|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
لحظات ضعف بشري: 14 مَلْعُونٌ الْيَوْمُ الَّذِي وُلِدْتُ فِيهِ! الْيَوْمُ الَّذِي وَلَدَتْنِي فِيهِ أُمِّي لاَ يَكُنْ مُبَارَكًا! 15 مَلْعُونٌ الإِنْسَانُ الَّذِي بَشَّرَ أَبِي قَائِلًا: «قَدْ وُلِدَ لَكَ ابْنٌ» مُفَرِّحًا إِيَّاهُ فَرَحًا. 16 وَلْيَكُنْ ذلِكَ الإِنْسَانُ كَالْمُدُنِ الَّتِي قَلَبَهَا الرَّبُّ وَلَمْ يَنْدَمْ، فَيَسْمَعَ صِيَاحًا فِي الصَّبَاحِ وَجَلَبَةً فِي وَقْتِ الظَّهِيرَةِ. 17 لأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْنِي مِنَ الرَّحِمِ، فَكَانَتْ لِي أُمِّي قَبْرِي وَرَحِمُهَا حُبْلَى إِلَى الأَبَدِ. 18 لِمَاذَا خَرَجْتُ مِنَ الرَّحِم، لأَرَى تَعَبًا وَحُزْنًا فَتَفْنَى بِالْخِزْيِ أَيَّامِي؟ كانت نفسية إرميا تتمرر من وقت إلى آخر في لحظات الضعف، إذ كان يشعر بانسحاق لأعماقه من أجل ما سيحلّ بشعبه، وفي نفس الوقت يجد مقاومة حتى الموت من القيادات الفاسدة التي أثّرت حتى على الشعب، حتى اشتهي لو لم يولد. "ملعون اليوم الذي وُلِدتُ فيه. اليوم الذي ولدتني فيه أمي لا يكون مباركًا. ملعون الإنسان الذي بشّر أبي، قائلًا: قد وُلد لك ابن، مُفَرحًا إيّاه فرحًا. وليكن ذلك الإنسان كالمدن التي قلبها الرب ولم يندم، فَيَسْمع صياحًا في الصباح، وجلبة في وقت الظهيرة. لأنه لم يقتلني من الرحم، فكانت لي أمي قبري ورحمها حُبلي إلى الأبد. لماذا خرجت من الرحم لأرى تعبًا وحزنًا فتفنى بالخزي أيامي؟! [14-18]. كان يشتهي لو لم يولد، وكان يود لو أن أحشاء أمه صارت مقبرة له. صورة للضعف البشري الذي يسقط فيه حتى الأنبياء والرسل... كبشر يحتاجون إلى سندٍ إلهي وسط آلامهم حتى لا ينهاروا. منذ لحظات كان يسبح الله وسط آلامه، إذ كان متأكدًا أنه يُخلص نفس المسكين من يد الأشرار... لكن سرعان ما ضعف وشعر بالفشل مشتهيًا لو أن الموت قد حلّ به في لحظات ولادته. وقد سمح الله بتسجيل هذه المشاعر لكي لا نيأس حين نضعف وسط آلامنا، متطلعين إلى أن الأنبياء أنفسهم كانوا أحيانًا يضعفون. هذا ويليق بنا أن نسجل لحظات ضعفنا لكي متى تمتعنا بعمل نعمة الله نخجل من أنفسنا، ونعترف بضعفنا وغباوتنا أمامه. ونقدم له الشكر لأنه في صلاحه لم يأخذنا في لحظات ضعفنا، بل أعطانا فرصة التمتع بعمل نعمته، والدخول في خبرة جديدة معه. مع ما حملته هذه العبارات من روح اليأس، لا ننكر أنها تكشف عن رقة نفس إرميا... لم يكن قادرًا أن يرى الناس يهلكون. يشتهي الموت عن أن يسمع ما سيحل بشعبه. تسجيل هذه المشاعر لا يعني أن إرميا النبي قد نطق بها أمام أحد، وإنما سُجلت لكي نكتشف كيف أننا في لحظات تعبنا نخطئ بالفكر، لكن يليق بنا أن نضبط لساننا ونلجمه كقول المرتل: "قلت أتحفظ لسبيلي من الخطايا بلساني؛ أحفظ لفمي كمامة فيما الشرير مقابلي؛ صمت صمتًا" (مز 39: 1-2). مع كل هذه الظروف القاسية، ومع مرارة نفسه لم يهرب من الخدمة... بل كان يهتم بخلاص الآخرين، حتى المقاومين له. * عندما سمع النبي هذا لم يرفض الخدمة. لم يقل على مثال موسى: "أسألك يا رب، إني لست مستحقًا، أرسل آخر". إذ كان محبًا للشعب... القديس جيروم يلاحظ في هذه المرثاة الشخصية الآتي: أولًا: حسب إرميا يوم ميلاده يوم لعنة لا بركة، إذ ظن أنه لم يحقق رسالته، فما قيمة ميلاده أو حياته! لقد استحق يهوذا الخائن اليائس ذلك: أن يلعن يوم ميلاده، وكان خير له لو لم يولد (مت 26: 24) ، لكن ما كان يليق بنبي يعلم أنه إناء للرحمة أن يفعل ذلك. ثانيًا: لم يلعن إرميا والديه إنما لعن يوم ميلاده، لأن الشريعة تحرم لعن الوالدين كجريمة عظمى (لا 20: 9؛ 24: 10-16). ثالثًا: كان اليهود كما كثير من الأمم يفرحون بميلاد طفلٍ ذكر، لقد بشروا والده: "قد وُلد لك ابن (ذكر) ليفرح... رابعًا: يقصد بالمدن التي قَلَبها الرب سدوم وعمورة، وقد أشير إليهما كثيرًا كعبرة (عا 4: 11؛ إش 1: 9-10؛ 3: 9؛ صف 2: 9). تحولت سدوم وعمورة إلى صياح وجلبه (تك 18: 20)، لكن ليس صراخ التوبة والرجوع إلى الله، بل صراخ التعب والألم مع حالة الرعب والخوف الشديد. خامسًا: يعلم إرميا النبي تمامًا حالة الإحباط التي تحلّ بالأم التي يموت طفلها عند ولادته (إر 6: 26؛ أم 4: 3)، لكنه يُحسب هذا كلا شيء أمام إحساسه بأن حياته بلا معنى ولا قيمة. يعلق القديس أمبروسيوس على كلمات إرميا النبي السابقة، قائلًا بأن القديسين ينوحون منتظرين حياة أفضل [لذلك القديسون ليسوا بدون سبب كثيرًا ما كانوا ينوحون من أجل طول بقائهم هنا، داود بكى ذلك (مز 119: 5) وإرميا وإيليا (1 مل 19: 4)]. ويقول العلامة أوريجينوس: [لا نجد أحدًا من القديسين يحتفل بعيد ميلاده أو يقيم فيه وليمة عظيمة، ولا يفرح أحد بعيد ميلاد ابنه أو ابنته، إنما يفرح الخطاة بهذا. ففي العهد القديم احتفل فرعون ملك مصر بعيد ميلاده (تك 40: 20)، وفي العهد الجديد احتفل هيرودس أيضًا (مر 6: 21)، وفي الحالتين سال الدم علامة تكريمهما لعيد ميلادهما، فقطعت رأس رئيس الخبازين (تك 40: 22)، وأيضًا رأس القديس النبي يوحنا في السجن (مر 6: 27). أما القديسون فليس فقط لا يحتفلون بأعياد ميلادهم وإنما وهم مملؤون من الروح القدس يسبون هذا اليوم. فإن نبيًا عظيمًا، أقصد إرميا، الذي تقدس في بطن أمه وتكرس كنبي للشعوب (إر 1: 5)، يعلن: "ملعون اليوم الذي وُلدت فيه، اليوم الذي ولدتني فيه أمي لا يكون مباركًا..." ...]. |
|