منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 21 - 07 - 2012, 08:09 PM
الصورة الرمزية شيرى2
 
شيرى2 Female
..::| العضوية الذهبية |::..

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  شيرى2 غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 37
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 30,808

معك لا أريد شيئاً على الأرض"
(مز25:73).

الذى يحب الله بعمق، يصل إلى درجة الإكتفاء بالله
الله يملأ قلبه وفكره وكل أحساسه ومشاعره، ويشبعه، فيشعر بالإكتفاء، ويقول مع داود " فلا يعوزنى شئ" (مز1:23)… ويشعر أنه لا يستطيع أن يضيف شيئاً فى قلبه إلى جوار الله. فيعيش سعيداً مع الله، ويقول له فى حب "معك لا أريد شيئاً على الأرض".
بهذا المثال عاش آباؤنا القديسون، وقد أشبع الله حياتهم.
1- ولنأخذ داود النبى كمثال:
كان ملكاً، بكل ما يحيط الملك من سلطة وعظمة فى ذلك الزمان. وكان قائداً للجيش، وقاضياً للشعب، ورب أسرة كبيرة. وكان محترماً من الكل، ومسيحاً للرب. ويبدو أنه ما كان ينقصه شئ من خيرات الدنيا ومتعها… ومع ذلك ما كان شئ من هذا يشبع قلبه حقاً، بل يلقى بكل هذا وراء ظهره ويقول:
"واحدة طلبت من الرب وإياها ألتمس…" ما هى هذه الواحدة التى تنقصك إيها الملك العظيم مسيح الرب؟ يقول "واحدة طلبت من الرب وإياها ألتمس، أن أسكن فى بيت الرب… وأتفرس فى هيكله" (مز4:27)… هناك فى هذا الموضع المقدس، كان يطلب الرب ويقول:
"طلبت وجهك، ولوجهك يارب ألتمس.لا تحجب وجهك عنى" (مز8:27،9).
أهذه طلبتك الوحيدة؟ وماذا عن الملك والجيش والقضاء والأسرة والغنى؟ كلا يارب، معك لا أريد شيئاً على الأرض "يا الله أنت إلهى إليك أبكر، عطشت نفسى إليك" (مز1:63) "إلتصقت نفسى بك"،"باسمك أرفع يدى، فتشبع نفسى كما من شحم ودسم"،"رحمتك أفضل من الحياة. شفتاى تسبحانك"، "كنت أذكرك على فراشى،وفى أوقات الأسحار كنت أرتل لك" (مز63 ).
إنه الحب الذى يملأ القلب، يقول فيه:
"محبوب هو إسمك يارب، فهو طول النهار تلاوتى" (مز119).
وماذا عن مشغولياتك يا داود؟ إنها لا تشغلنى عنك يارب. "سبع مرات فى النهار سبحتك على أحكام عدلك"(مز119)،"فى نصف الليل نهضت لأشكرك"، "سبقت عيناى وقت السحر لأتلو فى جميع أقوالك"،"كلمات حلوة فى حلقى،أحلى من العسل والشهد فى فمى" (مز119).
حقاً إن الذى يحب الله، يصغر كل شئ فى عينيه
إن داود لا يغريه قصره ولا عرشه، بل يقول الرب " مساكنك محبوبة أيها الرب إله القوات. تشتاق وتذوب نفسى للدخول إلى ديار الرب… طوبى لكل السكان فى بيتك، يباركونك إلى الأبد"(مز1:84،4)، "فرحت بالقائلين لى إلى بيت الرب نذهب"(مز1:122)،"إخترت لنفسى أن أطرح على عتبة بيت الرب" لماذا؟ "لأنيوماً صالحاً فى ديارك خير من آلاف" (مز10:84).
حقاً "معك لا أريد شيئاً على الأرض"… إن هذه العبارة هى اختبار حقيقى للقلب ومدى علاقته بالرب. لنأخذ مثالاً آخر:
أبونا إبراهيم، بهذا الإختبار كانت دعوته
لما دعاه الله، قال له "إذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك، إلى الأرض التى أريك" (تك1:12). وترك إبراهيم وطنه وعشيرته وبيت أبيه، وقال للرب فى قلبه "معك لا أريد شيئاً على الأرض". وخرج وراء الرب،وهو كما يقول الرسول"لا يعلم إلى أين يذهب" (عب8:11)،يكفيه أنه كان ذاهباً وراء الرب .
لم يهتم بالمكان الذى يذهب إليه ،ما هو وأين هو، إنما كان تفكيره فى الرب الذى يذهب معه.
لما صحبه تارح أبوه، تعطل بسببه بعض الوقت فى حاران (تك31:11). ولما صحبه لوط إبن أخيه، حدثت مخاصمة بين رعاة هذا وذاك. ولما فارقه واختار أخصب أرض فى المنطقة بدأت البركة تتضاعف على ابرآم.
كيف تعيش يا إبرآم، وقد أخذ لوط أرضاً "كجنةالله كأرض مصر" (تك11:13). وترك لك القفر؟ يقول إبرآم: أنا مع الله، لا أريد شيئاً على الأرض. يكفينى الرب ونعمته. وفعلاً باركه الرب، وقال له " إرفع عينيك وانظر… جميع الأرض التى أنت ترى، لك أعطيها…" (تك14:13،17). وعاش ابرآم غريباً، عقيماً، ولكن مع الرب غربته كانت تتمثل فى حياة الخيمة، وعلاقته بالرب كانت تتمثل فى المذبح الذى يبنيه فى كل موضع.
وهذا الرجل الغريب، المكتفى بالرب، هوالذى خلص لوطاً من السبى (تك14)،واستقبله ملك سادوم، وملك ساليم، ملكى صادق الذى باركه (تك18:14).
ولكن هل حدث فى وقت ما، أن مبدأ "معك لا أريد شيئاً على الأرض" إهتز فى قلب أبينا إبرآم ولو قليلاً ؟ نعم، حدث أنه اشتهى أن يكون له إبن…
ولما اشتهى أن يكون له إبن ،وقع فى تجارب
تجربة هاجر (تك16)، وتجربة قطورة (25). وحتى لما ولد له إسحق من سارة، أتته تجربة أخرى، إذ اختبره الله فيه، وقال له "يا إبراهيم… خذ إبنك وحيدك الذى تحبه، إسحق… وأصعده هناك محرقة على أحد الجبال الذى أقول لك" (تك2:22). واذا بإبراهيم الذى عاش بمبدأ "معك لا أريد شيئاً على الارض"، إبراهيم الذى يحب الله الحب كله، أخذ إسحق إبنه، وبكر صباحاً جداً
وأخذ معه الحطب والسكين. وربط إبنه فوق الحطب، ورفع السكين ليقدمه ذبيحة… لذلك بارك الله هذا الإنسان الذى أحبه أكثر من إبنه الوحيد، وبنسله تباركت جميع قبائل الأرض.
كان قلب إبرآم مركزاً فى الله، أكثر مما فى إسحق
قال السيد المسيح "…ومن أحب إبناً أو إبنة أكثر منى، فلا يستحقنى" (مت37:10)،ونفذ أبونا إبراهيم هذه الوصية قبل أن يقولها المسيح بأجيال طويلة…
كان الله بالنسبة اليه أكثر من العشيرة والوطن والأهل والإبن الوحيد… إنها فضيلة للإنسان أن يحب أهله، ولكنهم لا يكونون شركاء الله فى قلبه.
داخل محبة الله، نعم. ولكن إلى جوارها، لا
الإنسان الروحى يحب جميع الناس كجزء من محبته لله. ولكنه لا يحب أحداً، يشارك الله فى حبه، أو ينافس الله فى حبه، أو يجلس فى القلب إلى جوار الله!
الله لا ينافسه أحد فى الحب، ولا ينافسه شئ
ولذلك فالمحبة الحقيقية نحو الله يلزمها التجرد. وفى هذا قال الكتاب "لا تحبوا العالم ولا الأشياء التى فى العالم. إن أحب أحد العالم، فليست فيه محبة الآب… والعالميمضىوشهوته معه"(1يو15:2،17). وقيل أيضاً "محبة العالم عداوة لله" (يع4:4)، لا يستطيع أحد أن يعبد ربين أو يخدم سيدين. إما الله، وإما العالم… وقد قال الكتاب فى ذلك:
"أية شركة للنور مع الظلمة" (2كو14:6).
