|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
فَهَتَفَت بِأَعلى صَوتِها: مُبارَكة أَنتِ في النِّساء! وَمُبارَكة ثَمَرَةُ بَطنِكِ" تشير عبارة "هَتَفَت " في الأصل اليوناني ἀναφωνέω (معناها هتفت ويُستعمل في التَّوراة بارتباطه دائمًا برُتب دينيَّة مِحورها تابوت العهد) إلى صرخة أَليصابات أو بالأحرى إلى أنشودتها التي تُلمِّح مرة أخرى أنَّ مَريَم العذراء كانت بمثابة تابوت العهد الجديد لحضور كلمة الله (1 أخبار 15: 28). ولأنَّ أَليصابات امتلأت بالرَّوحِ القُدُس فإن كلماتها هي كلمات نبويَّة قادرة على تفسير علامات وجود الله في مَريَم. أمَّا عبارة " مُبارَكة أَنتِ في النِّساء! وَمُبارَكة ثَمَرَةُ بَطنِكِ" فتُشكّل مع تحيَّة الملاك جِبرائيل لدى البشارة جزءًا من الصَّلاة المشهورة للعذراء " السَّلام الملائكي". وهي تُذكِّرنا بالأيَّام التي سبقت الميلاد عندما كان يسوع في أحشاء مَريَم. وها هو قلب ألأُم يخفق قرب قلبه، ويخفق بدم بشري واحد. والمُبارَكة هو فعل شكر عميق إلى مَريَم ويسوع ابنها. الأُم مُبارَكة وابنها مُبارك. ويُعلق الأب رينيه لورانتان الخبير بمؤلَّفاته عن سيدتنا مَريَم العذراء: "كان بإمكان أَليصابات أن تهتف: مبارك ثمرة بطنك" ولكنّها – بوحي من روح القدس-أسبقت التَّبريك ليسوع بالتَّبريك لأمّه العذراء، وذلك لإكرام الأمّ التي تسبق دوماً أبناءها في النِّظام الطبيعيّ. أمَّا عبارة "مُبارَكة أَنتِ في النِّساء!" فتشير إلى احدى صفات مَريَم أنها مُبارَكة لإنعام الله عليها بالبركة التي لم يَهبْها لغيرها من النِّساء، وذلك بسبب نعمة أمومتها الحقّة، حيث أصبحت حوّاء الجديدة التي نالت البركة والحياة بدل حوّاء الأولى التي استحقت اللّعنة والشّقاء، كما ورد في سفر التَّكوين (3: 16). حوّاء ماتت بسبب رغبتها المُتكبّرة في أكل ثمرة الحياة، ومَريَم العذراء أطاعت الرَّبَّ فحلّت ثمرة الحياة في أحشائها، ثمرة دعتها أَليصابات "مُبارَكة". وفى سفر يهوديت نجد نفس الـمُبارَكة "باركَكِ، يا بُنَيَّة، الإِلهُ العَلِيّ فَوقَ جَميع النِّساءِ اللَّواتي على الأَرض" (يهوديت18:13)، وهذه البركة تذكِّرنا أيضا في نشيد دبورة النَّبية "لْتُبارَكْ بَينَ النِّساءِ ياعيل، اِمرَأَةُ حابَرَ القَينِيّ" لِتُبارَكْ بَينَ جَميعِ السَّاكِناتِ في الخِيام!" (قضاة 5: 24). وأمَّا عبارة "مُبارَكة ثَمَرَةُ بَطنِكِ" فتشير إلى يسوع، الثّمرة المُبارَكة الذي هو سبب مُبارَكة مَريَم" مُبارَكة أَنتِ في النِّساء!"؛ فيسوع هو الثّمرة المُبارَكة بحيث تصبح مَريَم شجرة الحياة الجديدة، المزروعة في وسط الجنة تُقدّم ثمرتها للأجيال كلّها، والأجيالُ كلُّها تكرّمها من أجل الثّمرة التي تعطيها. وتدل هذه العبارة أيضا على مَريَم العذراء التي أصبحت بمثابة تابوت العهد الحاوي حضور الله. إنها مسكنه الجديد، هي قدس الأقداس الحي الجديد "ألم يقل الملاك لها " قُدرَةَ العَلِيِّ تُظَلِّلَكِ؟" (لوقا 1: 35). فكما كان يهتف داود الملك أمام تابوت العهد بقوله "كَيفَ يَنزِلُ تابوتُ الرَّبّ عِنْدي؟"