الإصحاح الحادى والعشرون
واضح أن نبوات هذا الكتاب لم توضع بترتيب زمنى فهذا الإصحاح أحداثه وقعت أيام صدقيا الملك. وسيأتى بعد هذا فى إصحاحات قادمة أحداث حدثت أيام يهوياقيم وغيره.
الأيات 1-7 :- الكلام الذي صار الى ارميا من قبل الرب حين ارسل اليه الملك صدقيا فشحور بن ملكيا و صفنيا بن معسيا الكاهن قائلا. اسال الرب من اجلنا لان نبوخذراصر ملك بابل يحاربنا لعل الرب يصنع معنا حسب كل عجائبه فيصعد عنا. فقال لهما ارميا هكذا تقولان لصدقيا. هكذا قال الرب اله اسرائيل هانذا ارد ادوات الحرب التي بيدكم التي انتم محاربون بها ملك بابل و الكلدانيين الذين يحاصرونكم خارج السور و اجمعهم في وسط هذه المدينة. و انا احاربكم بيد ممدودة و بذراع شديدة و بغضب و حمو و غيظ عظيم. و اضرب سكان هذه المدينة الناس و البهائم معا بوبا عظيم يموتون. ثم بعد ذلك قال الرب ادفع صدقيا ملك يهوذا و عبيده و الشعب و الباقين في هذه المدينة من الوبا و السيف و الجوع ليد نبوخذراصر ملك بابل و ليد اعدائهم و ليد طالبي نفوسهم فيضربهم بحد السيف لا يتراف عليهم و لا يشفق و لا يرحم.
قد يتبادر إلى الذهن أن صدقيا الملك بهذا قد قدم توبة لله وتواضع لكن بمقارنة هذا مع (2أى12:36) نجد أن صدقيا لم يتضع أمام أرمياء. ولكنه أمام ضغط الحاجة يطلب مساعدة النبى ولكنه يرفض مشورته بتقديم توبة. وواضح الأن أن نبوخذ نصر قد غزا الأرض وربما بدأ حصار المدينة. فلنلاحظ أن من يضع يوم الرب بعيداً فحين يأتى يرتعب منه. ولنلاحظ أن أرمياء الذى كان يشكو السخرية سابقاً هو الآن محل توقير وهكذا الحال فى هذا العالم. وبدأ بعضهم يدرك صدق نبواته فقد بدأت تتحقق ووصل الجيش الكلدانى. ولكنهم هنا يشبهون العذارى الجاهلات يطلبن زيتاً بعد فوات الأوان. ولكن فى (2) هم لا يريدون توبة بل لعل الرب يصنع معنا حسب عجائبه كما صنع مع جيش أشور أيام حزقيا الملك. ولكن الفارق فى توبة الشعب أيام حزقيا وفساده إرتداد هؤلاء. ولاحظ هنا طريقة نطق إسم ملك بابل نبوخذ راصر. فهناك نطق عبرانى ونطق بابلى، وفى هذا الإصحاح كان ملك بابل قد وصل لأسوار أورشليم غالباً.
وفى (4) هكذا قال الرب = ربما لو رد النبى من نفسه لإنخدع وطلب لهم السلام فأولاً هو لا يريد الشر لأورشليم وثانياً فهذه فرصة ليوقروه بزيادة. ولكن كلمة الرب لا يستطيع أن يغيرها. وكانت كلمة الرب بلا كلمة تعزية. بل أردُ أدوات الحرب التى بيدكم = أى ضدكم وسيخرب الغزاة بلدكم لأنه أصبح مركزاً للخطية. وسيموت الإنسان والحيوان بسبب المجاعة.
الأيات 8-14 :- و تقول لهذا الشعب هكذا قال الرب هانذا اجعل امامكم طريق الحياة و طريق الموت. الذي يقيم في هذه المدينة يموت بالسيف و الجوع و الوبا و الذي يخرج و يسقط الى الكلدانيين الذين يحاصرونكم يحيا و تصير نفسه له غنيمة. لاني قد جعلت وجهي على هذه المدينة للشر لا للخير يقول الرب ليد ملك بابل تدفع فيحرقها بالنار. و لبيت ملك يهوذا تقول اسمعوا كلمة الرب. يا بيت داود هكذا قال الرب اقضوا في الصباح عدلا و انقذوا المغصوب من يد الظالم لئلا يخرج كنار غضبي فيحرق و ليس من يطفئ من اجل شر اعمالكم. هانذا ضدك يا ساكنة العمق صخرة السهل يقول الرب الذين يقولون من ينزل علينا و من يدخل الى منازلنا. و لكنني اعاقبكم حسب ثمر اعمالكم يقول الرب و اشعل نارا في وعره فتاكل ما حواليها.
