يحارب العدو بما يسمونه "الطريق الوسطى".
ومعروف المثل القائل "الطريق الوسطى خلصت كثيرين". ويستخدمه بعض الآباء الروحيين في نصح الذي يندفع في تطرف روحي قد يتعبه. ولكننا نقول إن البعد عن التطرف، ليس معناه البعد عن التدقيق. فالذي يبعد عن التدقيق إنما يحاول الوصول إلى الله من الباب الواسع والطريق الرحب. وهذا ضد الوصية (متى7: 13).
كل ما نخشاه في هذا الأمر أن التائب يتعود التساهل في حياته. وهذا التساهل يحدره إلى أسفل حتى يفقد حرارة التوبة، ثم يفقد التوبة ذاتها ويخطئ..
وقد يحارب التائب أيضًا بشكلية العبادة، وشكلية الروحيات.
إنسان تائب تدفعه حرارة التوبة إلى النمو في العبادة. وقد يأخذ هذا النمو مقياس الطول وليس مقياس العمق. فيكثر من الصلوات ولو بغير روح، ويكثر من القراءات ولو بغير فهم،، ويكثر من التناول ولو بغير استعداد، ويكثر من إرهاق الجسد ولو بغير فائدة.. وشيئًا فشيًا قد يتحول إلى شكلية العبادة. وهذه الشكلية لا تنفعه، وقد يشعر بهذا فيتركها، ثم يسأم الحياة الروحية، فيشتاق إلى حياته الأولي!
و التائب هنا يحتاج على قيادة وإلى إرشاد روحي.
لكي يعرف ما هي روحانية العبادة، وكيف يسلك فيها؟ وكيف أن الله كان يرفض العبادة الشكلية والمظهرية. وأنه يريد القلب أولا. وكل صور العبادة من صلاة وتأمل وقراءة وصوم تناول واعتراف، ينبغي أن تكون صادرة من قلب محب الله، وينبغي أن تمارس بفهم وبعمق روحي وبحب نحو الله. وتكون صادرة من القلب. وليضع التائب أمامه توبيخ الرب للعبادة والخاطئة بقوله "هذا الشعب يعبدني بشفتيه أما قلبه فمبتعد عنى بعيدا" (متى 15: 8).
إن مظهرية الحياة الروحية، تبعد عن حياة التوبة.
فالروحيات ليست مظاهر وشكليات. وهذه لا تدل على علاقة مع الله. وقد وبخ الرب الكتبة والفريسيين، على الرغم من تدقيقهم الشديد في حفظ الوصايا، تدقيقًا وصل بهم إلى الحرفية والبعد عن الروح! ولم يقبله الله منهم وقال منهم وقال لهم إنهم يهتمون بتنظيف خارج الكأس فقط.. ويقينا لم يكن الكتبة والفريسيون تائبين. على الرغم من كل ما كانوا يفتخرون به من دقة في تنفيذ الناموس، كانوا بعيدين عن التوبة.
فلا تكن في توبتك حرفيًا، ولا تهتم بالمظهرية.
لأنك إن فعلت هذا سترتد ونفقد توبتك. إنما اهتم بالروح قبل كل شيء. اهتم بمحبة الله. ولتكن كل روحياتك صادرة عن هذه المحبة. بهذا تحفظ توبتك. وبهذا تضمن انك سوف لا تعرج بين الفرقتين.
إن بلعام كان يهمه أن يكون مظهره من الخارج سليما، لا تمسك عليه خطية ولا كلمة خاطئة، بينما قلبه من الداخل لم يكن مع الله (عدد 24، 25، يه 11). كان يريد أن يتمتع بالخطية، دون أن يظهر بمظهر الخطية. ولكن الله هو فاحص القلوب..
قلب بلعام لم يكن سليما أمام الله. كان يعرج بين الفرقتين. يجب أموال بالاق ويريد أن يرضيه. وفي نفس الوقت لا يقول بلسانه كلمة تُغضِب الرب. وهلك بلعام.
إن الذي يعرج ين الفرقتين، قد يصل إلى هذا الوضع:
قد يرتكب الخطية، إن وجد بابًا للهروب من مسئوليتها.
الذي تشغله هي المسئولية، وليست نقاوة القلب، وليست محبة الله. لذلك هو يعبد عن حياة التوبة.
فلا تكن أنت كذلك. ليكن قلبك ثابتا في محبة الله، لا يعرج على طريق الخطية. ولكي يكون قلبك ثابتًا في محبة الله، اهتم بغذاء روحك..
البابا شنودة الثالث