الله هو النور الحقيقى. وكل ما هو خارج الله ظلمة. كل ما يتعارض مع الله ومحبته ظلمة. ونحن قد دعينا أن نكون أبناء النور، لا نشترك فى أعمال الظلمة…
والظلمة متفاوته فى درجاتها، أبشعها الخطية. على أن التفاهات أيضاً والماديات، إن كانت تبعدنا عن الله فهى ظلمة أيضاَ، ليس لنا أن ندخلها إلى قلوبنا.
ويبقى الله وحده، ومعه لا نريد شيئاً على الأرض. نحارب كل شهوه وكل فكر فيهما تعطيل لمحبة الله. ويبقى الله وحده، كما تقولون فى الترتيلة:
ليس لى رأى ولا فكر ولا شهوة أخرى سوى أن أتبعك
لهذا فأولاد الله، قد يملكون المال، ولكنه لا يملكهم
قد يستعملون العالم، وكأنهم لا يستعملونه(1كو31:7)،"لأن هيئة هذا العالم تزول". فلا يوضع العالم إلى جوار الله.
2- مثال آخر نذكره هنا، هو لوط، ثم إمرأته
لوط لم يصل إلى التجرد الذى يحب فيه الرب من كل القلب، والذى يقول فيه"معك لا أريد شيئاً من العالم". لذلك إختار الأرض المشبعة، ولم يختر المكان الذى يستطيع فيه أن يحيا مع الله! فماذا كانت النتيجة؟ كانت أنه سبى (تك14)، وفقد كل أملاكه. تم أنقذه إبرآم. وأيضاً لوط لم يتعلم درساً، وكان البار يعذب نفسه يوماً فيوماً بمناظرالأشرار.وأخيراً فقد كل شئ فى حرق سادوم.
وهنا ظهرت توبة لوط ورجوعه إلى الله. فلما دعاه الملاكان أن يخرج من المدينة ويهرب إلى الجبل (تك19)، لم يقل أملاكى وأغنامى ومالى وأنسبائى، إنما رضخ أخيراً وقال للرب "معك لا أريد شيئاً من العالم".وخرج من سادوم صفر اليدين لا يملك شيئاً، يكفيه الرب الذى سيبدأ معه من جديد، من لا شئ...
أما زوجة لوط،التى لم تدخل إلى قلبها عبارة"معك لا أريد شيئاً من العالم"
فقد نظرت إلى الوراء، إلى العالم الذى تعلق به قلبها، فصارت عمود ملح… صارت درساً لكل من يضع إلى جوار الله شهوة أخرى يتعلق بها…
4-من الأمثلة الجميلة: تلاميذ المسيح ورسله
سمعان وأندراوس اللذان"تركا شباكهما وتبعاه" (مر18:1). ويوحنا ويعقوب إبنا زبدى، اللذان" تركا أباهما زبدى فى السفينة مع الأخرى وذهبا وراءه" (مر20:1). ومتى الذى ترك مكان الجباية، ولم يحفل بمسئولياته.والباقون الذين تركوا بيوتهم وزوجاتهم. وقلب كل منهم يردد عبارة "معك لا أريد شيئاً على الأرض". وبولس الرسول، الذى ترك مركزه الكبير وسلطته، وتحمل الآلام لأجل المسيح قائلاً:"خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكى أربح المسيح"، هكذا أيضاً كانت تربطه بالرب عبارة "معك لا أريد شيئاً على الأرض".
كلهم، بعد أن تركوا كل شئ، لم يندموا على شئ
شعور كل منهم : كيف أريد شيئاً من العالم، بعد أن أشرق على قلبى هذا النور العظيم، وبعد أن تعرفت على الرب، الذى هو أسمى من كل شئ، الذى وهبته قلبى، فصرت أنا كلى له، وصار هو لى.
