مثل زوان الحقل ( من امثال المسيح في الكتاب المقدس )
مثل زؤان الحقل
نصُّ الإنجيل
مَثَلُ مَلكوتِ السماواتِ كَمَثَلِ رَجُلٍ زَرَعَ زَرْعاً طيِّبَاً في حَقْلِهِ . وبَيْنَما الناسُ نائمونَ, جاءَ عدوُّهُ فزَرَعَ بعدَهُ بَيْنَ القَمْحِ زُؤاناً وانْصرَف.
فلمَّا نما النَبْتُ وأَخرَجَ سُنْبُلَهُ ظَهَرَ مَعَهُ الزُؤان. فجاءَ عبيدُ ربِّ البيتِ وقالوا له: " يا ربِّ أَلم تَزْرَعْ زَرْعاً طَيِّباً في حَقْلِكَ ؟ فَمِنْ أَيْنَ جَاءَهُ الزُؤان ؟ " فقالَ لهُم : " أَحَدُ الأَعْداءِ فَعَلَ ذَلِك. " فَقال لهُ العبيدُ: " أَفَتُريدُ أنْ نَذْهَبَ فَنَجْمَعَهُ ؟ " فقالَ :
" لا , مَخافةَ أَنْ تَقْلَعُوا القَمْحَ وأَنتُم تجمَعُونَ الزؤان . دعوهُما يَنبُتانِ مَعَاً إلى يومِ الحَصادِ , حتَّى إذا أَتَى وقتُ الحَصادِ أَقولُ للحصَّادين:
" اجمَعُوا الزُؤانَ أَوَّلاً واربِطوهُ حُزَماً ليُحرَق. وأَمَّا القمحُ فاجمعوهُ وأْتوا بهِ إلى أَهرائي . " (متى 13 /24-30 )
الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل
إنَّ الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل هي أن الخيرَ والشرَّ مختلطان الآن في واقع حياتنا اليومية كما أن القمح والزؤان مختلطان في الحقل الواحد. وهذا الاختلاط قائم في العالم, وفي الكنيسة, وفي قلوب الناس إلى يوم الدينونة الذي يُفصَل فيه الخير عن الشرِّ انفصالاً كليِّاً. وإليكم إيضاح هذه الفكرة.
الخيرُ والشرُّ مختلطان في العالم
إن في العالَم أناساً صالحين, يسعون إلى الخير, ويجاهدون في سبيل نشر السعادة بين الناس. فهدفُهم الأمثل تحقيقُ الوفاق والسلام والمحبَّة بين الجميع.
كما أن في العالم أناساً أشراراً يعملون للشرِّ في السِرِّ والعلانية. يتآمرون على إخوانهم البشر, ويزرعون في قلوبهم وبيوتهم بزور الخلافات والمنازعات بنشر الإلحاد والفساد والعادات السيئة والأخلاق القبيحة. يكرهون السلام, ويحرِّضون على الحروب والفِتَن, ويسعون إلى خلق الدَّمار والخراب, وكلُّ ذلك في سبيل بلوغ مآربهم الشخصيَّة وأطماعهم الماديَّة.
فإذا تأمّلنا في هذا العالم الممتدِّ أمامنا رأينا له هذَيْنِ الوجهَيْنِ المتناقضَيْن, الوجه الجميل المُشرق بأعمال الخير, والوجه القبيح المُظلم بأعمال الشرّ. فالعالم هو هذا الحقل المزروع بالقمح والزؤان معاً.
الخيرُ والشرُّ مختلطان في الكنيسة
إن في الكنيسة مجموعة كبيرة من المؤمنين الأتقياء الذين يقومون بواجباتهم الدينيَّة بأمانة وإخلاص, ويحافظون على الأخلاق الفاضلة بدقَّة واستمرار, ويقاومون الخطيئة بقوَّة وشجاعة, ويمارسون المحبَّة الصادقة في أُسَرِهم, ومع أقاربهم وجيرانهم ومعارفهم, وجميع مَنْ يتّصلون بهم. إنهم جنود الخير, كهنةً كانوا أم علمانيين.
كما أن في الكنيسة مسيحيين مرائين, يتظاهرون بالتقوى ولا تقوى لهم, يعيشون كالفرّيسيين الكذَبة, بالاستسلام إلى كلِّ أنواع الخطايا الظاهرة والخفيَّة. إنهم أنانيُّون, بُخلاء, قساة القلوب, متكبِّرون متعجرفون, يطأون إخوانهم المساكين بأقدامهم ولا يعبأون بما يفعلون.
قال لهم القديس يعقوب في رسالته: " عِشْتُم على الأرضِ في التَنعُّم والتَرَف. وأشبَعتُم أَهواءَكم لليومِ الذي فيه تُذبَحون. "( يعقوب 5/5 )
إنَّ هؤلاء الأشرار لا يحملون من المسيحيَّة إلاّ الاسم فقط. فالكنيسة هي هذا الحقل المزروع بالقمح والزؤان معاً.
الخيرُ والشرُّ مختلطان في قلب الإنسان
إذا ما راقبنا ذواتنا, ولو مراقبةً بسيطة وسريعة, نكتشف أنَّ في قلوبنا تيارَيْن متناقضَيْن, الواحد يتوجَّه إلى الخير, والآخر يتوجَّه إلى الشرّ.