(2 صموئيل 6: 10) هكذا تهتف أَليصابات أمام مَريَم، تابوت العهد الجديد: "من أين لي أن تأتيني أم ربي؟". مَريَم حقًا هي تابوت العهد الجديد حيث يسكن الله بتجسُّد يسوع المسيح في أحشائها. مَريَم هي "تابوت العهد الجديد"، حيث يسكن الله. يريد الله أن يسكن في قلوب حيّة وعامرة بالإيمان والفرح. وكما أقامت مَريَم عند أَليصابات نحو ثلاثة أشهر (لوقا 1: 56) هكذا "بَقِيَ تابوتُ الرَّبّ في بَيتِ عوبيدَ أَدومَ اِلجَتِّيِّ ثَلاثَةَ أَشهُرٍ" (2 صموئيل 6: 11). وهنا ستكون مَريَم الصَّورة المستقبلية عن الكنيسة التي سيسكنها القربان إلى الأبد. الله فضَّل قلب الإنسان على أي بيت يسكنه من الحجارة، فهذه دعوة لنا أن نجعل من قلوبنا مغارة لميلاد المسيح على مثال الأم البتول مَريَم. وأصبحت تحية أَليصابات تشكل جزءًا من صلاة " السَّلام عليك يا مَريَم " مُبارَكة أَنتِ في النِّساء! وَمُبارَكة ثَمَرَةُ بَطنِكِ". أمَّا عبارة " مُبارَكة " فتشير إلى جزء من الخِبرة اليوميّة لدى إنسان العهد القديم. نستقبل القريب ونودّعه "فنباركه" بمعنى أننا "نحيِّيه" (تكوين 47 :7). وتدلّ المُبارَكة على الوحدة وعلى علاقة الحياة، وهذا أمر خاص بعلاقاتنا في الشرق. أما كلمة مُبارَكة على فم أَليصابات فتدلُّ على تمجيد لله وشكره، وإقرار بجميله بسبب أعماله ومعجزاته، وبهذا البركة عبّرت أَليصابات عن الوحدة بين الأم مَريَم وابنها يسوع. هي بركة مزدوجة، يسوع ومَريَم يشتركان معا في البركة الإلهية. مَريَم هي المُبارَكة، ويسوع الذي فيها هو المُبارك وكلاهما يأتيان باسم الرَّبّ لإعلان الملكوت المسيحاني. فبركة الرَّبّ تبلغ البشر بواسطة مَريَم ويسوع المُتَّحدين اتحادًا لا ينفصم. إن مَريَم مرتبطة بابنها ارتباطًا وثيقًا في شخصيتها وطبيعتها وتاريخها، لذلك هي ليست أداة مجرَّدة من كل شخصيَّة أو مسؤوليَّة، بل هي شريكة لإعلان الملكوت. أمَّا عبارة "ثَمَرَةُ بَطنِكِ" فتشير إلى يسوع المسيح، كما سبق كثير من رجالات العهد القديم الذين كُرِّسوا للرب "وهم في بطون أمهاتهم " مثل شمشون (قضاة 13: 5) وارميا (ارميا 1: 5) وعبد الله (أشعيا 49: 1)؛ يعني ذلك أن الله سبق فاختارهم للرسالة، كما اختار بولس الرسول " لَمَّا حَسُنَ لدى اللهِ الَّذي أَفرَدَني، مُذ كُنتُ في بَطْنِ أُمِّي، ودَعاني بنِعمَتِه" (غلاطية 1: 15). فإنّ أَليصابات قد عظّمت الرّبّ وابتهجت بخلاص الله. تحدّثت المرأتان بنعم الله، والوالدان زيَّنا الأحشاء الوالدية بسرِّ التَّقوى وبنعمِه. |
|