|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مِن أَينَ لي أَن تَأتِيَني أُمُّ رَبِّي؟" تشير عبارة "مِن أَينَ لي أَن تَأتِيَني أُمُّ رَبِّي" إلى إعلان أَليصابات أمُومة مَريَم لربِّها، بالرّغم من عدم وجود آيةٍ ظاهرةٍ لهذا الحدث الإلهي سوى إصغائها لسلام مَريَم. إن هذا الإعلان يُعبِّر عن فعل سجود وعرفان جميل للخالق. ولمَّا أتَت مَريَم لزيارة أَليصابات عرفت من خلال هذه الآية بواسطة الرُّوحِ القُدُس أن ابن مَريَم العذراء هو المسيح المُنتظر، وأمنت بذلك وفرحت به بالرغم من حَبَل مَريَم العذراء، ولكن سؤال أَليصابات يدلُّ على أنَّ الحَبَل البتولي هو أمر ممكن وليس مستحيل على الله. وبهذا الإعلان تؤكد أَليصابات باسم العهد القديم أن الرَّجاء المسيحاني قد تحقَّق في أحشاء مَريَم. ويعلق الأب رينيه لورانتان قائلاً: "كان بإمكان أَليصابات أن تقول متسائلة: "مِن أينَ لي أن يأتي ربّي إليّ؟" بدل سؤال " مِن أَينَ لي أَن تَأتِيَني أُمُّ رَبِّي؟". فالمسيح الرَّبّ الجَنين يحمل والدته التي هي "بنت ابنها" كما يقول الأديب الإيطالي دانتيه. ويسوع هو "الكلمة الذي به كان كلّ شيء" بما فيه أمّه. ولكنّ الرُّوحِ القُدُس ألهم أَليصابات احترام الوالدة وإكرامها – لا على حساب ألوهيّة الابن الجَنين، أنّ تحرك الجَنين الإلهيّ لولا تَحرُّك والدته الطهور من النَّاصرة إلى عين كارم ". فلا عجب أن يقف القديس كيرلِّس الكبير رافعًا التَّرنيم لمَريَم أمام آباء مجمع أفسس، قائلًا: "السَّلام لمَريَم والدة الإله، الكنز الملوكي للعَالَم كله، إكليل البتوليّة، الهيكل غير المفهوم، المَسكن غير المَحدود، الأم والعَذراء. السَّلام لك يا من حملتِ غير المُحوى في أحشائك البتوليّة المقدَّسة". أمَّا عبارة " مِن أَينَ لي " فتشير إلى فرصة عظيمة لاليصابات التي لا تستحقَّها أن تأتي "أُم ُّ الرَّبّ" إليها. ويُشبه هذا القول كلام يوحَنَّا المَعْمَدان ليسوع عندما أتى ليعتمد على يده "أَوَ أَنتَ تَأتي إِليَّ؟ " (متى 3: 14). ويعلِّق القديس أمبروسيوس قائلًا على لسان أَليصابات "أي فضَّل لي، أو أيّ عمل قمتُ به، أو أيّ حقٍّ هو لي... فإنَّي أشعر بالمُعجزة وأتلمَّس السَّرّ". علمت أَليصابات أن ابنها يكون عظيمًا (لوقا 3: 15)، لكنها علمت أن ابن مَريَم يكون أعظم منه. أمَّا عبارة "رَبِّي" في الأصل اليُوناني κυρίου μου (معناها سيِّدي) فتشير إلى لَقب الرَّبّ، وهو أحد أسماء المسيح الذي يَدلّ على أن يسوع هو المسيح، ويُوحي بما لسيادته الملكية من طابع إلهي (أعمال الرسل 2: 36) ولسمو المسيح المَدعو "ربيِّ"، كما جاء في تفسير إنجيل متى للمزمور 110 " قالَ الرَّب لِرَبِّي: إِجلِس عن يَميني حتَّى أَجعَلَ أَعداءَكَ تَحتَ قَدَمَيك" (متى 22: 44). كانت أَليصابات الشَّخص الأول الذي ينادي يسوع في الإنجيل بكلمة "κύριος "، أي ربّ. وإن مَريَم ليست أم الرّبّ فقط بل أم "ربّي. ويقول بولس الرسول في هذا الصَّدد" ولا يَستَطيعُ أَحَدٌ أَن يَقول: يَسوعُ رَبٌّ إِلاَّ بِإِلهامٍ مِنَ الرُّوحِ القُدُس" (1 قورنتس 12: 3). فيسوع هو المسيح المنتظر، أي المسيح الملك الذي أنبأت به الكتب المقدسة، وأعلنه المُرسلون وأثبتوه لليهود إذ "كانوا لا يَنفكُّونَ كُلَّ يَومٍ في الهَيكلِ وفي البُيوت يُعلِّمونَ ويُبَشِّرونَ بِأَنَّ يسوعَ هو المسيح" (أعمال الرسل 5: 42). ويتضمن لقب "رَب" اسم المسيح القائم من بين الأموات والذي انتصر على الموت. ويُطلق سفر أعمال الرسل على الله اسم "الرَّبّ"، ولكنه يُطلقه على يسوع أيضًا، كما فعل إنجيل لوقا " فلَمَّا رآها الرَّبّ"(لوقا 7: 13). وأعلنت الجماعة المسيحية الأولى حقيقة أن "الرَّبّ هو يسوع المسيح" إذ كان بولس الرسول "يُعلِنُ مَلَكوت الله ويُعَلِّمُ بِكُلِّ جُرأَةٍ ما يَختَصُّ بِالرَّبّ يسوعَ المَسيح، لا يَمنَعُه أَحَد"(أعمال الرسل 28: 31) ليستطيع جميع النَّاس أن يؤمنوا به (أعمال الرسل 11: 17)، إلاَّ أنَّ يسوع الرَّبّ هو ابن الله أيضًا (أعمال الرسل 9: 20). في المسيح يسوع الذي مات وقام، والذي هو ربّ الكل، يُعرض الخلاص لكل من يؤمن به، يهوديًا كان أم وثنيًا" ولَهُ يَشهَدُ جَميعُ الأَنبِياءِ بِأَنَّ كُلَّ مَن آمَنَ بِه يَنالُ بِاسمِه غُفرانَ الخَطايا" (أعمال الرسل 10: 43). أما عبارة " أُمُّ رَبِّي " فلا تشير إلى مَريَم أنها أمُّ الرَّبّ فقط بل إلى أم ِّ "ربّي" أيضا. إنها أمُّ الرَّبّ الذي خلص أَليصابات ونزع عنها العار وجعلها تنتظر مولوداً، حتى في عمر الشيخوخة، فأنعم عليها برحمته لأنَّها ظلت أمينة لله. وقد افتتح يوحَنَّا المَعْمَدان رسالته مشيرًا إلى المسيح الرَّبّ بلسان أمِّه (لوقا 1: 43). قد استعمل لوقا 19 مرة لفظ "الرَّبّ" في إنجيله، وأكثر من 40 مرَّة في سفر أعمال الرسل. لأن سيادة يسوع تجلّت بعد قيامته. وما سيقوله يوحَنَّا فيما بعد عن المسيح، تقوله أَليصابات الآن لمَريَم. لذلك تدل "أُمُّ رَبِّي؟" على أمِّ يسوع الذي هو المسيح المنتظر، وهو الرَّبّ الاله المُتجسِّد. لو حبذا أن نستقبل مجيء يسوع كما استقبلت أَليصابات مَريَم بنظرة الإيمان التي مكّنتها من رؤية بركة الله مُجدَّداً في عمل التَّاريخ. |
|