روح العالم
إن روح العالم هي روح الاستقلال والاستغناء عن الله والشعور بالكفاية الذاتية. وهذا يقود إلى الافتخار والعُجب والتعظم. وفي العهد القديم نقرأ عن آرام النهرين، وقد استخدمها الروح القدس ليرسم أمامنا صورة للعالم الحاضر الشرير. فآرام تعني الأراضي العالية، وفي هذا نرى ارتفاع القلب وتشامخ الروح والكبرياء. والسبب في ذلك أن لديها بدل النهر نهرين. والعالم يرفض الله ولا يريد أن يكون تحت رحمته ولا أن يشعر بالاحتياج إليه. ومع أن الله هو مصدر كل العطايا والهبات، إلا أن الإنسان لا يريد أن يعترف بذلك، ولا يشعر بالامتنان إلى الله ولا يقدِّر مراحمه، بل ينسب كل شيء لنفسه وذكائه وقدراته. كما أن روح العالم تتميز بحب الامتلاك والطمع والتسابق على المراكز الظاهرة والبحث عن الذات والتمركز حولها. وبالأسف هذه الروح كانت في التلاميذ يوم كان المسيح معهم بالجسد، إذ حدثت مشاجرة بينهم عن من يكون الأعظم. وعندما يعيش الإنسان محكومًا بروح العالم ومبادئه فإنه لن يضحي ولن يتنازل عن حقوقه، وسيسعى بكل وسيلة لإشباع وإمتاع شهواته. إن المنطق الذي يعيش به هو: طالما أنه سيعيش حياة واحدة فلماذا يضحي ويحتمل ويتعب لأجل الآخرين؟ إنه يعيش لذاته فقط. هذا ما فعله الغني الغبي الذي أخصبت كورته وقال لنفسه: أهدم مخازني وأبني أوسع... وأقول لنفسي: يا نفسي استريحي وكلي واشربي وافرحي، لأن لك خيرات كثيرة موضوعة لسنين كثيرة، ولم يدرِ أنه في تلك الليلة ستُطلب نفسه منه. كذلك الغني الذي عاش يلبس الأرجوان والبز ويتنعم كل يوم مترفهًا، ولم يفكِّر في الله ولا في قريبه لعازر المسكين الذي كان يشتهي أن يأكل من الفتات الساقط من مائدة الغني. هذه هي روح العالم.