منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06 - 02 - 2018, 05:34 PM   رقم المشاركة : ( 971 )
sama smsma Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية sama smsma

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 8
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : قلب طفلة ترفض أن تكبر
المشاركـــــــات : 91,915

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

sama smsma غير متواجد حالياً

افتراضي رد: اكبر مجموعة متنوعة من أقوال الأباء وكلمة منفعة

لا نمل في شدائدنا ـ القديس يوحنا سابا




الطوبي أعطيت لشقوتنا وطبيعتنا الضعيفة التي استحقت أن تشرب كأس آلام مخلصنا، لاني انا عارف ان من شرب كأس المر هذا فانه يقوده الي المجد الذي للقديسين والفرح الذي لا ينطق به، وبهم يبتهج الحرصاء وتجعلهم ممجدين بمجد مُمَجِدهم.
ان المجاهد الذي ينظر الاكليل لا يمل من شدة الحرب ولا يجزع، الاكليل الذي يكلل به المسيح محبيه بعد انتهاء جهادهم علي الارض هو نظر الثالوث القدوس، فطوباك ان نظرت الي هذا الهدف ايها المجاهد ولم ترجع الي الوراء.
حتي وان ضربت بسهم من أعدائك فان الهك الحافظ لك في جريك في طريق الجهاد الروحي هو يشفي جراحاتك ويدهنك بدهن الطيب دهن الفرح ويريح اعضاءك المتعبة التي شقيت من اجله، وحتي وان كان نور عينيك الخارجي قد اظلم من شدة الاحزان، فسريعا ستصل الي البلد التي شمسها هو الخالق وهو يغمر وجهك بالنور الذي ليس له ظل، الاعضاء التي اصطبغت بدم ذاتها لاجل محبة الختن المبتغي من الكل هي تشرق بمجد الاله الازلي الذي اعطي لهم عربونا من ها هنا.
اذا فلا نكن غرباء عن الجهاد فنشبه اولئك الذين ماتوا بسبب رفضهم للناموس الملكي، ولنستدع عظيم قواتنا لمعونتنا فهو يعطينا الغلبة والنصر، ولنطرح امامه ضعفنا وهو يصير قوة لنا في اعضائنا، ولنكن عطاشا لنظره وهو يرينا حسن وجهه وبهاء منظره.
فان كل الذين تخلوا عن مقتنياتهم من اجل محبته فانهم ياخذون لهم مما له لنعيمهم وسعادتهم وفرحهم، وكل الذين شربوا الصبر والمر بالجهاد مع طبيعتهم ليبدلوا مشيئتهم بمشيئة خالقهم فانهم يتكئون في مساكن الابرار كما قال الرائي ان المسيح هو مائدتهم ومنه يتغذون، ومن اجل ان طعامهم تمرر بالدموع والتنهد فانهم يشبعون بالله بابتهاج القلب، ولاجل انهم ايضا رذلوا الزفرة والنجسة واستبدلوها بسكر محبته ففيهم ايضا يشرق جمال منظره الذي يشتاق اليه الكل.
ان الشهوة المنافقة الباطلة بعد قليل تخمد وتنطفئ ….
فاذا اشتدت عليك حرب الشهوة اصرخ اللي الله بتنهد قائلا:

يا الله الصالح

اعطني ان اموت موت الجسد

لئلا اموت عن الحياة التي فيك

لا ياربي انني لا اصلح للقتال

بل انا عاجز لا توجد فيّ قوة للجهاد

فخذ مني وجع هذا القتال
فان النفوس تتلذذ بدسم حلاوة الخالق وتصطبغ بها الاعضاء، وهو يكون لهم رائحة طيبة يشتمونها، وكل الذين ذاقوا هذا فانهم لا يملون كثرة التجارب، وكل الذين يشاءون ان يذوقوا فعليهم الا يملوا، لان هذا هو رجاؤهم، اذ بعد قليل تشرق شمس الفرح داخلهم، فلا يعودون يتذكرون احزان وضنك زمن التجارب،
فبقدر صعوبة الاحزان بقدر عظم الافراح الآتية.
اذا فلا نمل في شدائدنا يا اخوتي لاننا لا نترك نجرب فوق طاقتنا

فأمين هو الاله الصالح له المجد الي الأبد آمين
  رد مع اقتباس
قديم 06 - 02 - 2018, 05:34 PM   رقم المشاركة : ( 972 )
sama smsma Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية sama smsma

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 8
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : قلب طفلة ترفض أن تكبر
المشاركـــــــات : 91,915

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

sama smsma غير متواجد حالياً

افتراضي رد: اكبر مجموعة متنوعة من أقوال الأباء وكلمة منفعة

حملان وسط ذئاب ـ القديس يوحنا ذهبي الفم



« ها أنا أرسلكم كغنم في وسط ذئاب، فكونوا حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام» (مت 10: 16)
بعد ما طمأن الرب تلاميذه على ضروريات حياتهم في إرساليتهم، وبعد ما سلَّحهم بقوة إجراء المعجزات؛ تكلَّم معهم عمَّا هو عتيدٌ أن يصيبهم، هم ومَن سيأتي بعدهم على مر العصور، وأعدَّهم منذ الابتداء للحرب ضد الشيطان مُسبقاً قبل أن يحدث ذلك بوقتٍ طويل، وبهذا حقَّق لهم عدة فوائد: فأولاً، لقد أدرك التلاميذ قوة علمه السابق؛ ثم إنه ثبَّتهم حتى لا يشكَّ أحدٌ أنه بسبب ضعف معلِّمهم أتت عليهم الشرور؛ وثانياً، إنه شدَّدهم حتى لا يُصدموا بهذه الأمور عند حدوثها كما لو كانت غير متوقَّعة وعلى غير ما كانوا يظنون؛ وأخيراً فإنه أعدَّهم حتى لا يضطربوا عندما يسمعون عن الضيقات وعندما يتواجهون مع الصليب، لأنهم كانوا منزعجين حقاً في ذلك الوقت حينما وبَّخهم قائلاً: « لأني قلتُ لكم هذا قد ملأ الحزن قلوبكم… وليس أحدٌ منكم يسألني أين تمضي» ( يو 16: 5،6)
ولنلاحظ أنه حتى ذلك الحين لم يكن قد قال لهم شيئاً عن نفسه، مثل أنه سيُوثَق ويُقبض عليه ويموت، وذلك حتى لا ينشغل بالهم، بل أعلن لهم فقط في ذلك الوقت ما يتعلَّق بأنفسهم هم. وقد أراد الرب أن يُعلِّم تلاميذه أنهم بصدد مجال جديد للنضال، وأن أسلوب استعدادهم لهذا المجال ليس مألوفاً لديهم. فها هو يرسلهم مجرَّدين وبلا ثوب (إضافي) ولا أحذية ولا عصا ولا كيساً ولا مذوداً، ويأمرهم أن يقبلوا أن يُعالوا مِمَّن يقبلهم. وهو لم يُقصِر حديثه عند هذا الحد، بل أوضح قوته التي لا يُعبَّر عنها بقوله لهم: وحينما تمضون هكذا، أَظهِروا وداعة الحملان رغم أنكم ذاهبون إلى ذئاب، ليس فقط ذاهبون إلى الذئاب بل أيضاً ستعيشون وسطهم.
إنه يأمرهم، ليس فقط بوداعة الحملان، بل أيضاً ببساطة الحمام. وكأني به يقول: لأني هكذا سأُظهِر قوتي كأعظم ما تكون، حينما تصبح الحملان أفضل من الذئاب حتى وهي وسط الذئاب وتتلقَّى منها آلاف النهشات والذئاب أبعد من أن تلتهمهم؛ بل بالعكس فإن الحملان هي التي ستترك تأثيرها عليها، وهذا أمر أعظم جداً وأكثر عجباً من أن تقتلها. فهي عتيدة أن تغيِّر روحها وأن تقوِّم عقلها، هذا مع كونهم اثني عشر رسولاً فقط وسط العالم كله وهو مليء بالذئاب.
إذن، فليتنا نخزى نحن الذين نفعل العكس، الذين ننطلق كالذئاب على أعدائنا. ولكن طالما نحن حملان فسوف نَغلب، حتى ولو كان هناك عشرة آلاف ذئب يحومون حولنا، فنحن سنغلبهم بالخير والمحبة. أما إذا جعلنا أنفسنا ذئاباً فسوف نصير على حالٍ أسوأ، لأن معونة راعينا ستتخلَّى عنا، لأن الرب لا يعول الذئاب بل الحملان. إنه يتركنا ويعتزل لأننا لا نعطيه الفرصة ليُظهِر قوته معنا. فإن وضعنا في اعتبارنا أن كل النصرة تأتي من لدنه، فإن أصابنا أي سوء، فحينئذ سيُظهر لطفه معنا بقوة. أما إن كنا نرد على الضربات فإننا نُظهر بذلك أننا نتجاهل نصرته.
ولكني أتوسل إليكم أن تسألوا أنفسكم: مَن كان أولئك الذين وُجِّهت إليهم هذه الوصايا الصعبة والشاقة؟ إنهم أولئك الوَجلون الأُمِّيون غير المتعلمين ولا المهذَّبين، خاملو الذكر من كل ناحية، الذين لم يتدربوا قط على شرائع الأمم، الذين لم يتهيَّأوا ليُقدِّموا أنفسهم في المواقف العامة، الصيَّادون والعشَّارون، أُناسٌ ذوو ضعف شديد. لأنه إن كانت هذه الصعوبات كافية لأن تُحبط الأكابر والعظماء، فكم بالأَوْلى تُثني وتُفشِل غير المدرَّبين في أي ناحية، وعلى الأخص مَن لم يتمتعوا قط بأية قدرات ذهنية عظيمة؟ ومع ذلك فلم تثنِ هذه الضيقات عزمهم.
ورُبَّ مَن يقول: “إن ذلك أمر طبيعي جداً، لأنه أعطاهم قوة لتطهير البُرْص وإخراج الشياطين.” ولكني أُجيبه هكذا: إن نفس هذا الأمر كان كافياً ليُحيِّرهم أكثر، لأنه بالرغم من إقامتهم للموتى كان عليهم أن يجوزوا في تلك الشرور المتعبة، عَبْرَ المحاكمات والاضطهادات والحروب التي سيُثيرها الجميع ضدهم، فضلاً عن بغضة العالم لهم بصفة عامة، فكيف تقابلهم كل هذه الفظائع وهم يُجرون كل هذه المعجزات؟ فماذا كانت، إذن، تعزيتهم عِوَض هذه الضيقات جميعاً؟ إنها قوة ذاك الذي أرسلهم. لذا فهو يضع هذه الكلمات أمامهم قبل أي شيء آخر: «ها أنا أُرسلكم». وهذا يكفي لتشجيعكم حتى تأمنوا ولا تخشوا أحداً مِمَّن يعتدي عليكم.
فهل أنت ترى سلطةً أو امتيازاً أو قوةً غير مقهورة؟ إنه يعني بها، كما يُفهم من كلامه، أن لا تضطربوا حينما آمركم أن تكونوا مثل الحملان والحمام، وأنا أُرسلكم وسط الذئاب، لأني بالحقيقة كنتُ أستطيع أن أفعل العكس، فأجعلكم لا تُقاسون أية أهوال، ولا تتعرضون للذئاب. كنتُ أستطيع أن أجعلكم أقوى جداً من الأسود، ولكن كان من المناسب أن تكونوا هكذا، فإن هذا يُمجِّدكم أيضاً أكثر ويُعلن عن قوتي أكثر.
لقد قال الرب هكذا لبولس: «تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تُكمَل» (2كو 12: 9)، ولاحظوا الآن أني أنا الذي تسببت في أن تكونوا هكذا، وهو يشير إلى ذلك بقوله: «ها أنا أُرسلكم كغنم». فلا تجزعوا، إذن، لأني أعلم – أعلم يقيناً – أنه بهذه الوسيلة أكثر من أي وسيلة أخرى ستكونون غير مقهورين من الجميع. بعد ذلك فإنْ كان هؤلاء الرسل ينسبون شيئاً لذواتهم أو إن كـانوا يتصوَّرون أن لا شيء يبدو أنه مـن عمل النعمة، أو كأنه بحكمتهم سوف يُكلَّلون، لـذا قال: «كونوا حُكماءَ كالحيَّات، وبسطاءَ كالحمام».
ولكن رُبَّ سائل: هل إن حكمتنا ستُلازمنا عند الأخطار الداهمة؟ لا. بل كيف سيمكننا اقتناء الحكمة أساساً حينما تطغى علينا الأمواج الكثيرة؟ لأنه دَعْ الحَمَل يكون وديعاً دائماً وهو وسط الذئاب الكثيرة جداً، فماذا تُراه يستطيع أن يفعل؟ ودَعْ الحمامة تكون دائماً بسيطة، فماذا تُراها ستنتفع حينما تُصوَّب السهام لتقضي عليها؟ نجيبه: إن هذا في الواقع لا يَصْدُق مطلقاً مع العجماوات، أما معك فسيَصْدُق كثيراً وبلا شك.

ولكن دعنا نرى أيَّ نوع من الحكمة يتطلَّبها منا الرب، إنه يقول: ”حكمة الحية“، لأنه حتى وإن فَقَدَ هذا الحيوان كل شيء، وإن كان يمكن أن يُقطع كل جسمه، فهذا لا يهمه كثيراً في سبيل أن تُنْقَذ رأسه. فالرب يقول افعلْ أنت أيضاً هكذا. فرِّط في كل شيء عدا الإيمان، فالممتلكات والجسد والحياة ذاتها يمكن أن تخضع لكل هذا. أما الرأس فهي الأساس، وإن حُفظت لك الرأس (أي الإيمان) رغم فقدانك كل شيء، فسوف تسترجع الكلَّ بوفرة، بل وبأعظم جداً مما كانت.
وعلى ذلك فهو لم يأمر أن يكون لنا القلب البسيط سليم النية فقط، ولا مجرد الحكمة فقط، بل قد ربط بين الاثنين حتى ما يصيرا معاً فضيلة. فنتخذ لنا حكمة الحيَّة حتى لا نُصاب في أكثر الأمور حيوية لدينا، وكذا تكون لنا بساطة وسلامة قلب الحمامة حتى لا نثأر من فاعلي الشر معنا فلا ننتقم لأنفسنا مِمَّن يتآمرون علينا، حيث إن الحكمة لا تكون بذي جدوى إلاَّ إذا أُلحقت بها البساطة.
والآن لنتساءل: هل هناك ما هو أقسى من هذه الوصايا؟ أَلاَ يكفي فقط احتمال الشر؟ إنه يجيب: لا، لأني لا أسمح لكم قط أن تكونوا ساخطين، وهذه هي صفة ”الحمامة“. كما لو ألقى إنسان قصبة في النار ويأمرها ألاَّ تحترق بالنار، بل بالحري أن تنطفئ.

ومع ذلك فليتنا لا نضطرب. كلاَّ، لأن هذه الأمور قد حدثت فعلاً، وقد تمَّت فعلاً، وقد أُظهِرَت بالحق تماماً، وقد صار الناس حكماء مثل الحيَّات وبسطاء مثل الحمام. وقد تمَّ هذا ليس لأنه قد صارت لهم طبيعة أخرى غير تلك التي لنا، فهُم من نفس طبيعتنا فعلاً.
وليت لا يظن أي واحد أن هذه الوصايا غير عملية، لأن الرب يعرف طبيعة الأمور أكثر من جميع الآخرين. إنه يعرف أن العنف لا يخمده العنف بل الكياسة. وإن كنتَ تريد أن ترى هذه النتيجة مُنفَّذة فعلاً في أعمال الناس أيضاً، فاقرأ سفر أعمال الرسل وسوف ترى كيف أنه كثيراً ما ثار اليهود ضد هؤلاء الرسل وصرُّوا بأسنانهم عليهم؛ أما هم فإذ كانوا يتشبَّهون بالحمامة فيُجيبون بوداعة لائقة أَذْهَبَتْ عن الغاضبين غضبهم، وأخمدت جنونهم، وكسرت حدَّة اندفاعهم. كما حينما قالوا لهم: «أَمَا أوصيناكم وصية أن لا تُعلِّموا بهذا الاسم» (أع 5: 28). ورغم أنهم كانوا قادرين على أن يجروا المزيد من المعجزات إلاَّ أنهم لم يقولوا ولم يفعلوا أي شيء بعنف؛ بل أجابوا عن أنفسهم بكل وداعة قائلين: «إن كان حقاً أمام الله أن نسمع لكم أكثر من الله فاحكموا» (أع 4: 19).
فهلاَّ رأيتَ وداعة الحمامة؟ انظر جيداً إلى حكمة الحيَّة: «لأننا نحن لا يمكننا أن لا نتكلَّم بما رأينا وسمعنا» (أع 4: 20). أَلاَ ترى كيف يجب أن نكون نحن كاملين في جميع الأمور حتى لا نصغر أمام الخطر فنثور من قبيل الغضب!
  رد مع اقتباس
قديم 06 - 02 - 2018, 05:35 PM   رقم المشاركة : ( 973 )
sama smsma Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية sama smsma

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 8
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : قلب طفلة ترفض أن تكبر
المشاركـــــــات : 91,915

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

sama smsma غير متواجد حالياً

افتراضي رد: اكبر مجموعة متنوعة من أقوال الأباء وكلمة منفعة

لا يستطيع أحد أن يؤذي إنسانًا ما لم يؤذ هذا الإنسان ذاته ـ القديس يوحنا الذهبي الفم