5- مثال آخر، هو الرهبان، وتاجر الجواهر
الرهبان الذين عاشوا حياة التجرد الكامل، حياة النسك والزهد، لا يملكون شيئاً، بل قد نذروا الفقر الإختيارى، وارتفعوا فوق مستوى البيت والأولاد، وفوق مستوى المادة، وجالوا فى البرارى والقفار، معتازين
هؤلاء من عظم محبتهم للملك المسيح، قالوا له "معك لا نريد شيئاً من العالم"…
منهم أمراء تركوا الملك، مثل الأميرين مكسيموس ودماديوس. وأصحاب مناصب كبيرة تركوا مناصبهم، مثل الأنبا أرسانيوس معلم أولاد الملوك. وأغنياء تركوا غناهم مثل العظيم الأنبا أنطونيوس. ومتزوجون تركوا زوجاتهم مثل الأنبا آمون والأنبا بولس البسيط…كلهم قالوا للرب "معك لا نريد شيئاً على الأرض"…
لعل هذا يذكرنا بمثل التاجر الذى قال عنه السيد المسيح " يشبه ملكوت السموات إنساناً تاجراً لآلئ حسنة. فلما وجد لؤلؤةواحدة كثيرة الثمن، مضى وباع كل ما كان له واشتراها" (مت45:13،46). هذه اللؤلؤة الكثيرة الثمن، هى الحياة مع الله،وعشرته والتمتع به، التى من أجلها يبيع الإنسان الحكيم كل ما يكون له، ويقول للرب يكفينى أنت، معك لا أريد شيئاً على الأرض…
ما أجمل المبدأ الرهبانى الذى يقول ان الرهبنه هى : الإنحلال من الكل ، للإرتباط بالواحد.
أى أن القلب ينحل من كل شئ، ومن كل أحد، لكى يرتبط بالواحد الذى هو الله. وهذا الواحد، هو الذى يشبعه ويملأ كل كيانه، ويكون سبب سعادته وفرحه. هكذا عاش الآباء، بفكر منشغل بالله وحده…
6- مثال مريم ومرثا
زارهما السيد المسيح فى بيتهما. فانشغلت عنه مرثا بشئون الضيافة، وهى تظن أنه تفعل خيراً من أجله. أما مريم فجلست عند قدميه، تتأمله وتستمع إليه، مركزة كل عواطفها فيه، ولسان حالها يقول" معك لا أريد شيئاً على الأرض". وقد طوبها السيد المسيح بقوله عنها إنها اختارت النصيب الصالح. أما مرثا فقال لها الرب:أنت تهتمين وتضطربين لأجل أمور كثيرة، والحاجة إلى واحد (لو41:10). لعل مرثا ينطبق عليها قول ذلك الأديب الروحى :
"قضيت عمرك تخدم بيت الرب، فمتى تخدم رب البيت" حتى الخدمة لا يجوز أن تشغلنا عن عشرتنا بالرب، كما سنشرح فى صفحات مقبلة إن شاء الله. أما الآن فننقل إلى مثل آخر هو:
7- موسى النبى، بين القصر والبرية
موسى النبى كان يعيش فى قصر ملكى، وكان معتبراً أحد الأمراء، إبن إبنة فرعون، وكان يحيط به الغنى والجاه والسلطان. ولكن كل ذلك لم يدخل إلى قلبه، بل كان قلبه متعلقاً بملكوت الله. لذلك وضع فى قلبه أن يعيش للرب ويقول له "معك لا أريد شيئاً من العالم" "حاسباً عار المسيح غنى أعظم من خزائن مصر" "منفصلاً بالأحرى أن يذل مع شعب الله، على أن يكون له تمتع وقتى بالخطية" (عب25:11،26). وهكذا عاش مع الله كراعى غنم فى البرية، وكتائه مع الشعب فى سيناء، تاركاً متع الحياة فى قصر فرعون، فمع الله ما كان موسى يريد شيئاً على الأرض… لذلك استحق أن يكون كليم الله، وأميناً على كل بيته (عد7:12)، "فماً إلى فم وعياناً يتكلم الله معه، وشبه الرب يعين". هكذا صارت علاقته مع الله…
ولأنه مع الله لم يكن يريد شيئاً على الأرض، لهذا صار له الله نفسه، يتحدث معه أربعين يوماً على الجبل، ويصيره وسيطاً بينه وبين شعبه، ويقبل شفاعته فيهم، بل يجعله ينير معه على جبل طابور فى التجلى.
