16 - 12 - 2016, 07:05 PM | رقم المشاركة : ( 31 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: الْقِدِّيسِ غريغوريوس اللاهوتي رئيس أساقفة القسطنطينيّة
ثم أنني خشيت إن تقبّلت المسؤولية قبل أن أدع السيد نفسه يؤهلني لها، خشيت أن أسير في خطى البعض الذين يُقبلون إلى خدمة المذبح بلا استحقاق كأن هذه الخدمة باب للارتزاق، وكأنها سلطان عوض أن تكون مثالاً للفضيلة يجتذب الآخرين بالمحبة (1بط 2 : 5) … إن أقبل أحد إلى الكهنوت، عليه أولاً أن ينقَّى بالنار مثل المعدن الثمين (1كو12:3). حياة الفضيلة أمر شاق ولكن مَن أقدم على خدمة القدسات من دون أن يقدِّس ذاته فهو لا يجلب فقط دينونةً لذاته بل دينونةً للآخرين أيضاً.
كيف نطبب الآخرين من دون أن نشفى نحن أولاً؟ ثم ماذا نقدّم للآخرين إن لم نُعط من عند الآب أن نتقدّم بالفضيلة؟ لا يكفي أن نبتعد عن الشرّ، علينا أيضاً كما يوصي الكتاب أن نسعى لفعل الخير. العمل الرعائي يشبه عمل الطبيب ولكن النفوس تقاوم شفاءها لأن المرض الروحي خفي على خلاف الأمراض الجسدية ولأن الكاهن يستهدف ليس فقط حفظ الصحة واستعادتها ولكنه يسعى ليؤلِّه كل من يأتي إلى المضيف الإلهي. ثم أن الكاهن الطبيب يعالج نماذج مختلفة من البشر، من هنا عليه أن يغيّر اسلوبه وفقاً للزمن والظروف. البعض يعالجون ببسط العقيدة لهم وآخرون بحاجة إلى مثال حيّ يتبعونه، البعض بحاجة إلى رأفة وآخرون بحاجة إلى صرامة، البعض بطيئون في الفهم وآخرون يلتهمون التعليم التهاماً، البعض يبنون بالمديح وآخرون بالتأنيب، البعض بحاجة إلى احتضان وآخرون ليسوا بحاجة إليه، للبعض نضع لهم حدوداً ولآخرين نترك ملء الحرية. كل حسب شخصيته وظروفه ومجتمعه. |
||||
16 - 12 - 2016, 07:05 PM | رقم المشاركة : ( 32 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: الْقِدِّيسِ غريغوريوس اللاهوتي رئيس أساقفة القسطنطينيّة
الراعي هو أمام آلة موسيقية لها عدّة أوتار ، عليه أن يضبط الأوتار فتتناغم معاً وتتوافق في لحن شجيّ.
الكاهن لا يُصنع بيوم واحد لما يقولب الخزاف إناء الخزف ، الكاهن يكتسب مهارة في الرعاية بفضل الممارسة والخبرة. لا يجوز للكاهن أن يكون جاهلاً ولكنه أيضاً لا يتعلّم بحشو المعلومات وبنظريات لاهوتية فقط، فالرجاء بالجاهل أكثر من المحشو علماً (مع كبرياء)، الكاهن معلّم وشارح للكلمة وعليه أن يكتسب مهارة التعليم أي أن يحرر الناس من أفكارهم المسبقة ، عليه أن يهدم ما في النفوس ومن ثم يبني النفس ليقودها إلى صورة المسيح . فشفتاه تذرّان بالمعرفة الإلهية لأن الرب يضيء سراجه وبه يقتحم جيوشاً وأعضاؤه تصبح أداة بيد الله…”[14]. تعليمه |
||||
16 - 12 - 2016, 07:06 PM | رقم المشاركة : ( 33 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: الْقِدِّيسِ غريغوريوس اللاهوتي رئيس أساقفة القسطنطينيّة
الإيمان والعرفان:
