نقاوة العقل الباطن والأفكار والظنون والأحلام 7-2-2010
بقلم: البابا شنودة الثالث
تحدثنا في المقال السابق عن النقاوة من الخطية ونود أن نتحدث اليوم عن نقاوة الأفكار. والأفكار ليست عواقر بينما هي تلد أفكارا أخري من نوعها أو بأنواع شتي. والذي يريد النقاوة لأفكاره, ينبغي ان تنتقي حواسه أيضا فالحواس تلد الفكر: فما يراه الإنسان ومايسمعه ومايلمسه.. يفكر فيه أيضا. فإن أردت النقاء لفكرك, ولتكن حواسك نقية ايضا لاتجلب للفكر مايدنسه.
ونقاوة الفكر يلزمها ايضا نقاوة القلب ومايختزن في هذا القلب من مشاعر ومن رغبات ومن شهوات ومايكنز فيه فالإنسان الصالح من الكنز الصالح الذي في قلبه يخرج الصلاح. والإنسان الشرير من المكنوز الشرير الذي في قلبه يخرج الشر. وهكذا كما يقول الممثل كل إناء بما فيه ينضح.
والأفكار إذا تعمقت في الإنسان تختزن في عقله الباطن وربما تخرج من العقل الباطن علي هيئة ظنون أو أحلام أو تفاهات كثيرة, فإن كانت لك ظنون سيئة, أي تظن في بعض الناس ظنونا تسيء إليهم علي غير حقيقتهم, فأعرف حينئذ ان قلبك لم يتنق بعد, وأن عقلك الباطن لم يتنق أيضا, لأن الإنسان صاحب القلب النقي دائما تكون أفكاره نقية, ولا يظن السوء وعلي قدر امكانه يأخذ الأمور ببراءة وطهارة, ولا يحكم بالسوء علي أحد إلا إذا كانت الخطية واضحة تحمل دينونتها في ذاتها. أما الأمور التي تحمل وجهين, فإنه يأخذ الوجه المنير منها. من أجل هذا, فإن أمثال هؤلاء الاشخاص يكونون في علاقة حسنة مع الناس, لأنهم لاينسبون خطئا لأحد كما يعذرون الناس في تصرفاتهم.
ولعلك تسأل:هل معني هذا أن القلب النقي لاتحاربه ظنون وأفكار شريرة؟ نقول: نعم قد تحاربه الأفكار من الخارج دون أن تنبع من داخله بل علي العكس يكون من الداخل رافضا لها لايقبلها, بل يطردها بسرعة.والخديعة التي يتعرض لها البعض هنا هي أن يستبقي الفكر الشرير, لو بحجة فحصه أو محاربته أو بنوع من الفضول ليري إلي أين ينتهي! فتكون النتيجة أن يدنسه الفكر ويفقده نقاوته والوضع السليم هو طرد الفكر بسرعة, لأن القلب النقي يشمئز من الأفكار الخاطئة ولايقبل حتي مجرد فحصها.
ولايفوتنا إذن أن نتحدث عن الأحلام والأحلام علي أنواع منها أحلام نجسة,وأحلام مرعبة مخيفة, وأحلام بأنواع أخطاء كثيرة وأحلام تحوي قصصا أو افكارا تافهة فهل الأحلام الدنسة أو الأحلام الخاطئة, تعتبر خطيئة يحاسب الإنسان عليها أمام الله وأمام الضمير؟ المعروف أن الإنسان لايحاسب إلا علي الأعمال الإرادية. والبعض يظن أن الأحلام غير إرادية لأن الإنسان يكون أثناءها ليس في وعيه ولا في إرادته!! ولكننا نقول ان الإحلام وأن كانت غير إرادية أثناء النوم, ولكنها ترجع إلي إرادة سابقة قبل النوم ولو بأيام.ولايمكن أن يحلم الإنسان بأشياء ضد إرادته. وهكذا يمكن أن نعتبر الأحلام شبه إراديه, لأنها تتعلق بإرادة سابقة, فالإنسان مثلا لايمكن أن يحلم بأنه يزني أو يقتل أو يسرق ويشتم, إلا لو كان في قلبه ميل لهذه الأمور والأحلام تنبع أيضا من صور وقصص ورغبات كامنة في العقل الباطن.
وماذا إذن عن الأحلام المخيفة؟ كإنسان يحلم مثلا بأسد يفترسه.. نجيب بأن هذا الإنسان لابد أنه رأي أسدا في حديقة الحيوان أو في سيرك أو صورة أسد في مجلة أو أسد يفترس في فيلم أو في قصة. ومن مجموع هذا كله يحلم بشيء من هذا مما يخيفه. يضاف إلي هذا عنصر الخوف الذي في قلبه وفي طبعه, ويمتزج كل هذا معا ليظهر في حلم مخيف لأسد يفترس. ونفس الوضع نقول عن الخوف من القتل, أو الخوف من اعتداء الغير, أو الخوف من أحداث مرعبة ربما مصدرها قصص اختزنت في العقل الباطن نتيجة قراءات أو سماعات.
الأحلام الخاطئة بصفة عامة,تدل علي ان العقل الباطن يحوي رصيدا قديما من الخطايا, لم يتنق بعد من صورها وقصصها وذكرياتها. فأما أن تكون ذاكرته لاتزال مدنسة بخزينها الرديء أو أن هناك بعض مشاعر في القلب كامنة في أعماقه لم تنتق بعد وهي مصدر أحلامه الخاطئة التي تعكر نقاوة ذهنه.
يحتاج مثل هذا الشخص أن يتنقي من ماضيه مثلما يتنقي من حاضره وعلي أيه الحالات قد تحتاج نقاوة الأحلام الي فترة من الزمن, إلي أن يصبح الإنسان في وضع بعيد تماما عن الأحلام الشريرة, فبالوقت وعدم التكرار تختفي مصادر هذه الأحلام من الذاكرة ويختزن العقل الباطن بدلا منها أمور نقية طاهرة تتناسب مع حياة التوبة والنقاوة التي يحياها. وتكون مصدرا لأحلام نقية تماما.
علينا إذن ان نسعي الي تنقية العقل الباطن بطرد مافيه من خزين لأخطاء ماضي.. ثم إلي تقديس هذا العقل الباطن, بما يشحن أونشحنه فيه من أمور طاهرة نقية, تكون مصدرا لظنون نقية ولأحلام نقية كذلك علينا ان ننقي فكرنا من حشوه بالأمور التافهة التي إن لم تكن خطية في ذاتها, لكنه مضيعة للوقت وسبب في طياشة الأفكار. لأننا أحيانا قد نقف ونصلي, فتطيش عقولنا أثناء الصلاة بأفكار كثيرة ذلك لأننا أعطينا تلك الأفكار عمقا فينا, فأخذت سلطانا علينا. لذلك احذر ولاتعط أمثال تلك الأمور عمقا في فكرك أو في مشاعرك أو في وقتك.. وإن سرقك الاعتياد القديم, استيقظ بسرعة فإن يقظة العقل والجهاد مع الأفكار, يسبقان نقاوة العقل.
أصعب درجة في النقاوة هي النقاوة من معرفة الخطية, فعندما خلق الإنسان كان بسيطا طاهرا لا يعرف إلا الخير فقط وبالسقوط بدأ يعرف الخطية, وبمرور الوقت بدأت الخطية تتسلط عليه. وعاش في ثنائية الخير والشر. فمتي يأتي الوقت الذي نتخلص فيه تماما من معرفة الخطية. اعتقد ان هذه بركة لاننالها إلا في الأبدية في العالم الآخر حيث لامعرفة للخطية علي الإطلاق.