1- المقدمة
إنني أعرف جيدًا أن جامدي الفكر، المتلهفين في جريهم وراء الأمور الزمنية، المربوطين بمحبة العالم، المأسورين تحت عبودية اللذات الجسدية، الذين ليس لديهم إدراك قوى للمفاهيم الروحية، هؤلاء إذ يرون أن ما أنطق به منذ بدايته غير معقول، لذلك يكون لهم هذا المقال غريبًا ومتناقضًا، ويفرطون في الاستهزاء به. لكن هذا لن يعوقني عن تحقيق ما وعدت به، بل بالعكس يدفعدي إلى الاجتهاد في البرهنة عليه.
وإنني أرجو من أولئك الذين لهم وجهة نظرهم هذه في الموضوع. الذي أتكلم فيه أن ينتظروا حتى نهاية حديثي. وأنا متأكد أنهم سيأخذون برأيي ويدينون أنفسهم، مكتشفين أنهم كانوا مخدوعين حتى هذه اللحظة، وعندئذ ينقدون اعتقادهم! الخاطئ , الذي تمسكوا به في هذا الشأن، معتذرين طالبين الصفح، بل وشاكرين إيايّ كثيرًا، كما يفعل المرضى بالأطباء عندما يشفوا من أتعاب أجسادهم.
لهذا لا تخبرني ما هو رأيك الآن، بل انتظر حتى تسمع منى براهيني، وعندئذ تحكم حكمًا صائبًا، دون أن يعوقك جهلك عن ذلك. لأنه في القضاء، حتى في الأمور الزمنية، إذا رأوا الخطيب الأول يقدم حججًا قوية وينقد كل بند تمامًا، إلا أنهم لا يكتفون بذلك معلنين حكمهم ما لم يستمعوا إلى الخطيب الثاني (المحامي) الخصم للخطيب الأول. فحتى وإن بدت ملاحظات الأول حقيقية إلى درجة كبيرة، لكنهم يحجزون الحكم حتى يستمعوا للثاني. بالحقيقة إن عظمة القضاة تكمن أولاً في استماعهم بدقة لكلى الطرفين وبعدئذ ينطقون بالحكم.
هذا المفهوم (الخاطئ) يقول: “كل الأشياء قد قلبت رأسًا على عقب وأن الجنس البشرى مشحون باضطرابات كثيرة، إذ كثيرون يخطئون كل يوم، كثيرون يشتمون، كثيرون يخضعون تحث العنف والشر. فالضعيف مذلول للقوي، والفقير يخضعه الغنى. هنا نستبدل الخطيب بالمفهوم العام الذي صار له مع مرور الزمن أساس عميق في داخل أفكار الجماعة، وصار له تأثير قوي في العالم.
وكما يستحيل إحصاء عدد أمواج البحر، هكذا لن يمكن إحصاء ضحايا الساقطين تحت أعباء المكائد والإهانات والآلام ولا يمكن لا بتعديل القانون، ولا بالإرهاب عن طريق القضاء ولا بشيء من هذا القبيل، يقدر أن يوقف تيار هذا الوباء والاضطراب، إنما في كل يوم يتزايد الشر أكثر فأكثر. حتى أصبحت تنهدات المتألمين وندبهم ونحيبهم أمر جماعي مألوف…
وهناك من يتمسكون بنوع جديد من الحمق، اتهام عناية الرب عندما يرون الإنسان العفيف كثيرًا ما يكون مأسورًا تحت العنف ومضروبًا ومهانًا بشدة، بينما الإنسان الوقح القاسي الوضيع يصب مضايقات لا تحصى على من هم أكثرمنه عفة، ويتجنى على من في المدينة أو في البلد أو في الصحراء والبحر والبر. هذا المقال الذي أدليّ به ضروري حتى يصحح ما يزعمونه… مثبتًا، إن أي إنسان أخطأ إنما يصيبه الضرر بيديه، ولم يبعثه على الخطأ إنسان أخر.
2- لكل مخلوق عدو يؤذيه
لكي أبرهن على ما قلت بوضوح أكثر علينا أولاً أن نتساءل ما هو الظلم؟من أي شيء تتكون مادته؟ما هو الصلاح البشري؟وما الذي يدمره؟وما الذي يبدو أنه يدمره لكن في الحقيقة لا يدمره؟ وإذ يلزمني أن أؤكد حجتي بأمثلة، أقول بأن كل شيء له عدو شرير يؤذيه. فالحديد يفسده الصدأ، والخشب يفسده السوس، وقطيع الخراف تهلكه الذئاب، وخواص الخمر تفسد بالاختمار حتى يصل إلى أن يصير طعمه حامضًا ( لاذعًا)، والعسل يفقد خواصه عندما يفقد حلاوته الطبيعية ويتحول إلى عصارة مرة، وسنابل القمح يهلكها اليرقان (التعفن)، والجدب وأشجار أخري تؤذيها الديدان، ومخلوقات غير عاقلة يهلكها أنواع معينة من الأمرًاض.
ولكي لا نطيل الحديث… نذكر أن جسدنا يتعرض للحُميات والشلل، ولكثير من الأمرًاض الأخرى.إذن كل شيء له من يفسد خواصه أو صلاحيته. والآن لنفكر ما هو هذا الذي يحطم الجنس البشرى، وما هو الذي يهلكصلاح الإنسان؟ غالبية البشر تظن أن هناك أشياء كثيرة قادرة على إهلاكنا. فعلينا أن نوضح الآراء الخاطئة في هذا الأمر… مظهرين بوضوح أنه لا يوجد شيء يقدر أن يجلب علينا ضررًا أو هلاكًا ما لم نخون نحن أنفسنا بأنفسنا.يتصور ذوو الأفكار الخاطئة، أنه يوجد أشياء كثيرة تقدر أن تفسد صلاحنا. البعض ينظر إلى الفقر، وآخرون إلى الأمراض البدنية، وآخرون إلى فقدان الممتلكات، أو حلول المصائب، أو الموت.
أمثال هؤلاء دائمو البكاء والندب لحلول هذه الأمور. وبينما هم يرثون لحال المتألمين ويسكبون الدمع يقولون مضطربين: “يا لها من نكبة. قد حلت هكذا بالرجل فقد تبددت أمواله”، وآخر يقول: “قد أصيب رجل بمرض خطير ويئس الأطباء من علاجه!!” وآخرون يبكون من أجل المسجونين، والبعض يندبون المنفيين… وآخرون يبكون الغرقى والذين أصابهم الحريق والذين ماتوا تحت أنقاض منزل، ولكن لا يبكى أحد السالكين في الإثم. بل بالعكس يهنئونه هؤلاء الذين هم اردأ حالاً من الكل، مشجعين إياهم على ارتكاب كل الشرور.
والآن يلزمني أن أؤكد… أن لا شيء من هذه الأمور تقدر أن تؤذى الإنسان الذي يعيش بوقار، ولا تستطيع أن تفقده صلاحه.مثال ذلك: أخبرني لو أن إنسانًا فقد كل ماله بواسطة محتالين أو لصوص. ماذا يمكن لهذه الخسارة أن تفعل بصلاحه؟!وان كنت أريد أن أوضح هذا الأمر، يلزمني أولاً أن أشير إلى مفهوم صلاح الإنسان معالجًا الموضوع بأمثلة أخرى من المخلوقات حتى يمكن أن يكون الأمر جليًا وأكثر إدراكًا لغالبية القراء.
3- ليكن لك هدف واضح
ما هو صلاح الفرس؟ هل يَكمن في ما له من لجام مذهب وسرج مناسبة وأربطة من خيوط حريرية لربط الجل، وأقمشة ذات ألوان مختلفة وما عليه من ثوب ذهبي، وعُدة للرأس مُرصعة بالجواهر، وغطاء فوق الشعر مضفر بحبل ذهبي؟! أم يكمن في خفة حركته وقوة أقدامه وخطواته… شجاعته، قدرته على القيام بالرحلات الطويلة واستخدامه في الحرب، وقدرته على التصرف بهدوء في ميدان المعركة، وإنقاذه لصاحبه إن حدثت هزيمة؟!أليس من الواضح أن الأمور الأخيرة لا الأولى هي التي يكمن فيها صلاح الفرس؟!
وأيضًا ماذا تقولون عن صلاحية الحمير والجحش؟ أليست تكمن في القدرة على حمل الأثقال بلا اضطراب، والمثابرة على الرحلات الطويلة بسهولة، وصلابة حوافره كالصخر؟!هل تستمد هذه الحيوانات صلاحيتها الحقيقية من الزينة الخارجية؟!وأي نوع من الكروم تعجب بها؟! هل التي تحمل أوراقًا كثيرة أم المثقلة بالثمار؟!أي نوع من الصلاحية نعزي به الزيتونة، هل ما لها من فروع ضخمة وأوراق كثيرة أم حملها بثمار وفيرة من كل جانب من جوانبها؟!حسنًا، إذن فلنسلك على نفس المنوال بالنسبة للمخلوق البشري، حتى نعرف مفهوم صلاح الإنسان، وما هو الشيء الوحيد الذي يقدر أن يؤذيه.
4- مفهوم صلاح الإنسان
ما هو إذن صلاح الإنسان؟ صلاح الإنسان لا يكمن في الغنى حتى نخاف الفقر، ولا في الصحة البدنية فنرهب المرض، ولا في نظرة الناس إليك حتى تحذر ما يقوله الناس عنك بشرٍ، ولا في الحياة هنا في ذاتها حتى ترتعب من الموت… إنما يكمن صلاحه في التمسك بالتعاليم الحقيقية، والاستقامة في الحياة، الأمر الذي لا يستطيع أحد، حتى الشيطان نفسه، أن يسلب الإنسان إياه طالما كان حريصًا عليه كما ينبغي.
وهذا الأمر يدركه تمامًا حتى أخبث الشياطين وأشدهم. لهذا جرد الشيطان أيوب من مادياته لا ليجعله فقيرًا، إنما ليلزمه أن ينطق بكلمة تجديف على الله. وعذب جسده لا ليذله بالمرض، بل ليحبط صلاح نفسه. لكنه عندما نفذ كل حيله، وجعل هذا الغني فقيرًا… وحرمه من أبنائه… ومزق جسده بوحشية لا يقدر الجلادون أن يفعلوها، لأن أدوات التعذيب لا تقدر أن تمزق كل جانب من جوانب الجسد كما يفعل الدود الذي كان في جسده، وأفسد الشيطان سمعته حتى أعلن أصدقاؤه الحاضرون معه أن هذا جزاء له عن خطاياه التي يستحقها، موجهين ضده اتهامات كثيرة، وطرده من مدينته وبيته لا إلى مدينة أخرى، بل صارت مزبلة مدينته بيته…
كل هذا لم يؤذِ أيوب بل بالعكس تمجد بالأكثر على حساب هذه المكائد التي صبها ضده. لقد أخذ الشيطان منه كثيرًا لكنه لم يسلبه شيئًا من صلاحه. بل دفعه بالأكثر لتزداد قوة صلاحه. لأنه بعد ما حدثت له هذه الأمور تمتع بثقة أعظم بقدر ما حاربه خصم قوي. والآن إن كان الذي كابد آلامًا مثل هذه، التي ليست من عمل إنسان، بل من عمل الشيطان الأكثر شرًا من كل البشرية، هذا لم يصبه أي ضرر، فهل تقول أنت بأن إنسانًا ما قد أضرك أو حطمك… إن كان الشيطان، المملوء مكرًا عظيمًا هذا مقداره، بعدما صب كل ما في حقيبته، واستخدم كل أسلحته، وصب كل شروره ضد إنسان ذا مركز سامً عائليًا، وبار، ومع هذا لم يسبب له أذى، بل بالحري كما قلت أنه أفاده، فكيف تقدر أن تتهم إنسانًا أو آخر أنه يحمل في يديه ضررًا، لغيره، وليس لنفسه؟!
5- لماذا تخاف من مفسد خارجي؟!
الشيطان! قد يقول قائل: ألم يؤذي الشيطان آدم، إذ أفسد كيانه وأفقده الفردوس؟ لا، إنما السبب في هذا يكمن في إهمال من أصابه الضرر، ونقص ضبطه للنفس، وعدم جهاده. فالشيطان الذي استخدم المكائد القوية المختلفة لم يستطع أن يخضع أيوب له، فكيف يقدر بوسيلة أقل أن يسيطر على آدم، لو لم يغدر آدم بنفسه على نفسه؟!
الظلم! ماذا إذن؟! ألاَّ يصيب الأذى من يتعرض للافتراءات ويقاسي من نهب الأموال، فيحرم من خيراته ويطرد من ميراثه ويناضل في فقر فادح؟! لا، بل ينتفع إن كان وقورًا،. لأنه هل أضرت هذه الأمور الرسل؟ ألم يجاهدوا دائمًا مع الجوع والعطش والعُري؟! وبسبب هذه الأمور صاروا مُمجدين ومشهورين وربحوا لأنفسهم معونة أكثر من الرب؟!
المرض! وأيضًا أي ضرر أصاب لعازر بسبب مرضه وقروحه وفقره وعدم وجود من يقيه؟ ألم تكن هذه الأمور تُضفر له إكليلاً من زهور النصر؟!
مديح الناس وذمهم! وأي ضرر أصاب يوسف عندما أتهم بسمعة شريرة، في أرضه أو في غربته فقد أتهم بالزنا والفسق؟! وماذا أصابه من الذين صيروه عبدًا منفيًا؟! أليس بسبب هذه الأمور صار يوسف موضع إكرام وتقدير؟!

الموت! ولماذا أتحدث عن النفي في أرض غريبة، أو الفقر أو تشويه السمعة أو الأسر، فإنه أي ضرر أصاب هابيل بموته، مع أنه مات موتًا عنيفًا، في غير أوانه. وبيديّ أخيه؟! أليس على حساب هذا صارت سمعة هابيل تجوب المسكونة كلها؟!
أنظر إذن كيف أكد المثال أكثر مما وعدت، لأنه لم يقف عند حد أن الإنسان لا يضره غيره، بل ينال نفعًا عظيمًا على يديّ مناضليه.
6- فلماذا يعاقب الله مدبري المكائد؟
قد يقال: إذن ما هو هدف التأديبات والعقوبات؟ ولماذا وجد الجحيم؟ وما فائدة التهديدات الكثيرة، مادام لا يضر أحد غيره ولا يصيبه ضرر من غيره؟… إنني لم أقل أنه لا أحد يضر غيره، بل لا أحد يصيبه ضرر من غيره. وكيف لا أحد يصيبه ضرر من غيره مادام كثيرون يضرون غيرهم؟!… إخوة يوسف مثلاً أضروا يوسف، لكن يوسف نفسه لم يصبه الضرر. وقايين ألقى بشباكه لهابيل، ولكن هابيل لم يسقط فيها. وهذا هو السبب الذي لأجله وجدت التأديبات والعقوبات.
فالله لا يرفع العقوبة عن مدبر الضرر لمجرد صلاح محتمل الضرر، بل يؤكد عقوبته بسبب شر صانع الإثم. فإنه بالرغم من أن الذين يسقط عليهم الشر، يصيرون أكثر مجدًا على حساب المكائد المدبرة ضدهم، لكن هذا لم يكن في نية مدبرى الشر، إنما بسبب شجاعة من هم ضحيتهم. لذلك فإن الأخيرين تعد لهم أكاليل الحكمة، أما الأولون فتعد لهم جزاءات شرورهم.
هل سلبت أموالك؟ أذكر تلك الكلمات “عريانًا خرجت من بطن أمي وعريانًا أعود إلى هناك” (أي 1: 21). وأضف إليها كلمات الرسول: “لأننا لم ندخل العالم بشيء وواضح أننا لا نقدر أن نخرج منه بشيء” (1 تى 6: 7).هل أُسيء إلى سمعتك، وحملك البعض بشتائم لا حصر لها؟ اذكر العبارة القائلة: “ويل لكم إذ قال فيكم جميع الناس حسنًا” (لو 6: 26). وأيضًا إن: “قالوا عليكم كلمة شريرة… افرحوا وتهللوا” (مت 5: 11).هل أخذت إلى المنفي؟ أذكر أنه ليس لك هنا موضع بل إن كنت حكيمًا يلزمك أن تنظر إلى العالم كله كأرض غربة.هل أصبت بمرض خطير؟ أقتبس ما يقوله الرسول: “إن كان إنساننا الخارج يفنى فالداخل يتجدد يومًا فيومًا” (2 كو 4: 16). هل يعانى إنسان من موت عنيف؟ ليذكر يوحنا الذي قطعت رأسه في السجن وأخذت في طبق وقدمت مكافأة عن رقص زانية. تأمل المكافأة التي تنالها على حساب هذه الأشياء، فإن كل هذه الآلام عندما تسقط ظلمًا من إنسان على آخر تنزع خطايانا وشرنا (إذ نتقبل الظلم بلا تذمر مؤمنين بالله مترجين الحياة الأخرى، فتعمل هذه الأمور على تزكيتنا). إذن عظيم هو نفع هذه الأتعاب بالنسبة للذين يحتملونها بشجاعة!!
7- الأذى يصيب الظالم لا المظلوم!!
ان كان لا فقدان المال أو الافتراءات أو السب أو السبي أو الأمراض أو الاضطهادات بل ولا الموت الذي هو أفظع من هذا كله، يقدر أن يضر من يتعذبون به، بل بالحري يزداد نفعهم، فكيف تقدر أن تثبت لي أن الإنسان لا يصيبه أذى متى حل به شيء من هذا؟! إنني سأجتهد أن أثبت أكثر من هذا، أن الذين يصيبهم الأذى ويتألمون من الشر، هم أولئك الذين يصبون شرورهم على غيرهم. فإنه لا يوجد إنسان أكثر بؤسًا من قايين الذي صنع هكذا بأخيه (قتله)؟! وما أكثر شقاء تلك الامرأة التي لفيليب، حيث قطعت رأسه يوحنا؟ وما أعظم شقاء إخوة يوسف الذين باعوه للغرباء وأرسلوه إلى أرض غريبة؟! وشقاء الشيطان الذي ضايق أيوب بهذه النكبات العظيمة؟! لأنه لا يدفع حسابًا عنيفًا عن شروره فحسب بل، وبسبب ما فعله بأيوب أيضًا.
أترون كيف جاءت الأدلة أكثر مما نتوقع، إذ ظهر أن الساقطين تحت الظلم لا تصيبهم جراحات، إنما يرجع الأذى علي رأس مدبري المكائد!! فإذ لا يقوم صلاح النفس على الغنى أو الحرية (الجسدية) أو عدم النفي وغير ذلك من الأمور التي أشرت إليها، بل على أفعال النفس، لذلك فإن أي ضرر يصيب هذه الأمور لن يلمس الصلاح البشري بأدنى أذى.
ماذا إذن؟ لنفرض أن إنسانًا يسئ إلى حياته الروحية، ثم يسئ إنسان إليه بضرر ما، فإن الأذى لا يأتيه من الغيرّ، إنما يكون نابعًا من داخل نفسه، من الإنسان ذاته. ربما تتساءل: كيف ذلك؟ عندما يضرب إنسان آخر، أو يسلب ماله، أو يقذفه بشتائم قاسية أو يسبه. فإن الإنسان الثاني يحتمل بالتأكيد ضررًا، بل وضرر كثير، لكن الأذى لا ينبع ممن أساء إليه بل من نفسه المتعبة. لأن ما سبق أن قلته أعود فأكرر. أنه لا يوجد إنسان مهما بلغ شره أن يهاجم آخر بشر أو عنف أشد من ذلك الشيطان الحاقد، العدو غير المشفق علينا، لكن حتى هذا الشيطان المتوحش لم يكن له سلطان أن يفسد ذلك الإنسان (أيوب) الذي عاش قبل الناموس وقبل عهد النعمة، رغم استخدامه أسلحة كثيرة حادة من كل جانب. هذه هي قوة نبل النفس!
وماذا أقول عن بولس، ألم يحتمل أحزانًا كثيرة لا يمكن إحصائها: من إلقاء في السجن وتثقيل بالقيود، وضعه تحت حراسة مشددة، جلد من اليهود، رجم، تمزق ظهره لا بالسياط فحسب بل وبالعصى أيضًا، غرق في البحر، مهاجمة لصوص في مرات كثيرة، صراع مستمر مع بنى جنسه، ومع الأعداء والمعاندين، مكائد بلا عدد، جهاد في جوع وعُري، كوارث، أحزان دائمة… يكفي أن أقول إنه كان يموت كل يوم. وبالرغم من هذه الآلام المبرحة، لكنه لم ينطق بكلمة تجديف، بل أكثر من هذا في وسط هذه كان فرحًا مفتخرًا، بها. إذ يقول: “أفرح في آلامي” (كو 1: 24). ومرة أخرى: “وليس ذلك فقط بل نفتخر أيضًا في الضيقات” (رو 5: 3). لقد كان فرحًا في أثناء تعذيبه بهذه الضيقات الشديدة، مفتخرًا بها. إذن فما هو العذر الذي تقدمه لتذمرك بسبب عدم احتمالك لأمور أقل من هذه؟!
8- كيف أقدم صدقة؟
قد يقول قائل: لقد أصابني أذى بطريق أخر، وهو أنني وإن كنت لا أجدف بسبب سلب أموالي لكنى صرت عاجزًا، عن تقديم الصدقة. هذا اعترض هين وإدعاء بسيط. لأنك إن كنت تحزن بسبب هذا، فاعلم أن الفقر لا يقف حائلاً أمام العطاء. لأنه مهما بلغ فقرك لن يصل إلى فقر الامرأه التي لم تملك إلا ملء كف من الدقيق(1 مل 17: 12)، أو تلك التي لم يكن معها سوى فلسين (لو 11: 2). هاتين الامرأتين قدمتا كل ما لديهما. وقد كانتا موضع إعجاب فائق. ففقر عظيم كهذا لا يقف عائقًا أمام العطف، إذ صدقة من فلسين كانت وفيرة، تكشف عن كرم زائد يفوق كرم كل الأغنياء، وبالنية السليمة والغيرة المتقدة فاقت هؤلاء الذين ألقوا نقودًا كثيرة. إذن، حتى في هذا الأمر لا يصيبك أذى، بل بالحري تكون قد انتفعت، نائلاً بتقديم صدقة صغيرة مكافأة أكثر مجدًا ممن يدفعون مبالغ ضخمة.
9- ملامح حياة محب المال :
ومع ذلك فانني أنطق بما أقوله دومًا. أن الشخصيات الحساسة التي تبتهج بالزحف في الأمور الزمنية، وتفرح بالأشياء الحاضرة، ليست مستعدة أن تتخلى حتى عن الورود الذابلة لأن هذا هو أمر الابتهاج بالزمنيات، أو أن تترك مجرد ظلالها… هناك أناس جديرون بالرثاء أكثر دناءة يتعلقون بالأمور الزمنية أكثر من الأمور المستقبلة. هيا نرفع الوشاحات (الأوجه الصناعية) المفرحة جميلة المنظر، التي تغطي عدم ضبط النفسي القبيح المزيف. لنفضح بشاعة هذه المرأة العاهرة. لأنه هكذا تشبه الحياة المكرسة للتنعم وحب الغنى والسلطة (الكبرياء)، إنها حياة خبيثة وقبيحة ومملوءة بغضًا شديدًا ومكروهة، مملوءة أثقالاً ومحملة بالمرارة. لأنه بالحقيقة هذه هي ملامح الحياة التي من يمسك فيها ليس له أي عذر.
وبالرغم من أن هذا هو هدف اشتياقهم وسعيهم، إلاَّ أن حياتهم مشحونة بالمضايقات الكثيرة والكرب، ومملوءة بشرور لا تحصى ومخاطر وسفك دم وفجوات هاوية وأوعرة وقتلة ومخاوف ورعب وحسد وسوء نية ومكائد، وقلق مستمر واهتمام دائم، ومع هذا كله لا يحصل على نفع ولا يأتي من هذه المخاطر الكثيرة بثمار، سوى العقوبة والانتقام والعذاب المستمر. ولو أن هذه هي صفات حياة محبي المال، لكنها تبدو لغالبية البشر أنها موضع طموح (طمع) وشغف زائد. وهذا يكشف لا عن بركة المادة ذاتها بل غباوة الذين أُسروا في حبها. حقًا إن الأطفال الصغار يشتاقون إلى أدوات اللعب إذ هي تثيرهم، ولا يقدرون أن يدركوا من ذواتهم الأمور التي تجعلهم رجالا ناضجين كاملين. هؤلاء الأطفال لهم عذرهم بسبب عدم نضجهم. أما هؤلاء (المأسورين بمحبة المال) فليس لهم حق الدفاع لأنهم رغم نضوج سنهم إلاَّ انهم لازالوا أطفالاً في طبعهم، وأكثر من الأطفال سذاجة في مسلكهم في الحياة.
والآن قل لي لماذا يكون المال هدفًا للطمع (الطموح)؟ لابد لي أن أبدأ من هذه النقطة حيث أن كثيرون قد أصيبوا بهذا المرضى الخطير، فيبدو لهم أن المال أفضل من الصحة والحياة والسمعة الطيبة والصيت الحسن، وأفضل من المدنية (أي يحب المال أكثر من المجتمع)، وعائلته وأصدقائه وأقربائه وأي شيء آخر. أضف إلى هذا أن لهب (محبة المال) قد صعد إلى السحب عينها، والحرارة القاتلة تملكت على الأرض والبحر. ولا يوجد من يطفئ هذه النار، بل يعمل الناس جميعهم على زيادة التهابها، سواء أولئك الذين لحقت بهم نيرانها أو لم تلحق بعد بهم، حتى يصير الكل أسيرًا لها. وها أنت ترى أن كل واحد: زوج وزوجة، عبد وحرّ، غنى وفقير… الكل يحمل قدر استطاعته وقودًا يزيد إشعال هذه النيران (محبة المال) نهارًا وليلاً. وهم يحملون وقودًا لا من خشب أو عيدان، لأنها ليست من هذا النوع، بل وقودًا هو أرواح الأشرار الآثمة وأجسادهم. هذه هي المادة التي اعتادت هذه النار أن تشتعل بواسطتها. لأن هؤلاء الذين لهم مقتنيات (غنى) لا يضعون حدًا، لهذه الشهوة المهولة في أي مكان، حتى وإن داروا حول العالم كله. كذلك الفقير يتضايق لكي يأخذ نصيبًا وافر، من الغنى وهكذا يسيطر على أرواح الجميع نوع من الخبل عديم الشفاء، وجنون لا يمكن مقاومته، ومرض بلا علاج.
هذا الميل النفسي (محبة المال) يتغلب على كل عاطفة أخرى وينزعها من النفس، فلا يعود يهمه صديقه أو قريبه… بل ولا يبالي بزوجته أو أولاده… فهل يمكن أن يكون له أناس أعزاء أكثر من هؤلاء؟! انه عندما تأسر هذه العشيقة (محبة المال) المتوحشة القاسية روح الإنسان، عندئذ تتحطم بالنسبة لها كل القيم على الأرض وتصير تحت موطئ الأقدام.
10- مقارنة بين العاهرة ومحبة المال :