8- مثال آخر نتعلمه من أخطاء سليمان ورجوعه
كان سليمان ملكاً عظيماً جداً، أعطاه الرب عظمة وجلالاً ملكياً أكثر من جميع الذين كانوا فبله فى أورشليم، ومنحه حكمة. ولكن سليمان على الرغم من حكمته لم يقل للرب " معك لا أريد شيئاً على الأرض"، بل إنه على عكس ذلك قال "بنيت لنغسى بيوتاً، غرست لنفسى كروماً، عملت لنفسى جنات وفراديس… عملت لنفسى برك مياة… قنيت عبيداً وجوارى… جمعت لنفسى أيضاً فضة وذهباً وخصوصيات الملوك والبلدان، واتخذت لنفسى مغنيين ومغنيلت، وتنعمات بنى البشر سيدة وسيدات… ومهما اشتهتهعيناى، لم أمسكه عنهما " (جا4:2،10).
وفرح سليمان بكل تعبه هذا، الذى لم يكن مصدره الله، ولا محبته وعشرته. وفى كل ذلك أخطأ، حتى أصبح موضوع خلاص سليمان تحيطه علامة استفهام كبيرة…! وماذا عن كل تعبه؟ لقد صار كل هذا التعب باطلاً، وذكرتنا قصته بلوط فى سادوم.
حصاد السنين كلها، الذى أضاعه لوط فى نار سادوم: السعى وراء الأرض المشبعة، ولو أدى ذلك إلى ترك مذبح إبراهيم وعشرته، الكد والكفاح من أجل الثروة،إحتمال البيئة الفاسدةوعثراتها والتزاوج مع الاشرار… كل ذلك حرقته النار، وخرج منه لوط بلا شئ… تماماً مثل كل تعب سليمان، الذى ختمه بعبارة " الكل باطل وقبض الريح، ولا منفعة تحت الشمس"… حقاً إن العلاقة مع الله هى الثابتة والخالدة، وهى النافعة فى هذا العالم وفى العالم الآخر. وماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟!
9- إن أعظم مثال بشرى نضعه لعبارة "معك لا أريد شيئاً على الأرض" هو مثال آبائنا الشهداء
الذين أحبو الله، ليس فقط أكثر من كل متع الأرض، وإنما أكثر من الحياة ذاتها، فقدموا حياتهم من أجله، واثقين بأن هذه الحياة لها امتداد معه هناك فى الأبدية. وهكذا تركوا الدنيا كلها بكل ما فيها، ومعه لم يريدوا شيئاً على الأرض، ولا حتى أن يعيشوا فيها…
إن الذى يحب الله، ويكتفى به، يكون مستعداً أن يترك أى شئ من أجله، أو كل شئ من أجله…
10- والذى يترك من أجل الرب، يعوضه الرب أضعافاً
هوذا الرب يقول"كل من ترك بيوتاً ، أو أخوة أو أخوات، أو أباً أو أماً، أو إمرأة أو أولاداً، أو حقولاً، من أجل إسمى، يأخذ مئة ضعف، ويرث الحياة الأبدية" (مت29:19). هذا من جهة الجزاء. على أن الذين يتركون شيئاً من أجل الرب، إنما يتركونه ليس من أجل الجزاء، إنما من أجل محبتهم للرب التى ملكت كل قلوبهم، بحيث زهدوا كل شئ، وقالوا للرب: معك لا نريد شيئاًعلى الارض .
11- هذه العبارة ليست فى مجال الحب فقط ، إنما المعونة أيضاً
بهذه العبارة استطاع يعقوب الضعيف الخائف، أن يتقابل مع أخيه عيسو القوى العنيف، الذى كان معه أربع مئة رجل (تك6:32). أما يعقوب فلم يكن معه مثل هذا الجيش، وليس غير نسائه وأولاده وعبيده وإمائه. ولكن كانت له هذه الصلاة " نجنى من يد أخى، من يد عيسو، لأنى خائف منه… وأنت قلت لى: إنى أحسن إليك، وأجعل نسلك كرمل البحر" (تك11:32،12). أنا أعتمد على قوتك أنت يارب، ومعك لا أريد شيئاً على الأرض.