يوصف الآباء الكبادوكيون بأنهم أفلطونيو المذهب لكن إذا درسنا فكر غريغوريوس فإننا نكتشف في النهاية أنه ليس أفلاطونياً ولا أرسطياً ولا رواقياً، أخذ من الأفلاطونية “العقاب” كوسيلة تربوية، وأخذ مبدأ التطهير ووجود عالمين مادي وروحي واعتبار الإنسان بأنه “عالم صغير – Mikrokosmos” واستعمل ألفاظاً رواقية مثل الفضيلة والرذيلة والألم والإمساك وأخذ من أرسطو بأن الله هو المسبب الأخير للكون. لا يواجه غريغوريوس العرفان وكأنه قائم بذاته إنما يواجهه مواجهة اختيارية لأن العرفان لا يمكن أن يكون خالياً من التناقض والأخطاء. هناك عناصر إيجابية في العرفان لكنها لا تكتمل إلاّ بالكشف أي بالإعلان الإلهي. المشكلة ليست مشكلة العرفان بحدّ ذاتها إنما مشكلة الاختيار الموفّق له، واستخدامه الاستخدام الصحيح. بناءً عليه، لا يعتبر غريغوريوس أن الفلسفة ضرورية بشكل مطلق فأحياناً الإنسان البسيط يكون مغتبطاً في حياته أكثر من الفيلسوف. |
||||
16 - 12 - 2016, 07:06 PM | رقم المشاركة : ( 34 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: الْقِدِّيسِ غريغوريوس اللاهوتي رئيس أساقفة القسطنطينيّة
المسيحي البسيط هو فيلسوف، لأن العرفان الذي بحسب العالم يقاوم صليب المسيح،ولذلك فالفلسفة الحقيقية هي الفلسفة بحسب المسيح. بالتعليم المسيحي لا يكتمل العرفان المسيحي فقط إنما تكتمل أيضا حكمة العهد القديم التي كانت تستند إلى الخوف، بالإعلان المسيحي تتجاوز الحكمة الخوف وترفعه إلى المحبّة، تجعلنا أصدقاء الله وابناءه بدل أن نكون عبيداً: “الحكمة التي بالمسيح يسوع أعظم من حكمة أهل هذا الدهر، حكمة المسيح نتشربها من خلال العيش في التقليد الشريف الذي يكشف لنا الحقيقة الأزلية المعلنة في الكتاب المقدس”.
المقياس الأخير ليس الإستدلال المنطقي إنما الوجود بحد ذاته، فالإنسان الذي يقوده المنطق فقط هو إنسان ارضي لأن العقل لا يحرر الإنسان ولا يقدّم له الحقيقة كاملة. الإيمان وحده يكمّل الإنسان ويجعله قادراً على رؤية الواقع الساقط. عندما يستنير العقل بقوة الإيمان يعي ما هو فوق العقل ويدرك جهله لذلك قال: “ليقِدْنا الإيمان أكثر من العقل”. – معرفة الله: “معرفة الله ممكنة لكنها محصورة بأنقياء القلوب” |
||||
16 - 12 - 2016, 07:06 PM | رقم المشاركة : ( 35 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: الْقِدِّيسِ غريغوريوس اللاهوتي رئيس أساقفة القسطنطينيّة
تتميز معرفة الله بشَكلَيْن : معرفة طبيعية ومعرفة فوق الطبيعية. مصادر الكشف الطبيعي هي الطبيعة والتاريخ ووعي الإنسان. والعرفان الذي يجيء من الكشف الطبيعي هو عرفان ناقص لأن الله البسيط واللامحدود يبقى غير مدرك، فعقل الإنسان يحاول أن يدرك الله بالجمال وبالتنظيم الذي يراه في الخليقة. لذلك تتعلّق معرفة الله الطبيعية بخصائص عمل الله، أما العرفان فوق الطبيعي فهو أسمى لأن الإيمان يدعمه.
