البعد الروحي:
البعد الروحي لمَثَل الابنين هو أنَّ كل النَّاس يمرُّون بمَثَل ما مرّ به هذان الابنان من طاعة ثم رفض، أو من رفض ثم طاعة. لكن الطَّاعَة من بعد الرَّفض هي طريق النَّجاة، والرَّفض بعد الطَّاعَة هو طريق الهلاك. إنَّه لمن الخطر أن نتظاهر بطاعة الله، بينما قلوبنا بعيدة عنه، لأنَّ الله يعرف نيَّات قلوبنا، لذا ينبغي أن تطابق أعمالنا مع أقوالنا ونيّاتنا. فلا يمكن القول إننا نؤمن بالله ثم بعد ذلك نحيا كما نشاء، في هذا الصدد يحذّر يوحَنَّا المَعْمَدان الجموع بقوله: " فأَثمِروا إِذاً ثَمَراً يَدُلُّ على تَوبَتِكم، ولا تُعَلِّلوا النَّفْسَ قاِئلين: إِنَّ أَبانا هوَ إِبراهيم"(لوقا 3: 8)، وكذلك لا يمكن إن نحيا حياة سليمة أخلاقيًا وأدبيًا دون التَّوبة والرجوع إلى الله والعمل بمشيئته.
كم هي عظيمة رحمة الله أن يتقبل الإنْسَان الذي يندم ويتوب ويُغيِّر مجرى حياته بعد أن يُجيب "لا" في بادئ الأمر وقد ضلّ الطريق. وهي فرصة سانحة للضُّعفاء الذين لا يجرؤون على أن يقولوا "نعم" فورًا ثم ينسحبون أمام العمل. ويسوع هو القوة التي تنقلنا من "لا" إلى "نعم" كي نتمِّم مشيئة الله. وفي هذا الصدد يقول القديس بولس "إن المسيحَ يسوعَ لم يَكنْ نَعَم ولا، بل "نَعَم" لِذلِك بِه أَيضًا نَقولُ لله: آمين إِكرامًا لِمَجْدِه" (2 قورنتس 1: 20). هل نقبل دعوة التَّوبة اليَومَ ونؤمن بالمسيح فندخل إلى مَلَكوتِ الله ونحصل على السلام والحياة الأبدية؟
نستنتج مما سبق أنَّ مَلَكوتِ الله ليس للذين يدّعون البِرّ، وهم عصاة متمردون، بل لمن يطلبون البِرّ، وهم خطأة تائبون. النيَّة وحدها لا تكفي بل فلا بدَّ من الفعل. والفعل هو نتيجة الاهتداء إلى طريق الحق والحياة إلى كلام وحياة يسوع. انه امر رهيب أن نتبع المسيح، ثم ننكره في حياتنا، حيث يوجد بيننا اليَومَ من يتشدقون بالدِّين ويتعلقون بأهدابه أمام النَّاس، ويذهبون إلى الكنيسة، يمارسون الفرائض، ويتظاهرون بالتقوى، ولكن مع هذا ينقصهم الدِّين الحق وحياتهم لا تنسجم مع هذه الدعوة. وامر رهيب أيضًا أن ننكر يسوع بالقول وبالحياة، وبالعكس امر عظيم أن نطيع يسوع بالقول والعمل. فكل إنسان سيؤدي الحساب أمام الله على اختياراته وأعمال، كما يقول حزقيال النبي " إِذا ارتَدَّ البارُّ عن بِره وصَنَعَ الإِثْمَ وماتَ فيه، فإِنَّه بإِثمِه الَّذي صنَعَه يَموت. وإِذا رَجَعَ الشِّرِّيرُ عن شَرِّه الَّذي صنَعَه وأَجْرى الحَقَّ والبِرّ، فإِنَّه يُحْيِي نَفْسَه " (حزقيال 18: 26-27). ومن هنا نتساءل كيف نعيش الطَّاعَة؟