فكِّر أيضًا فيما يحدث للبحر من أحداث مفزعة في الشتاء. إذ ترتفع المياه من الأعماق وتكوِّن قمم الأمواج التي تشبه الجبال حيث ترتفع المياه وكأنها صخور عمودية ثم تنكسر هذه الأمواج الواحدة تلو الأخرى على الشاطئ وكأنها آلات حربية.
يتراءى لي أن آثار الشتاء وكل ما يشبهها لها مع أني تصويرية. فما هو الذي يذبل ويضيع خلال هذا الفصل؟ ما هو الذي يُسقط من الفروع ويُذرَّى على الأرض؟ ماذا يشير إليه سكوت الطيور؟ ما هو ارتفاع الأمواج؟ ما هو المطر؟ ما هي نقاط مياه المطر؟ كيف يتوقف المطر؟ ترمز هذه العناصر إلى معنى الشتاء وكأنها عناصر حية وتعبر عن نفسها.
والآن لا يسعني إلا أن أفسر كل عنصر من هذه العناصر على حدة وأرى أن معانيها واضحة بما فيه الكفاية. اِزدهرت الطبيعة البشرية عندما كانت في الجنة وكانت تتغذى بمياه الينابيع الموجودة بها. وازدان الإنسان بأزهار الأبدية بدلاً من الأوراق، ولكن لما حل شتاء العصيان جفت الجذور وسقطت الأزهار إلى الأرض فتجرَّد الإنسان من جمال الأبدية، وجفت خضرة الفضائل وبرد حب الله للإنسان لازدياد عصيانه، وهكذا ارتفعت قمة الانفعالات التي أنتجت الرياح التي أدت إلى تحطم سفينة النفس.
ولكن بعد مدة جاء من منح الربيع لنفوسنا. فأمر ريح الشر التي أهاجت البحر أن تسكن: “وقال للبحر اُسكت اُبكم. فسكت الريح وصار هدوء عظيم” (مر 4: 39). فأصبح كل شيء هادئًا، وابتدأت حياتنا في الازدهار وازدانت بالبراعم والأزهار، وتمثل الأزهار الفضيلة في حياتنا التي تُثمر في مواسمها. لذلك يقول كلمة الله: “لأن الشتاء قد مضى، والمطر مرّ وزال. الزهور ظهرت في الأرض. بلغ أوان، القَضْب وصوت اليمامة سُمع في أرضنا” [ع11-12].