|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الرغبة في الخلاص من إرميا: 18 فَقَالُوا: «هَلُمَّ فَنُفَكِّرُ عَلَى إِرْمِيَا أَفْكَارًا، لأَنَّ الشَّرِيعَةَ لاَ تَبِيدُ عَنِ الْكَاهِنِ، وَلاَ الْمَشُورَةَ عَنِ الْحَكِيمِ، وَلاَ الْكَلِمَةَ عَنِ النَّبِيِّ. هَلُمَّ فَنَضْرِبُهُ بِاللِّسَانِ وَلِكُلِّ كَلاَمِهِ لاَ نُصْغِي». 19 أَصْغِ لِي يَا رَبُّ، وَاسْمَعْ صَوْتَ أَخْصَامِي. 20 هَلْ يُجَازَى عَنْ خَيْرٍ بِشَرّ؟ لأَنَّهُمْ حَفَرُوا حُفْرَةً لِنَفْسِي. اذْكُرْ وُقُوفِي أَمَامَكَ لأَتَكَلَّمَ عَنْهُمْ بِالْخَيْرِ لأَرُدَّ غَضَبَكَ عَنْهُمْ. 21 لِذلِكَ سَلِّمْ بَنِيهِمْ لِلْجُوعِ، وَادْفَعْهُمْ لِيَدِ السَّيْفِ، فَتَصِيرَ نِسَاؤُهُمْ ثَكَالَى وَأَرَامِلَ، وَتَصِيرَ رِجَالُهُمْ قَتْلَى الْمَوْتِ، وَشُبَّانُهُمْ مَضْرُوبِي السَّيْفِ فِي الْحَرْبِ. 22 لِيُسْمَعْ صِيَاحٌ مِنْ بُيُوتِهِمْ إِذْ تَجْلِبُ عَلَيْهِمْ جَيْشًا بَغْتَةً. لأَنَّهُمْ حَفَرُوا حُفْرَةً لِيُمْسِكُونِي، وَطَمَرُوا فِخَاخًا لِرِجْلَيَّ. 23 وَأَنْتَ يَا رَبُّ عَرَفْتَ كُلَّ مَشُورَتِهِمْ عَلَيَّ لِلْمَوْتِ. لاَ تَصْفَحْ عَنْ إِثْمِهِمْ، وَلاَ تَمْحُ خَطِيَّتَهُمْ مِنْ أَمَامِكَ، بَلْ لِيَكُونُوا مُتَعَثِّرِينَ أَمَامَكَ. فِي وَقْتِ غَضَبِكَ عَامِلْهُمْ. بدأ الأعداء يخططون ضده، حاسبين أن ما يقوله إنما هي تهديدات لن تتم، فستبقى الحياة كما هي... لا يحل الخراب ولا تُبَاد الشريعة عن الكاهن إلخ. "فقالوا: هُلم فنفكر على إرميا أفكارًا، لأن الشريعة لا تبيد عن الكاهن، ولا المشورة عن الحكيم، ولا الكلمة عن النبي. هلم فنضربه باللسان، ولكل كلامه لا نصغِ" [18]. أرادوا الافتراء عليه باتهامات باطلة دون الإصغاء إليه، بقصد قتله [23]. لعلهم قصدوا بضربه باللسان هو اصطياد كلمات من فمه، لاتهامه بكلمات نطق هو بها، كسلاحٍ يستخدمونه لقتله، أو أنهم أرادوا أن يبكموا فمه فلا ينطق بكلمة الرب. العداء هو ضد كلمة الرب وإن ظهر أنه شخصي. إرميا ليس طرفًا في المعركة، إنما هو ممثل كلمة الرب التي لا يطيقها عدو الخير. العجيب أنهم وهم يقاومون الكلمة الإلهية يظهرون كأنهم مدافعون عنها، يعملون كي لا تبيد الشريعة عن الكاهن والمشورة عن الحكيم والكلمة عن النبي. يظهرون كأنهم مملئون غيرة على الشريعة والناموس الإلهي وخدمة الهيكل وهم في الواقع مقاومون لهذه كلها. الاتهامان الموجهان ضده: أولًا أنه ليس بنبي حقيقي وأنه يدعى النبوة، ما ينطق به ليس من الله، بل هو تجديف . لأن الشريعة