|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
"وكان في الغد أن فشحور أخرج إرميا من المقطرة. فقال له إرميا: لم يدعُ الرب اسمك فشحور بل مجور مِسا بيب. لأنه هكذا قال الرب: هأنذا أجعلك خوفًا لنفسك ولكل محبيك، فيسقطون بسيف أعدائهم، وعيناك تنظران. وأدفع كل يهوذا ليد ملك بابل فيسبيهم إلى بابل ويضربهم بالسيف" [3-4]. أُلقي إرميا في الجب وُقيد بمقطرة، لكن قلبه بقى في السماء، وكلمة الله التي وُهبت له لم تُقيد، وأما فشحور فكان صاحب سلطان ككاهنٍ وناظر أول الهيكل، لكنه انهار في مذلةٍ داخلية وهلاكٍ خارجي. في شجاعة تحدث إرميا النبي مع فشحور، مؤكدَا حدوث السبي وتحقق الهلاك للكاهن كما للبيت الملكي، هكذا: أولًا: "هأنذا أجعلك خوفًا لنفسك" [4]. كأن ما يحل به من رعبٍ مصدره داخل نفسه؛ يصير قايين زمانه! ثانيًا: "أجعلك خوفًا... لكل محبيك، فيسقطون بسيف أعدائهم، وعيناك تنظران" [4]. كان يليق به ككاهن الله أن يكون مصدر سلامٍ لكل بشرٍ ما استطاع، لكن بسقوطه في العصيان والعناد صار علة رعبٍ حتى لمحبيه، عوض تمتعهم بالخلاص سقطوا بسيف الأعداء، وعوض ارتفاعهم لرؤية الأمجاد المعدة لهم انفتحت عيني فشحور ليرى هلاك محبيه يبدأ هنا على أيدي البابليين. ربما يشير محبوه هنا إلى الجسد بكل طاقاته، فالإنسان الذي يحرم نفسه من عمل الكلمة الإلهي في حياته لأجل ملذات جسده، يصب على جسده حالة من الرعبٍ والدمارٍ عوض إعداده لشركة المجد الأبدي مع النفس. ثالثًا: "وأدفع كل ثروة هذه المدينة وكل تعبها وكل مثمناتها وكل خزائن ملوك يهوذا، أدفعها ليد أعدئهم... "[5]. هكذا تمتد الخسارة لا إلى المحبين فحسب بل وإلى كل المدينة بكل إمكانياتها وخزائنها. تشير المدينة هنا بثروتها وتعبها ومثمناتها وخزائن ملوكها إلى مواهب الإنسان وقدراته... بالانحراف عن الطريق الروحي الملوكي يفقد الإنسان خزائنه الداخلية ومواهبه التي كان يمكن أن يستخدمها لبنيان نفوس كثيرة، ويصير له رصيد غنى أبدي وإكليل مجد سماوي. رابعًا: ذهابهم إلى السبي... إشارة إلى فقدان النفس للحرية الداخلية. هنا لأول مرة يشير إرميا النبي إلى اسم الدولة التي تسبيهم: بابل. خامسُا: "وهناك تموت، وهناك تُدفن أنت وكل محبيك الذين تنبأت لهم بالكذب" [6]... كان يُنظر إلى الدفن في أرض غريبة إحدى علامات غضب الله على الإنسان، وسقوطه تحت اللعنة. يرى البعض أن فشحور لم يكن كاهنًا فحسب، وإنما كان نبيًا كاذبًا، أعلن أنه لن تصاب الأمة بأذى (إر 14: 13). استحق الموت بسبب كذبه (إر 26: 28). وقد استخدم إرميا النبي كلمة "كذب" أو "بطلان" كثيرًا، إذ سقطت القيادات والشعب في مؤامرة الكذب. كأن إرميا قد أعلن لفشحور أنه لا يعود بعد ناظرًا للهيكل يُصدر حكمًا على الآخرين، إنما يعاني من صدور الحكم الإلهي ضده يرعبه ويرعب الأمة كلها . |
|