وعلى قدر صعوبة هذه الحالة، وما يتبعها من أحاسيس داخلية، ومحاربات شيطانية، إلا أن ما يزيد الأمر تعقيدًا، هو أن المؤمن وهو في حالة “التشطيب” هذه، يكون المطلوب منه كثيرًا، سواء في العمل أو الخدمة أو الأسرة، رغم أنه في حالة فراغ نفسي داخلي، ويحتاج إعادة تجديد لكيانه، وهذا ما لا يقدِّره الآخرون؛ فالخادم المسؤول عن مخدوميه (وخصوصًا لو كانوا شباب)، سيطالبونه بالمزيد من الطاقة النفسية، وإظهار الابتسامة الضرورية رغم أنه غير قادر على هذا، والزوجة التي تعاني من حالة استهلاك نفسي، مطلوب منها أن تظل بنفس القدر من العطاء لزوجها ولأسرتها، دون أن يهتم أحد بالسؤال عن حالتها. فالمطلوب يظل كما هو، رغم أن الإنسان نفسه ليس كما هو!!
وهنا أتذكر حادثتين ربما توصِّفان لنا هذا الأمر؛ الحادثة الأولى حين أراد فرعون أن يذل شعب إسرائيل في أرضه، وأن ينتقم منهم بعد أن طالبه موسى بإخراجهم من مصر، فأمر عبيده قائلاً «لاَ تَعُودُوا تُعْطُونَ الشَّعْبَ تِبْنًا لِصُنْعِ اللِّبْنِ كَأَمْسِ وَأَوَّلَ مِنْ أَمْسِ. لِيَذْهَبُوا هُمْ وَيَجْمَعُوا تِبْنًا لأَنْفُسِهِمْ. وَمِقْدَارَ اللِّبْنِ الَّذِي كَانُوا يَصْنَعُونَهُ أَمْسِ، وَأَوَّلَ مِنْ أَمْسِ تَجْعَلُونَ عَلَيْهِمْ. لاَ تَنْقُصُوا مِنْهُ» (خر5: 7، 8). أما الحادثة الثانية، كانت في العهد الجديد، حين تعرَّض التلاميذ لموقف محرج، ولإلحاح أكثر من 20 ألف إنسان جائع، يحتاجون إلى طعام عاجل، فقال أحدهم للمسيح «هُنَا غُلاَمٌ مَعَهُ خَمْسَةُ أَرْغِفَةِ شَعِيرٍ وَسَمَكَتَانِ، وَلكِنْ مَا هذَا لِمِثْلِ هؤُلاَءِ؟» (يو6: 6). وما بين احتياج الشعب للطوب، وما بين الخبز والسمك المطلوب، فإن لسان حال الفريقين أننا “شطَّبنا”.
ولكن لو صحَّت المقارنة، فإن المطلوب منا في هذه الأيام، أكبر بكثير من مجرد احتياج مادي أو جسدي، فالاحتياج الروحي الأهم، يطاردنا في كل مكان، فكم من مُلحد يبحث بسؤاله عن إجابة، وكم من متألَّم يبحث بتجربته عن تعزية، وكم من تائه يطمع في أن يجد من يرشده، وللأسف مع هول المطلوب من المؤمنين والمؤمنات، من إجابات وتعزيات وابتسامات، فأن أغلبنا يرد على المحتاجين والمحتاجات بأننا: “شطَّبنا”!!