السيد المسيح كمعلم لللاهوت
لم يغضب السيد المسيح من كلام فيلبس. بل كمعلم سأله بطول أناة واتضاع: “الذى رآنى فقد رأى الآب. فكيف تقول أنت أرنا الآب ؟!” (يو14: 9).
كان هدف السيد المسيح من كلامه هو أن يُصحح إيمان فيلبس وعقيدته اللاهوتية، حتى يمكنه أن يعرف الحق المؤدى إلى الحياة. فخاطبه بعدها قائلاً: “ألست تؤمن أنى أنا فى الآب والآب فىّ؟” (يو14: 10).
ما أعجب السيد المسيح كمعلم لللاهوت، وهو يدعو تلاميذه إلى المعتقد القويم والإيمان الحق ويقول متوسلاً فى حب واتضاع: “صدقونى أنى فى الآب والآب فىّ” (يو14: 11).
“لأن الآب نفسه يحبكم” (يو16: 27)
حينما اقتربت ساعة الصلب، بدأ السيد المسيح يكلّم تلاميذه عن أسرار عجيبة، ربما لم يكلمهم عنها من قبل. ولكن فى الوقت نفسه أشار إلى أيام آتية، يكشف لهم فيها مزيداً من الأسرار الإلهية.
قال السيد المسيح: “قد كلمتكم بهذا بأمثال، ولكن تأتى ساعة حين لا أكلمكم أيضاً بأمثال، بل أخبركم عن الآب علانية. فى ذلك اليوم تطلبون باسمى. ولست أقول لكم إنى أنا أسأل الآب من أجلكم. لأن الآب نفسه يحبكم لأنكم قد أحببتمونى. وآمنتم أنى من عند الله خرجت” (يو16: 25-27).
أراد السيد المسيح أن يشرح لتلاميذه كيف يسعى لإيجاد علاقة مباشرة بينهم وبين الآب. هذه العلاقة المباشرة لم يكن من الممكن أن توجد بدون الفداء، وإتمام المصالحة بين الإنسان والله. وتمتع الإنسان بنعمة الولادة الجديدة والبنوة لله فى المعمودية.
قبيل الصليب كان السيد المسيح منشغلاً بالعلاقة بين الله الآب والإنسان الذى تغرب عنه زمناً طويلاً.
وبدأ بكلامه يمنح التلاميذ تشوقاً لكى يتطلعوا نحو تلك الساعة، أو ذلك اليوم الذى يكلمهم فيه عن الآب علانية، بعد إتمام الفداء. ولكى يتطلعوا نحو ذلك اليوم الذى يطلبون فيه من الآب بدالة حقيقية.
أليس هذا ما نصلى به فى القداس الإلهى فى صلوات القسمة إذ نقول }لكى بقلب طاهر، ووجه غير مخزى، وإيمان بلا رياء، ومحبة كاملة.. نجرؤ بدالة بغير خوف، أن نصرخ نحوك أيها الآب القدوس الذى فى السماوات، ونقول: أبانا الذى فى السماوات..{.
منتهى الحب ومنتهى الاتضاع أن يقول السيد المسيح لتلاميذه “فى ذلك اليوم تطلبون باسمى. ولست أقول لكم إنى أنا أسأل الآب من أجلكم” (يو16: 26). كان مسروراً جداً بإيجاد علاقة مباشرة بين تلاميذه وبين الآب. ولهذا استهان بكل ما كان ينتظره من آلام وخزى، فى سبيل تحقيق هذا الغرض النبيل.
حينما يصطلح الإنسان مع الآب بالتوبة وبدم السيد المسيح، تصير له الدالة أن يتخاطب مع الآب مباشرة. لذلك قال السيد المسيح: “لست أقول لكم إنى أنا أسأل الآب من أجلكم” (يو16: 26).
ولكن “إن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب، يسوع المسيح البار، وهو كفارة لخطايانا” (1يو2: 1، 2).
غفران الخطية لا يتم إلا بشفاعة السيد المسيح الكفارية. ولهذا لا يمكن للإنسان أن يأتى إلى الآب إلا بالمسيح. والمسيح هو الذى يطلب من أجل مغفرة خطاياه..
أما باقى الطلبات التى تتبع المصالحة مع الآب وتترتب عليها، فمن الممكن أن يقدمها الإنسان للآب مباشرة باسم السيد المسيح.