هل تريد حياتك ان تتغير؟
كثيرٌ من الناس اليوم، يحشون أدمغتهم بالعلوم الحديثة، ويتعلّمون حقائق هذا العالم. وإن سألت أحدهم، ما هو هدفك من الدّراسة، لأجابك: إنّ الدين والأدب ليسا مبتغاه، بل العلم والتكنولوجيا والدرجات العالية في الشهادات التي تؤهّله للمناصب المرموقة، وتوفّر له الرفاهية. فالكل يهدف إلى الربح والحياة المريحة.
وكذلك الناس منكبّون على الشراء، تجتذبهم البضائع الغالية. والنساء يشتغلن في الوظائف، ليمكنّ عائلاتهنّ من اقتناء براد، أو غسّالة، أو تلفزيون، ويُهملن تربية أولادهنّ. والرجال، يعبّرون بضخامة سيارتهم، عن قيمة مركزهم.
والجميع يرغبون في أن يلبسوا، حسب الموضة الجديدة. فالنظم الاقتصادية الحاضرة، تثير في الإنسان شهوة الطمع ليصير غنياً وكبيراً ومحترماً.
ولكن غالباً، ما يكون الأغنياء غير سعداء، لخوفهم من السّرقة، وانشغال أفكارهم بأفضل الطرق لاستغلال أموالهم. فتفكيرهم المادي، يقسّي قلوبهم. فلا يضحّون من أجل الفقراء والمساكين.
وبخل الأغنياء معادل لحسد الفقراء. فهم يشتاقون أيضاً للغنى، ويقومون بثورات وحروب، ويخترعون فلسفات، ليغيّروا أنظمة العالم.
وفاتهم أن يعلموا أنّ كل طموح إلى الرفاهية، خداع للنفس. لأنّ العلم والمال، لا يصلحان الإنسان. والشعوب الغنية، تزول بسرعة. لأنّ الأجيال القادمة فيها، تصبح كسولة بطالة، إذ المال يتيح لصاحبه الإمكانات لممارسة كل نجاسة بسهولة.
والبشر في طبيعتهم أغبياء، يتعبون، ويجمعون ويبنون، ويتعلّمون، ويقصدون العظمة، وكل أمر زائل. مع أنّ من يموت، لا ينتقل معه الشرف ولا أرصدته في البنوك. ليت الناس، قبل طلب المواهب والعطايا، يطلبون الواهب المعطي نفسه، فيصبحون أغنياء به. لأنّ من يعرفه، يدخل الأبدية، يحصل على الغنى الباقي. الله محبّة. فمن يريد جمع كنوز له في السّماء، فليعزّ الحزانى، وليساعد اللاجئين، وليعتنِ بالبُسطاء. لأنّ كل شيء يزول، إلا المحبّة بالمساكين فهي أبدية.
من ينهض، ويقترب من الله، يدرك بخوف خطاياه. لانّ كل أهدافنا وأعمالنا، بنيت على الأنانية. وقد اعتمدنا على أموالنا وعقولنا، أكثر من الله. فأوقعنا الضرر بأنفسنا وخسرناها، وماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كلّه وخسر نفسه؟
لا تنفعك صلواتك، ولا صومك، ولا شهادتك، لتبرير نفسك في وضعك الراهن، لأنّك خسرت كل شيء، وسقطت من اعتبار الله. كل أكاذيبك، ونجاساتك، وفجورك، وابتزازاتك، تشهد عليك. وإن تقدّمت إلى الله، فتشعر أنك مسكين، لا تملك شيئا، ولا تقدر على شيء.
طوبى لك، إن عرفت الله القدوس وخشعت أمام جلاله، وأدركت سطحية نفسك الفاسدة. حينئذ تدركك نعمة الله، التي يسكبها في كل قلب منسحق.
لقد أرسل الله برحمته مسيحه إلى العالم، ليظهر للبشر الغنى الحق في الله. فعاش فقيراً متواضعاً محتقراً، رغم أنّه كان له الحق والقوّة، ليعيش حياته في مجد وترف وسلطان.
ولكنه غلب كل استكبار جسدي، واتّضع كخادم لكل الناس، مستهيناً بالغنى، والشرف البائد. وبقي غنياً في الله. وعاش بلا خطية. فالمسيح قلب المقاييس الاجتماعية كلها.
ولم يعش المسيح بالتواضع فقط، بل أوجد بمحبّته القويّة فداءً، ليخلّصك من خداع غناك. قد كفر عن ذنوبك، ومات لتعيش. وسفك دمه، عوضاً عنك. لا يوجد في الدنيا ولا في الآخرة قوّة مخلّصة إلاّ بدم ابن الله. فمن يقبل هذا الخلاص، يتحرّر من ذنوبه، ويتمتّع بغنى الله غير الزائل.
وروح الله يحل فيك، ويجدّد قلبك القاسي، ويحييك من موتك الطماع. فتدرك أنّ الله أصبح بواسطة الغفران في المسيح أباك السّماوي. كل ما له، فهو لك، وقلبه يحبّك. هل تحبّه أيضاً، وتشكره مسلّما نفسك إليه كاملة؟
فروحه يحرّرك من كل فكرة مادية، إلى شركة مع الله في المحبّة. فتخسر الأرض، لتربح السّماء. وتترك العالم بنفاقة، وتدخل إلى الحياة الأبدية.
عندئذ ليس مهما، إن كنت الأول او الأخير في صفّك، لأنّ الله أبوك. ولا تطمع بالثوب الفاخر، لأنّ برّ المسيح زينتك الإلهية. ولا تستكبر، بل تتواضع، معطياً فرصة لغيرك في الخدمة. ولا تجمع بعد بقلب بارد كنوزا أرضية، بل تضحّي بفرح، بوقتك وقوتك ومالك لله ومحتاجيه. لأنّ محبة الله، فدتك من أصنامك المادية. فكم تضع تحت تصرّف الله من ميزانيتك الشهرية وتصرفها في سبيله؟
ما أعظم الخدمة في شركة المسيح. لأنّ من أنكر نفسه، ربح الله. والله يكفيه، فيقنع ويعمل باجتهاد، ويخدم كل إنسان، لأنّ الله كنزه الحقيقي وغناه الأبدي