تُؤخذ من فم الكاهن لا من فم إرميا. لذلك يجب الخلاص منه حتى تُسمع الشريعة من فم الكاهن والمشورة من الحكيم وكلمة الرب من فم الأنبياء. الثاني أنه أخذ موقفًا مضادًا للكهنة والحكماء والأنبياء (الكذبة). هذا بجانب الاتهامات الأخرى، كمحطمٍ لنفسية القيادات والشعب بنبواته المملوءة تشاؤمًا في نظرهم! لقد أرادوا أن يبكموا فمه فيصمت تمامًا، وإذ عرفوا أنهم لن يستطيعوا فكروا في قتله [23]. سبق أن قام أهل قريته عناثوث (أقاربه) بتدبير مؤامرة ضد إرميا، قاموا بها لأنهم حسبوه أساء إلى سمعتهم ووضعهم في موقفٍ لا يُحسدون عليه، أما الآن فالذين يخططون للمؤامرة هم الكهنة والحكماء والأنبياء الكذبة... اتفقوا معًا لاتهامه بالهرطقة والخيانة الوطنية. في المؤامرة الأولى صرخ: "لماذا تُنجح طريق الأشرار؟" (إر 12: 1)، أما هنا فقدم صلاة مُرّة للغاية، تكشف عن مدى تعب إرميا الشديد... تُعتبر أقسى صلاة للانتقام في كل السفر. فقد وجد نفسه مُحاطًا بالشباك التي نصبها له من كان يجب أن يساعدوه، وشعر كأن الحق قد صار في خطر، والشعب كله بكل إمكانياته ينهار بسبب قيادات فاسدة مُغرضة. حاول معهم مرة ومرات، وكان يُصلي لأجلهم ويشفع عنهم، أما وقد شعر باستحالة توبتهم، وأدرك خطر عملهم فصار يصرخ للتدخل الإلهي. رفع إرميا قلبه لله ملجأهكي يدافع عنه ضد الأنبياء الكذبة الذين يدفعون الشعب كله نحو الهلاك، ويطلبون أيضًا نفسه: "اصغِلي يا رب واسمع صوت أخصامي. هل ُيجازى عن خيرٍ بشرٍ؟! لأنهم حفروا حفرة لنفسي. أذكر وقوفي أمامك لأتكلم عنهم بالخير، لأرد غضبك عنهم. لذلك سلم بنيهم للجوع، وادفعهم ليد السيف، فتصير نساؤهم ثكالى وأرامل، وتصير رجالهم قتلى الموت، وشبانهم مضروبي السيف في الحرب. ليُسمع صياح من بيوتهم، إذ تجلب عليهم جيشًا بغتةً. لأنهم حفروا حفرة ليُمسكوني، وطمروا فخاخًا لرجليّ. وأنت يا رب عرفت كل مشورتهم عليّ للموت. لا تصفح عن إثمهم، ولا تمحُ خطيتهم من أمامك، بل ليكونوا متعثرين أمامك. في وقت غضبك عاملهم" [19-23]. في هذا ينطق إرميا بصلاة تقترب من تلك التي قدمها داود النبي: "خاصم يا رب مخاصميّ، قاتل مقاتليّ... شهود زور يقومون، وعما لم أعلم يسألونني. يجازونني عن الخير شرًا. ثكلًا لنفسي. أما أنا ففي مرضهم كان لباسي مسحًا. أذللت بالصوم نفسي..." (مز 35). هكذا كان إرميا النبي مثل داود النبي رجل آلام، قاسي المتاعب بلا حصر ممن كان يجب أن يكونوا سندًا له وعونًا، وأن ما يطلبه من انتقام يحمل نبوة عما يحل تحقيقًا للعدل الإلهي لنفوس مصممة على تحطيم شعب الله في خداع وبغير توبة! |
|