الإنسان الروحى يرى أن الله هو راعيه وحاميه وحافظه:
إن أحاطت به مشكلة، يحيلها إلى الله، فالله هو الذى يحل مشاكله، وليس هو. يقول للرب : من أنا، وما هى قوتى، وما هو فهمى حتى أحل مشاكلى؟ أنت يارب تعرف مشاكلى أكثر منى، تعرف الخفيات والظاهرات، المشاكل الواضحة لى، والمشاكل المستترة عنى، والمشاكل المقبلة فى الطريق.
بحكمتك يارب تستطيع أن تحل كل مشكلة. وبمحبتك تريد، لأنى أثق تماماً أنك تحبنى أكثر مما أحب نفسى، وتحرص على أكثر مما أحرص على ذاتى. أنا طفل أمامك "وحافظ الأطفال هو الرب" (مز6:116). لذلك أترك كل شئ فى يديك، واستريح بالإيمان، واثقاً أنه عندك حلول كثيرة، وواثقاً بأنه "إن لم يبن الرب البيت، فباطلاً تعب البناءون. وإن لم يحرس الرب المدينة، فباطلاً سهر الحراس " (مز1:127).
مادمت ياربى ترى تعبى، فهذا يكفينى. أنت يا ضابط الكل، الذى تحفظ العدل على الأرض، وأنت مريح التعابى، تحمل أوجاعنا وآلامنا. لست أشغل نفسى مطلقاً بمشاكلى،إنما أتركها فى يديك"ومعك لا أريد شيئاً على الأرض".
الذى يلتقى بالله، لا يحتاج لقوة خارجية. قوته هى الله
لذلك فهو يقول مع المرتل "قوتى وتسبحتى هو الرب، وقد صار لى خلاصاً لى خلاصاً" (مز14:118). قوته هى الرب نفسه. لا أسلحة العالم، ولا المعونة البشرية " فالإتكال على الرب خير من الإتكال على البشر"(مز118).
ولهذا يقول المرتل أيضاً "إلهنا ملجأنا وقوتنا، ومعيننا فى شدائدنا التى أصابتنا جداً… الرب إله القوات معنا. ناصرنا هو إله يعقوب" (مز1:46،7).
هذا الذى يرى أن قوته هى الله نفسه،لا يتكل على ذاته،على مواهبه وذكائه
وامكانياته، ولا يتكل على ذراع بشرى،أو على حيل بشرية،إنما يكفيه الله وحده،يحارب به،وينتصرببه،ويقوده الرب فى موكب نصرته.
لا يفكر كيف يتكلم،فالله هو الذى يتكلم على فمه"لستم أنتم المتكلمين،بل روح أبيكم الذى يتكلم فيكم" (مت20:10). ولستم أنتم الذين تدافعون عن أنفسكم، بل "قفوا وانظروا خلاص الرب. الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون" (خر13:14،14). الرب هو قوة لكم. وهو خلاص لكم. والذى يكتفى بالله،لا تعوزه قوة أخرى. بل يقول للرب "معك لا أريد شيئاً على الآرض".
12- وبهذا المبدأ تقدم داود الصبى لمحاربة جليات الجبار
شاول الملك قدم لداود الأسلحة والملابس الحربية،ولكنه تركها ولم يستعملها. وتقدم إلى جليات قائلاً"أنت تأتى إلى بسيف وبرمح وبترس، وأنا أتى إليك باسم رب الجنود" (1صم45:17). نعم يارب، أنا لا أملك أسلحةمثله،ولكن معى إسمك وقوتك. ومعك لا أريد شئ على الأرض…وحارب
داود بهذه القوة الإلهية التى أغنته عن كل أسلحة الحرب،لأن الحرب للرب (1صم47:17). وهو الغالب فى الحروب.
13- وخدعون فى هذا الأمر، علمه الرب درساً
لقد جمع 32ألفاً لكى يقاتل جيش المديانيين، ولكن الرب رأى هذا العدد كثيراً، لئلا الشعب إذا انتصر، يظن أنه بقوته وعدده قد انتصر وليس بالرب (قض2:7). وهكذا ظل الرب ينقص العدد وينقيه حتى وصل إلى ثلاثمائة فقط،حارب بها جدعون وغلب،لكى يعرف أن القوة هى من الله، ومادام الله معه،فلا يحتاج إلى قوة جيش لكلا ينتصر،إنما معه لا يريد شيئاً على الأرض،لا يعد قوة بشرية إلى جوار الله.
