القديس بولس
فهل هناك تعبير أكثر توكيدًا من هذه الكلمات؟ ورب المجد نفسه هو الذي عرّفه بهذا السر العظيم تمامًا كما أعلنه لرسله، وهو -له المجد- قد أكّده في الأصحاح السادس من إنجيل يوحنا توكيدًا حاسمًا. فحين وجد أنه "من هذا الوقت رجع كثيرون من تلاميذه إلى الوراء ولم يعودوا يمشون معه" تركهم وشأنهم. بل إنه وجّه السؤال إلى الاثني عشر: "ألعلكم أنتم أيضًا تريدون أن تمضوا". فهل هناك توكيد أقوى حسمًا من هذا؟ وبعد ذلك عاد الرب فسلّم بنفسه هذه التعليم الحيوي السريّ لبولس لكي يحمله هو أيضًا إلى الأمم.
وهنا يفور سؤال يستلزم الإجابة، وهو: كيف أعطاهم جسده المقدس ودمه الكريم وهو قائم في وسطهم؟ والإجابة تستند إلى قول الرب نفسه أولًا: وعلى هذا القول تستند العقيدة الأرثوذكسية. فنحن نؤمن بأن السيد المسيح هو ابن الله الوحيد المولود من الآب قبل كل الدهور. نور من نور. إله حق من إله حق. مولود غير مخلوق. مساوٍ للآب في الجوهر. وإيماننا هذا يعني أن السيد المسيح حين اتخذ جسدًا ظل محتفظًا بجوهره اللاهوتي الأصيل، فهو إذن كان في السماء وعلى الأرض وماليء الأكوان، وهو في الوقت عينه في الخبز والخمر - فهو ليس محصورًا داخل الجسد. وبما أن تفكيرنا يجب أن يتطابق مع إيماننا، فنحن ندرك بعقلنا إلى جانب وعينا بقلبنا أن الخبز والخمر الذي قيلت صلوات القداس الإلهي عنه قد تحوّل بالفعل إلى جسد الرب ودمه الأقدسين فهو الذي قال هذا جسدي وهذا دمي.