رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كيف ملك السيد المسيح ؟ عندما اقترب السيد المسيح من الصليب فى الأسبوع الأخير، حدثت مناقشة بينه وبين الجمع الذى كان واقفًا من اليهود إذ قال السيد المسيح: “الآن دينونة هذا العالم. الآن يُطرح رئيس هذا العالم خارجًا. وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إلىّ الجميع. قال هذا مشيرًا إلى أيَّة ميتة كان مزمعًا أن يموت. فأجابه الجمع: نحن سمعنا من الناموس أن المسيح يبقى إلى الأبد. فكيف تقول أنت إنه ينبغى أن يرتفع ابن الإنسان. من هو هذا ابن الإنسان؟” (يو12: 31-34). كان فهم اليهود لأسفار الكتاب المقدس مرتبطاً بآمال وتطلعات أرضية، لذلك كانوا ينتظرون مجيء المسيح الملك الذى سوف يملك على جميع شعوب العالم وتبقى مملكته على الأرض إلى الأبد. كانوا يعتقدون -بحسب فهمهم الخاص- أن الله قد ميّزهم على كل شعوب الأرض وأن مملكة داود سوف تمتد لتشمل الأرض كلها وتخضع لهم كل شعوب العالم تحت رئاسة المسيح المنتظر من نسل داود. لذلك تعجبوا من قول السيد المسيح: ” أنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إلـىّ الجميع” ( يو12: 32). فسواء كان المقصود بكلامه –فى نظرهم- الارتفاع على الصليب كما قصد هو نفسه أو مغادرة هذا العالم بمفارقة روحه لجسده، أو حتى بصعوده حياً إلى السماء.. فإن كل هذه الأمور قد تتعارض مع اعتقادهم بالملك الأرضى الذى كانوا يتطلعون إليه بشوق كبير جعلهم لا يفهمون طبيعة إرسالية السيد المسيح إلى العالم. ربما اتجهت أنظارهم إلى ما ورد عن المسيح فى نبوءة دانيال النبى “كنت أرى فى رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه. فأعطى سلطاناً ومجداً وملكوتاً لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان أبدى ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض” (دا 7: 13، 14). وكشعب كان يعانى فى ذلك الوقت من الاستعمار الرومانى الذى فرض عليهم الجزية وأساء معاملتهم، كانت أشواقهم ملتهبة نحو مجيء المسيح الذى يحررهم من الاستعمار ويقيم مملكة داود، ويجعل كل شعوب العالم تتعبد له وتدفع له الجزية “كل الشعوب والأمم والألسنة”. ويظل هذا الوضع قائمًا على الأرض إلى الأبد بلا زوال ولا انقراض. وبذلك يحيون فى سعادة جسدية لا تعانى من استعمار ولا من حروب ولا من جوع ولا من عوز يتفوقون فيها على كل شعوب العالم ويستعبدونهم. كان السيد المسيح قد ذكر فى نقاشه مع تلميذيه أندراوس وفيلبس عبارة: “ابن الإنسان” إذ قال لهما رداً على طلب اليهود اليونانيين الذين صعدوا ليسجدوا فى العيد أن يروه “قد أتت الساعة ليتمجد ابن الإنسان” (يو12: 23). وبعدها قال لأبيه السماوى: “أيها الآب مجّد اسمك. فجاء صوت من السماء: مجدت وأمجّد أيضاً. فالجمع الذى كان واقفاً وسمع قال قد حدث رعد. وآخرون قالوا قد كلّمه ملاك. أجاب يسوع وقال: ليس من أجلى صار هذا الصوت بل من أجلكم” (يو12: 28-30). ارتبك الجمع لسبب ما سمعوه من كلام السيد المسيح، وما حدث فى حديثه مع الآب السماوى. واختلط عليهم الأمر ما إذا كان هذا هو المسيح. لذلك بدأوا يقارنون بين كلام السيد المسيح وبين مفاهيمهم الشخصية فى تفسير الأسفار المقدسة وقالوا: “نحن سمعنا من الناموس أن المسيح يبقى إلى الأبد. فكيف تقول أنت إنه ينبغى أن يرتفع ابن الإنسان. من هو هذا ابن الإنسان؟” (يو12: 34). والمقصود هنا فى كلامهم هل أنت هو ابن الإنسان المذكور فى نبوة دانيال “مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فقرّبوه قدامه. فأعطى سلطاناً ومجداً وملكوتاً لتتعبد له كل الشعوب.. سلطانه سلطان أبدى..” (دا 7: 13، 14). وإن كنت أنت هو فلماذا لن تبقى على الأرض وتملك إلى الأبد؟ خاصة وأنت تقول: “قد أتت الساعة ليتمجد ابن الإنسان” (يو12: 23). ودانيال يقول عن ابن الإنسان أنه قد أعطى سلطاناً ومجداً.. وسلطانه.. ما لن يزول وملكوته ما لن ينقرض.. لم يفهم اليهود أن ملكوت المسيح الأبدى هو ملكوت السماوات، وأن مجد المسيح هو مجد الروحيات وليس الأرضيات، وأن حرية المسيح هى الحرية من الخطية؛ الحرية التى سوف يحرر بها شعبه من عبودية إبليس ومن الهلاك الأبدى. ولكن للأسف قد أعمى الشيطان عيون اليهود لكى لا يؤمنوا به. وقد علّق القديس يوحنا الإنجيلى على هذه الواقعة والمناقشة بقوله: “ومع أنه كان قد صنع أمامهم آيات هذا عددها لم يؤمنوا به. ليتم قول إشعياء النبى الذى قاله: يا رب من صدق خبرنا، ولمن استعلنت ذراع الرب. لهذا لم يقدروا أن يؤمنوا لأن إشعياء قال أيضاً: قد أعمى عيونهم وأغلظ قلوبهم لئلا يبصروا بعيونهم ويشعروا بقلوبهم ويرجعوا فأشفيهم. قال إشعياء هذا حين رأى مجده وتكلّم عنه..” (يو12: 37- 41). |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|