التفسير الثعلبي للكتاب المقدس
إيرينيئوس
هذا إذن، هو نظامهم، الذي لم يعلنه الأنبياء ولا علّم به الرب، ولا سلّمه الرسل، ولكنم يفتخرون أنهم يعرفونه معرفة كاملة أكثر من الجميع. وهم يستقون آراءهم من مصادر أخرى غير الكتب المقدسة، وبإستعمال مثل شائع، فهم يحاولون أن ينسجوا حبالاً من الرمل.
هم يسعون أن يُكيفوا أمثال الرب وأقوال الأنبياء وكلمات الرسل بحيث لا تظهر خطّتهم بدون سند كلّية. ولكنهم حين يفعلون هذا، هم يتجاهلون ترتيب وترابط الكتب المقدسة، ويمزقون ويحطمون الحقيقة التي فيها. وبواسطة نقل الفقرات وإعادة صياغتها من جديد وإخراج أمر من آخر، فإنهم يخدعون كثيرين بواسطة عملهم الشرير في تحريف أقوا ل الرب حسب آرائهم .
هذه الطريقة في العمل (التفسير)، هي مثلما يأخذ أحدهم صورة جميلة لأحد الملوك صنعها فنان ماهر من جواهر ثمينة، ويكسرها كلها إلى قطع صغيرة، ثم بعد ذلك يعيد ترتيب الجواهر ويركبها معاً ليصنع منها هيئة كلب أو ثعلب، بل ويعملها بطريقة رديئة، وبعد ذلك يؤكد ويعلن أن هذه هي صورة الملك الجميلة التي صنعها الفنان الماهر، مشيراً إلى الجواهر التي كان الفنان قد نسقّها معاً بطريقة مدهشة ليشكل منها صورة الملك، ولكنها تحولت بواسطة هذا الأخير إلى شكل كلب، وهكذا إذ يُظهر الجواهر، فإنه يخدع الجهال الذين لا يعرفون كيف كانت صورة الملك الجميلة. بطريقة مماثلة، فإن هؤلاء الأشخاص يُرقّعون الخرفات العجائزية، ثم يحاولون بإنتزاع الكلمات من سياقها الصحيح، وكذلك إنتزاع التعبيرات والأمثال أينما وُجدت، أن يُكيفوا أقوال الله لتناسب قصصهم التي لا أساس لها ...
هم يجمعون من العبارات والأسماء المتناثرة هنا وهناك في الكتاب، ويحرفونها من المعنى الطبيعي إلى المعنى غير الطبيعي.
أما من يحتفظ بقانون الحق في قلبه بدون تزعزع، وذلك القانون الذي إستلمه بواسطة المعمودية، فهو بلا شك، سيتعرف على الأسماء والتعبيرات والأمثال المأخوذة من الكتب المقدسة، لكنه لا يعرف الإستعمال التجديفي الذي فعله بها هؤلاء الرجال. فرغم أنه سيعرف الجواهر، إلا أنه لن يأخذ الثعلب بدلاً من صورة الملك ولكن يعيد كل تعبير مقتبس إلى موضعه الصحيح، ويضمه ضمن جسم الحق، فإنه سيُعّري تلفيق هؤلاء ويبرهن أنه بدون أساس.
المرجع: ضد الهرطقات، للقديس إيرينيئوس أسقف ليون (قرن 2)، ترجمة د. نصحي عبد الشهيد إصدار مركز الآباء بالقاهرة