كما أن العاهرة القاسية القلب، الطاغية العنيفة، البربرية المتوحشة، التي تطلب ثمنًا غاليًا لشرها، هذه الشريرة تستنزف هؤلاء الذين يسقطون في أسرها، وتفسدهم وتسبب لهم أخطار، لا حصر لها. وبالرغم من كونها مرعبة وقاسية القلب ومتوحشة وعنيفة، لها صورة الهمجي. بل بالحري صور الوحوش الضارية بل وأعنف من الذئب والأسد، إلاَّ أنها تبدر لمن أسرتهم في حبالها كما لو كانت لطيفة ومحبوبة وأحلى من العسل. وبالرغم من أنها تسبك ضدهم سيوفًا وأسلحة وتحفر لهم حفرًا، لاصطيادهم وتقودهم إلى أماكن هاوية وصخور شامخة وشباك لا نهاية لها… ومع هذا فإنها تعمل علي أن تجعل هذه الأمور موضع طمع للمأسورين في شباكها، والراغبين في هذا الأسر.
11- مقارنة بين الحيوانات غير العاقلة ومحب المال :
وكما أن الخنزير يفرح ويلهو بانغماسه في الوحل والطين، والحشرات تزحف دائمًا مبتهجة نحو الروث، هكذا المأسورين بمحبة المال هم أكثر بؤسًا من هذه المخلوقات. لأن الرجاسة هنا أعظم، والوحل أكثر قذارة، لأن المنهمكون في هذا الميل (محبة المال) يظنون أنهم ينالون فرحًا عظيمًا. هذا الفرح لا ينبع من المادة ذاتها بل من فهمهم المتأثر بمثل هذا التأثر ( الميل) السخيف. هذا التذوق أردأ من تذوق الحيوانات الأعجمية. فكما أنه في الوحل والروث لا يكمن الفرح بل في طبيعة المخلوقات غير العاقلة (الخنزير والحشرات) التي تنغمس فيها، هكذا أيضًا بالنسبة للمخلوقات البشرية.
12- محبة المال وليس سلب أموالك هو الذي يوذيك :
وكيف يمكننا معالجة أولئك الذين هذا هو حالهم (كالخنزير والحشرات)؟ علاجهم يكون سهلاً إن أنصتوا بآذانهم لنا وفتحوا قلوبهم وقبلوا كلماتنا. لأنه بالنسبة للحيوانات غير العاقلة (الخنزير والحشرات) يستحيل الإقلاع عن عاداتها غير المستحبة، لأنها عديمة العقل. أما هؤلاء الذين هم أسمى فضيلة في المخلوقات الأرضية، الذين تشرفوا بالعدل والنطق، أقصد البشر، يلزمهم – إن أرادوا – أن يستعدوا للهروب من الوحل والنتانة والروث ونجاسته، وهذا سهل عليهم.
انه لا يمكنك أن تعدد الأسباب (التي تدفعك لمحبه المال) سوى اللذة والكبرياء والخوف والقدرة على الانتقام. فالثروة عادة لا تعمل على أن يصير الإنسان حكيمًا أو ضابطًا لذاته أو أكثر وداعة أو تعقلاً أو شفوقًا أو محبًا أو متساميًا على الغضب والنهم واللذة. أنها لا تدرب الإنسان ليكون عفيفًا أو تعلمه الاتضاع، ولا أن تبدأ أو يزرع أي نصيب من الفضيلة في الروح. وأظن أنه لا يقدر أن يقول عن أي شيء من هذه الأمور أنها تستحق أن يطلبها الإنسان ويشتهيها بكد. لأن محبة الغنى ليس فقط تجعل الإنسان يجهل كيفية غرس أو زرع أي فضيلة، بل وان وجدت فيه مخزنًا من الأعمال الصالحة، فإنها تعمل على إعطابها وتوقف نموها وتفسدها. بل وتقتلع بعض الفضائل ليحل محلها ما يضادها من تهور غير محدود وحنق زائد وغضب شرير وكبرياء وحب ظهور وغباء. دعني لا أتكلم عن هذا، لأن أولئك الذين أمسكوا بهذا المرض (محبة المال) لا يقدرون أن يحتملوا السماع عن الفضيلة والرذيلة. إذ قد تشبعوا باللذة واستعبدوا لها. فلنترك الزمن بنفسه يعلن هذه الأمور. والآن نتكلم عن الأمور الأخرى الباقية وهي “هل الثروة فيها سعادة وكرامة؟” لأنه في نظري أن الأمر على نقيض هذا.
13- هل الثروة تجلب الكرامة؟
قد يقول قائل: لكن الثروة تطفي على صاحبها كرامة، وتمكنه من الانتقام من أعدائه بسهولة. أسألك: هل هذا هو السبب الذي لأجله تبدو لك الثروة مثار شوق يستحق نضال من أجلها. إذ تعمل على إثارة ميول خطيرة في طبيعتنا، فتقود الغضب إلى حيز التنفيذ، وتزيد فقاعات الطمع الفارغة، وتحث البشر وتثيرهم نحو الزهو؟! فلماذا لا يكون هذا هو السبب عينه الذي يدفعنا إلى أن نعطي للثروة ظهرنا بحزم، لأنها تدخل في قلوبنا حيوانات مفترسة قاسية وخطيرة، فتنزعنا من الكرامة الحقيقية التي يلزم أن تكون لنا وتقدم ما هو مضاد للكرامة الحقيقية لمن ينخدعون بواسطتها، ويكون عملها عندئذ أن تكسي ما هو مضاد للكرامة ألوانًا حتى يحسبونها كرامة مع إنها ليست كذلك في حقيقتها… فكما أن العاهرات جمالهن يكمن في طلاء الألوان والأصباغ، ومع أن وجوههن قبيحة دنسة مفتقرة إلى الجمال الحقيقي لكنها تبدو لمن يخدعن إياهم أنها حسنة وجميلة… هكذا أيضًا (حب المال) يعمل على إظهار التملق أنه كرامة.
أتوسل إليك ألاَّ تعطي اعتبارًا للمديح الذي يقدم بسبب الخوف منك أو لتملقك، فإن هذا في حقيقته ليس إلاَّ ألوانًا ناصعة وأصباغ. فإن كشفت الضمير الداخلي لكل فرد من الذي يتملقونك بهذه الطريقة، تجد فيه اتهامات لا حد لها موجهة ضدك، كما تجد شتائم وبغض أكثر مما يصبه لك الأعداء والمناضلين لك. فإذا حدث أن تغيرت الظروف بحيث تحرك وانفضح القناع (أو الوجه المستعار) الذي أوجده الخوف… عندئذ سترى بوضوح كيف يزدرى بك إلى أبعد حد أولئك الذين كانوا قبلاً يتوددون إليك، وتعرف انك كنت متخيلاً أنك متمتع بالكرامة من هؤلاء الذين يكرهونك، هؤلاء الذين تغلي في داخل قلوبهم شتائم لا حد لها ضدك، ويشتاقون أن يروك وقد حلّت بك مصائب فادحة. إذن لا يوجد مثل الفضيلة لكي تنال الكرامة -لا عن قوة أو تصنع ولا تكمن تحت قناع الخداع- بل الكرامة التي هي بحق وأصيلة، وقادرة أن تثبت مع تجارب الأزمنة القاسية.
14- هل المال يساعدك على الانتقام؟
ولكن هل ترغب في الأنتقام من مُضايقيك؟ هذا هو السبب – كما كنت أقول حتى الآن- الذي لأجله يجب أن نتجنب المال (حب المال) لأن هذا يجعلك تستل سيفك ضد نفسك، ويردك مطالبًا بحمل ثقيل يوم الحساب المقبل، ويجعل عقابك غير محتمل. لأن الانتقام هو شر عظيم حتى أنه يعمل على نزع المراحم الإلهية، ويفسد المغفرة التي وهبت لك عن الخطايا غير المحصية. لأن الذي نال عفوًا عن دين من عشرة آلاف وزنة، هذا بعدما نال العفو العظيم بمجرد أن طالب العبد رفيقه بالدين الذي له عنده وهو مئة فلس، هذه المطالبة كانت بالنسبة له تعدي على نفسه، إذ بقسوته على زميله أخضع نفسه للإدانة (إذ عاد السيد يطلب منه الدين الذي أعفاه منه) فلهذا السبب، وليس بسبب آخر سحبه المعذبون وصار هناك مرهونًا ومطالبًا بتسديد العشرة آلاف وزنة، ولم يسمح له لا بالاعتذار، ولا بالدفاع، إنما نال عقوبة عظيمة، مطالبًا بالدين الذي كان الحنان الإلهي قد أعفاه منه سابقًا (مت 18: 23- 35). أسألك، هل لهذا السبب تطلب الثروة مناضلاً بشوق عظيم هكذا، إذ تقودك إلى خطية من هذا النوع؟! بلى بالحقيقة السبب الذي لأجله يلزمك أن تشمئز من محبة المال كعدو وخصم ينتج جرائمًا لا حصر لها.
15- هل أضر الفقر بلعازر
قد يقول قائل:أن الفقر يجعل الناس متضجرين، وغالبًا ما يدفعهم إلى النطق بكلمات تجديف، وينزل بهم إلى الأعمال الدنيئة. ليس الفقر هو الذي يفعل بالإنسان هكذا، بل دناءة النفس، لأن لعازر كان فقيرًا، نعم كان فقيرًا جدًا، ويعاني بجانب فقره من ضعف جسدي أقسى بكثير من الفقر في أي صورة من صوره، الأمر الذي جعل فقره قاسيًا جدًا، وبجانب هذا الضعف أيضًا، كان محرومًا تمامًا من الذين يعولونه، مع صعوبة إيجاد أي مئونة لسد أعوازه، الأمر الذي ضاعف من مرارة فقره وضعفه… فعدم وجود من يعوله، يجعل ألمه أشد، واللهب أقسى، الكارثة أمرّ والمجرب أكثر وحشية، والأمواج عنيفة والأتون أكثر اتقادًا…
وهناك أيضًا تجربة رابعة بجانب الجوانب الثلاثة السابقة، وهي عدم اكتراث الغنى به رغم ترفه.وان أردت، تجد أيضًا أمرًا خامسًا يزيد التهاب النار… إن الغني ليس فقط يعيش في حياة ترف، بل ويرى الفقير مرتين وثلاثة بل ومرات عديدة يراه كل يوم ملقى عند بابه، إذ هو مشهد خطير لكارثة يرثى لها، مجرد النظر إليه يكفي أن يلين القلب الحجري، ومع هذا فإن المنظر لم يدفع الرجل القاسي إلى مساعدة هذا الفقير إلى هذه الدرجة؛ إنما كان يقيم مائدته المترفة، عليها الكؤوس المزينة بالورود، والنبيذ النقي يصب بغزارة، لديه جيوش من الطباخين والمتطفلين والمتملقين يعملون منذ الفجر المبكر، وفرق من المغنين وحاملي الكؤوس والمهرجين، ويقضى كل وقته منغمسًا في الملذات والسكر والأكل بشراهة، متنعمًا بالملبس والأكل وبأمور أخرى كثيرة.
فمع أنه كان يرى هذا الفقير منكوبًا بالجوع الزائد والضعف الجسدي المرّ وبالقروح الكثيرة، والحرمان والمرض الناتج عن هذا الحال، إلاّ أنه لم يفكر فيه. فالمتطفلين والمتملقين كانوا يتنعمون بأكثر من احتياجهم، أما الفقر- الذي كان فقيرًا جدًا- ومنكوبًا بمآسي كثيرة، لم يعط له حتى الفتات الساقط من مائدته رغم اشتهائه له بشوق عظيم. ورغم هذا كله، فإن شيئًا من هذه الأمور لم تؤذ لعازر إذ لم ينطق بكلمة قاسية، ولا تكلم بحديث دنيء، إنما كقطعة الذهب التي تشع ببريق أعظم كلما تنقت بنار متزايدة. بالرغم من هذه الضيقات التي أحاطت به ، إلاّ أنه تسامى عليها، وعلى ما تنتجه هذه الأمور من هياج.
فإن كنا نتكلم عن الفقراء عامة وما يثور في نفوس من حسد وما يتعذبون به من تفكير الحقد الرديء، عند رؤيتهم للأغنياء ناظرين إلى أنه لا تستحق الحياة المتسمة بالفقر أن توجد. هذا يفكر فيه الفقراء الذين يجدون القوت الضروري ولهم من يعطيهم أعوازهم، فكم يكون هذا الفقير لعازر. ألم يكن بحق حكيم جدًا، طيب القلب. إذ يرى نفسه أفقر من كل الفقراء. بل وبه ضعف. وليس له من يقيّه آو يعطف عليه. ملقى في وسط المدينة وكأنه في وسط صحراء بعيدة، يتلوى من مرارة الجوع، ويرى كل الخيرات تتدفق على الغني كما من نافورة، ليس له أي تعزية بشريه، ملقى كغذاء دائم تلحسه ألسنة الكلاب، ومن ضعفه وتحطيم جسده لا يقدر حتى على طردها!
أما تدرك إذن أن الذي لا يؤذي نفسه لا يقدر أن يؤذيه شيء؟.. لأنه أي ضرر أصاب هذا من ضعف جسده أو عدم وجود من يحميه أو التفاف الكلاب حوله أو من شر مجاورته للغني ورؤيته عظم الترف والتنعم والكبرياء الذي للأخير؟ هل هذه الأمور أضعفته ليضاد الفضيلة؟! هل أوهنت هدفه؟! انه لم يؤذيه شيء بالكلية، بل كثرة أتعابه مع قسوة الغني، زودته قوة، وصارت بالنسبة له دعامة لنوال أكاليل النصرة غير المتناهية، كوسائل تزداد بها مكافأته، وباعث لنوال جزائه…إذ كان يحتمل تجربته بشجاعة وثبات عظيم…
16- يهوذا بلا عذر!!
اخبرني ماذا كان حال الطوباوي بولس؟! لأنه لا يوجد ما يمنعني من الإشارة إليه مرة أخرى. ألم يعانى من عواصف التجارب بلا حصر؟! في أي شيء أضرته هذه التجارب؟! ألم يتوج بالنصرة بالأكثر، إذ احتمل الجوع وعانى من البرد والعري، وتعذب بجلدات ورجم وغرق في البحر؟! لكن قد يقول قائل: إنه بولس، لقد دعاه المسيح!! وأيضًا يهوذا كان أحد الاثنى عشر، ودعاه المسيح أيضًا، ولكن لم يكن مجرد حسبانه ضمن الإثنى عشر، ولا دعوته أفادته، لأن فكره لم يكن ثابتًا في الفضيلة. فبولس بالرغم من مصارعته ضد الجوع وحرمانه من قوته الضروري ومع تحمله لأتعاب كثيرة كهذه يوميًا سلك في الطريق المؤدي إلى السماء بغيرة عظيمة، بينما يهوذا رغم دعوته من الرب قبل بولس وتمتعه بنفس المميزات، وتعلم في أسمى شكل للحياة المسيحية، وكان له نصيب في المائدة المقدسة، التي هي أعظم الموائد المرهبة، وأعطيت له مثل هذه الموهبة أن يقيم الميت ويطهر البرص ويخرج الشياطين، كما سمع الكثير عن موضوع الفقر، وقضى وقتًا طويلاً في اصطحابه للسيد المسيح نفسه، بل وكان موضع ثقة ليكون معه صندوق الفقراء، حتى تتلطف شهوته، إذ كان لصًا، ومع هذا كله لم يتحسن، رغم ما وهب له من لطف عظيم كهذا. فإذ عرف المسيح أنه طماع وأنه سيهلك بسبب محبته للمال، لم يعاقبه للحال، بل وأعطاه. صندوق الفقراء ليلطف من شهوته، حتى تكون له بعض الوسائل لإبطال طمعه، لعله ينقذ من السقوط في تلك الهوة المريعة للخطية، ويوقف الشر العظيم… هكذا، على أي الأحوال، لا يمكن لأحد أن يؤذى إنسانًا لم يختار لنفسه أن يؤذي نفسه. ولكن إن كان الإنسان غير راغب في أن بضبط نفسه ويُعيّن نفسه من الداخل… لا يقدر أحد أن يعينه.
فتلك القصة العجيبة الواردة في الكتاب المقدس، التي كما لو كانت في صورة شاهقة ضخمة متسعة، ترسم حياة رجال العهد القديم، ابتداء من رواية آدم حتى مجيء المسيح، هذه القصة تعرض لك الذين هلكوا، والتي توجوا بالنصرة في المعركة. وهي تعلمك أنه لا يوجد أحد يقدر أن يؤذى أخرًا، لو لم يضر هذا الأخر نفسه، حتى ولو شن العالم كله حربًا قاسية ضده. فلا ضغط الظروف ولا اختلاف الأزمنة ولا شتائم البشر الذين لهم سطوة ، ولا المكائد… ولا تجمهر الكوارث ولا تجمع الأمراض الكثيرة، التي يخضع لها البشر، هذه كلها لا تقدر- ولو إلى درجة خفيفة – أن تقلق الإنسان الشجاع ضابط نفسه المتيقظ. وعلى العكس الإنسان المتراخي المستلقي علي ظهره، الذي هو خائن لنفسه، لا يقدر أن يصير في حالة أحسن مما هو عليها، ولو قدمت له خدمات لا حصر لها.
هذا على الأقل وضح لنا من مثل الرجلين، اللذين أحدهما بنى بيتًا على الصخر، والآخر على الرمل (مت 7: 24.. الخ)، ليس لنا أن نفكر في الرمل والصخر، أوفي البناء أو الأمطار أو العواصف… بل أن نتنبه إلى الفضيلة والرذيلة كمعاني لهذه الأمور، مدركين أنه لا يضر أحد إنسانًا لا يضر نفسه. فلا المطر رغم سقوطه بغزارة، ولا العواصف التي تصد المباني رغم عنفها، ولا الرياح الشديدة التي تهاجم بعنف… استطاعت أن تهز البيت في أي درجة، بل بقى ثابتًا غير متزعزع وهكذا نفهم أنه لا تقدر تجربة ما أن تزعزع الإنسان الذي لا يخون نفسه.
أما منزل ذلك الرجل الذي سقط سريعًا، فإن سقوطه لم يكن بسبب قوة التجارب (لأن البيت الثاني عانى بنفس القدر)، لكن السبب هو غباوة صاحبه… لأنه بناه على الرمل أي نتيجة التراخي والشر. إنه قَبل السقوط كان ضعيفًا ومستعدًا للسقوط. لأن المباني التي على الرمل ولو لم يضغط عليها شيء فإنها ستتدمر من نفسها وتتبدد في كل اتجاه… فكما أن أنسجة العنكبوت تتمزق دون أي مقاومة (ملموسة) لكن الماس لا ينكسر حتى إن طرق، هكذا أيضًا الذين لا يضرون أنفسهم يصيرون إلى حياة أقوى متى أصابتهم ضربات لا عدد لها. أما الذين يخونون أنفسهم فإنهم يسقطون وينهارون ويهلكون ولو لم يثرهم أحد. لأنه هكذا هلك يهوذا مع أنه لم يتعرض لتجربة من هذا النوع (كبولس)، بل بالعكس قد أعطيت له إمكانيات عظيمة.
17- العطايا الإلهية لم تلين عناد قلبهم
أتريد أن أوضح لك هذا البرهان بأمثلة من جميع الأمم؟! أي عطايا قدمت لليهود (في خروجهم من مصر) ألم تقم المخلوقات المنظورة كلها بخدمتهم، وأعطيت لهم وسائل جديدة وفريدة للحياة؟ فإنهم (في البرية) لم يكونوا يذهبون إلى سوق إنما يأخذون ما يشترى بمال مجانًا، ولم يفلحوا رضًا ولا استخدموا محراثًا ولا مهدوا الأرض للزراعة، ولا ألقوا بذار، ولم يحتاجوا إلى أمطار ورياح أو فصول للسنة للزراعة، أو أشعة شمس أو شكل معين للقمر أو طقس معين ولا شيء من هذا القبيل. انهم لم يعدوا الأرض لدرس الحنطة، ولا درسوا حنطة ولا استخدموا مذراة لفصل الحنطة عن القش، ولا طاحونًا ولا فرنًا ولا أحضروا خشبًا أو نارًا في بيت. ولم يحتاجوا إلى أدوات للعجن… ولا أي نوع آخر من الأدوات الخاصة بالنسج والبناء وصنع الأحذية، بل كانت كلمة الله هي كل شيء بالنسبة لهم.
لقد كانت لهم مائدة لم تعدها يد بشرية، أعدت بلا جهاد أو تعب. لأنه هكذا كانت طبيعة المن، أنه جديدًا، وطازجًا، ولا يحملهم أي مشقة أو جهاد. أما ثيابهم وأحذيتهم وأبدانهم فقد فقدت ضعفها الطبيعي. فثيابهم وأحذيتهم لم تبل بعامل الزمن وأرجلهم لم تتورم رغم كثرة السير. ولم يذكر قط أن بينهم كان أطباء أو دواء أو أي شيء من هذا القبيل. وهكذا قد انتزع كل ضغف من بينهم. فقد قيل: “فأخرجهم بفضة وذهب ولم يكن في أسباطهم عاثر (هزيل)” (مز 105: 37)… أشعة الشمس في حرارتها لم تضربهم لأن السحابة كانت تظللهم وتحيط بهم كمأوى متحرك يحمي أجساد الشعب كله. ولم يحتاجوا إلى مشعل يبدد ظلام الليل، بل كان لهم عمود النار كمصدر إضاءة لا ينطق به يقوم بعملين: الإضاءة مع توجيههم في طريق رحلتهم… قائدًا هؤلاء الضيوف الذين بلا عدد في وسط البرية بدقة أفضل من أي مرشد بشري. ولم يرحلوا فقط على البرّ بل وفي البحر كما لو كان أرضًا يابسة… فقد قاموا بتجربة جريئة تخالف قوانين الطبيعة. إذ وطئوا البحر الثائر، سائرين فيه كما على صخر يابس صلب. فإذ وضعوا أقدامهم فيه صارت مادته كالأرض اليابسة … وإذ وصل إليه الأعداء عاد إلى ما كانت عليه طبيعته، فصارت للأولين مركبة وللأعداء قبرًا… فقام البحر الذي لا يفهم بدور محكم كأعقل وأذكى إنسان، قام بدور حارس مرة وبدور منتقم مرة أخرى، معلنًا هذا العمل المتناقض في يوم واحد.
وماذا أقول عن الصخرة التي أخرجت ينابيع ماء؟ وسحاب الطيور الذي غطى الأرض بكثرته؟ وماذا عن العجائب التي حدثت في مصر؟… ان هذه العجائب جميعها لم تكن لمجرد إشباع احتياجاتهم، إنما لكي يحفظ الشعب التعاليم المُسلمة لموسى عن معرفة الله بدقة زائدة… ومع ذلك فإنه بعد عناية ملموسة عظيمة هكذا، وبركات لا ينطق بها، ومعجزات قوية، واهتمام زائد، وتعليم مستمر، وتحذيرات تارة بالكلام وأخرى بالأعمال، ونصرات مجيدة ونجاح غير طبيعي وشبع زائد لاحتياجاتهم من الطعام وفيض مياه غزيرة، ونظرهم مجد غير منطوق به في أعين الطبيعة البشرية (موسى). مع ذلك فقد تذمروا وبلا أي إحساس عبدوا العجل وكرموا رأس الثور، رغم تذكرهم بركات الله… بل وكانوا لازالوا يتمتعون بها.
18- استعداد شعب نينوى للتوبة؟
وأما أهل نينوى فبالرغم من كونهم شعب بربري وغريب، ليست له أي شركة في البركات، صغيرة كانت أم كبيرة، لا بكلمات ولا بمعجزات ولا بأعمال، هؤلاء عندما رأوا إنسانًا منقذًا من الغرق، لم يلتق بهم من قبل ولا سبق لهم أن عرفوه، يدخل مدينتهم قائلاً: “بعد (أربعين) يومًا تنقلب نينوى” (يونان 3: 4)، رجعوا وتابوا… ونزعوا شرورهم القديمة وتقدموا في حياة الفضيلة بالتوبة، حتى جعلوا العبارة (الخاصة بالغضب الإلهي) ينتهي مفعولها… “فلما رأى الله أعمالهم انهم رجعوا عن طريقهم الرديئة ندم الله على الشر الذي تكلم أن يصنعه بهم فلم يصنعه” (يونان 3: 10). كيف تغير هؤلاء رغم شرهم العظيم وقسوتهم غير المنطوق بها وقروح أخلاقهم المستعصية العلاج، إذ مكتوب “قد صعد شرهم أمامي” (يونان 1: 2) مشيرًا إلى العلو المكاني كتعبير عن مقدار عظمة شرهم، إذ قد تكدس إلى علو هذا قدره، حتى بلغ إلى السماء…؟! أنظر إذن كيف يمكن للإنسان الساهر الضابط لنفسه المتيقظ ليس فقط لا تمتد إليه أيديّ بأذى بل ويستطيع أن يرفع الغضب السماوي!!…
19- موقف الثلاثة فتية
مرة أخرى أسأل: هل فسدت فضيلة “الثلاثة فتية” بسبب المتاعب التي حلت بهم؟ فرغم صغرهم، بل صغرهم جدًا من جهة السن… ألم يخضعوا للأسر المؤلم الخطير؟ ألم يقصوا بعيدًا جدًا عن بلدهم؟… ألم يحرموا من بلدهم وبيتهم وهيكلهم ومذبحهم وذبائحهم وتقدماتهم حتى من أدوات ترتيل بالمزامير؟!… إذ كنتيجة حتمية قد حرموا من كل أشكال العبادة. ألم يسلموا في أيديّ همجية هم ذئاب أكثر منهم بشر؟ وحاقت بهم كوارث أعظم من الكل… محتملين الأسر الخطير بلا معلم ولا نبي لا مرشد… علاوة على هذا حملوا إلى القصر الملكي وصار كمن هم بين الشقوق والصخور مبحرين في بحر مملوء بالشعاب والصخور مجبرين على الإبحار في بحر من الغضب بلا مرشد أو عامل للإشارات أو طاقم أو بحارة، محبوسين في القصر الملكي كمن في سجن؟! ولكن بقدر ما عرفوا الحكمة الإلهية وسموا بالأمور الإلهية واحتقروا كل كبرياء بشري وصارت لهم أجنحة لأرواحهم يحلقون بها عاليًا، معتبرين أن غربتهم هناك كأنها تشديد لمتاعبهم.فانهم لو كانوا خارج البلاط يقطنون في مسكن خاص، لكانوا أكثر استقلالاً، لكنهم بهذا ألقوا كما في سجن… خاضعين لأي أمر أو تدبير قاسى مباشرة. فإذ طلب الملك منهم أن يشاركوه في مائدته وترفه وأطايبه الدنسة، الأطعمة المحرمة عليهم، كان هذا بالنسبة لهم أرعب من الموت. وقد كانوا كحملان وسط ذئاب كثيرة، مجبرين إما أن يعدموا أو يأكلوا الطعام المحرم… انهم لم يبالوا بالسلطان القاسي المطلق، مع انه كان لديهم ما يبررون به طاعتهم له، لكنهم قدموا نصيحة ورأيا مناسبًا حتى يتجنبوا الخطية رغم تجريدهم من كل شيء. إذ لم يكن ممكنًا أن يغروا (رئيس الخصيان) بمال فكم بالأكثر وهم أسرى لا يملكون مالاً؟! ولا بصداقات أو صلات اجتماعية أن تتشفع لهم أمامه، فكم وهم غرباء؟ وما كان يمكن أن يتحسن موقفهم حتى وان كان لهم سلطان، فكم وهم عبيد؟ وما كانوا يسيطرون عليه بكثرة العدد، فكم يكون موقفهم وهم ليسوا إلا ثلاثة؟! ومع ذلك اقتربوا إلى الخصي الموكل إليه بهذا العمل، وأقنعوه بحججهم، إذ رأوه خائفًا ومرتعبًا… إذ يقول: “إني أخاف سيديّ الملك الذي عين طعامكم وشرابكم. فلماذا يرى وجوهكم أهزل من الفتيان الذين من جيلكم فتدينون رأسي” (دا 1: 10) أنقذوه من هذا الرعب، وأقنعوه أن يعطيهم مهلة… إذ عملوا بكل قوتهم ساهم الله أيضًا بقوته… وإذ أعلنوا نبلهم وشجاعتهم ربحوا لأنفسهم العون الإلهي وهكذا تحققت أهدافهم.
هل تدرك أن أي إنسان لا يضر نفسه لا يقدر أحد أن يضره؟ أنظر على الأقل إلى حداثة سن هؤلاء وأسرهم… الخ. فإن هذا كله لم يضرهم بل على العكس صار لهم بسببه سمعة أفضل مما كانت لهم قبل حرمانهم. وهكذا بعدما نفذوا عملهم فانهم خضعوا لأعداء آخرين، ومرة أخرى كانوا هم نفس الرجال، وقد خضعوا لتجربة أقسى من الأولى، إذ أشعل لهم أتون، وتصدى لهم جيش من المتبربرين يصحب الملك، وكل طاقة الفُرّس قد وجهت لتمكر بهم وتضايقهم… ومع ذلك بقدر ما هم لم يخونوا أنفسهم بل قدموا كل ما في طاقتهم، لم تصبهم أي خسارة، بل ربحوا لأنفسهم أكاليل نصرة مجيدة لم ينالوها من قبل. فنبوخذ نصر ربطهم وألقى بهم في الأتون، لكنه لم يحرقهم، بل بالعكس أفادهم وردهم ممجدين. وبالرغم من حرمانهم من الهيكل والمذبح. مع للقائهم في الأتون وقد التف حولهم كثيرون جبابرة والملك نفسه الذي سمح بهذا يتطلع إليهم؛ فانهم شيدوا نصبًا تذكاريًا مجيدًا، ونالوا نصرة ملموسة، مرتلين بتسبحة عجيبة وغريبة، التي من ذلك اليوم إلى الآن ينشد بها في العالم، وستبقى إلى مدى الأجيال…
فان كان السبى والعبودية… لم تقدر أن تفسد الفضيلة الداخلية للثلاثة فتية المأسورين، المستعبدين، الغرباء… بل صار مقاومة الأعداء بالنسبة لهم بالحري فرصة لنوال ثقة (إيمان) أعظم، فأي شيء يمكن أن يضر الإنسان الضابط لنفسه؟ لا شيء يضره، ولو قام العالم كله في جيوش ضده. لكن قد يقول قائل: أنه في حالة هؤلاء الفتية كان الله واقفًا معهم، وحماهم من النيران. بالتأكيد هذا حدث، فإن قمت أنت بواجبك قدر قوتك، فإن العون الإلهي حتمًا سيرافقك. ومع ذلك فإن السبب الذي لأجله أعجب من هؤلاء الفتية، وأدعوهم طوباويين وأشتهي أن نقتدي بهم، ليس لأنهم تغلبوا على اللهب، وأطفأوا حرارتها، بل لأنهم ربطوا وطرحوا في الأتون… لأجل الإيمان المستقيم، فإن هذا هو الذي شيد كمال نصرتهم. وإكليل النصر قد وضع على رؤوسهم في اللحظة التي ألقوا في الآتون، قبل أن تتم تلك الأحداث… بل وبدأت تضفر لهم هذه الأكاليل منذ اللحظة التي نطقوا فيها بتلك الكلمات المملوءة شجاعة وحرية في الحديث مع الملك إذ كانوا في حضرته “لا يلزمنا أن نجيبك عن هذا الأمر. هوذا يوجد إلهنا الذي نعبده يستطيع أن ينجينا من أتون النار المتقدة وأن ينقذنا من يدك أيها الملك، وإلا فليكن معلومًا لك أيها الملك أننا لا نعبد آلهتك ولا نسجد لتمثال الذهب الذي نصبته” (دا 3: 16- 18). بعدما نطقوا بهذه الكلمات أعلن نصرتهم. إذ أمسكوا بإكليل المكافأة وأسرعوا إلى إكليل الاستشهاد المجيد ملحقين شهادتهم بكلامهم بشهادتهم بأعمالهم…
ماذا إذن تقول عن هذه الأمور؟ هل أنت نفيت وأقصيت بعيدًا عن بلدك؟ أنظر فإن هؤلاء أيضًا حدث لهم هذا. هل أنت أخذت أسيرًا (في حرب) وصرت عبدًا لسادة متبربرين؟… أو هل ربطت وأحرقت وقدمت للموت؟ لأنك لا تستطيع أن تذكر لي أمور مؤلمة أكثر من هذه؟ ومع ذلك فإن هؤلاء الرجال اجتازوا هذا كله، وصار أكثر مجدًا بسبب كل ألم من هذه الآلام، نعم وأعظم شهرة وازدادت مخازن كنوزهم في السماء فشعب نينوى رغم أنه لم يكن لهم أي نصيب من المعجزات التي للشعب اليهودي (القاسي القلب)، لكن بقدر ما كان لديهم من استعداد داخلي حسن، فإنه إذ أعطيت لهم فرصة بسيطة استفادوا منها ليصيروا إلى حالة أحسن، رغم جهلهم بالوحي الإلهي وابتعادهم عن فلسطين!!
20- خاتمة
والآن فإنني أختتم مقالي بتكرار ما قلته في المقدمة أنه إن أصاب أحد ضررًا فإنه يعانى هذا من صنع يديه، وليس من عمل آخرين، وحتى ولو وجدت جموع حاشدة تسيء إليه وتسبه، حتى أنه إذا لم يعانى مما تصنعه يداه، فإنه وان قامت جميع المخلوقات الساكنة في كل الأرض والبحر، إن اجتمعت جميعًا لمهاجمته فإنها لا تقدر أن تؤذى إنسانًا ساهر، حكيمًا في الرب. أتوسل إليك إذن أن تكون حكيمًا ومتيقظًا في كل الأوقات محتملاً كل الآلام بشجاعة، حتى ننال البركات الأبدية النقية في المسيح يسوع ربنا، الذي له المجد والقوة الآن والى أبد الآبدين. آمين.
  رد مع اقتباس
قديم 06 - 02 - 2018, 05:35 PM   رقم المشاركة : ( 974 )
sama smsma Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية sama smsma

