمَّا عبارة "يَزْهَدْ في نَفْسِه " في الأصل اليوناني " ἀπαρνησάσθω ἑαυτὸν(معناها يرفض حقوقه على نفسه وحقه في الخيرات الزمنية) فتشير الى تنحية الذات تنحية كاملة عن الخيرات الزمنية لكي يصبح المسيح مركز حياة التلميذ. ولا تكون راحته ولذَّته الغاية العظمى بل يُطلب من التلميذ ان يترك الشهوات وكل شيء يمنعه من خدمة الله الكاملة، لان الحياة مع يسوع اختيار، وكل اختيار تضحية، لانَّ حياة التلميذ الأصيل تُحدّدها حياة يسوع: والزهد في النفس لا يعني احتقار الذات ولا هدمها، انما عدم تركيز على الذات بل بذل الذات في سبيل المسيح عن طريق الاخوة. عندئذ لا نعتبر الذات خير ما نريد الاحتفاظ به لنا وحدنا، بل هبة يجب ان نبذلها. ومن هنا جاء قول القديس أوغسطينوس "إنّ تاريخ العالم صراع بين شكلين من الحبّ، حبّ الذات حتى فناء العالم، وحبّ الآخرين حتى التخلي عن الذات". ليس الزهد في النفس هدفا بحد ذاته، إنما هو شرط لبلوغ ملء الحياة. لا يدعونا يسوع بالصليب والزهد في الذات الى الهلاك، بل الى الحياة الأبدية. أمَّا عبارة " نَفْسِه" في الأصل اليوناني ψυχή (معناها النفس) فتشير الى حياته، كما ورد في نص آخر من انجيل متى " لا تَخافوا الَّذينَ يَقتُلونَ الجَسد ولا يَستَطيعونَ قَتلَ النَّفْس"(متى 10: 28). أمَّا عبارة "يَحمِلْ صليبَه" فتشير الى إحدى الوسائل الرومانية لتنفيذ الإعدام. وكان على المجرمين المحكوم عليهم بالإعدام أن يحملوا صلبانهم ويسيروا في الشوارع الى موقع تنفيذ الحكم تعبيرا عن الخضوع لسلطة روما. واستخدم يسوع تشبيه حمل الصليب لإعطاء صورة عن غاية الخضوع المطلوب من أتباعه. فحمل الصليب يعني ان حياة التلميذ الاصيل تُحدِّدها حياة يسوع: فلا بد له ان يتبعه في الزهد في النفس المعبّر عنه بقبول الصليب بالتواضع والصبر ومخاطر الحياة في سبيل يسوع والبشارة. وهذه البشارة قد تحمل التلميذ على التضحية بحياته، كما ان رسالة يسوع بلغت به الى الصليب. من يتبع يسوع عليه التسليم الكامل والمخاطرة على الموت، دون أي رجوع او نكوص. فالصليب ثمن للأمانة لله وللإخوة. فينبغي للتلميذ الا يموت في ذاته فحسب، فان الصليب الذي يحمله هو العلامة على انه يزهد في الدنيا ايضا وأنه يقطع كل علاقاته الطبيعية (متى 10: 33-39) ويقبل وضعه كمضطّهد (متى23: 24). وإذا كان الصليب عارٌ عند اليهود، وحماقةٌ عند الوثنيّين؛ فهو عند المؤمنين رمز الخلاص (1قورنتس 1: 23-24). في الواقع، حمل يسوع صليبه، وهناك مسيحيون فعلوا مثله على ما يقول التقليد عن بطرس واندراوس. وأمَّا انجيل لوقا فقد أضاف عبارة "كل يوم" كما ورد في النص "يَحمِلْ صَليبَهُ كُلَّ يَومٍ ويَتبَعْني" (لوقا 9: 23) وذلك للدلالة على ان الصليب هو الرفيق اليومي للمسيحي. ولا بد ان ذكر الصليب أذهل تلاميذ يسوع، لأنهم كانوا يعلمون جيداً ان الصليب لم يكن يُحمل لمجرد انه ثقل على حامله، بل على انه شيء يُسمّر عليه حتى يموت. أمَّا في إنجيل مرقس فالصليب لا يعني الضيقات والاتعاب فحسب، بل الموت أيضا. وهذا ما يجب ان يتوقعه كل تلميذ تجاه العالم. من يختبر عداوة لا بد منها ينتج عنها اضطهادات (مرقس 8: 34). قبول الصليب شرط لا بد منه لحصولنا على المجد. أمَّا عبارة "يَحمِلْ" في اصل اليوناني ἀράτω(معناها يرفع) فتشير الى رفع الصليب عاليا لكي يراه الجميع. وهو فعل اقوى من فعل ما ورد في موقع آخر في انجيل متى" ومَن لم يَحمِلْ λαμβάνει صَليبَه ويَتبَعْني، فلَيسَ أَهْلاً لي (متى 10: 38). اما عبارة "صليبَه" فتشير الى تعيين الرب نوعية الصليب الذي على التلميذ ان يحمله هو صليبه الخاص، وليس صليب المسيح الذي لا ولن يقدر أحد أن يحمله سواه. وهو الذي يحمله وحده بإرادته وكامل رضاه ومسرَّته عن البشرية كلها " لِكَي لا يَهلِكَ كُلُّ مَن يُؤمِنُ بِه بل تكونَ له الحياةُ الأَبدِيَّة " (يوحنّا 3: 16). أمَّا عبارة "يَتبَعْني" في الأصل اليوناني ἀκολουθείτω (معناه ان يكون قريبا من ويلتصق بي) فتشير الى التسليم الكامل والمخاطرة حتى الموت دون أي رجوع او نكوص، إذ ربط يسوع بين مصيره ومصير تلميذه. فعلى التلميذ ان يتبع الرب بالخضوع لإرادته وبالاقتداء بحياته. ويقول اللاهوتي ثيودورس المصّيصي "لا تدعوا الصليب يخيفكم، يقول الربّ يسوع، ولا تدعوه يُشَكِّكُم في أقوالي" (شرح لإنجيل القدّيس يوحنّا). فان لم يكفر من أجله بنفسه ويجعل حياته ثمنا للخلاص فلن يستطيع أن يكون تلميذه. ويُعلق القدّيس أوغسطينوس "يحبّ الجميع الارتفاع بالمجد، لكن التواضع هو السّلّم التي يجب تسلّقه للوصول. لذا، فيسوع لم يقل فقط: "مَن أَرادَ أَن يَتبَعَني، فَلْيَزْهَدْ في نَفْسِه"، لكنّه أضاف: "فليَحمِلْ صليبَه ويَتبَعْني "(العظة 96). وهناك ثلاثة شروط ينبغي ان يتممها من يريد ان يتبع يسوع: الاستعداد للزهد في الذات، وحمل الصليب، وتسليم حياته للمسيح اي طاعة كاملة لكل ما يسمح به الله. لا سلامَ للنفس ولا رجاءَ بالحياة الأبديّة إلاّ بالصليب. وفي هذا الصدد يقول كتاب الاقتداء بالمسيح "إن حملت الصليب طوعًا، حملك هو". فلا يمكن ان يكون الانسان مسيحيا الاّ بإنكار الذات وحمل الصليب. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|