|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
3 «لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ لِرِجَالِ يَهُوذَا وَلأُورُشَلِيمَ: احْرُثُوا لأَنْفُسِكُمْ حَرْثًا وَلاَ تَزْرَعُوا فِي الأَشْوَاكِ. 4 اِخْتَتِنُوا لِلرَّبِّ وَانْزِعُوا غُرَلَ قُلُوبِكُمْ يَا رِجَالَ يَهُوذَا وَسُكَّانَ أُورُشَلِيمَ، لِئَلاَّ يَخْرُجَ كَنَارٍ غَيْظِي، فَيُحْرِقَ وَلَيْسَ مَنْ يُطْفِئُ، بِسَبَبِ شَرِّ أَعْمَالِكُمْ. 5 أَخْبِرُوا فِي يَهُوذَا، وَسَمِّعُوا فِي أُورُشَلِيمَ، وَقُولُوا: اضْرِبُوا بِالْبُوقِ فِي الأَرْضِ. نَادُوا بِصَوْتٍ عَال وَقُولُوا: اجْتَمِعُوا، فَلْنَدْخُلِ الْمُدُنَ الْحَصِينَةَ. 6 اِرْفَعُوا الرَّايَةَ نَحْوَ صِهْيَوْنَ. اِحْتَمُوا. لاَ تَقِفُوا. لأَنِّي آتِي بِشَرّ مِنَ الشِّمَالِ، وَكَسْرٍ عَظِيمٍ. 7 قَدْ صَعِدَ الأَسَدُ مِنْ غَابَتِهِ، وَزَحَفَ مُهْلِكُ الأُمَمِ. خَرَجَ مِنْ مَكَانِهِ لِيَجْعَلَ أَرْضَكِ خَرَابًا. تُخْرَبُ مُدُنُكِ فَلاَ سَاكِنَ. 8 مِنْ أَجْلِ ذلِكَ تَنَطَّقُوا بِمُسُوحٍ. الْطُمُوا وَوَلْوِلُوا لأَنَّهُ لَمْ يَرْتَدَّ حُمُوُّ غَضَبِ الرَّبِّ عَنَّا. 9 وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، يَقُولُ الرَّبُّ، أَنَّ قَلْبَ الْمَلِكِ يُعْدَمُ، وَقُلُوبَ الرُّؤَسَاءِ. وَتَتَحَيَّرُ الْكَهَنَةُ وَتَتَعَجَّبُ الأَنْبِيَاءُ». يستحيل أن يُرجى ثمر روحي إلهي ممن َيزرعون في أرض قفر مملوءة بالأشواك الخانقة، إنما يجب أن تُشق بشفرة المحراث لتبكيت تربة القلب القاسية... ففي مثل الزارع يقول السيد المسيح: "وسقط آخر على الشوك فطلع الشوك وخنقه" (مت 13: 7). وجاء في هوشع ضرورة حرث الأرض لنزع الشوك وزرع بذار البر: "اِزْرَعُوا لأَنْفُسِكُمْ بِالْبِرِّ. احْصُدُوا بِحَسَبِ الصَّلاَحِ. احْرُثُوا لأَنْفُسِكُمْ حَرْثًا، فَإِنَّهُ وَقْتٌ لِطَلَبِ الرَّبِّ حَتَّى يَأْتِيَ وَيُعَلِّمَكُمُ الْبِرَّ" (هو 10: 12). إن كانت تربة قلوبنا مملوءة أشواكًا فبصليب ربنا يسوع المسيح تُحرث فتصير صالحة، يُنزع عنها الشوك بكونه الغرلة. هذا هو ختان القلب الذي يرتبط بالصليب، ولا يختنق بأشواك هموم الحياة وملذاتها الباطلة. يقول القديس أغسطينوس: [اقلبوا التربة الصالحة بالمحراث، أزيلوا الحجارة من الحقل، انزعوا الأشواك عنها... احذروا من أن تختنق البذار الصالحة التي زُرعت فيكم خلال جهادي (رعاية القديس لهم)، وذلك بواسطة الشهوات واهتمامات هذا العالم. كونوا الأرض الجيدة، وليأتِ الواحد بمئة والآخر بستين، وآخر بثلاثين ]. ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [كما يُستخدم المحراث في الحقل فيقلب الأرض من أسفل ليُعد مقدمًا ملجأ آمنًا للبذار، حتى لا تنتثر على السطح، بل تختفي في رحم الأرض ذاتها، فتودع جذورها في آمان، هكذا يليق بنا نحن أيضًا أن نعمل، فنستخدم محراث الضيقات لحرث أعماق القلب. ينصحنا نبي آخر، قائلًا: "مزقوا قلوبكم لا ثيابكم" (يؤ 2: 13). لنمزق قلوبنا، حتى متى وُجد فيها زرع شرير، أو فكر مخادع نقتلعه بجذوره، فنهيئ تربة نقية لبذار الصلاح. إن كنا الآن لا نحرث الأرض البور، إن كنا لا نبذر الآن، إن كنا لا نرويها الآن بالدموع، ما دام وقت ضيق وصوم، فمتى نلوم أنفسنا؟! هل يحدث هذا عندما نصير في ُيسر وترف؟! مستحيل! فإن اليُسر والترف بوجه عام يقودانا إلى التراخي، كما تردنا الضيقة إلى الجهاد، ترد الذهن الذي ضل بعيدًا وصار هائمًا يحلم بأمور كثيرة]. يرى العلامة أوريجينوس أن الحديث هنا ينطبق على المعلمين والكارزين، إذ يهتم بعضهم بتقديم العقائد الإيمانية خارج دائرة الخلاص العملي، فيكونوا كمن يقدمون بذارًا صالحة وسط الأشواك. إذ يقول: ["احرثوا لأنفسكم حرثًا، ولا تزرعوا في الأشواك" [3]. قيل هذا الكلام على وجه الخصوص للمعلمين والمبشرين؛ حتى لا ينطقوا بكلمات الإنجيل للسامعين قبل تهيئة حقولٍ جديدة (محروثة) في نفوسهم. لأنهم متى هيأوا حقولًا جديدة في النفوس، ومتى أصبح الناس مُعدين لاستقبال التعاليم كما في الأرض الجيدة الصالحة، عندئذ يزرعون ليس في الأشواك. على العكس، قمنا نحن بزرع بذور مقدسة قبل أن نُعد حقولًا جديدة في عقول الناس، زرعنا عقيدة الآب والابن والروح القدس، والقيامة، والعقاب والراحة الأبدية والناموس والأنبياء وغير ذلك من تعاليم الكتاب المقدس. أننا بهذا نخالف الوصية التي تقول أولًا: "احرثوا لأنفسكم حرثًا" أعدوا لأنفسكم حقولًا جديدة، ثانيًا: "لا تزرعوا في الأشواك". قد يقول أحد السامعين: أنني لست أعلم، فهذه الوصية ليست لي. ليكن! كن مزارعًا (معلمًا) لنفسك، ولا تزرع في الأشواك، إنما أعدد حقلًا جديدًا من قطعة الأرض التي سلّمها لك الرب. اهتم بهذه الأرض. ابحث أين توجد الأشواك، أين توجد الهموم والاهتمامات المادية وإغراءات الغنى وحب الشهوة، وانزع في الحال تلك الأشواك التي في نفسك. ابحث عن المحراث الروحي الذي قال عنه يسوع: "ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله" (لو 9: 62). بهذا تكون قد أعددت حقلًا جديدًا. بعد إعداد هذا الحقل، اذهب وخذ بذارًا من المعلمين ومن الشريعة والأنبياء والكتابات الإنجيلية وكلمات الرسل، وازرعها في نفسك بتذكرها وتنفيذها. ستبدو لك أن هذه البذار تنمو من تلقاء ذاتها، لكن الحقيقة أنها لا تنمو من مجرد تذكرك إياها، بل الرب هو الذي ينميها. "أنا غرست وأبلوس سقى، لكن الله كان ينمي" (1 كو 3: 6) ]. يرى البابا أثناسيوس في الكلمات النبوية: "احرثوا لأنفسكم حرثًا، ولا تزرعوا في الأشواك" [4] دعوة للجدية في استخدام نعمة الله الغنية المجانية، لأن طريق الكسلان كسياج من شوكٍ (أم 15: 19). إنه يظن أن أرضه تنتج خبزًا بلا عمل، فإذا بها تخرج له شوكًا... لدينا وصية رسولية ألا تكون النعمة المعطاة لنا باطلة، الأمور التي كتب عنها القديس بولس إلى تلاميذه شخصيًا، موصيًا إيانا بها من خلالهم، كقوله: "لا تهمل الموهبة التي فيك" (1 تي 4: 14). يوجد مثل له ذات المعنى: "من يشتغل بحقله يشبع خبزًا، أما طرق الكسلان فسياج من شوك" (أم 19: 12، 15). لذلك يحذرنا الروح القدس ألا نسقط في مثل هذه الأمور، قائلًا: "احرثوا لأنفسكم حرثًا، ولا تزرعوا في الأشواك"]. |
|