|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
"أبر أنت يا رب من أن أخاصمك. لكن أكلمك من جهة أحكامك. لماذا تُنجح طريق الأشرار؟ اطمأن كل الغادرين غدرًا. غرستهم فأصلوا، نموا وأثمروا ثمرًا" [1-2]. بقوله "أبر أنت يا رب من أن أخاصمك" [1]، يبدأ احتجاجه بروح الاتضاع، معلنًا منذ البداية أنه يتكلم من موقع اليقين أن الله بار، لا يخطئ، لكن أحكامه تبدو غير واضحة. فالأمر مجرد تساؤل وعتاب حب، يطلب فيه النبي أن ينير الله ذهنه ليدرك حكمته فيما يحدث. اقتبس النبي العبارة عن (مز 119: 137): "بار أنت يا رب وأحكامك مستقيمة". إن عدنا إلى النص نلاحظ أن الكلمة العبرية ل "أبر" [1] تعني "بارًا" و"بريئًا"، وهي التي استخدمت في (أم 24: 24) للتعبير عما يحدث في ساحة القضاء. وكأن الله في محبته قد أصدر أمره بتأديب شعبه مقدمًا حيثيات حكمه، لا لكي نقبل الحكم كأمرٍ حتمي، وإنما لندخل معه في حوارٍ ونحاججه. هذههي لغة تعامل الله معنا، لغة الحوار. أما نحن فباتضاع نصرخ: "أبر أنت يا رب من أن أخاصمك" [1]، أو كما يقول الرسول بولس: "ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء! لأن من عرف فكر الرب؟! أو من صار له مشيرًا؟!" (رو 11: 33-34). لعل النبي يقول: "لقد رفعت شكواي للقضاء، لكنني اكتشفت أنك بريء!" هنا لا يظهر الله كقاضٍ بل كمتهمٍ، تتهمه النفس البشرية حينما تسقط في مرارة الضيق فتعود وتكتشف خطأها. هكذا يتقدم الديان إلينا كمتهمٍ، تاركًا لنا فرصة اتهامه لندخل معه في حوارٍ مفتوح، ونجد الفرصة لنتبرر به من أخطائنا. وكأن الديان البار يصير متهمًا، لكي يتمتع المتهم الحقيقي بالبراءة. خلال هذه المحاكمة اكتشف النبي خطأه، إذ ظهر أن الشعب مستحق للتأديب، بل وللموت، وأدرك ما قيل عن هذا الشعب: "لأن هذا الشعب قد اقترب إليّ بفمه وأكرمني بشفتيه، وأما قلبه فأبعده عني" (إش 29: 13). هؤلاء هم المراؤون الذين يقدمون بكلماتهم ما ليس في قلوبهم، أو الذين ينطقون بكلمات الرب ولا يقبلون إرادته في حياتهم. عن هؤلاء يقول السيد المسيح: "ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السموات، بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السموات" (مت 7: 21). بهذا عرف النبي لماذا يؤدبهم الله. |
|