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 8
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : قلب طفلة ترفض أن تكبر
المشاركـــــــات : 91,915

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

sama smsma غير متواجد حالياً

افتراضي رد: اكبر مجموعة متنوعة من أقوال الأباء وكلمة منفعة

لا يستطيع أحد أن يؤذي إنسانًا ما لم يؤذ هذا الإنسان ذاته ـ القديس يوحنا الذهبي الفم



1- المقدمة
إنني أعرف جيدًا أن جامدي الفكر، المتلهفين في جريهم وراء الأمور الزمنية، المربوطين بمحبة العالم، المأسورين تحت عبودية اللذات الجسدية، الذين ليس لديهم إدراك قوى للمفاهيم الروحية، هؤلاء إذ يرون أن ما أنطق به منذ بدايته غير معقول، لذلك يكون لهم هذا المقال غريبًا ومتناقضًا، ويفرطون في الاستهزاء به. لكن هذا لن يعوقني عن تحقيق ما وعدت به، بل بالعكس يدفعدي إلى الاجتهاد في البرهنة عليه.
وإنني أرجو من أولئك الذين لهم وجهة نظرهم هذه في الموضوع. الذي أتكلم فيه أن ينتظروا حتى نهاية حديثي. وأنا متأكد أنهم سيأخذون برأيي ويدينون أنفسهم، مكتشفين أنهم كانوا مخدوعين حتى هذه اللحظة، وعندئذ ينقدون اعتقادهم! الخاطئ , الذي تمسكوا به في هذا الشأن، معتذرين طالبين الصفح، بل وشاكرين إيايّ كثيرًا، كما يفعل المرضى بالأطباء عندما يشفوا من أتعاب أجسادهم.
لهذا لا تخبرني ما هو رأيك الآن، بل انتظر حتى تسمع منى براهيني، وعندئذ تحكم حكمًا صائبًا، دون أن يعوقك جهلك عن ذلك. لأنه في القضاء، حتى في الأمور الزمنية، إذا رأوا الخطيب الأول يقدم حججًا قوية وينقد كل بند تمامًا، إلا أنهم لا يكتفون بذلك معلنين حكمهم ما لم يستمعوا إلى الخطيب الثاني (المحامي) الخصم للخطيب الأول. فحتى وإن بدت ملاحظات الأول حقيقية إلى درجة كبيرة، لكنهم يحجزون الحكم حتى يستمعوا للثاني. بالحقيقة إن عظمة القضاة تكمن أولاً في استماعهم بدقة لكلى الطرفين وبعدئذ ينطقون بالحكم.
هذا المفهوم (الخاطئ) يقول: “كل الأشياء قد قلبت رأسًا على عقب وأن الجنس البشرى مشحون باضطرابات كثيرة، إذ كثيرون يخطئون كل يوم، كثيرون يشتمون، كثيرون يخضعون تحث العنف والشر. فالضعيف مذلول للقوي، والفقير يخضعه الغنى. هنا نستبدل الخطيب بالمفهوم العام الذي صار له مع مرور الزمن أساس عميق في داخل أفكار الجماعة، وصار له تأثير قوي في العالم.
وكما يستحيل إحصاء عدد أمواج البحر، هكذا لن يمكن إحصاء ضحايا الساقطين تحت أعباء المكائد والإهانات والآلام ولا يمكن لا بتعديل القانون، ولا بالإرهاب عن طريق القضاء ولا بشيء من هذا القبيل، يقدر أن يوقف تيار هذا الوباء والاضطراب، إنما في كل يوم يتزايد الشر أكثر فأكثر. حتى أصبحت تنهدات المتألمين وندبهم ونحيبهم أمر جماعي مألوف…
وهناك من يتمسكون بنوع جديد من الحمق، اتهام عناية الرب عندما يرون الإنسان العفيف كثيرًا ما يكون مأسورًا تحت العنف ومضروبًا ومهانًا بشدة، بينما الإنسان الوقح القاسي الوضيع يصب مضايقات لا تحصى على من هم أكثرمنه عفة، ويتجنى على من في المدينة أو في البلد أو في الصحراء والبحر والبر. هذا المقال الذي أدليّ به ضروري حتى يصحح ما يزعمونه… مثبتًا، إن أي إنسان أخطأ إنما يصيبه الضرر بيديه، ولم يبعثه على الخطأ إنسان أخر.
2- لكل مخلوق عدو يؤذيه
لكي أبرهن على ما قلت بوضوح أكثر علينا أولاً أن نتساءل ما هو الظلم؟من أي شيء تتكون مادته؟ما هو الصلاح البشري؟وما الذي يدمره؟وما الذي يبدو أنه يدمره لكن في الحقيقة لا يدمره؟ وإذ يلزمني أن أؤكد حجتي بأمثلة، أقول بأن كل شيء له عدو شرير يؤذيه. فالحديد يفسده الصدأ، والخشب يفسده السوس، وقطيع الخراف تهلكه الذئاب، وخواص الخمر تفسد بالاختمار حتى يصل إلى أن يصير طعمه حامضًا ( لاذعًا)، والعسل يفقد خواصه عندما يفقد حلاوته الطبيعية ويتحول إلى عصارة مرة، وسنابل القمح يهلكها اليرقان (التعفن)، والجدب وأشجار أخري تؤذيها الديدان، ومخلوقات غير عاقلة يهلكها أنواع معينة من الأمرًاض.
ولكي لا نطيل الحديث… نذكر أن جسدنا يتعرض للحُميات والشلل، ولكثير من الأمرًاض الأخرى.إذن كل شيء له من يفسد خواصه أو صلاحيته. والآن لنفكر ما هو هذا الذي يحطم الجنس البشرى، وما هو الذي يهلكصلاح الإنسان؟ غالبية البشر تظن أن هناك أشياء كثيرة قادرة على إهلاكنا. فعلينا أن نوضح الآراء الخاطئة في هذا الأمر… مظهرين بوضوح أنه لا يوجد شيء يقدر أن يجلب علينا ضررًا أو هلاكًا ما لم نخون نحن أنفسنا بأنفسنا.يتصور ذوو الأفكار الخاطئة، أنه يوجد أشياء كثيرة تقدر أن تفسد صلاحنا. البعض ينظر إلى الفقر، وآخرون إلى الأمراض البدنية، وآخرون إلى فقدان الممتلكات، أو حلول المصائب، أو الموت.
أمثال هؤلاء دائمو البكاء والندب لحلول هذه الأمور. وبينما هم يرثون لحال المتألمين ويسكبون الدمع يقولون مضطربين: “يا لها من نكبة. قد حلت هكذا بالرجل فقد تبددت أمواله”، وآخر يقول: “قد أصيب رجل بمرض خطير ويئس الأطباء من علاجه!!” وآخرون يبكون من أجل المسجونين، والبعض يندبون المنفيين… وآخرون يبكون الغرقى والذين أصابهم الحريق والذين ماتوا تحت أنقاض منزل، ولكن لا يبكى أحد السالكين في الإثم. بل بالعكس يهنئونه هؤلاء الذين هم اردأ حالاً من الكل، مشجعين إياهم على ارتكاب كل الشرور.
والآن يلزمني أن أؤكد… أن لا شيء من هذه الأمور تقدر أن تؤذى الإنسان الذي يعيش بوقار، ولا تستطيع أن تفقده صلاحه.مثال ذلك: أخبرني لو أن إنسانًا فقد كل ماله بواسطة محتالين أو لصوص. ماذا يمكن لهذه الخسارة أن تفعل بصلاحه؟!وان كنت أريد أن أوضح هذا الأمر، يلزمني أولاً أن أشير إلى مفهوم صلاح الإنسان معالجًا الموضوع بأمثلة أخرى من المخلوقات حتى يمكن أن يكون الأمر جليًا وأكثر إدراكًا لغالبية القراء.
3- ليكن لك هدف واضح
ما هو صلاح الفرس؟ هل يَكمن في ما له من لجام مذهب وسرج مناسبة وأربطة من خيوط حريرية لربط الجل، وأقمشة ذات ألوان مختلفة وما عليه من ثوب ذهبي، وعُدة للرأس مُرصعة بالجواهر، وغطاء فوق الشعر مضفر بحبل ذهبي؟! أم يكمن في خفة حركته وقوة أقدامه وخطواته… شجاعته، قدرته على القيام بالرحلات الطويلة واستخدامه في الحرب، وقدرته على التصرف بهدوء في ميدان المعركة، وإنقاذه لصاحبه إن حدثت هزيمة؟!أليس من الواضح أن الأمور الأخيرة لا الأولى هي التي يكمن فيها صلاح الفرس؟!
وأيضًا ماذا تقولون عن صلاحية الحمير والجحش؟ أليست تكمن في القدرة على حمل الأثقال بلا اضطراب، والمثابرة على الرحلات الطويلة بسهولة، وصلابة حوافره كالصخر؟!هل تستمد هذه الحيوانات صلاحيتها الحقيقية من الزينة الخارجية؟!وأي نوع من الكروم تعجب بها؟! هل التي تحمل أوراقًا كثيرة أم المثقلة بالثمار؟!أي نوع من الصلاحية نعزي به الزيتونة، هل ما لها من فروع ضخمة وأوراق كثيرة أم حملها بثمار وفيرة من كل جانب من جوانبها؟!حسنًا، إذن فلنسلك على نفس المنوال بالنسبة للمخلوق البشري، حتى نعرف مفهوم صلاح الإنسان، وما هو الشيء الوحيد الذي يقدر أن يؤذيه.
4- مفهوم صلاح الإنسان
ما هو إذن صلاح الإنسان؟ صلاح الإنسان لا يكمن في الغنى حتى نخاف الفقر، ولا في الصحة البدنية فنرهب المرض، ولا في نظرة الناس إليك حتى تحذر ما يقوله الناس عنك بشرٍ، ولا في الحياة هنا في ذاتها حتى ترتعب من الموت… إنما يكمن صلاحه في التمسك بالتعاليم الحقيقية، والاستقامة في الحياة، الأمر الذي لا يستطيع أحد، حتى الشيطان نفسه، أن يسلب الإنسان إياه طالما كان حريصًا عليه كما ينبغي.
وهذا الأمر يدركه تمامًا حتى أخبث الشياطين وأشدهم. لهذا جرد الشيطان أيوب من مادياته لا ليجعله فقيرًا، إنما ليلزمه أن ينطق بكلمة تجديف على الله. وعذب جسده لا ليذله بالمرض، بل ليحبط صلاح نفسه. لكنه عندما نفذ كل حيله، وجعل هذا الغني فقيرًا… وحرمه من أبنائه… ومزق جسده بوحشية لا يقدر الجلادون أن يفعلوها، لأن أدوات التعذيب لا تقدر أن تمزق كل جانب من جوانب الجسد كما يفعل الدود الذي كان في جسده، وأفسد الشيطان سمعته حتى أعلن أصدقاؤه الحاضرون معه أن هذا جزاء له عن خطاياه التي يستحقها، موجهين ضده اتهامات كثيرة، وطرده من مدينته وبيته لا إلى مدينة أخرى، بل صارت مزبلة مدينته بيته…
كل هذا لم يؤذِ أيوب بل بالعكس تمجد بالأكثر على حساب هذه المكائد التي صبها ضده. لقد أخذ الشيطان منه كثيرًا لكنه لم يسلبه شيئًا من صلاحه. بل دفعه بالأكثر لتزداد قوة صلاحه. لأنه بعد ما حدثت له هذه الأمور تمتع بثقة أعظم بقدر ما حاربه خصم قوي. والآن إن كان الذي كابد آلامًا مثل هذه، التي ليست من عمل إنسان، بل من عمل الشيطان الأكثر شرًا من كل البشرية، هذا لم يصبه أي ضرر، فهل تقول أنت بأن إنسانًا ما قد أضرك أو حطمك… إن كان الشيطان، المملوء مكرًا عظيمًا هذا مقداره، بعدما صب كل ما في حقيبته، واستخدم كل أسلحته، وصب كل شروره ضد إنسان ذا مركز سامً عائليًا، وبار، ومع هذا لم يسبب له أذى، بل بالحري كما قلت أنه أفاده، فكيف تقدر أن تتهم إنسانًا أو آخر أنه يحمل في يديه ضررًا، لغيره، وليس لنفسه؟!
5- لماذا تخاف من مفسد خارجي؟!
الشيطان! قد يقول قائل: ألم يؤذي الشيطان آدم، إذ أفسد كيانه وأفقده الفردوس؟ لا، إنما السبب في هذا يكمن في إهمال من أصابه الضرر، ونقص ضبطه للنفس، وعدم جهاده. فالشيطان الذي استخدم المكائد القوية المختلفة لم يستطع أن يخضع أيوب له، فكيف يقدر بوسيلة أقل أن يسيطر على آدم، لو لم يغدر آدم بنفسه على نفسه؟!
الظلم! ماذا إذن؟! ألاَّ يصيب الأذى من يتعرض للافتراءات ويقاسي من نهب الأموال، فيحرم من خيراته ويطرد من ميراثه ويناضل في فقر فادح؟! لا، بل ينتفع إن كان وقورًا،. لأنه هل أضرت هذه الأمور الرسل؟ ألم يجاهدوا دائمًا مع الجوع والعطش والعُري؟! وبسبب هذه الأمور صاروا مُمجدين ومشهورين وربحوا لأنفسهم معونة أكثر من الرب؟!
المرض! وأيضًا أي ضرر أصاب لعازر بسبب مرضه وقروحه وفقره وعدم وجود من يقيه؟ ألم تكن هذه الأمور تُضفر له إكليلاً من زهور النصر؟!
مديح الناس وذمهم! وأي ضرر أصاب يوسف عندما أتهم بسمعة شريرة، في أرضه أو في غربته فقد أتهم بالزنا والفسق؟! وماذا أصابه من الذين صيروه عبدًا منفيًا؟! أليس بسبب هذه الأمور صار يوسف موضع إكرام وتقدير؟!