14- ومع الله أيضاً، لا نحتاج إلى حكمة بشرية
كثيراً ما يعتمد الحكماء على حكمتهم وفهمهم،وليس على الله الذى يقول "وعلى فهمك لا تعتمد" (أم5:3). لذلك إن سرت مع الله،فلا تبحث عن ذكائك أو حكمتك،لأن الله"إختار جهال العالم،ليخزى بهم الحكماء. واختار ضعفاء العالم ليخزى بهم الأقوياء…لكى لا يفتخر كل ذى جسد أمامه(1كو27:1-29)
إن داود النبى قال"ومعك لا أريد شيئاً على الأرض"، قال قبل ذلك مباشرة،فى نفس المزمور"وأنا بليد ولا أعرف. صرت كبهيم عندك،ولكنى معك فى كل حين. أمسكت بيدى اليمنى. برأيك تهدينى.وبعد إلى مجد تأخذنى."
(مز22:73،24). ليس حكمتى هى التى تهدينى إليك،إنماأنت تمسك بيدى،وبرأيك تهدينى. ومعك لا أريد شيئاً…
15- مرقس الرسول فى كرازته، كان مثالاً أيضاً
جاء يكرز فى مصر،بلا أية معونة بشرية،وبلا أية إمكانيات. لم تكن له فيها كنائس،ولا مؤمنون،ولا أية إمكانيات مادية. وعلى العكس كانت هناك عوائق من الديانات الراسخة،ومن الفلسفات القوية،ومن السلطة الرومانية… ولكن مار مرقس الذى دخل الإسكندارية ماشياً،وبحذاء مقطوع،قال للرب فى كرازته "معك لا أريد شيئاً على الأرض"… وقد كان. وبمعونة الرب وحده،تمم هذا الرسول خدمته،وكرز بالكلمة،وأوجد لله شعباً…
16- وكذلك أيضاً الرسل الإثنا عشر فى خدمتهم
أرسلهم الرب بلا كيس ولا مزود،بلا ذهب ولا فضة ولا نحاس فى مناطقهم(مت10). ومع ذلك لم يعوزهم شئ. لكى يستطيع كل رسولمنهم أن يقول للرب"معك لا أريد شيئاً على الأرض".
وعند باب الجميل،لم يكن مع بطرس شئ يعطيه للمتسول الأعرج. ولكنه قال له: الذى لى إياك إعطيه:باسم يسوع الناصرى قم وامش (أع6:3)… وهكذا كان بسم الاب و الابن و الروح القدس الرب كافياً،ومعه لا يريد الرسول شيئاً على الأرض.
17- حتى الذات لا نريدها أيضاً
فى الخدمة،يكفيك الرب،لست تحتاج إلى ذهب ولا فضة،ولست تحتاج إلى حكمة بشرية،يكفيك الرب الذى يعطيك فماً وحكمة… وحتى ذاتك أيضاً لست تحتاج. فقد قال الرب "من أراد أن يتبعنى،فلينكر ذاته" (مر34:8).
بل قال أيضاً "من أضاع نفسه من أجلى،يجدها" (مت39:10).
إذا قف أمام الله مجرداً من كل شئ،تكفيك نعمته.قل له فى إيمان وثقة"معك لا أريد شئ على الأرض" ، "إننى معك فى كل حين".
ولكن هل أنت حقاً لا تريد سوى الله،أم لك أشياء أخرى تريدها؟… أن كان لك ما تريده إلى جوار الله،فهذا يمثل خطورة فى حياتك. فما هى ؟…

منقول
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
"مَنْ لي في السماء. ومعك لا أريد شيئاً في الأرض"
معك لا أريد شيئاً على الأرض
معك لا أريد شيئاً على الأرض
معك لا أريد شيئاً على الأرض
معك لا أريد شيئاً على الأرض


الساعة الآن 04:14 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024