اللاهوت ليس منهجاً عقلياً ولا يمكن أن يُحدّ ضمن الجسم العقلي ولذلك على الإنسان أن يُعيد صياغة فكره وأحاسيسه من خلال علاقته بالله، ومع ذلك فهو لا يتكلّم باللاهوت في شؤونٍ تخصُّ جوهرَ الله إنما فيما يدور حول الله أي أعمال الله وقواه. الله لا يدرك بالعقل فما هو مدرك فيه هو لامحدوديته، يمكن أن يقول الإنسان عن الله أنه غير مدرك، لا بدء له، لا مولود، أي أن يظهر ما هو ليس الله[15]. عمل اللاهوتي محدود بطبيعة بحثه وبقناعته بأن معرفته لا تكتمل، حتى بولس الرسول أكّد على عدم الإدراك الكامل لله، يقول غريغوريوس: “إيليا كما نعرف من التاريخ لم يرَ طبيعة الله بل ظلالها، وبولس الرسول إذا كان يستطيع أن يعبّر عما رأى وسمع في السماء الثالثة، وبالصعود حتى ذلك المكان يمكننا أن نعرف شيئا أكثر عن الله، فلماذا لم يخبرنا عما هنالك إذا كان يعرف شيئاً من غاية الاختطاف؟ |
||||
16 - 12 - 2016, 07:06 PM | رقم المشاركة : ( 36 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: الْقِدِّيسِ غريغوريوس اللاهوتي رئيس أساقفة القسطنطينيّة
ذلك لأن بولس نفسه لم يدرك شيئاً. بل ترك لنا أن نكرّم بصمت ما عاينه وذكره، أي انه سمع كلمات سرية لا ينطق بها … إننا كمن يحاول أن يغرف ماء البحر بالوعاء … بكلامي حاولتُ أن أُبرهن أن العقل لا يستطيع أن يدرك طبيعة الملائكة فكم بالأحرى طبيعة الله التي تفوق كل شيء؟ له المجد والإكرام إلى أبد الدهور آمين”[16].
تكلّم غريغوريوس كثيراً عن الثالوث وقال أن الله واحد في ثلاثة أقانيم وإن هذه الأقانيم تتميز عن بعضها، فالآب مساوٍ للإبن دون أن يعني ذلك أن الابن هو الآب. الآب هو علّة الوجود، علة وجود الإبن وهو علّة انبثاق الروح القدس، وإن ما للآب هو للإبن والروح القدس : “لنا ربٌ واحدٌ الآب، الذي منه كل شيء، وربّ واحدٌ يسوع المسيح الذي به كل شيء، وروح قدوس واحد فيه كل شيء”[17]. ويشهد غريغوريوس كما باسيليوس وأثناسيوس (والدمشقي فيما بعد)، أن النشيد المثلث التقديس لا يقال في الإبن فقط بل في الثالوث الأقدس، فإن السارافيم القديسين في تقديسهم يظهرون لنا الأقانيم الثلاثة للاهوت الفائق الجوهر وعليه يقول غريغوريوس: “… وهكذا إذاً، فإن أقداس الأقداس التي هي محجوبة عن السارافيم أيضاً وتتلقى التمجيد بتقديسات مثلّثة تجتمع في سيادة واحدة ولاهوت واحد”[18]. |
||||
16 - 12 - 2016, 07:06 PM | رقم المشاركة : ( 37 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: الْقِدِّيسِ غريغوريوس اللاهوتي رئيس أساقفة القسطنطينيّة
القدرة الإدراكية للعقل محدودة والكائنات التي تقع تحت تأثير الحسّ لا تستطيع أن تدخل إلى أعماق العقليات ، يقول غريغوريوس: “قل لي ما هي عدم الولادة وأنا سأعلّمك عن ولادة الإبن وانبثاق الروح القدس، الإنسان تتكاثر أسئلته مع كثرة معرفته، وهو يشبه من استنار لحظة واحدة ولكنه بقي في الظلام”. إلى جانب محدودية العقل وعدم قدرته على الدخول إلى سرّ الله، هناك الجسد الإنساني الذي يعيق القوّة النسبية الموجودة في العقل. فالجسد بعد السقوط صار أكثر كثافة والعقل نفسه صار كثيفاً ومادياً لكن هذه المحدودية في الجسد ليست عقاباً لإنسان بل تربية له.