1- تيَّار الخير في نفوسنا
نشعر أحياناً بأن نفوسنا تلتهب بنار المحبَّة لله وللآخرين. نعكف على الصلاة بحرارة وإيمان, ونمارس واجباتنا الدينيَّة بخشوع وتقوى, ونبشِّر باسم يسوع بقوَّة وشجاعة, ونعيش مع أفراد أُسَرنا في جوٍّ رائع من المودَّة والتفاهم, ونُقْبِل على خدمة الآخرين بفرح روحيٍّ خالص, ونقدِّم للجميع المثل الصالح بجرأة في كلِّ مجالات حياتنا الفرديَّة والاجتماعيَّة والوطنيَّة.
2- تيَّار الشرّ في قلوبنا
ونشعر أحياناً أخرى بنار الحقد والغضب والضغينة تتأجَّج في قلوبنا. فنميل إلى الانتقام والتشفِّي, ونكره الآخرين, وننطوي على أنفسنا في جوٍّ كثيف من الأنانيَّة والبخل والتعالي. نرفض الخدمة, ونعامل الآخرين بقساوة, ونستسلم إلى الأفكار الشرِّيرة والميول الفاسدة, وقد أصبحنا اليومَ على خلاف ما كُنَّا عليه بالأمس.
3- التيَّاران المتصارعان
إن هذَيْن التيَّارَيْن, تيَّار الخير وتيَّار الشرِّ, يجريان في أعماق قلوبنا كما يجري في بعض البُحيرات تيَّاران من الماء, الماء الساخن والماء البارد. وقد وصف بولس الرسول في رسالته إلى الرومانيين اختلاط الخير والشرِّ في قلب الإنسان. قال: " أَشعُرُ في أَعضائي بشريعةٍ أُخرى تُحارِبُ شريعةَ عقلي , وتجعلُني أَسيراً لشريعةِ الخطيئَةِ , تلك الشريعةِ التي هي في أَعضائي ." (رومه 7/23) إن قلوبنا هي هذا الحقل المزروع بالقمح والزؤان معاً.
مخطَّطنا نحن البشر
تجاه هذا الاختلاط القائم بين الخير والشرِّ في العالم والكنيسة وقلب الإنسان, نتبنَّى بحماسةٍ مخطَّط عُمَّال الحقل, ونفكِّر كما فكَّروا, ونريد أن نعمل كما أرادوا أن يعملوا.
نريد أن نُزيل الشرَّ كليَّاً, منذ الآن, لنجعل العالَمَ فردوساً أرضيَّاً, والكنيسةَ سماءً على الأرض, وقلبَ الإنسان هيكلاً مقدَّساً .
نريد أن نقيِّد الشيطان, زارع الزؤان, بسلاسل حديديَّة لا يقوى على تحطيمها, وأن نلقيه في هُوَّة جهنَّم النار ليكون بعيداً عنَّا.
مخطَّط الله وحكمته
إن لله مخطَّطاً أخر يَتَّصف بحكمة إلهيَّة أسمى وأجدى. إنه يقول لنا ما قاله ربُّ الحقل لعُمَّاله:" دَعُوا القَمْحَ والزُؤانَ يَنبُتان معاً إلى يومِ الحَصاد. " (متى 13/30)
إنَّ الله يرفض أن يصنع معجزة سماويَّة تقيِّد إبليس, وتدمِّر الشرّ, وتنشر الخير من دون مساهمتنا وجهودنا الروحيَّة المتواصلة
إن حكمته الإلهيَّة تطلب مِنَّا أن نجاهد ونعمل الخير لنقلِّص تأثير الشرِّ في العالم, ونُصلح بسيرتنا الفاضلة ومثلنا الصالح وطاعتنا لأوامر الله, ما يصدر عن بعض المسيحيين من تصرُّفات خاطئة, ونطهِّر قلوبنا بأعمال البِرِّ والتقشُّف,
وإنْ كُنَّا على يقين أن الشيطان سيواصل سعيَهُ الخبيث في العالم وفي الكنيسة وفي قلوب الناس, وفي قلوبنا حتى يوم الدينونة.
في ذاك اليوم الآخر, تندثر قِوى الشيطان, ويُحشَر أعوانُهُ الأشرار للعذاب, وتُفتَح أمام الأبرار أبوابُ ملكوت السماء " فيشعُّون حينئذٍ كالشمسِ في ملكوتِ أَبيهم ." (متى 13/43 )
هذا هو الحقل المزروع بالقمح والزؤان. إنّه العالم، والكنيسة، وقلب الإنسان. وإنّه ملكوت الله في وجهَيْه الأرضي والسماوي.
التطبيق العملي
إنك تشعر في قلبك بالحرب القائمة بين الخير والشرّ. فلا تيأسْ ولا تستسلمْ إلى الشرّ, بل اقمعْه فوراً بإرادتك القوَّية ومؤازرة نعمة الله. واعملْ كلَّ ما في وسعك لتنشُرَ الخيرَ بين الناس مهما كلَّفك ذلك من جَهْد وتعب. فإنَّ الدينَ المسيحي دينُ جِهادٍ لا دينُ تخاذُل.