الموت! ولماذا أتحدث عن النفي في أرض غريبة، أو الفقر أو تشويه السمعة أو الأسر، فإنه أي ضرر أصاب هابيل بموته، مع أنه مات موتًا عنيفًا، في غير أوانه. وبيديّ أخيه؟! أليس على حساب هذا صارت سمعة هابيل تجوب المسكونة كلها؟!
أنظر إذن كيف أكد المثال أكثر مما وعدت، لأنه لم يقف عند حد أن الإنسان لا يضره غيره، بل ينال نفعًا عظيمًا على يديّ مناضليه.
6- فلماذا يعاقب الله مدبري المكائد؟
قد يقال: إذن ما هو هدف التأديبات والعقوبات؟ ولماذا وجد الجحيم؟ وما فائدة التهديدات الكثيرة، مادام لا يضر أحد غيره ولا يصيبه ضرر من غيره؟… إنني لم أقل أنه لا أحد يضر غيره، بل لا أحد يصيبه ضرر من غيره. وكيف لا أحد يصيبه ضرر من غيره مادام كثيرون يضرون غيرهم؟!… إخوة يوسف مثلاً أضروا يوسف، لكن يوسف نفسه لم يصبه الضرر. وقايين ألقى بشباكه لهابيل، ولكن هابيل لم يسقط فيها. وهذا هو السبب الذي لأجله وجدت التأديبات والعقوبات.
فالله لا يرفع العقوبة عن مدبر الضرر لمجرد صلاح محتمل الضرر، بل يؤكد عقوبته بسبب شر صانع الإثم. فإنه بالرغم من أن الذين يسقط عليهم الشر، يصيرون أكثر مجدًا على حساب المكائد المدبرة ضدهم، لكن هذا لم يكن في نية مدبرى الشر، إنما بسبب شجاعة من هم ضحيتهم. لذلك فإن الأخيرين تعد لهم أكاليل الحكمة، أما الأولون فتعد لهم جزاءات شرورهم.
هل سلبت أموالك؟ أذكر تلك الكلمات “عريانًا خرجت من بطن أمي وعريانًا أعود إلى هناك” (أي 1: 21). وأضف إليها كلمات الرسول: “لأننا لم ندخل العالم بشيء وواضح أننا لا نقدر أن نخرج منه بشيء” (1 تى 6: 7).هل أُسيء إلى سمعتك، وحملك البعض بشتائم لا حصر لها؟ اذكر العبارة القائلة: “ويل لكم إذ قال فيكم جميع الناس حسنًا” (لو 6: 26). وأيضًا إن: “قالوا عليكم كلمة شريرة… افرحوا وتهللوا” (مت 5: 11).هل أخذت إلى المنفي؟ أذكر أنه ليس لك هنا موضع بل إن كنت حكيمًا يلزمك أن تنظر إلى العالم كله كأرض غربة.هل أصبت بمرض خطير؟ أقتبس ما يقوله الرسول: “إن كان إنساننا الخارج يفنى فالداخل يتجدد يومًا فيومًا” (2 كو 4: 16). هل يعانى إنسان من موت عنيف؟ ليذكر يوحنا الذي قطعت رأسه في السجن وأخذت في طبق وقدمت مكافأة عن رقص زانية. تأمل المكافأة التي تنالها على حساب هذه الأشياء، فإن كل هذه الآلام عندما تسقط ظلمًا من إنسان على آخر تنزع خطايانا وشرنا (إذ نتقبل الظلم بلا تذمر مؤمنين بالله مترجين الحياة الأخرى، فتعمل هذه الأمور على تزكيتنا). إذن عظيم هو نفع هذه الأتعاب بالنسبة للذين يحتملونها بشجاعة!!
7- الأذى يصيب الظالم لا المظلوم!!
ان كان لا فقدان المال أو الافتراءات أو السب أو السبي أو الأمراض أو الاضطهادات بل ولا الموت الذي هو أفظع من هذا كله، يقدر أن يضر من يتعذبون به، بل بالحري يزداد نفعهم، فكيف تقدر أن تثبت لي أن الإنسان لا يصيبه أذى متى حل به شيء من هذا؟! إنني سأجتهد أن أثبت أكثر من هذا، أن الذين يصيبهم الأذى ويتألمون من الشر، هم أولئك الذين يصبون شرورهم على غيرهم. فإنه لا يوجد إنسان أكثر بؤسًا من قايين الذي صنع هكذا بأخيه (قتله)؟! وما أكثر شقاء تلك الامرأة التي لفيليب، حيث قطعت رأسه يوحنا؟ وما أعظم شقاء إخوة يوسف الذين باعوه للغرباء وأرسلوه إلى أرض غريبة؟! وشقاء الشيطان الذي ضايق أيوب بهذه النكبات العظيمة؟! لأنه لا يدفع حسابًا عنيفًا عن شروره فحسب بل، وبسبب ما فعله بأيوب أيضًا.
أترون كيف جاءت الأدلة أكثر مما نتوقع، إذ ظهر أن الساقطين تحت الظلم لا تصيبهم جراحات، إنما يرجع الأذى علي رأس مدبري المكائد!! فإذ لا يقوم صلاح النفس على الغنى أو الحرية (الجسدية) أو عدم النفي وغير ذلك من الأمور التي أشرت إليها، بل على أفعال النفس، لذلك فإن أي ضرر يصيب هذه الأمور لن يلمس الصلاح البشري بأدنى أذى.
ماذا إذن؟ لنفرض أن إنسانًا يسئ إلى حياته الروحية، ثم يسئ إنسان إليه بضرر ما، فإن الأذى لا يأتيه من الغيرّ، إنما يكون نابعًا من داخل نفسه، من الإنسان ذاته. ربما تتساءل: كيف ذلك؟ عندما يضرب إنسان آخر، أو يسلب ماله، أو يقذفه بشتائم قاسية أو يسبه. فإن الإنسان الثاني يحتمل بالتأكيد ضررًا، بل وضرر كثير، لكن الأذى لا ينبع ممن أساء إليه بل من نفسه المتعبة. لأن ما سبق أن قلته أعود فأكرر. أنه لا يوجد إنسان مهما بلغ شره أن يهاجم آخر بشر أو عنف أشد من ذلك الشيطان الحاقد، العدو غير المشفق علينا، لكن حتى هذا الشيطان المتوحش لم يكن له سلطان أن يفسد ذلك الإنسان (أيوب) الذي عاش قبل الناموس وقبل عهد النعمة، رغم استخدامه أسلحة كثيرة حادة من كل جانب. هذه هي قوة نبل النفس!
وماذا أقول عن بولس، ألم يحتمل أحزانًا كثيرة لا يمكن إحصائها: من إلقاء في السجن وتثقيل بالقيود، وضعه تحت حراسة مشددة، جلد من اليهود، رجم، تمزق ظهره لا بالسياط فحسب بل وبالعصى أيضًا، غرق في البحر، مهاجمة لصوص في مرات كثيرة، صراع مستمر مع بنى جنسه، ومع الأعداء والمعاندين، مكائد بلا عدد، جهاد في جوع وعُري، كوارث، أحزان دائمة… يكفي أن أقول إنه كان يموت كل يوم. وبالرغم من هذه الآلام المبرحة، لكنه لم ينطق بكلمة تجديف، بل أكثر من هذا في وسط هذه كان فرحًا مفتخرًا، بها. إذ يقول: “أفرح في آلامي” (كو 1: 24). ومرة أخرى: “وليس ذلك فقط بل نفتخر أيضًا في الضيقات” (رو 5: 3). لقد كان فرحًا في أثناء تعذيبه بهذه الضيقات الشديدة، مفتخرًا بها. إذن فما هو العذر الذي تقدمه لتذمرك بسبب عدم احتمالك لأمور أقل من هذه؟!
8- كيف أقدم صدقة؟
قد يقول قائل: لقد أصابني أذى بطريق أخر، وهو أنني وإن كنت لا أجدف بسبب سلب أموالي لكنى صرت عاجزًا، عن تقديم الصدقة. هذا اعترض هين وإدعاء بسيط. لأنك إن كنت تحزن بسبب هذا، فاعلم أن الفقر لا يقف حائلاً أمام العطاء. لأنه مهما بلغ فقرك لن يصل إلى فقر الامرأه التي لم تملك إلا ملء كف من الدقيق(1 مل 17: 12)، أو تلك التي لم يكن معها سوى فلسين (لو 11: 2). هاتين الامرأتين قدمتا كل ما لديهما. وقد كانتا موضع إعجاب فائق. ففقر عظيم كهذا لا يقف عائقًا أمام العطف، إذ صدقة من فلسين كانت وفيرة، تكشف عن كرم زائد يفوق كرم كل الأغنياء، وبالنية السليمة والغيرة المتقدة فاقت هؤلاء الذين ألقوا نقودًا كثيرة. إذن، حتى في هذا الأمر لا يصيبك أذى، بل بالحري تكون قد انتفعت، نائلاً بتقديم صدقة صغيرة مكافأة أكثر مجدًا ممن يدفعون مبالغ ضخمة.
9- ملامح حياة محب المال :
ومع ذلك فانني أنطق بما أقوله دومًا. أن الشخصيات الحساسة التي تبتهج بالزحف في الأمور الزمنية، وتفرح بالأشياء الحاضرة، ليست مستعدة أن تتخلى حتى عن الورود الذابلة لأن هذا هو أمر الابتهاج بالزمنيات، أو أن تترك مجرد ظلالها… هناك أناس جديرون بالرثاء أكثر دناءة يتعلقون بالأمور الزمنية أكثر من الأمور المستقبلة. هيا نرفع الوشاحات (الأوجه الصناعية) المفرحة جميلة المنظر، التي تغطي عدم ضبط النفسي القبيح المزيف. لنفضح بشاعة هذه المرأة العاهرة. لأنه هكذا تشبه الحياة المكرسة للتنعم وحب الغنى والسلطة (الكبرياء)، إنها حياة خبيثة وقبيحة ومملوءة بغضًا شديدًا ومكروهة، مملوءة أثقالاً ومحملة بالمرارة. لأنه بالحقيقة هذه هي ملامح الحياة التي من يمسك فيها ليس له أي عذر.
وبالرغم من أن هذا هو هدف اشتياقهم وسعيهم، إلاَّ أن حياتهم مشحونة بالمضايقات الكثيرة والكرب، ومملوءة بشرور لا تحصى ومخاطر وسفك دم وفجوات هاوية وأوعرة وقتلة ومخاوف ورعب وحسد وسوء نية ومكائد، وقلق مستمر واهتمام دائم، ومع هذا كله لا يحصل على نفع ولا يأتي من هذه المخاطر الكثيرة بثمار، سوى العقوبة والانتقام والعذاب المستمر. ولو أن هذه هي صفات حياة محبي المال، لكنها تبدو لغالبية البشر أنها موضع طموح (طمع) وشغف زائد. وهذا يكشف لا عن بركة المادة ذاتها بل غباوة الذين أُسروا في حبها. حقًا إن الأطفال الصغار يشتاقون إلى أدوات اللعب إذ هي تثيرهم، ولا يقدرون أن يدركوا من ذواتهم الأمور التي تجعلهم رجالا ناضجين كاملين. هؤلاء الأطفال لهم عذرهم بسبب عدم نضجهم. أما هؤلاء (المأسورين بمحبة المال) فليس لهم حق الدفاع لأنهم رغم نضوج سنهم إلاَّ انهم لازالوا أطفالاً في طبعهم، وأكثر من الأطفال سذاجة في مسلكهم في الحياة.
والآن قل لي لماذا يكون المال هدفًا للطمع (الطموح)؟ لابد لي أن أبدأ من هذه النقطة حيث أن كثيرون قد أصيبوا بهذا المرضى الخطير، فيبدو لهم أن المال أفضل من الصحة والحياة والسمعة الطيبة والصيت الحسن، وأفضل من المدنية (أي يحب المال أكثر من المجتمع)، وعائلته وأصدقائه وأقربائه وأي شيء آخر. أضف إلى هذا أن لهب (محبة المال) قد صعد إلى السحب عينها، والحرارة القاتلة تملكت على الأرض والبحر. ولا يوجد من يطفئ هذه النار، بل يعمل الناس جميعهم على زيادة التهابها، سواء أولئك الذين لحقت بهم نيرانها أو لم تلحق بعد بهم، حتى يصير الكل أسيرًا لها. وها أنت ترى أن كل واحد: زوج وزوجة، عبد وحرّ، غنى وفقير… الكل يحمل قدر استطاعته وقودًا يزيد إشعال هذه النيران (محبة المال) نهارًا وليلاً. وهم يحملون وقودًا لا من خشب أو عيدان، لأنها ليست من هذا النوع، بل وقودًا هو أرواح الأشرار الآثمة وأجسادهم. هذه هي المادة التي اعتادت هذه النار أن تشتعل بواسطتها. لأن هؤلاء الذين لهم مقتنيات (غنى) لا يضعون حدًا، لهذه الشهوة المهولة في أي مكان، حتى وإن داروا حول العالم كله. كذلك الفقير يتضايق لكي يأخذ نصيبًا وافر، من الغنى وهكذا يسيطر على أرواح الجميع نوع من الخبل عديم الشفاء، وجنون لا يمكن مقاومته، ومرض بلا علاج.
هذا الميل النفسي (محبة المال) يتغلب على كل عاطفة أخرى وينزعها من النفس، فلا يعود يهمه صديقه أو قريبه… بل ولا يبالي بزوجته أو أولاده… فهل يمكن أن يكون له أناس أعزاء أكثر من هؤلاء؟! انه عندما تأسر هذه العشيقة (محبة المال) المتوحشة القاسية روح الإنسان، عندئذ تتحطم بالنسبة لها كل القيم على الأرض وتصير تحت موطئ الأقدام.
10- مقارنة بين العاهرة ومحبة المال :