النبى هنا يطلب منهم أن يستسلموا لبابل وهذا ضد أمنياتهم التى طالما ضللهم بها الأنبياء الكذبة الذين طلبوا منه الصمود. ولكن يعرض عليهم من قبل الرب نصيحة يمكن تسميتها (أحْسَنْ الوِحِشْ) فسبيهم خير من حرقهم بالنار. وليس معنى هذه النصيحة أن النبى كان محباً لبابل، بل هو عَلِمَ أن بابل كانت أداة تأديب فى يد الرب. وفى (9) صار طريق الحياة هو الإستسلام، هذه تشبه "يخلص كما بنار" (1كو15:3)، هو طريق مر ولكن فى (10) الله يقول قد جعلت وجهى ضد هذه المدينة. فمن يبقى فى المدينة يكون طريقه هو طريق الموت ولكن قلوبهم تقَست ورفضوا الإستسلام. والأيات (11-14) إنتهز الرب هذه الفرصة ليحثهم على التوبة فهذا هو الحل الوحيد. والنصيحة هنا للملك ليكون قدوة لشعبه بل ويستخدم سلطانه فيرتدع الشرير وفى (12) (فى كل صباح = كان الملك يقوم بالقضاء صباحاً) يا بيت داود = ليذكرهم بما يجب أن يكونوا عليه وأن يشابهوا أبيهم داود الذى كان قلبه حسب قلب الله ولو كانوا مثله لنالوا بركات كثيرة. ولنلاحظ أن الظلم يضايق الله كثيراً فيخرج كنار غضبه. وفى (13) ساكنة العمق هى أورشليم المحصنة طبيعياً فهى على تل وسط جبال. ويحيط بها سهل = صخرة السهل فهى كصخرة وسط سهل ومحاطة بالجبال فيصعب الوصول إليها مما أعطاهم إحساساً زائفاً بالأمان فإن لم يكن الله هو حاميهم فلن يحرسهم أحد "إن لم يحرس الرب المدينة فباطلاً سهر الحراس".
الإصحاح الثانى والعشرون
الأيات 1-9 :- هكذا قال الرب انزل الى بيت ملك يهوذا و تكلم هناك بهذه الكلمة. و قل اسمع كلمة الرب يا ملك يهوذا الجالس على كرسي داود انت و عبيدك و شعبك الداخلين في هذه الابواب. هكذا قال الرب اجروا حقا و عدلا و انقذوا المغصوب من يد الظالم و الغريب و اليتيم و الارملة لا تضطهدوا و لا تظلموا و لا تسفكوا دما زكيا في هذا الموضع. لانكم ان فعلتم هذا الامر يدخل في ابواب هذا البيت ملوك جالسون لداود على كرسيه راكبين في مركبات و على خيل هو و عبيده و شعبه. و ان لم تسمعوا لهذه الكلمات فقد اقسمت بنفسي يقول الرب ان هذا البيت يكون خرابا. لانه هكذا قال الرب عن بيت ملك يهوذا جلعاد انت لي راس من لبنان اني اجعلك برية مدنا غير مسكونة. و اقدس عليك مهلكين كل واحد و الاته فيقطعون خيار ارزك و يلقونه في النار. و يعبر امم كثيرة في هذه المدينة و يقولون الواحد لصاحبه لماذا فعل الرب مثل هذا لهذه المدينة العظيمة. فيقولون من اجل انهم تركوا عهد الرب الههم و سجدوا لالهة اخرى و عبدوها.
رسالة للعائلة المالكة (إنزل إلى بيت ملك يهوذا = فهو بخطيته صار فى أسفل موضع) غالباً أيام يهوياقيم تشير ليهوأحاز الأسير فى مصر.
أية (2) أنت وعبيدك وشعبك = إذا فخطية الظلم والإغتصاب كانت عامة. ولو تاب الملك وحكم بالعدل لخاف الجميع وتابوا. وفى (4) العدل يعطى للمملكة إزدهاراً عكس (5) الخطية سبب الخراب. وفى (6) جلعاد أنت لى. رأس من لبنان = يشبه الملك بجلعاد أى الجبل العالى. ورأس من لبنان فجبال لبنان عالية. هكذا كرم الله ملوك إسرائيل شعبه. فهم ثابتين كالجبل رؤوسهم مرتفعة (داود وسليمان) ثم أنظر عمل الخطية. إنى أجعلك برية = أى خراباً وهذا الخراب سيتم عن طريق أدوات أعدها وأفرزها وأخصصها لذلك = أقدسها (7) فأنا الذين حددتهم لهذه الخدمة فيقطعون خيار أرزك = أليس الملك رأس من لبنان وجبال لبنان تتميز بشجر الأرز الذى هو بهاء لبنان. فهذا العدو سيقطع أرزك أى رؤسائك وملوكك الشامخين كالأرز الذى بعد أن يقطع سيلقى أيضاً فى النار. وسبب كل هذا خيانة العهد (9،8).
