جهاده:
سكن في بادئ الأمر مع الإخوة الرهبان، ولكنه بسبب كثرة الزائرين طلب من الأنبا مقاريوس مكانًا منعزلًا، فأرشده إلى قلاية منفردة وعاش فيها مثابرًا على الجهاد الروحي. وكان جهاد موسى عظيمًا كتعويض عما فاته نتيجة خطاياه وشروره الماضية. أخذ الشيطان يذّكره بعاداته المرذولة القديمة، ولكن الأنبا ايسيذورُس كان ينصحه بالثبات خصوصًا وأن تلك العادات كانت قد تأصلت فيه.
وكان يشكو بصفة خاصة من شهوات الجسد، ولكن الأنبا ايسيذورُس كان يوصيه بالثبات، وضرب له في ذلك مثالًا بالكلب الذي يقف أمام الجزار فإن لم يعطِه شيئًا وداوم على ذلك سيتحول عنه إلى آخر. حورب بالزنى بقوة، وكان من فرط الحرب التي تهاجمه لم يطق أن يجلس في قلايته، خرج وأعلن هذا للأب اسيذوروس. فرجاه أن يعود إلى قلايته. فلم يقبل قائلًا: لا أحتمل ذلك يا أبتِ. فأخذه وأصعده إلى السطح وقال له: أنظر إلى المغارب. فرأى حشدًا من الشياطين بلا عدد مضطربًا جدًا يحدث شغبًا استعدادًا للحرب. فقال له ثانية: أنظر إلى المشارق. فتطلع فرأى حشدًا من الملائكة القديسين الممجدين. فقال الأب ايسيذوروس: أنظر، هؤلاء هم الذين يرسلهم الله لمساعدة القديسين. أما الذين في الغرب فهم الذين يحاربونهم. فالذين معنا هم أكثر عددًا. وهكذا شكر موسى الله وتشجّع ورجع عائدًا إلى قلايته.
بناء على نصيحة أب اعترافه كان يحاول موسى أن ينهك جسده القوي بالوقوف في الصلاة والصوم والمطانيات. ومن أجل قمع جسده كان يطوف بالليل بقلالي الرهبان الشيوخ ويأخذ جرارهم ويملأها ماءً. ضجر الشيطان من فرط جهاده، فالتقى به عند البئر في إحدى المرات وضربه ضربًا موجعًا وتركه غير قادرٍ على الحركة، إلى أن جاء بعض الإخوة إلى البئر وحملوه إلى الكنيسة عند الأب ايسيذورُس، وظل في الكنيسة ثلاثة أيام إلى أن استرد قوته على الحركة.
مرة سطا على قلايته أربعة لصوص فربطهم جميعًا وحملهم وأتى بهم إلى الكنيسة. ولما علم هؤلاء اللصوص أنه موسى الذي كان رئيسًا لعصابة لصوص، أرادوا أن يتوبوا ويترهّبوا، فوعظهم بكلام كثير محركًا قلوبهم.
من فرط جهاده تصدت له الشياطين حتى أن مرشده الأنبا ايسيذورُس نصحه بالاعتدال في أعماله النسكية حتى لا يثيروا المتاعب عليه، وطلب إليه أن يسلّم أمره لله وهو وحده يرفع عنه القتال، حتى لا يظن أنه بكثرة أعماله النسكية يقهر الشياطين، ولكن بالتواضع والمسكنة الروحية الله يحارب عنا.