كما أن العاهرة القاسية القلب، الطاغية العنيفة، البربرية المتوحشة، التي تطلب ثمنًا غاليًا لشرها، هذه الشريرة تستنزف هؤلاء الذين يسقطون في أسرها، وتفسدهم وتسبب لهم أخطار، لا حصر لها. وبالرغم من كونها مرعبة وقاسية القلب ومتوحشة وعنيفة، لها صورة الهمجي. بل بالحري صور الوحوش الضارية بل وأعنف من الذئب والأسد، إلاَّ أنها تبدر لمن أسرتهم في حبالها كما لو كانت لطيفة ومحبوبة وأحلى من العسل. وبالرغم من أنها تسبك ضدهم سيوفًا وأسلحة وتحفر لهم حفرًا، لاصطيادهم وتقودهم إلى أماكن هاوية وصخور شامخة وشباك لا نهاية لها… ومع هذا فإنها تعمل علي أن تجعل هذه الأمور موضع طمع للمأسورين في شباكها، والراغبين في هذا الأسر.
11- مقارنة بين الحيوانات غير العاقلة ومحب المال :
وكما أن الخنزير يفرح ويلهو بانغماسه في الوحل والطين، والحشرات تزحف دائمًا مبتهجة نحو الروث، هكذا المأسورين بمحبة المال هم أكثر بؤسًا من هذه المخلوقات. لأن الرجاسة هنا أعظم، والوحل أكثر قذارة، لأن المنهمكون في هذا الميل (محبة المال) يظنون أنهم ينالون فرحًا عظيمًا. هذا الفرح لا ينبع من المادة ذاتها بل من فهمهم المتأثر بمثل هذا التأثر ( الميل) السخيف. هذا التذوق أردأ من تذوق الحيوانات الأعجمية. فكما أنه في الوحل والروث لا يكمن الفرح بل في طبيعة المخلوقات غير العاقلة (الخنزير والحشرات) التي تنغمس فيها، هكذا أيضًا بالنسبة للمخلوقات البشرية.
12- محبة المال وليس سلب أموالك هو الذي يوذيك :
وكيف يمكننا معالجة أولئك الذين هذا هو حالهم (كالخنزير والحشرات)؟ علاجهم يكون سهلاً إن أنصتوا بآذانهم لنا وفتحوا قلوبهم وقبلوا كلماتنا. لأنه بالنسبة للحيوانات غير العاقلة (الخنزير والحشرات) يستحيل الإقلاع عن عاداتها غير المستحبة، لأنها عديمة العقل. أما هؤلاء الذين هم أسمى فضيلة في المخلوقات الأرضية، الذين تشرفوا بالعدل والنطق، أقصد البشر، يلزمهم – إن أرادوا – أن يستعدوا للهروب من الوحل والنتانة والروث ونجاسته، وهذا سهل عليهم.
انه لا يمكنك أن تعدد الأسباب (التي تدفعك لمحبه المال) سوى اللذة والكبرياء والخوف والقدرة على الانتقام. فالثروة عادة لا تعمل على أن يصير الإنسان حكيمًا أو ضابطًا لذاته أو أكثر وداعة أو تعقلاً أو شفوقًا أو محبًا أو متساميًا على الغضب والنهم واللذة. أنها لا تدرب الإنسان ليكون عفيفًا أو تعلمه الاتضاع، ولا أن تبدأ أو يزرع أي نصيب من الفضيلة في الروح. وأظن أنه لا يقدر أن يقول عن أي شيء من هذه الأمور أنها تستحق أن يطلبها الإنسان ويشتهيها بكد. لأن محبة الغنى ليس فقط تجعل الإنسان يجهل كيفية غرس أو زرع أي فضيلة، بل وان وجدت فيه مخزنًا من الأعمال الصالحة، فإنها تعمل على إعطابها وتوقف نموها وتفسدها. بل وتقتلع بعض الفضائل ليحل محلها ما يضادها من تهور غير محدود وحنق زائد وغضب شرير وكبرياء وحب ظهور وغباء. دعني لا أتكلم عن هذا، لأن أولئك الذين أمسكوا بهذا المرض (محبة المال) لا يقدرون أن يحتملوا السماع عن الفضيلة والرذيلة. إذ قد تشبعوا باللذة واستعبدوا لها. فلنترك الزمن بنفسه يعلن هذه الأمور. والآن نتكلم عن الأمور الأخرى الباقية وهي “هل الثروة فيها سعادة وكرامة؟” لأنه في نظري أن الأمر على نقيض هذا.
13- هل الثروة تجلب الكرامة؟
قد يقول قائل: لكن الثروة تطفي على صاحبها كرامة، وتمكنه من الانتقام من أعدائه بسهولة. أسألك: هل هذا هو السبب الذي لأجله تبدو لك الثروة مثار شوق يستحق نضال من أجلها. إذ تعمل على إثارة ميول خطيرة في طبيعتنا، فتقود الغضب إلى حيز التنفيذ، وتزيد فقاعات الطمع الفارغة، وتحث البشر وتثيرهم نحو الزهو؟! فلماذا لا يكون هذا هو السبب عينه الذي يدفعنا إلى أن نعطي للثروة ظهرنا بحزم، لأنها تدخل في قلوبنا حيوانات مفترسة قاسية وخطيرة، فتنزعنا من الكرامة الحقيقية التي يلزم أن تكون لنا وتقدم ما هو مضاد للكرامة الحقيقية لمن ينخدعون بواسطتها، ويكون عملها عندئذ أن تكسي ما هو مضاد للكرامة ألوانًا حتى يحسبونها كرامة مع إنها ليست كذلك في حقيقتها… فكما أن العاهرات جمالهن يكمن في طلاء الألوان والأصباغ، ومع أن وجوههن قبيحة دنسة مفتقرة إلى الجمال الحقيقي لكنها تبدو لمن يخدعن إياهم أنها حسنة وجميلة… هكذا أيضًا (حب المال) يعمل على إظهار التملق أنه كرامة.
أتوسل إليك ألاَّ تعطي اعتبارًا للمديح الذي يقدم بسبب الخوف منك أو لتملقك، فإن هذا في حقيقته ليس إلاَّ ألوانًا ناصعة وأصباغ. فإن كشفت الضمير الداخلي لكل فرد من الذي يتملقونك بهذه الطريقة، تجد فيه اتهامات لا حد لها موجهة ضدك، كما تجد شتائم وبغض أكثر مما يصبه لك الأعداء والمناضلين لك. فإذا حدث أن تغيرت الظروف بحيث تحرك وانفضح القناع (أو الوجه المستعار) الذي أوجده الخوف… عندئذ سترى بوضوح كيف يزدرى بك إلى أبعد حد أولئك الذين كانوا قبلاً يتوددون إليك، وتعرف انك كنت متخيلاً أنك متمتع بالكرامة من هؤلاء الذين يكرهونك، هؤلاء الذين تغلي في داخل قلوبهم شتائم لا حد لها ضدك، ويشتاقون أن يروك وقد حلّت بك مصائب فادحة. إذن لا يوجد مثل الفضيلة لكي تنال الكرامة -لا عن قوة أو تصنع ولا تكمن تحت قناع الخداع- بل الكرامة التي هي بحق وأصيلة، وقادرة أن تثبت مع تجارب الأزمنة القاسية.
14- هل المال يساعدك على الانتقام؟
ولكن هل ترغب في الأنتقام من مُضايقيك؟ هذا هو السبب – كما كنت أقول حتى الآن- الذي لأجله يجب أن نتجنب المال (حب المال) لأن هذا يجعلك تستل سيفك ضد نفسك، ويردك مطالبًا بحمل ثقيل يوم الحساب المقبل، ويجعل عقابك غير محتمل. لأن الانتقام هو شر عظيم حتى أنه يعمل على نزع المراحم الإلهية، ويفسد المغفرة التي وهبت لك عن الخطايا غير المحصية. لأن الذي نال عفوًا عن دين من عشرة آلاف وزنة، هذا بعدما نال العفو العظيم بمجرد أن طالب العبد رفيقه بالدين الذي له عنده وهو مئة فلس، هذه المطالبة كانت بالنسبة له تعدي على نفسه، إذ بقسوته على زميله أخضع نفسه للإدانة (إذ عاد السيد يطلب منه الدين الذي أعفاه منه) فلهذا السبب، وليس بسبب آخر سحبه المعذبون وصار هناك مرهونًا ومطالبًا بتسديد العشرة آلاف وزنة، ولم يسمح له لا بالاعتذار، ولا بالدفاع، إنما نال عقوبة عظيمة، مطالبًا بالدين الذي كان الحنان الإلهي قد أعفاه منه سابقًا (مت 18: 23- 35). أسألك، هل لهذا السبب تطلب الثروة مناضلاً بشوق عظيم هكذا، إذ تقودك إلى خطية من هذا النوع؟! بلى بالحقيقة السبب الذي لأجله يلزمك أن تشمئز من محبة المال كعدو وخصم ينتج جرائمًا لا حصر لها.
15- هل أضر الفقر بلعازر
قد يقول قائل:أن الفقر يجعل الناس متضجرين، وغالبًا ما يدفعهم إلى النطق بكلمات تجديف، وينزل بهم إلى الأعمال الدنيئة. ليس الفقر هو الذي يفعل بالإنسان هكذا، بل دناءة النفس، لأن لعازر كان فقيرًا، نعم كان فقيرًا جدًا، ويعاني بجانب فقره من ضعف جسدي أقسى بكثير من الفقر في أي صورة من صوره، الأمر الذي جعل فقره قاسيًا جدًا، وبجانب هذا الضعف أيضًا، كان محرومًا تمامًا من الذين يعولونه، مع صعوبة إيجاد أي مئونة لسد أعوازه، الأمر الذي ضاعف من مرارة فقره وضعفه… فعدم وجود من يعوله، يجعل ألمه أشد، واللهب أقسى، الكارثة أمرّ والمجرب أكثر وحشية، والأمواج عنيفة والأتون أكثر اتقادًا…
وهناك أيضًا تجربة رابعة بجانب الجوانب الثلاثة السابقة، وهي عدم اكتراث الغنى به رغم ترفه.وان أردت، تجد أيضًا أمرًا خامسًا يزيد التهاب النار… إن الغني ليس فقط يعيش في حياة ترف، بل ويرى الفقير مرتين وثلاثة بل ومرات عديدة يراه كل يوم ملقى عند بابه، إذ هو مشهد خطير لكارثة يرثى لها، مجرد النظر إليه يكفي أن يلين القلب الحجري، ومع هذا فإن المنظر لم يدفع الرجل القاسي إلى مساعدة هذا الفقير إلى هذه الدرجة؛ إنما كان يقيم مائدته المترفة، عليها الكؤوس المزينة بالورود، والنبيذ النقي يصب بغزارة، لديه جيوش من الطباخين والمتطفلين والمتملقين يعملون منذ الفجر المبكر، وفرق من المغنين وحاملي الكؤوس والمهرجين، ويقضى كل وقته منغمسًا في الملذات والسكر والأكل بشراهة، متنعمًا بالملبس والأكل وبأمور أخرى كثيرة.
فمع أنه كان يرى هذا الفقير منكوبًا بالجوع الزائد والضعف الجسدي المرّ وبالقروح الكثيرة، والحرمان والمرض الناتج عن هذا الحال، إلاّ أنه لم يفكر فيه. فالمتطفلين والمتملقين كانوا يتنعمون بأكثر من احتياجهم، أما الفقر- الذي كان فقيرًا جدًا- ومنكوبًا بمآسي كثيرة، لم يعط له حتى الفتات الساقط من مائدته رغم اشتهائه له بشوق عظيم. ورغم هذا كله، فإن شيئًا من هذه الأمور لم تؤذ لعازر إذ لم ينطق بكلمة قاسية، ولا تكلم بحديث دنيء، إنما كقطعة الذهب التي تشع ببريق أعظم كلما تنقت بنار متزايدة. بالرغم من هذه الضيقات التي أحاطت به ، إلاّ أنه تسامى عليها، وعلى ما تنتجه هذه الأمور من هياج.
فإن كنا نتكلم عن الفقراء عامة وما يثور في نفوس من حسد وما يتعذبون به من تفكير الحقد الرديء، عند رؤيتهم للأغنياء ناظرين إلى أنه لا تستحق الحياة المتسمة بالفقر أن توجد. هذا يفكر فيه الفقراء الذين يجدون القوت الضروري ولهم من يعطيهم أعوازهم، فكم يكون هذا الفقير لعازر. ألم يكن بحق حكيم جدًا، طيب القلب. إذ يرى نفسه أفقر من كل الفقراء. بل وبه ضعف. وليس له من يقيّه آو يعطف عليه. ملقى في وسط المدينة وكأنه في وسط صحراء بعيدة، يتلوى من مرارة الجوع، ويرى كل الخيرات تتدفق على الغني كما من نافورة، ليس له أي تعزية بشريه، ملقى كغذاء دائم تلحسه ألسنة الكلاب، ومن ضعفه وتحطيم جسده لا يقدر حتى على طردها!
أما تدرك إذن أن الذي لا يؤذي نفسه لا يقدر أن يؤذيه شيء؟.. لأنه أي ضرر أصاب هذا من ضعف جسده أو عدم وجود من يحميه أو التفاف الكلاب حوله أو من شر مجاورته للغني ورؤيته عظم الترف والتنعم والكبرياء الذي للأخير؟ هل هذه الأمور أضعفته ليضاد الفضيلة؟! هل أوهنت هدفه؟! انه لم يؤذيه شيء بالكلية، بل كثرة أتعابه مع قسوة الغني، زودته قوة، وصارت بالنسبة له دعامة لنوال أكاليل النصرة غير المتناهية، كوسائل تزداد بها مكافأته، وباعث لنوال جزائه…إذ كان يحتمل تجربته بشجاعة وثبات عظيم…
16- يهوذا بلا عذر!!
اخبرني ماذا كان حال الطوباوي بولس؟! لأنه لا يوجد ما يمنعني من الإشارة إليه مرة أخرى. ألم يعانى من عواصف التجارب بلا حصر؟! في أي شيء أضرته هذه التجارب؟! ألم يتوج بالنصرة بالأكثر، إذ احتمل الجوع وعانى من البرد والعري، وتعذب بجلدات ورجم وغرق في البحر؟! لكن قد يقول قائل: إنه بولس، لقد دعاه المسيح!! وأيضًا يهوذا كان أحد الاثنى عشر، ودعاه المسيح أيضًا، ولكن لم يكن مجرد حسبانه ضمن الإثنى عشر، ولا دعوته أفادته، لأن فكره لم يكن ثابتًا في الفضيلة. فبولس بالرغم من مصارعته ضد الجوع وحرمانه من قوته الضروري ومع تحمله لأتعاب كثيرة كهذه يوميًا سلك في الطريق المؤدي إلى السماء بغيرة عظيمة، بينما يهوذا رغم دعوته من الرب قبل بولس وتمتعه بنفس المميزات، وتعلم في أسمى شكل للحياة المسيحية، وكان له نصيب في المائدة المقدسة، التي هي أعظم الموائد المرهبة، وأعطيت له مثل هذه الموهبة أن يقيم الميت ويطهر البرص ويخرج الشياطين، كما سمع الكثير عن موضوع الفقر، وقضى وقتًا طويلاً في اصطحابه للسيد المسيح نفسه، بل وكان موضع ثقة ليكون معه صندوق الفقراء، حتى تتلطف شهوته، إذ كان لصًا، ومع هذا كله لم يتحسن، رغم ما وهب له من لطف عظيم كهذا. فإذ عرف المسيح أنه طماع وأنه سيهلك بسبب محبته للمال، لم يعاقبه للحال، بل وأعطاه. صندوق الفقراء ليلطف من شهوته، حتى تكون له بعض الوسائل لإبطال طمعه، لعله ينقذ من السقوط في تلك الهوة المريعة للخطية، ويوقف الشر العظيم… هكذا، على أي الأحوال، لا يمكن لأحد أن يؤذى إنسانًا لم يختار لنفسه أن يؤذي نفسه. ولكن إن كان الإنسان غير راغب في أن بضبط نفسه ويُعيّن نفسه من الداخل… لا يقدر أحد أن يعينه.
فتلك القصة العجيبة الواردة في الكتاب المقدس، التي كما لو كانت في صورة شاهقة ضخمة متسعة، ترسم حياة رجال العهد القديم، ابتداء من رواية آدم حتى مجيء المسيح، هذه القصة تعرض لك الذين هلكوا، والتي توجوا بالنصرة في المعركة. وهي تعلمك أنه لا يوجد أحد يقدر أن يؤذى أخرًا، لو لم يضر هذا الأخر نفسه، حتى ولو شن العالم كله حربًا قاسية ضده. فلا ضغط الظروف ولا اختلاف الأزمنة ولا شتائم البشر الذين لهم سطوة ، ولا المكائد… ولا تجمهر الكوارث ولا تجمع الأمراض الكثيرة، التي يخضع لها البشر، هذه كلها لا تقدر- ولو إلى درجة خفيفة – أن تقلق الإنسان الشجاع ضابط نفسه المتيقظ. وعلى العكس الإنسان المتراخي المستلقي علي ظهره، الذي هو خائن لنفسه، لا يقدر أن يصير في حالة أحسن مما هو عليها، ولو قدمت له خدمات لا حصر لها.
هذا على الأقل وضح لنا من مثل الرجلين، اللذين أحدهما بنى بيتًا على الصخر، والآخر على الرمل (مت 7: 24.. الخ)، ليس لنا أن نفكر في الرمل والصخر، أوفي البناء أو الأمطار أو العواصف… بل أن نتنبه إلى الفضيلة والرذيلة كمعاني لهذه الأمور، مدركين أنه لا يضر أحد إنسانًا لا يضر نفسه. فلا المطر رغم سقوطه بغزارة، ولا العواصف التي تصد المباني رغم عنفها، ولا الرياح الشديدة التي تهاجم بعنف… استطاعت أن تهز البيت في أي درجة، بل بقى ثابتًا غير متزعزع وهكذا نفهم أنه لا تقدر تجربة ما أن تزعزع الإنسان الذي لا يخون نفسه.
أما منزل ذلك الرجل الذي سقط سريعًا، فإن سقوطه لم يكن بسبب قوة التجارب (لأن البيت الثاني عانى بنفس القدر)، لكن السبب هو غباوة صاحبه… لأنه بناه على الرمل أي نتيجة التراخي والشر. إنه قَبل السقوط كان ضعيفًا ومستعدًا للسقوط. لأن المباني التي على الرمل ولو لم يضغط عليها شيء فإنها ستتدمر من نفسها وتتبدد في كل اتجاه… فكما أن أنسجة العنكبوت تتمزق دون أي مقاومة (ملموسة) لكن الماس لا ينكسر حتى إن طرق، هكذا أيضًا الذين لا يضرون أنفسهم يصيرون إلى حياة أقوى متى أصابتهم ضربات لا عدد لها. أما الذين يخونون أنفسهم فإنهم يسقطون وينهارون ويهلكون ولو لم يثرهم أحد. لأنه هكذا هلك يهوذا مع أنه لم يتعرض لتجربة من هذا النوع (كبولس)، بل بالعكس قد أعطيت له إمكانيات عظيمة.
17- العطايا الإلهية لم تلين عناد قلبهم
أتريد أن أوضح لك هذا البرهان بأمثلة من جميع الأمم؟! أي عطايا قدمت لليهود (في خروجهم من مصر) ألم تقم المخلوقات المنظورة كلها بخدمتهم، وأعطيت لهم وسائل جديدة وفريدة للحياة؟ فإنهم (في البرية) لم يكونوا يذهبون إلى سوق إنما يأخذون ما يشترى بمال مجانًا، ولم يفلحوا رضًا ولا استخدموا محراثًا ولا مهدوا الأرض للزراعة، ولا ألقوا بذار، ولم يحتاجوا إلى أمطار ورياح أو فصول للسنة للزراعة، أو أشعة شمس أو شكل معين للقمر أو طقس معين ولا شيء من هذا القبيل. انهم لم يعدوا الأرض لدرس الحنطة، ولا درسوا حنطة ولا استخدموا مذراة لفصل الحنطة عن القش، ولا طاحونًا ولا فرنًا ولا أحضروا خشبًا أو نارًا في بيت. ولم يحتاجوا إلى أدوات للعجن… ولا أي نوع آخر من الأدوات الخاصة بالنسج والبناء وصنع الأحذية، بل كانت كلمة الله هي كل شيء بالنسبة لهم.
لقد كانت لهم مائدة لم تعدها يد بشرية، أعدت بلا جهاد أو تعب. لأنه هكذا كانت طبيعة المن، أنه جديدًا، وطازجًا، ولا يحملهم أي مشقة أو جهاد. أما ثيابهم وأحذيتهم وأبدانهم فقد فقدت ضعفها الطبيعي. فثيابهم وأحذيتهم لم تبل بعامل الزمن وأرجلهم لم تتورم رغم كثرة السير. ولم يذكر قط أن بينهم كان أطباء أو دواء أو أي شيء من هذا القبيل. وهكذا قد انتزع كل ضغف من بينهم. فقد قيل: “فأخرجهم بفضة وذهب ولم يكن في أسباطهم عاثر (هزيل)” (مز 105: 37)… أشعة الشمس في حرارتها لم تضربهم لأن السحابة كانت تظللهم وتحيط بهم كمأوى متحرك يحمي أجساد الشعب كله. ولم يحتاجوا إلى مشعل يبدد ظلام الليل، بل كان لهم عمود النار كمصدر إضاءة لا ينطق به يقوم بعملين: الإضاءة مع توجيههم في طريق رحلتهم… قائدًا هؤلاء الضيوف الذين بلا عدد في وسط البرية بدقة أفضل من أي مرشد بشري. ولم يرحلوا فقط على البرّ بل وفي البحر كما لو كان أرضًا يابسة… فقد قاموا بتجربة جريئة تخالف قوانين الطبيعة. إذ وطئوا البحر الثائر، سائرين فيه كما على صخر يابس صلب. فإذ وضعوا أقدامهم فيه صارت مادته كالأرض اليابسة … وإذ وصل إليه الأعداء عاد إلى ما كانت عليه طبيعته، فصارت للأولين مركبة وللأعداء قبرًا… فقام البحر الذي لا يفهم بدور محكم كأعقل وأذكى إنسان، قام بدور حارس مرة وبدور منتقم مرة أخرى، معلنًا هذا العمل المتناقض في يوم واحد.
وماذا أقول عن الصخرة التي أخرجت ينابيع ماء؟ وسحاب الطيور الذي غطى الأرض بكثرته؟ وماذا عن العجائب التي حدثت في مصر؟… ان هذه العجائب جميعها لم تكن لمجرد إشباع احتياجاتهم، إنما لكي يحفظ الشعب التعاليم المُسلمة لموسى عن معرفة الله بدقة زائدة… ومع ذلك فإنه بعد عناية ملموسة عظيمة هكذا، وبركات لا ينطق بها، ومعجزات قوية، واهتمام زائد، وتعليم مستمر، وتحذيرات تارة بالكلام وأخرى بالأعمال، ونصرات مجيدة ونجاح غير طبيعي وشبع زائد لاحتياجاتهم من الطعام وفيض مياه غزيرة، ونظرهم مجد غير منطوق به في أعين الطبيعة البشرية (موسى). مع ذلك فقد تذمروا وبلا أي إحساس عبدوا العجل وكرموا رأس الثور، رغم تذكرهم بركات الله… بل وكانوا لازالوا يتمتعون بها.
18- استعداد شعب نينوى للتوبة؟
وأما أهل نينوى فبالرغم من كونهم شعب بربري وغريب، ليست له أي شركة في البركات، صغيرة كانت أم كبيرة، لا بكلمات ولا بمعجزات ولا بأعمال، هؤلاء عندما رأوا إنسانًا منقذًا من الغرق، لم يلتق بهم من قبل ولا سبق لهم أن عرفوه، يدخل مدينتهم قائلاً: “بعد (أربعين) يومًا تنقلب نينوى” (يونان 3: 4)، رجعوا وتابوا… ونزعوا شرورهم القديمة وتقدموا في حياة الفضيلة بالتوبة، حتى جعلوا العبارة (الخاصة بالغضب الإلهي) ينتهي مفعولها… “فلما رأى الله أعمالهم انهم رجعوا عن طريقهم الرديئة ندم الله على الشر الذي تكلم أن يصنعه بهم فلم يصنعه” (يونان 3: 10). كيف تغير هؤلاء رغم شرهم العظيم وقسوتهم غير المنطوق بها وقروح أخلاقهم المستعصية العلاج، إذ مكتوب “قد صعد شرهم أمامي” (يونان 1: 2) مشيرًا إلى العلو المكاني كتعبير عن مقدار عظمة شرهم، إذ قد تكدس إلى علو هذا قدره، حتى بلغ إلى السماء…؟! أنظر إذن كيف يمكن للإنسان الساهر الضابط لنفسه المتيقظ ليس فقط لا تمتد إليه أيديّ بأذى بل ويستطيع أن يرفع الغضب السماوي!!…
19- موقف الثلاثة فتية
مرة أخرى أسأل: هل فسدت فضيلة “الثلاثة فتية” بسبب المتاعب التي حلت بهم؟ فرغم صغرهم، بل صغرهم جدًا من جهة السن… ألم يخضعوا للأسر المؤلم الخطير؟ ألم يقصوا بعيدًا جدًا عن بلدهم؟… ألم يحرموا من بلدهم وبيتهم وهيكلهم ومذبحهم وذبائحهم وتقدماتهم حتى من أدوات ترتيل بالمزامير؟!… إذ كنتيجة حتمية قد حرموا من كل أشكال العبادة. ألم يسلموا في أيديّ همجية هم ذئاب أكثر منهم بشر؟ وحاقت بهم كوارث أعظم من الكل… محتملين الأسر الخطير بلا معلم ولا نبي لا مرشد… علاوة على هذا حملوا إلى القصر الملكي وصار كمن هم بين الشقوق والصخور مبحرين في بحر مملوء بالشعاب والصخور مجبرين على الإبحار في بحر من الغضب بلا مرشد أو عامل للإشارات أو طاقم أو بحارة، محبوسين في القصر الملكي كمن في سجن؟! ولكن بقدر ما عرفوا الحكمة الإلهية وسموا بالأمور الإلهية واحتقروا كل كبرياء بشري وصارت لهم أجنحة لأرواحهم يحلقون بها عاليًا، معتبرين أن غربتهم هناك كأنها تشديد لمتاعبهم.فانهم لو كانوا خارج البلاط يقطنون في مسكن خاص، لكانوا أكثر استقلالاً، لكنهم بهذا ألقوا كما في سجن… خاضعين لأي أمر أو تدبير قاسى مباشرة. فإذ طلب الملك منهم أن يشاركوه في مائدته وترفه وأطايبه الدنسة، الأطعمة المحرمة عليهم، كان هذا بالنسبة لهم أرعب من الموت. وقد كانوا كحملان وسط ذئاب كثيرة، مجبرين إما أن يعدموا أو يأكلوا الطعام المحرم… انهم لم يبالوا بالسلطان القاسي المطلق، مع انه كان لديهم ما يبررون به طاعتهم له، لكنهم قدموا نصيحة ورأيا مناسبًا حتى يتجنبوا الخطية رغم تجريدهم من كل شيء. إذ لم يكن ممكنًا أن يغروا (رئيس الخصيان) بمال فكم بالأكثر وهم أسرى لا يملكون مالاً؟! ولا بصداقات أو صلات اجتماعية أن تتشفع لهم أمامه، فكم وهم غرباء؟ وما كان يمكن أن يتحسن موقفهم حتى وان كان لهم سلطان، فكم وهم عبيد؟ وما كانوا يسيطرون عليه بكثرة العدد، فكم يكون موقفهم وهم ليسوا إلا ثلاثة؟! ومع ذلك اقتربوا إلى الخصي الموكل إليه بهذا العمل، وأقنعوه بحججهم، إذ رأوه خائفًا ومرتعبًا… إذ يقول: “إني أخاف سيديّ الملك الذي عين طعامكم وشرابكم. فلماذا يرى وجوهكم أهزل من الفتيان الذين من جيلكم فتدينون رأسي” (دا 1: 10) أنقذوه من هذا الرعب، وأقنعوه أن يعطيهم مهلة… إذ عملوا بكل قوتهم ساهم الله أيضًا بقوته… وإذ أعلنوا نبلهم وشجاعتهم ربحوا لأنفسهم العون الإلهي وهكذا تحققت أهدافهم.
هل تدرك أن أي إنسان لا يضر نفسه لا يقدر أحد أن يضره؟ أنظر على الأقل إلى حداثة سن هؤلاء وأسرهم… الخ. فإن هذا كله لم يضرهم بل على العكس صار لهم بسببه سمعة أفضل مما كانت لهم قبل حرمانهم. وهكذا بعدما نفذوا عملهم فانهم خضعوا لأعداء آخرين، ومرة أخرى كانوا هم نفس الرجال، وقد خضعوا لتجربة أقسى من الأولى، إذ أشعل لهم أتون، وتصدى لهم جيش من المتبربرين يصحب الملك، وكل طاقة الفُرّس قد وجهت لتمكر بهم وتضايقهم… ومع ذلك بقدر ما هم لم يخونوا أنفسهم بل قدموا كل ما في طاقتهم، لم تصبهم أي خسارة، بل ربحوا لأنفسهم أكاليل نصرة مجيدة لم ينالوها من قبل. فنبوخذ نصر ربطهم وألقى بهم في الأتون، لكنه لم يحرقهم، بل بالعكس أفادهم وردهم ممجدين. وبالرغم من حرمانهم من الهيكل والمذبح. مع للقائهم في الأتون وقد التف حولهم كثيرون جبابرة والملك نفسه الذي سمح بهذا يتطلع إليهم؛ فانهم شيدوا نصبًا تذكاريًا مجيدًا، ونالوا نصرة ملموسة، مرتلين بتسبحة عجيبة وغريبة، التي من ذلك اليوم إلى الآن ينشد بها في العالم، وستبقى إلى مدى الأجيال…
فان كان السبى والعبودية… لم تقدر أن تفسد الفضيلة الداخلية للثلاثة فتية المأسورين، المستعبدين، الغرباء… بل صار مقاومة الأعداء بالنسبة لهم بالحري فرصة لنوال ثقة (إيمان) أعظم، فأي شيء يمكن أن يضر الإنسان الضابط لنفسه؟ لا شيء يضره، ولو قام العالم كله في جيوش ضده. لكن قد يقول قائل: أنه في حالة هؤلاء الفتية كان الله واقفًا معهم، وحماهم من النيران. بالتأكيد هذا حدث، فإن قمت أنت بواجبك قدر قوتك، فإن العون الإلهي حتمًا سيرافقك. ومع ذلك فإن السبب الذي لأجله أعجب من هؤلاء الفتية، وأدعوهم طوباويين وأشتهي أن نقتدي بهم، ليس لأنهم تغلبوا على اللهب، وأطفأوا حرارتها، بل لأنهم ربطوا وطرحوا في الأتون… لأجل الإيمان المستقيم، فإن هذا هو الذي شيد كمال نصرتهم. وإكليل النصر قد وضع على رؤوسهم في اللحظة التي ألقوا في الآتون، قبل أن تتم تلك الأحداث… بل وبدأت تضفر لهم هذه الأكاليل منذ اللحظة التي نطقوا فيها بتلك الكلمات المملوءة شجاعة وحرية في الحديث مع الملك إذ كانوا في حضرته “لا يلزمنا أن نجيبك عن هذا الأمر. هوذا يوجد إلهنا الذي نعبده يستطيع أن ينجينا من أتون النار المتقدة وأن ينقذنا من يدك أيها الملك، وإلا فليكن معلومًا لك أيها الملك أننا لا نعبد آلهتك ولا نسجد لتمثال الذهب الذي نصبته” (دا 3: 16- 18). بعدما نطقوا بهذه الكلمات أعلن نصرتهم. إذ أمسكوا بإكليل المكافأة وأسرعوا إلى إكليل الاستشهاد المجيد ملحقين شهادتهم بكلامهم بشهادتهم بأعمالهم…
ماذا إذن تقول عن هذه الأمور؟ هل أنت نفيت وأقصيت بعيدًا عن بلدك؟ أنظر فإن هؤلاء أيضًا حدث لهم هذا. هل أنت أخذت أسيرًا (في حرب) وصرت عبدًا لسادة متبربرين؟… أو هل ربطت وأحرقت وقدمت للموت؟ لأنك لا تستطيع أن تذكر لي أمور مؤلمة أكثر من هذه؟ ومع ذلك فإن هؤلاء الرجال اجتازوا هذا كله، وصار أكثر مجدًا بسبب كل ألم من هذه الآلام، نعم وأعظم شهرة وازدادت مخازن كنوزهم في السماء فشعب نينوى رغم أنه لم يكن لهم أي نصيب من المعجزات التي للشعب اليهودي (القاسي القلب)، لكن بقدر ما كان لديهم من استعداد داخلي حسن، فإنه إذ أعطيت لهم فرصة بسيطة استفادوا منها ليصيروا إلى حالة أحسن، رغم جهلهم بالوحي الإلهي وابتعادهم عن فلسطين!!
20- خاتمة
والآن فإنني أختتم مقالي بتكرار ما قلته في المقدمة أنه إن أصاب أحد ضررًا فإنه يعانى هذا من صنع يديه، وليس من عمل آخرين، وحتى ولو وجدت جموع حاشدة تسيء إليه وتسبه، حتى أنه إذا لم يعانى مما تصنعه يداه، فإنه وان قامت جميع المخلوقات الساكنة في كل الأرض والبحر، إن اجتمعت جميعًا لمهاجمته فإنها لا تقدر أن تؤذى إنسانًا ساهر، حكيمًا في الرب. أتوسل إليك إذن أن تكون حكيمًا ومتيقظًا في كل الأوقات محتملاً كل الآلام بشجاعة، حتى ننال البركات الأبدية النقية في المسيح يسوع ربنا، الذي له المجد والقوة الآن والى أبد الآبدين. آمين.
  رد مع اقتباس
قديم 06 - 02 - 2018, 05:35 PM   رقم المشاركة : ( 975 )
sama smsma Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية sama smsma