|
||||
16 - 12 - 2016, 07:06 PM | رقم المشاركة : ( 38 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: الْقِدِّيسِ غريغوريوس اللاهوتي رئيس أساقفة القسطنطينيّة
الخليقة والخالق:
يقسم غريغوريوس الخليقة إلى ثلاثة أقسام، فيقول أولاً، أقرب إلى الله الطبائع العقلية وأبعد منه الطبائع الحسّية، وابعد شيء هو الوجود الذي لا نفس لهولا حسّ، وأما أول الخلائق بالنسبة له فكانت الملائكة الذين وُجدوا قبل الخليقة كلها “لأن الله فكّر بالقوات الملائكية والسماوية فكان تفكيره عملاً”[19]. الإنسان مخلوق على صورة الله، ولا يقول رأي أوريجنس بان النفوس مخلوقة قبل الأجساد وإنما هو يؤمن أن النفس تأتي إلى الإنسان عند الحبل به، وإن هذه النفس لا تموت لحظة الموت وإنما ترتفع وتعود إلى خالقها. بسبب السقوط صار الإنسان يموت .الخطيئة أدخلت الموت، والموت بدأ يجعل الخطيئة عذبة وحلوة. كل شيء في الكون يتغير من ساعة إلى أخرى، وكل شيء يجري ويفنى، فالحياة والموت اللذان يعتبران فكرتان متناقضتان هما يتواجدان ويتبادلان الدور. فالحياة تبدأ بالفساد والإنسان ينتقل من فساد إلى فساد حتى تنقضي حياته الأرضية، فالفساد هو انتصار الزمان لأن الحياة تمر عبر الولادة في اتجاه معيّن لا يمكن إعادته. |
||||
16 - 12 - 2016, 07:07 PM | رقم المشاركة : ( 39 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: الْقِدِّيسِ غريغوريوس اللاهوتي رئيس أساقفة القسطنطينيّة
لكن الموت في حدّ ذاته يحمل عناصر إيجابية لأن الموت الحقيقي ليس انفصال النفس عن الجسد وإنما هو دمار النفس والمشكلة الأساسية عند الإنسان هو مشكلة التمييز بين الواقع والظاهر أي انه يخاف مما هو ليس مخيفاً.
المؤمنون في مسيرتهم نحو السيد الصالح يمكن أن يتحرروا من سيطرة الزمن الدائري لأنهم يتجهون نحو واقع ثابت متحرر من كل تشوّش أي نحو تجاوز العالم الحاضر. هذا لا يعني أن غريغوريوس يقلل من أهمية العالم وقيمته فالعالم الحاضر ليس عائقاً يحول دون اقتناء ما هو قائم وثابت، فما يجري ويتبدّل يمكن أن يكون وسيلة لاكتساب الحياة الجديدة. أما المأساة الحقيقية فهي أن يصبح الإنسان محصوراً ضمن دائرة الولادة والموت، أي انه يصبح حلماً غير موجود في الواقع. لذلك يقول غريغوريوس على الإنسان أن يترك الأحلام والظلال وينعم بالحياة على أكمل وجه. الفرق بين الإنسان والملائكة هو أن الكائنات اللاجسدانية لا تخضع للزمن الذي يحدّ الإنسان، فالزمن غير موجود بالنسبة للكائنات الروحية، لأن في الزمن يتحوّل الحاضر إلى ماضٍ ميْت. |
||||
16 - 12 - 2016, 07:07 PM | رقم المشاركة : ( 40 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: الْقِدِّيسِ غريغوريوس اللاهوتي رئيس أساقفة القسطنطينيّة
– أسباب التربية:
إن المنطلق الأساسي للاهوت التنـزيهي هو ردّ على المسعى الهرطوقي الذي يهدف إلى تغيير الكشف المسيحي إلى تعليم فلسفي. فمعظم الهراطقة كآريوس، افنوميوس، صابيليوس، حاولوا أن يدرسوا الإعلان الإلهي ويبرهنوا بمقولات عقلانية البحتة، لكن هذا التطوير العقلي للأمور يُنزل الإعلان إلى المستوى الإنساني، فوجود الظلام الإلهي ضروري وليس له صفة سلبية فالظلام القائم بين الله والإنسان هو مثل الغمام الذي دخل فيه موسى وهذا الظلام يحميه من نار الالوهة مثلما يحمي الظلّ الإنسانَ من نار الشمس. الإنسان مدعو للدخول في هذا الغمام الإلهي لكن هذا الأمر يتطلّب استعداداً خاصاً. |
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|