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 8
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : قلب طفلة ترفض أن تكبر
المشاركـــــــات : 91,915

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

sama smsma غير متواجد حالياً

افتراضي رد: اكبر مجموعة متنوعة من أقوال الأباء وكلمة منفعة

فساد الجسد وجمال النفس – القديس يوحنا ذهبي الفم



“كُلُّ مَنْ يَعْتَرِفُ بِي قُدَّامَ النَّاسِ أَعْتَرِفُ أَنَا أَيْضاً بِهِ قُدَّامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ” (مت 10: 32) هكذا أُعِدَّت الجوائز والعقابات هناك، حسب قول المخلص الصادق. ولكن لماذا نطلب الجائزة هناك ونحن قادرون أن نحصل على الخلاص بواسطة الرجاء فقط؟ فإن فعلنا خيراً ولم نحصل على المكافأة عنه في هذه الحياة، فلا نضطرب لأن هذه المكافأة تضاعَف لنا في الحياة الآتية. وإن فعلنا شراً ولم نعاقَب عليه في هذه الحياة فلا نتهامل بل يجب ان نخاف من عملنا هذا، لان القصاص الابدي ينتظرنا هناك،
إذا لم نبدل الشر بالصلاح. واذا كان المعترفون بالمسيح يستحقون المجد في هذه الحياة، فلنفكّر في الأكاليل غير البالية التي سيحصلون عليها في المستقبل. وإذا كان هؤلاء يمجَّدون حتى من أعدائهم، ألا يعظمهم محب البشر الذي تفوق محبته محبة جميع الآباء الأرضيين؟ هناك تُعطى الجوائز عن الأعمال الصالحة والعقوبات عن الأعمال الشريرة. فكل الذين يرفضون ابن الله يعذَبون هنا وهناك. يعذَبون هنا لأنهم يضمرون الشر، وهناك لأنهم يدفعون إلى العذاب الدائم بعد القبر. وبالعكس فإن الذين يتبعون المسيح حقيقة فإنهم يحصلون على الفائدة هنا وهناك. هنا، لأنهم يتغلبون على الموت ويمجدون اكثر من الاحياء. وهناك، لانهم يتمتعون بالخيرات التي لا توصف. إن الله مستعد للإحسان أكثر من العقاب فلا تخشَ الموت، وإن لم يحن الوقت، لأننا سنقوم لحياة أفضل من هذه بكثير!

قد تقول أن الجسد يبلى. إذن، يجب أن يكون فرحنا كثيراً بهذا لأن لا جوهرَ للجسد. لو لم يبلَ الجسد لاستولت الكبرياء على الكثيرين، والكبرياء أعظم الشرور. ولما آمن البشر بأن الجسد قد أُخذ من التراب، ومع هذا فإن كثيرين، مع مشاهدتهم حوادث الموت المتكررة، يشكّون في فناء الجسد. لو لم يبلَ الجسد لاشتد تعلق الناس به. فإن بعضنا، مع علمهم بأن الجسد يفنى تماماً، نراهم يعانقون القبور. فماذا كانوا يفعلون لو قدروا على حفظ صورة الجسد تامة، ولما مال الأرضيون إلى الحياة الآتية، ولاستمر في عنادهم الذين يعتبرون الدنيا خالدة غير معترفين بأن الله هو الذي خلق العالم. ولترك الكثيرون مساكنهم وعاشوا في المقابر وخاطبوا الراقدين كالمجانين بلا انقطاع لأنهم حرموا الخالد المؤكد. وعلى هذه الصورة، كيف لا تدخل عبادة الأوثان إلينا بأنواعها المختلفة؟ ليعلمنا الأب السماوي الرحيم إن كل أرضي زائل يسلط الفساد على الجسد البشري أمامنا.

وليس الجمال بالجسد. فإن الجمال الحقيقي يتوقف على النور الذي تطيعه النفس في الذات الإنسانية. كل جمال في حياة الأرضي يتوقف على النفس. فإذا كانت النفس فرحة يتفتح الورد على الوجنتين، وإذا كانت حزينة تنزع الجمال من الجسد وتوشح هذا بالسواد. وإذا كانت النفس في سرور دائم فيكون الجسد أيضاً في الصحة التامة. وأما إذا كانت النفس في حزن دائم فلا ريب إن الجسد يكون أضعف من العنكبوت.

بغضب النفس يتشوّه منظر الجسد وبصفاء العينين يزداد رونقاً وجمالاً. إذا استولى الحسد على النفس علا الجسدَ الشحوبُ والاصفرار، وإن طفحت بمحبة القريب اشترك معها بالوجه المشرق الجميل. ولذلك فكثيرات من النساء غير الجميلات الوجوه يحصلن على جمال خصوصي من جمال نفوسهن. وبالعكس كثيرات من الجميلات الوجوه يشوّهن جمالهنَّ بعدم الجمال في نفوسهنّ. إن الوجه الجميل يتورّد دائماً بحمرة الخجل. أما الوجه الذي لا يعرف الحياة فهو أقبح من الوحوش. لأن النفس الخجول تحيل هيئة صاحبها وادعة محبوبة. فمحبة الجمال الجسدي محزنة مضحكة معاً، وأما محبة الجمال الروحاني فمتّحدة باللذّة الطاهرة المنعشة.

الجسد كالوجه المستعار يستر النفس فيكون حسب ما تكون عليه. فإن كانت قبيحة فسرعان ما تصير جميلة إن شاءت. لنفتّش إذاً عن الجمال الداخلي، عن جمال النفس، حتى يرغب السيّد في جمالنا ويهبنا الخيرات الأبدية بنعمة سيّدنا يسوع المسيح ومحبّته للبشر الذي له المجد والسلطة الى الدهر. آمين.
  رد مع اقتباس
قديم 06 - 02 - 2018, 05:36 PM   رقم المشاركة : ( 976 )
sama smsma Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية sama smsma

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 8
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : قلب طفلة ترفض أن تكبر
المشاركـــــــات : 91,915

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

sama smsma غير متواجد حالياً

افتراضي رد: اكبر مجموعة متنوعة من أقوال الأباء وكلمة منفعة

الكلمة صار جسدا وحل بيننا – القديس يوحنا ذهبي الفم



“وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا”(يو 1: 14) فبعدما قال ان كل الذين قبلوه ولدوا من الله وصاروا أبناء الله, يعرض الآن لسبب هذا الشرف الغير موصوف وأساسه. هذا الشرف هو أن الكلمة تجسد والرب أخذ شكل العبد, صار ابن الانسان بينما كان ومازال هو ابن الله الحقيقي, لكي يجعل أبناء البشر أبناء الله, لأن العظيم عندما يأتي الي الوضيع فانه لا يفقد شيئا من مجده بل يرفع الوضيع ويقيمه من وضاعته.
حسنا لقد حدث هذا في حالة المسيح, اذ لم يعتر طبيعته نقص ما بسبب تنازله الينا, بل نحن القابعون في المهانة والظلمة رفعنا الي المجد الفائق, وهذا هو ما يحدث بالضبط عندما يتعطف الملك فيتحدث مع أحد الفقراء بحنو, فهو لا يسبب لنفسه اي خزي أو عار, بينما يصير هذا الفقير علما ويصير ممجدا من الكل, فاذا كان الأمر علي هذا النحو من جانب البشر, فلا يصيب الضرر من يتمتع منهم بمكانة عالية اذا ما خالطوا من هم أقل منهم في المرتبة, فكم بالأكثر يكون الأمر بالنسبة للجوهر الطاهر والطوباوي الذي لا يستمد شيئا من خارجه, وهو غير قابل للتحول بل يملك كل الصالحات بثبات وعدم تغير.


هكذا عندما تسمع قول الكتاب “الْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً”(يو 1: 14) لا يضطرب ذهنك ولا تشعر بصغر النفس, لأن الجوهر الالهي لا يتغير الي جسد, فمجرد التفكير في هذا يعتبر كفرا, لكنه ظل كما هو آخذا شكل العبد. لقد استخدم الانجيلي الفعل “صَارَ” لكي يسد أفواه الهراطقة, لأن هناك من يقول ان كل أحداث التدبير الالهي كانت مجرد خيال, فلكي يفند مسبقا تجديفهم, استخدم الفعل “صَارَ” الذي لا يعني ان جوهر الله قد تغير, بل يعني انه اتخذ جسدا حقيقيا, وبالمثل تماما المكتوب“اَلْمَسِيحُ افْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ النَّامُوسِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لأَجْلِنَا، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ»”(غل3: 13) فهو لا يعني ان الجوهر انفصل عن مجده وتغير الي لعنة, فمثل هذا التفكير لا يجرؤ عليه حتي الشياطين,. فهو تفكير غبي وكفر صريح, هكذا فالمعني الصحيح هو انه قبل اللعنة ولم يتركنا لنكون بعد ملعونين. هكذا بالمثل فعندما يقول الكتاب المقدس انه “صَارَ جَسَداً” فهو لا يعني أنه غير جوهره الي جسد لكن اتخذه بينما ظل جوهره كما هو غير مقترب اليه.

وان زعموا انه اله وانه يستطيع فعل كل شئ وبالتالي يمكنه ان يتغير الي جسد, نقول لهم: نعم يستطيع ان يفعل كل شئ علي ان يظل الها كما هو, فكيف يكون الها اذا ما اعتراه تغيير, وما بالكم لو كان هذا التغيير للأسوأ ؟!! لا شك ان التغيير يعتبر أمرا غريبا علي الطبيعة الالهية الطاهرة, لذلك قال النبي “مِنْ قِدَمٍ أَسَّسْتَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتُ هِيَ عَمَلُ يَدَيْكَ. هِيَ تَبِيدُ وَأَنْتَ تَبْقَى وَكُلُّهَا كَثَوْبٍ تَبْلَى كَرِدَاءٍ تُغَيِّرُهُنَّ فَتَتَغَيَّرُ. وَأَنْتَ هُوَ وَسِنُوكَ لَنْ تَنْتَهِيَ.”(مز 102: 25- 27) هكذا فان جوهر الله فوق اي تغيير ولا يوجد ما هو أسمي منه, وبالتالي يكون مستحيلا ان يقبل تغييرا لأنه لن يكون في هذه الحالة “الله”. لذا دعونا نترك نتيجة هذه التجاديف تحيق بمن ينطقون بها.

وأما انه قيل عنه انه “صَارَ”, فلكي لا يُظَن انه مجرد خيال. وعلينا ان نلاحظ كيف أوضح الأمر بما قاله بعد ذلك, فلكي يفند ظنهم الشرير أضاف “وَحَلَّ بَيْنَنَا”(يو 1: 14) فلا يأتي علي ذهنك أمر سخيف نتيجة استخدامه للفعل “صَارَ” بمفرده, فهو لم يقل ان الطبيعة غير المتغيرة تغيرت, بل قال “حَلَّ” أو “سكن” أو “خيم”, والفعل “خيم” يختلف عن كلمة “خيمة” اذ هو يعني شيئا آخر والا فأنه يكون قد خيم في ذاته, فهو يعني به الاتحاد بين الكلمة والجسد دون أن يحدث اختلاط أو زوال للجوهر بل اتحاد لا ينفصل اتحاد سري فائق للوصف, اما عن كيف حدث هذا؟ لا تسل, لأنه فقط “صَارَ” كما أعلن لنا.

اسمع النبي يقول “فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أُقِيمُ مَظَلَّةَ دَاوُدَ السَّاقِطَةَ”(عا 9: 11) فقد سقطت حقا طبيعتنا جثة هامدة بلا شفاء ولا تقدر ان تسد احتياجها الي يد الله القدير, فلم تكن هناك طريقة أخري لكي تقوم طبيعتنا البشرية من موتها سوي أن تمسكها نفس اليد التي خلقتها منذ البدء فتجددها بالولادة الفوقانية من الماء والروح. اتنبه ايضا الي هذا السر العظيم المخفي, ان سكناه في الخيمة سُكني دائمة, فهو لم يأخذ جسدنا لكي يتركه ثانية بل أخذه ليكون معه علي الدوام, وان لم يكن الأمر علي هذا النحو لما جعله مستحقا للعرش الملوكي ولا للسجود من جنود الملائكة السماوية ورؤساء الملائكة والكراسي والربوبيات والسلاطين.
واتساءل: ما هو السبب في كل ذلك؟ اي عقل يمكنه ان يصف عظيم هذا الشرف الذي صار لجنسنا؟ حقا يالها من كرامة عظيمة تفوق الطبيعة! هل يستطيع الملاك أن يصف هذا الشرف العظيم؟ هل يستطيع ذلك رئيس الملائكة؟ لا أحد اطلاقا لا في السماء ولا علي الأرض لأن احسانات الله عظيمة وانجازاته تفوق الطبيعة, حتي أن السرد التفصيلي لها يستعصي ليس فقط علي اللغة البشرية بل وعلي القوات الملائكية أيضا. لذلك دعونا ننهي حديثنا حالا, ونلوذ بالصمت متذكرين أننا رجوناكم أن تتقبلوا ما أنعم به الله عليكم من مكافآت عظيمة, وما يعود عليكم منها من نفع. تلك المكافآت تنالونها عندما تهتمون بأنفسكم وتنصتون لأقوال الله, لأن هذا هو عمل محبته للبشر.

فالله لا يحتاج الينا في شئ لكنه يغدق علينا نعمته العظيمة عندما نعتني بأنفسنا. واذا كنا نستمتع بهذه الكرامة دون أن نقدم ما هو في مقدورنا الا نكون مستحقين لأن نُتهم بالجنون؟ ان الآلاف من الخيرات الصالحة تنتظرنا بسبب مجئ الله الينا بالجسد, لأجل هذا ليتنا نمجد الله محب البشر ليس فقط بالكلام لكن بالحري بالأعمال, لكي نستمتع بالخيرات الصالحة التي هي من نصيب الكل بنعمة ومحبة ربنا يسوع المسيح للبشر, الذي نعطي له المجد مع الآب في الروح القدس الي الأبد آمين.
  رد مع اقتباس
قديم 06 - 02 - 2018, 05:36 PM   رقم المشاركة : ( 977 )
sama smsma Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية sama smsma

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 8
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : قلب طفلة ترفض أن تكبر
المشاركـــــــات : 91,915

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

sama smsma غير متواجد حالياً

افتراضي رد: اكبر مجموعة متنوعة من أقوال الأباء وكلمة منفعة

فلتعبر عني هذه الكأس ـ القديس يوحنا ذهبي الفم



تجنب أيضا الموت لكي يُظهر البعد الانساني وضعف الطبيعة التي لا تريد أن تموت وتغادر الحياة الحاضرة, لأنه لو لم يقل شيئا من كل هذا لكان من الممكن أن يقال: “لو كان انسانا لكان ينبغي أن يعاني الأمور الانسانية”, وما هي الأمور الانسانية لذلك الذي سيُصلب ولم يجبن, وجاهد ولم ينفصل عن الحياة الحاضرة؟ لأن الطبيعة الانسانية تميل الي محبة الأمور الحاضرة, ولهذا تحديدا ولأنه أراد أن يظهر حقيقة تجسده ويؤكد التدبير الالهي, فهو يعرض بآلامه دليلا قويا وشكل واضح, هذا هو أحد الأسباب ولكن يوجد سبب آخر لا يقل أهمية عن هذا السبب, وما هو هذا السبب؟ عندما أتي المسيح, أراد أن يُعلم الناس كل فضيلة. والمعلم لا يُعلم بالكلام فقط, بل بالأعمال أيضا, فهذا هو التعليم المتميز للمعلم. لأن قائد السفينة أيضا, عندما يضع تلميذه بجواره يوضح له كيف يجب عليه أن يمسك بعجلة القيادة, لكنه بعد فترة يتحول الكلام الي عمل, ولا يتكلم فقط بل أنه يعمل أيضا. وهكذا أيضا بالنسبة لمن يعمل في حقل البناء, بعدما يضع الي جواره من يريد أن يتعلم كيفية بناء الحائط, يُبين له ذلك عمليا, بالاضافة الي الشرح بالكلام أيضا. نفس الشئ, يصنعه النساج, والطرٌاز, وصانع الذهب, وصانع النحاس, وهكذا, فكل فن أو عمل له معله الذي يعلمه بالكلام والعمل. لأن المسيح أتي لكي يُعلمنا كل فضيلة, فهو يقول كل ما ينبغي أن نفعله, كما انه يفعل كل ما يُعلم به, كما قال هو نفسه“مَنْ عَمِلَ وَعَلَّمَ فَهَذَا يُدْعَى عَظِيماً فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ”(مت 5: 19) لكن لاحظ أنه أوصي أن نكون متضعين وودعاء, وقد علَم هذا بالكلام. وأوضح كيف أنه علم هذه الأمور بالأعمال أيضا.

لأنه يقول “طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ”(مت 5:5) “طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ”(مت 5: 7) مُظهرا كيف ينبغي أن نُحقق هذه الفضائل, انظر كيف علمها؟ أخذ منشفة واتزر بها وغسل أرجل تلاميذه (يو 13: 4-5) هل هناك شئ يُعادل هذا الاتضاع؟ لأنه لم يعلمه بالكلام فقط, بل بالأعمال أيضا. أيضا الوداعة والتسامح يعلمها بالأعمال. كيف؟ لقد لُطم من عبد رئيس الكهنة, وقال “إِنْ كُنْتُ قَدْ تَكَلَّمْتُ رَدِيّاً فَاشْهَدْ عَلَى الرَّدِيِّ وَإِنْ حَسَناً فَلِمَاذَا تَضْرِبُنِي؟”(يو 18: 23). وقد أمر أن نصلي من أجل أعدائنا. وهذا أيضا علمه بالأعمال, لأنه عندما كان علي الصليب قال: “يَا أَبَتَاهُ اغْفِرْ لَهُمْ لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ”(لو 23: 34). فكما أوحي أمرنا أن نصلي (من أجل أعدائنا). وهو نفسه صلي لأجل صالبيه, فهو لم يتوقف عن أن يُسامح في أي وقت. وقد أوصانا أيضا ان نحسن الي كل من يبغضنا, وأن نصنع ما يعود بالفائدة علي كل من يؤذينا. وهذا فعله بالأعمال. لأنه طرد الشياطين من اليهود, هؤلاء الذين قالوا ان به شيطان (يو 8: 48) أحسن الي من اضطهدوه, أطعم أولئك الذين دبروا له المكائد, قاد أولئك الذين أرادوا أن يصلبوه الي ملكوت السموات. قال أيضا لتلاميذه “لاَ تَقْتَنُوا ذَهَباً وَلاَ فِضَّةً وَلاَ نُحَاساً فِي مَنَاطِقِكُمْ”(مت 10: 9) وكان مثلا أعلي لهم في التجرد. هذا أيضا قد علمه بالأعمال قائلا: “لِلثَّعَالِبِ أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْكَارٌ وَأَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ” (مت 8: 20) ولم يكن له مائدة, ولا بيتا, ولا أي شئ مما شابه ذلك. ليس لأنه كان فقيرا, بل لأنه علم الناس أن يتبعوا هذه الطريقة في الحياة.

وبنفس هذه الطريقة, علمهم أيضا أن يصلوا, عندما قالوا له “عَلِّمْنَا أَنْ نُصَلِّيَ”(لو 11: 1). ولهذا قد صلي, لكي يعلمهم أن يصلوا. لكن لي فقط أن يُصلوا, بل كان عليهم أن يتعلموا أولا كيف يجب أن يصلوا. ولهذا سلمهم أيضا الصلاة كالآتي ” أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ. لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ عَلَى الأَرْضِ. خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا الْيَوْمَ. وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضاً لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا. وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ “(مت 6: 9-13), أي لا تدخلنا في أخطار ومكائد, اذ لأنه أمرهم أن يصلوا “وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ”(مت 6: 13) هذا بالتحديد ما علمهم اياه بالعمل, قائلا “يَا أَبَتَاهُ إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ”(مت 26: 39), معلما اياهم الا يندفعوا نحو الأخطار والتجارب, ولا أن يفقدوا شجاعتهم, بل أن يحتملوها أو يصبروا عليها عندما تأتي, ويظهروا كل شجاعة, لكن دون أن يركضوا نحوها قبل أن تأتي, ولا أن يندفعوا أولا نحو المصاعب. لكن لماذا ؟ لكي يُعلمهم الاتضاع, ولكي يحررهم من اتهامات المجد الباطل. ولها تحديدا, هذا أيضا عندما قال هذا ابتعد وصلي (لو 22: 41) , وبعد الصلاة قال لتلاميذه “أَهَكَذَا مَا قَدَرْتُمْ أَنْ تَسْهَرُوا مَعِي سَاعَةً وَاحِدَةً؟. اسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ.”(مت 26: 40-41). أرأيت أنه لا يصلي فقط, بل وينصح ايضا ” أَمَّا الرُّوحُ فَنَشِيطٌ وَأَمَّا الْجَسَدُ فَضَعِيفٌ”(مت 26: 41), وهذا قد قاله لكي يطرد الافتخار من نفوسهم, ولكي يحررهم من الكبرياء, ويجعلهم حذرين ومتواضعين. اذا فهذا ما أراد أن يُعلمه لهم, لكي يصلوا, وفعل الابن نفسه هذه الأشياء, فقد صلي كانسان, ليس بحسب الطبيعة الالهية (لأنه من حيث الطبيعة الالهية هو لا يعاني أي شئ), لكنه كان يعاني بحسب الطبيعة الانسانية.

اذا فقد صلي لكي يعلمنا كيف نصلي, وأن نطلب دوما الخلاص من المصاعب. ولكن ان لم يكن هذا ممكنا بالنسبة لنا, فلنحتمل كل ما هو حسنا أمام الله. لها قال“لكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ”(مت 26: 39), بالتأكيد ليس لأن ارادته شئ وارادة الله هي شئ آخر, بل لكي يُعلم البشر أنهم حتي في الحالة لاتي يجاهدون فيها أو يرتعدون أو التي يأتي فيها خطر ما أو عندما لا يريدون أن يغادروا الحياة الحاضرة, فليفضلوا ارادة الله علي ارادتهم. هذا بالضبط ما تعلمه القديس بولس وأظهر الاذنين بالأعمال, لأنه طلب أن تبتعد عنه التجارب قائلا “مِنْ جِهَةِ هَذَا تَضَرَّعْتُ إِلَى الرَّبِّ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ أَنْ يُفَارِقَنِي” (2كو 12: 8) ولأن هذا لم يكن حسنا أمام الله, يقول “لِذَلِكَ أُسَرُّ بِالضَّعَفَاتِ وَ الشَّتَائِمِ وَ الضَّرُورَاتِ وَ الاِضْطِهَادَاتِ وَ الضِّيقَاتِ”(2كو 12: 10), ربم يكون ما يقل غير واضح, اذا سأجعله أكثر وضوحا. لقد تعرض لارسول بولس لمخاطر كثيرة مرات عديدة. وصلي ألا يتعرض لمخاطر. اسمع ماذا قال له المسيح آنذاك “تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضُّعْفِ تُكْمَلُ”(2كو 12: 9). اذا فبعدما رأي أن هذه هي ارادة الله, أخضع ارادته لهذه الارادة بعد ذلك. اذا هذان الأمران قد علم بهما بواسطة هذه الصلاة, اي الا نلقي بأنفسنا في الأخطار, بل ونصلي ألا نغامر بالدخول فيها. اما اذا أتت فلنتحملها بشجاعة وأن نفضل ارادة الله علي ارادتنا. اذا ونحن نعرف هذه الأمور, علينا أن نصلي ألا ندخل أبدا في تجربة. وان دخلنا نتوسل الي الله أن يعطينا الاحتمال والشجاعة, وأن نفضل ارادته علي كل ارادة أخري. لأنه هكذا سنعبر هذه الحياة الحاضرة في أمان, وسننال خيرات الدهر الآتي, والتي أرجو أن ننالها جميعا بالنعمة ومحبة البشر اللواتي لربنا يسوع المسيح الذي يليق به مع الآب والروح القدس المجد والقوة والكرامة الآن وكل أوان والي دهر الدهور آمين.
  رد مع اقتباس
قديم 06 - 02 - 2018, 05:36 PM   رقم المشاركة : ( 978 )
sama smsma Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية sama smsma

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 8
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : قلب طفلة ترفض أن تكبر
المشاركـــــــات : 91,915

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

sama smsma غير متواجد حالياً

افتراضي رد: اكبر مجموعة متنوعة من أقوال الأباء وكلمة منفعة

وُلِدَ بالجسد لتولد أنت بالروح ـ القديس يوحنا ذهبي الفم



يقول القديس بولس الرسول: “لأَنَّهُ هُوَ سَلاَمُنَا، الَّذِي جَعَلَ الِاثْنَيْنِ وَاحِداً، وَنَقَضَ حَائِطَ السِّيَاجِ الْمُتَوَسِّطَ ,أَيِ الْعَدَاوَةَ.”(اف2: 14-15).

الحق! إن المتجسد من العذراء نقض حائط السياج الحاجز، وصار الاثنان واحداً. تبدّد الظلام وأشرق النور وغدا العبيد أحراراً والأعداء بنين. زالت العداوة القديمة وساد السلام المرغوب من الملائكة والصِدّيقين منذ القديم، لأن الأمر المدهش قد تمّ، وهو أنّ ابن الله صار إنساناً، فتبعته الأشياء كلّها، المخلص يضع ذاته ليرفعنا، ولد بالجسد لتولد أنت بالروح. سمح للعبد أن يكون له أباً، ليكون السيد أباً لك أيها العبد. فلنفرح ونبتهج كلنا. لأن البطريرك “إِبْرَاهِيمُ تَهَلَّلَ بِأَنْ يَرَى يَوْمِي فَرَأَى وَفَرِحَ” (يو 8: 56) فكم بالحري نحن الذين رأينا الرب في الأقمطة! لذلك، يجب علينا أن نسَّر ونبتهج بعظمة إحسانه.

إنه لأمر يستحق الانذهال. لقد ساد السلام لا لمبادرتنا إلى الرب نحن الذين أخطأنا إليه وكدرناه، بل لأن الساخط علينا نفسه قد شفق علينا. “نَطْلُبُ عَنِ الْمَسِيحِ: تَصَالَحُوا مَعَ اللهِ” (2كو 5: 20) إذ خلق العلي بنعمته وحدها الانسان وأعطاه على الأرض أجمل مكان ليعيش فيه، ووهبه وحده العقل بين المخلوقات كلها، وسمح له برؤيته تعالى، والتلذذ بالحديث معه، ووعده بالخلود، وملأه بالنعم الروحية حتى أن الإنسان الأول تنبأ؛ ولكنه بعد هذه الخيرات كلها رأى العدو أجدر بالايمان ممن وهبه جميع ما ذكر، فاحتقر وصية الخالق وفضل من كان يعمل على هلاكه بكل الوسائط. ومع ذلك فما أباد الله الارض كما تقتضي العدالة، لما أظهر الإنسان من العقوق وعدم معرفة الجميل. بل صار يُعنى به أكثر من الأول، لأن الخطر اشتد كثيراً بعد استسلام جنسنا للإثم، وتعرضه للهلاك. ولكن الآب السماوي اهتم بالخاطئ وحدثه كصديق مبيناً له خطر الهلاك المحدق به، ثم أعطاه الشريعة كمساعد له، وأرسل الأنبياء لتعلمه ما يجب عليه أن يفعل و“أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُوداً مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُوداً تَحْتَ النَّامُوسِ، لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ، لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ.” (غل 4: 4-5)

لذلك نرى نبي الله متعجباً من حكمة الضابط الكل وصارخاً : “هذا هو إلهنا … تراءت علي الأرض و مكثت بين البشر”(با 3: 36..38) ابن حقيقي لاب أزلي لا يعبر عنه ولا يدرك، اجتاز أحشاء بتولية، وتنازل ان يُولَد من عذراء، ولم يكفّ عن العمل والشروع بالأشياء حتى جاء بنا نحن الأعداء إلى الله، وصيّرنا اصدقاء له، فكان كمن يقف بين اثنين متقابلين باسطاً ذراعيه لهما ليوحدهما معاً. هكذا فعل ابن الله موحداً الطبيعة الإلهية مع البشرية، أي خاصته مع خاصتنا. هذه وفرة نعمة الرب. إن الذي غضب يسعى للسلام قاهراً المغتصب. قد يخلع الملك تاجه أحياناً ويلبس حلة جندي بسيطة حتى لا يعرفه أحد من أعدائه. أما السيد المسيح فقد جاء لابساً حلتنا حتى يُعرف، ولا يدع العدو يفر هارباً قبل القتال، ويدعو أتباعه إلى الاضطراب، إن غاية ابن الله هي الخلاص لا الإرهاب.

ربما تقول: لماذا لم تكمل هذه المصالحة بواسطة أحد الأرواح غير المتجسدة أو أحد البشر، بل بواسطة كلمة الله؟ فالجواب لأنه لو حصلنا على الخلاص بواسطة أحد الصديقين لما علمنا مقدار عظم اهتمام السيد بنا، ولما أصبح موضوعاً للإعجاب مدى الأجيال. فانه ليس بالأمر المدهش الفريد لو دخل مخلوق في الاتحاد مع مخلوق آخر؛ وبالتالي، لما قدر الإنسان أن يعمل عملاً إلهياً. وسرعان ما يسقط الأرضي، كما عمل اليهود، إذ حوّلوا خلاصهم المعطى لهم بواسطة موسى إلى شرور أشدّ من التي تحمّلوها في أرض مصر، وكادوا يؤلهون موسى بعد موته. إنهم أرادوا أن ينادوا به إلهاً، وهم يعلمون أنهم معه من طبيعة واحدة. وأخيراً لو أرسل ملكاً أو بشراً لاجل إنقاذنا من السقوط لما حصلنا على الخلاص ولا قدرنا أن نقترب من الذي حصلنا عليه الآن. ولو أن قوام خلاصنا حصل من طبيعة ملائكية أو بشرية فكيف يُعطى لنا أن نجلس عن يمين الآب السماوي ونصير أعلى من الملائكة ورؤساء الملائكة، ونستحق ذلك الشرف الذي تتمنى القوات العلوية الدخول في مجده. ولو حرم الجنس البشري من هذا النصيب المغبوط ألا يظهر عدونا القديم كبرياء أعظم من الاولى ويفكر بتهييج السماء ذاتها؟ فمن أجل هذه الاسباب وغيرها أخذ ابن الله الطبيعة البشرية وكمّل خلاص الجنس البشري كله.
وعليه إذا تصورنا عظمة تنازل الله فلنعطِ السيد الشرف الواجب، لأننا لا نقدر أن نكافئه إلا بخلاص نفوسنا، وبالاهتمام بالقريب. وليس من عيد أفضل من اهتمام المسيحي الحقيقي بالقريب، والاجتهاد بخلاصه. لأنّ المسيح لم يرضِ ذاته بل الكثيرين. هكذا يقول رسول المسيح: “غَيْرَ طَالِبٍ مَا يُوافِقُ نَفْسِي بَلِ الْكَثِيرِينَ لِكَيْ يَخْلُصُوا”(1كو 10: 33).
  رد مع اقتباس
قديم 06 - 02 - 2018, 05:36 PM   رقم المشاركة : ( 979 )
sama smsma Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية sama smsma

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 8
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : قلب طفلة ترفض أن تكبر
المشاركـــــــات : 91,915

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

sama smsma غير متواجد حالياً

افتراضي رد: اكبر مجموعة متنوعة من أقوال الأباء وكلمة منفعة

معجزة الافخارستيا ـ القديس يوحنا ذهبي الفم



من أهم الأمور أن نتعرَّف على المعجزة الحادثة في أسرارنا، ونعرف ما يتم فيها، ولماذا مُنحت لنا، وما الربح الروحي الذي نستمده منها؟ إننا نصير بها جسداً واحداً مع الرب و“أَعْضَاءُ جِسْمِهِ، مِنْ لَحْمِهِ وَمِنْ عِظَامِهِ” (أف 5: 30) فلينصت جيداً كل مَن يتقدَّم إلى الأسرار إلى ما أقول, لقد قَصَدَ الرب أن يجعلنا واحداً معه، ليس فقط بمشاعر المحبة، بل وبالفعل الواقعي أيضاً، حتى نصير ممتزجين به في جسدٍ واحد. وقد حقَّق ذلك بالمأكل الحق الذي وهبه لنا مجاناً، مُعبِّراً بذلك عن مقدار محبته التي أحبنا بها.
وهكذا، فقد مزج نفسه بنا حتى جعل جسده يمتزج بأجسادنا لكي نصير معه كياناً واحداً، بمثل ما تكون أعضاء الجسد متصلة بالرأس. فإن هذه هي سمة المحبة الشديدة لقد عبَّر أيوب عن ذلك مشيراً إلى عبيده الذين أحبوه لدرجة أنهم كانوا يشتهون أن يصيروا ملتحمين بجسده. فقد كانوا يقولون بسبب شدة محبتهم من نحوه: “مَنْ يَأْتِي بِأَحَدٍ لَمْ يَشْبَعْ مِنْ طَعَامِهِ؟ “ (أي 31: 31) فالذي كانوا يشتهونه من جهة سيِّدهم، هذا قد حقَّقه لنا المسيح، لكي يُظهِرَ لنا محبته من نحونا ولكي يُدخلنا في علاقة أوثق به, فهو لم يجعلنا فقط نراه، بل أعطانا أيضاً أن نلمسه، بل ونأكله ونستقبله داخلنا بالتمام, فنشبع من حبه على قدر ما اشتهينا.
فلْنعُدْ، إذن، من المائدة المقدسة كمثل الأُسود المملوئين غيرة، ولنصِر مُرهِبين للشيطان، إذ نذكر باستمرار ذاك الذي فينا الذي هو رأسنا، ونذكر الحب الفائق الذي أظهره من نحونا. إن الأمهات كثيراً ما دَفعْنَ أطفالهن إلى مرضعات، وأما أنا – يقول الرب – فإني أُغذيكم بجسدي الخاص، لكي أجعلكم جنساً كريماً، وأُعطيكم من الآن رجاء الخيرات العتيدة. فالذي يُعطيكم ذاته في الحياة الحاضرة، فكَم بالأحرى في الأخرى؟ لقد ارتضيتُ بأن أصير أخاً لكم، ومن أجلكم اشتركتُ معكم في اللحم والدم، والآن، هوذا أنا أُسلِّم إليكم مرة أخرى جسدي ودمي اللذين بهما صرتُ شريكاً في جنسكم.
هذا هو، يا أحبائي، الدم الإلهي الذي يُجلِّي فينا صورة المسيح ملكنا، ويُعطي نفوسنا بهاءً فائقاً لا يزول طالما هو يرويها ويُغذيها متواتراً. فهذا الدم يروي نفوسنا وينعشها ويمنحها أعظم قوة. حينما نتناوله باستحقاق، فهو يجعل الشياطين تهرب منا، ويستدعي فينا الملائكة والله نفسه رب الملائكة, إن الشياطين تهرب خائرة أول ما ترى فينا الدم الإلهي؛ وأما الملائكة فتقترب وتسجد. هذا الدم المسفوك هو الذي غسل المسكونة كلها من أقذارها… هذا الدم هو تقديس نفوسنا وخلاصها، إنه يزيدها بهاءً ويشعلها كالنار، إنه يُعطينا فهماً مستنيراً أكثر من لهيب النار ونفساً لامعة أكثر من الذهب. إن هذا الدم لَمَّا سُفك على الأرض، قد جعل السماء في متناول أيدينا.
فبالحقيقة، ما أرهب أسرار الكنيسة! وما أرهب مذبحها المقدس! من الفردوس الأرضي كانت تنبع عين مياه تتفرَّع إلى عدة أنهار مادية، والآن من هذه المائدة يخرج ينبوع مياه روحية تندفع منه أنهار نِعَم روحية… لو استطاع أحد أن يغمر يده أو لسانه في الذهب المنصهر، لكان يستردها وكلها مكسوَّة بالذهب، هكذا، بل وبطريقة أعظم من هذه، يكون الأثر الحادث في النفس التي تشترك في هذه الأسرار…
إن هذا الدم صار ثمناً لافتداء العالم. به اقتنى المسيح كنيسته (أع 20: 28)، به قد زيَّنها بكل موهبة… إن الذين يتناولون من هذا الدم يصيرون ملازمين للملائكة ورؤساء الملائكة والقوات السمائية. بل يكونون لابسين ثوب المسيح نفسه ملكهم وحاملين أسلحة الروح، بل إني بقولي ذلك لم أُعبِّر عن الحقيقة العظمى, إنهم يصيرون لابسين المسيح نفسه ملكهم, هذه هي الحقيقة العظمى والمُدهشة بالحق. فإذا ما اقتربتم منها بطهارة، فإنكم تقتربون من الخلاص [*]
إنه لم يكتفِ بأن يصير إنساناً وأن يُضرب ويُقتل، ولكنه أراد أيضاً أن يمزج نفسه بنا، وذلك ليس فقط بالإيمان، بل وبالفعل الواقعي أيضاً، فقد جعلنا جسداً له… فبأيِّ طهارةٍ فائقة ينبغي أن يتقدَّم ذلك الذي ينال من مثل هذه الذبيحة؟ وألا ينبغي أن تكون تلك اليد التي تقسم مثل هذا الجسد أكثر نقاوة من أشعة الشمس؟ وذلك الفم الذي يمتلئ بالنار الإلهية؟ وذلك اللسان الذي يصطبغ بهذا الدم الرهيب؟ فانظرْ إلى مقدار الكرامة التي دُعِيتَ إليها، وإلى سمو المائدة التي ستشترك فيها. فالشيء الذي ترتجف الملائكة من مجرد رؤيته، ولا تجسر أن تنظر إليه بدون رعدة، بسبب شدة الضوء المنبعث منه؛ هذا الشيء بعينه هو الذي نأكله. وبه هو نفسه نحن نمتزج لنصير به جسداً واحداً ولحماً واحداً مع المسيح.
“مَنْ يَتَكَلَّمُ بِجَبَرُوتِ الرَّبِّ؟ مَنْ يُخْبِرُ بِكُلِّ تَسَابِيحِهِ؟” (مز 106: 2) أيُّ راعٍ عَالَ رعيته بأعضائه الخاصة؟ ولماذا أتكلَّم عن الرعاة بينما توجد أُمهات كثيرات بعد أن احتملن آلام الولادة، دفعن أطفالهن إلى نساء أُخريات كمرضعات. ولكنه لم يطِقْ أن يفعل هكذا، بل هو نفسه يُغذينا بدمه الخاص، وبكل وسيلة يمزجنا بنفسه. فاعلم جيداً أنه بميلاده قد اشترك في طبيعتنا. ولكنك تقول: وما المنفعة من ذلك لجميع الناس؟ بَلَى، إن هذا يخص الجميع, لأنه إن كان قد جاء في طبيعتنا، فمن الواضح أن هذا الإحسان قد صار للجميع. وإن كان للجميع، إذن، فلكل واحد منا بخصوصيته. ولكنك تقول: فمن أين، إذن، أن الجميع لم ينتفعوا من مجيئه؟ هذا التقصير لا يرجع إليه، إذ أنه قصد أن يتجسَّد من أجل الجميع، ولكن التقصير من أولئك الذين لم يشاءوا الخلاص.
إذن، فهو يمزج نفسه في الأسرار مع كل واحد من المؤمنين. والذين ولدهم، أولئك يطعمهم من ذاته ولا يدفعهم لآخر. وبهذا أيضاً هو يقنعك أنه قد أخذ جسدك. فلا نكن، إذن، جاحدين لإحسانه؛ بعدما استؤهلنا لمثل هذا الحب ولمثل هذه الكرامة. أَلاَ ترون الرُّضعان كم يشتهون ثدي أُمهاتهم، وبكم من الاشتياق يثبتون شفاههم في الثدي؟ فبنفس الاشتياق ليتنا نقترب إلى هذه المائدة، ونرتشف من كأس الحياة. ليتنا نجتذب منها لأنفسنا نعمة الروح، وليكن حزننا الوحيد هو أن نُحرم من هذا القوت السماوي.
إن الأسرار التي تُقام أمامنا ليست من عمل إنسان، فالذي أقامها في ذلك الزمان في ذلك العشاء الأول هو بعينه الذي يُقيمها الآن. وأما نحن فلسنا سوى خدَّام له. ولكنه هو بنفسه الذي يُقدِّس القرابين وينقلها… فهذه المائدة هي نفس المائدة التي كانت في ذلك الزمان ولا تنقص عنها شيئاً. ليس أن المسيح أقام تلك والإنسان يُقيم هذه الآن، ولكن المسيح هو بنفسه الذي يُقيم هذه أيضاً بالسوية. فنحن الآن في العليَّة حيث كانوا مجتمعين في ذلك الزمان
  رد مع اقتباس
قديم 06 - 02 - 2018, 05:36 PM   رقم المشاركة : ( 980 )
sama smsma Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية sama smsma

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 8
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : قلب طفلة ترفض أن تكبر
المشاركـــــــات : 91,915

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

sama smsma غير متواجد حالياً

افتراضي رد: اكبر مجموعة متنوعة من أقوال الأباء وكلمة منفعة

صلاة وكلمة منفعة ـ القديس يوحنا ذهبي الفم



يارب لا تحرمني من خيراتك السماوية والأرضية
ياسيدي نجني من العذاب الأبدي

يارب سامحني بكل ما خطئت إليك إن كان بالقول او بالفعل أو بالذهن

اغفر لي وسامحني

يا رب نجني و أنقذني من كل شدة وجهل ونسيان وضجر وتغفل وعدم إحساس

يا رب نجني من كل تجربة وتخيل مع كل إهمال وهجران

أنر يا خالقي قلبي الذي قد أظلمته الشهوة الشريرة

يا رب أما فأنا فأخطأ كإنسان ولكن أنت بما أنك إله ارحمني

ياخالقي انظر إلى ضعف نفسي وأرسل نعمتك لمعونتي لكي يمجد فيَّ اسمك الأقدس

أيها الرب يسوع المسيح اكتب اسم عبدك في سفر الحياة مانحا إياي آخرة صالحة

أيها الرب إلهي لم أصنع خيراً أو صلاحا البتة ولكن فليترأف وقتاً ما علي تحننك

يا رب امطر في قلبي ندى نعمتك

يا إله السماء والأرض اذكرني أنا الخاطئ القبيح والشرير الدنس بحسب رحمتك العظمى حين تأتي في ملكوتك

اقبلني يا رب بالتوبة والرجوع ولاتهملني مخزياً إياي

لا تدخلني ياإلهي في تجربة

يامخلصي امنحني ذهناً صالحاً وأفكاراً حسنة

أعطني يارب دموعاً حارة وهبني تذكراً بالموت وتخشعاً

أعطني يارب عتقاً لأفكاري وتصوراتي

أعطني يارب تواضعاً وانقطاع الإرادة وهبني طاعة

أعطني يارب صبراً وتمهلاً ووداعة

اغرس في يارب أصل الصالحات بخوفك

أهلني يارب أن أحبك من كل نفسي ومن كل فطنتي وقلبي وقدرتي وأن أحفظ مشيئتك في الجميع

استرني يا عاضدي من الناس الأشرار ومن الأبالسة من الآلام ومن كل شيء غير لائق وواجب

كما تأمر كما تعلم يا إلهي كما تريد يامنقذي فلتكن مشيئتك بي

فلتكن يارب مشيئتك لا إرادتي بشفاعات وتوسلات والدتك الكلية القداسة وسائر قديسيك

لأنك مُبَارَك إلى جميع الدهور
  رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
مجموعة متنوعة من أقوال الآباء
من أقوال الأباء وكلمة المنفعة
أقوال القديس اغناطيوس وكلمة منفعة
أقوال الأنبا برصنوفيوس وكلمة منفعة
أقوال الأنبا ايسيذورس وكلمة منفعة


الساعة الآن 08:54 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024