الأيات 10-19:- لا تبكوا ميتا و لا تندبوه ابكوا ابكوا من يمضي لانه لا يرجع بعد فيرى ارض ميلاده. لانه هكذا قال الرب عن شلوم بن يوشيا ملك يهوذا المالك عوضا عن يوشيا ابيه الذي خرج من هذا الموضع لا يرجع اليه بعد. بل في الموضع الذي سبوه اليه يموت و هذه الارض لا يراها بعد. ويل لمن يبني بيته بغير عدل و علاليه بغير حق الذي يستخدم صاحبه مجانا و لا يعطيه اجرته. القائل ابني لنفسي بيتا وسيعا و علالي فسيحة و يشق لنفسه كوى و يسقف بارز و يدهن بمغرة. هل تملك لانك انت تحاذي الارز اما اكل ابوك و شرب و اجرى حقا و عدلا حينئذ كان له خير. قضى قضاء الفقير و المسكين حينئذ كان خير اليس ذلك معرفتي يقول الرب. لان عينيك و قلبك ليست الا على خطفك و على الدم الزكي لتسفكه و على الاغتصاب و الظلم لتعملهما. لذلك هكذا قال الرب عن يهوياقيم بن يوشيا ملك يهوذا لا يندبونه قائلين اه يا اخي او اه يا اخت لا يندبونه قائلين اه يا سيد او اه يا جلاله. يدفن دفن حمار مسحوبا و مطروحا بعيدا عن ابواب اورشليم.
فى هذه الأيات قضاء بالموت على ملكين، والإثنين إخوة وكانوا أشراراً لكنهم أولاد ملك قديس وهو يوشيا. وشلوم (11) هو يهو أحاز وقد ملكه الناس بعد يوشيا (2مل30:23) وراجع (1أى15:3) تجد إسم شلوم من أبناء يوشيا. ولم يكن هو البكر، لكن ملَكه الشعب على أمل أنه الأقوى لكن خاب ظنهم وعزله نخو فرعون مصر أيضاً وأسره إلى مصر وفى (10) يطلب النبى من الشعب ان لا يبكوا ميتاً = أى لا يبكوا على يوشيا. وهذا بالرغم أن النبى نفسه بكى عليه وحرك الناس لتبكى عليه (2أى25:35). بل أن يبكوا على يهوأحاز لما سيحدث لهُ فهو لن يرجع من سبيه فى مصر. إذاً هو الجدير بالرثاء وليس يوشيا فيوشيا ذهب لقبره فى كرامة وسلام ولم يرى الشر الذى أتى على شعبه وأما يهوأحاز إبنه فهو حقاً الجدير بالرثاء فهو أسير بائس. فموت القديسين نحسدهم عليه ولكن حياة الأشرار تستحق الشفقة، ثم إبتداء من (13) يتحول الكلام إلى يهوياقيم الذى خلف يهوأحاز وهو أيضاً ليس البكر لكنه أكبر من يهوأحاز. وكان هذا أسوأ من سلفه وكانت خطاياه الكبرياء والخيلاء كأن كل واجب الملوك أن يظهروا عظماء. وليس الخطأ فى العظمة فى حد ذاتها بل فى مشاعر الكبرياء التى تفسِد الإنسان، أضف إلى ذلك طريقة الحصول عليها فيبدو أن يهوياقيم بنى لنفسه قصراً فخماً إستخدم فيه خشب الأرز كبيت الله وإستخدم عمالاً بالسخرة لم يدفع لهم شىء فهو الملك وظلمهم. ولا ندرى كيف حصل على الأموال هل بالسرقة او الظلم أو فرض ضرائب جديدة على الشعب. فهى مصيبة أن يشتهى الإنسان ويسير وراء شهوته بل تحركه شهوته فيظلم ليحققها وفى (13) ويل لهذا الملك الذى بنى قصره بالظلم. وفى (14) المغرة = هى نوع من الألوان المستخدمة للدهانات وفى (15) هل تملك لأنك تحاذى الأرز = أى هل تملك وتحس بالأمان لأنك أحطت نفسك بالأرز مثل بيت الله، أو هل تملك لأنك أرتفعت فى قلبك وتشامخت فشابهت الأرز الشجر العالى؟ هل كبريائك هى ضرورية حتى تملك؟ أما أكل أبوك وشرب = ما ضاعف من خطيته أنه إبن رجل قديس. والله يسألهُ أن يقارن نفسه به. ألم يكن لأبوك كل الخير وأكل وشرب فى فرح بالرغم من أنه لم يكن لهُ بيتاً فخماً مثل بيتك ولكن سر فرح أبوك تواضعه وقداسته وهو لم يظلم أحداً. فكان الله راضياً عليه. حينئذ كان لهُ خير. وفى (16) من يقضى قضاء الفقير والمسكين يكون فى هذا معرفة الرب فمن يعرف الرب يحكم بالحق والعدل. ثم لاحظ طريقة أرمياء وكلامه الصعب على يهوياقيم الملك ولكن كلام الله لا يستطيع أن يغير فيه حتى لو كان هذا سيعرضه لخطورة من هذا الملك الشرير. وهذا الملك لن يبكيه أحد فى موته ولن يرثيه أحد لظلمه ولوحشيته بل سيفرحون بموته عكس ما حدث مع أبيه الصالح يوشيا. بل يدفن دفن حمار وبلا مقبرة بل تجر جثته إلى أى جب ويطوحونها هناك. وهناك 3 نصوص مختلفة عن موت يهوياقيم أحدها هو هذا النص والنص الثانى :- (2مل6:24) ثم إضطجع يهوياقيم مع أبائه. والثالث:- (2أى6:36) قيده نبوخذ ناصر بسلاسل نحاس ليذهب بهِ إلى بابل. ويبدو للوهلة الأولى أن النصوص مختلفة لكن يوسيفوس المؤرخ اليهودى يذكر أن نبوخذ نصر قتله فى أورشليم ورمى جثته بعيداً عن أسوار أورشليم. وخلاصة القول أن نصوص الكتاب المقدس الثلاثة مع قول يوسيفوس يمكن ضمهم معاً لنأخذ صورة كاملة عن ما حدث. فنبوخذ نصر قيده بسلاسل وكان مزمعاً أن يقوده لبابل رمزاً لإنتصاره ولكن يبدو أنه مات فجأة أو هو قتلهُ ورمى جثته فى مهانة فأتى بعض من الشعب وأخذوا جثته ودفنوها سراً حتى لا يثيروا نبوخذ نصر، دون أن يندبه أحد كما قال إرمياء تماماً.
الأيات 20-30 :- اصعدي على لبنان و اصرخي و في باشان اطلقي صوتك و اصرخي من عباريم لانه قد سحق كل محبيك. تكلمت اليك في راحتك قلت لا اسمع هذا طريقك منذ صباك انك لا تسمعين لصوتي. كل رعاتك ترعاهم الريح و محبوك يذهبون الى السبي فحينئذ تخزين و تخجلين لاجل كل شرك. ايتها الساكنة في لبنان المعششة في الارز كم يشفق عليك عند اتيان المخاض عليك الوجع كوالدة. حي انا يقول الرب و لو كان كنياهو بن يهوياقيم ملك يهوذا خاتما على يدي اليمنى فاني من هناك انزعك. و اسلمك ليد طالبي نفسك و ليد الذين تخاف منهم و ليد نبوخذراصر ملك بابل و ليد الكلدانيين. و اطرحك و امك التي ولدتك الى ارض اخرى لم تولدا فيها و هناك تموتان. اما الارض التي يشتاقان الى الرجوع اليها فلا يرجعان اليها. هل هذا الرجل كنياهو وعاء خزف مهان مكسور او اناء ليست فيه مسرة لماذا طرح هو و نسله و القوا الى ارض لم يعرفوها. يا ارض يا ارض يا ارض اسمعي كلمة الرب. هكذا قال الرب اكتبوا هذا الرجل عقيما رجلا لا ينجح في ايامه لانه لا ينجح من نسله احد جالسا على كرسي داود و حاكما بعد في يهوذا.
هذه النبوة عن يهوياكين إبن يهوياقيم وهذا خلفه كملك لمدة ثلاثة شهور وفى (21) تكلمت إليكِ فى راحتك = فالله يحذر مبكراً، بينما الإنسان فى راحته، قبل أن تأتى المشاكل. ولكنهم كانوا من يومهم غلاظ الرقبة. لذلك سيأتى عليهم رعب يجعلهم يستغيثون من فوق اعلى الأماكن = إصعدى على الجبال وأصرخى (20) حتى يسمع أحد صوتهم ولبنان وباشان جبال عالية وجبال عباريم على حدود موأب. ولكن هذه الصرخات ستكون فى فراغ فكل رعاتك ذهبوا مع الريح (22) ترعاهم الريح فهم ذهبوا للسبى والرعاة هم الحكام " وإضرب الراعى تتبدد الرعية " = فحينئذ تخزين. ومحبوكِ يذهبون إلى السبى = كل من إعتمدت عليهم ووثقت فيهم وتركتينى فهم لن يستطيعوا حتى أن ينقذوا أنفسهم لذلك تخزين وفى (23) الساكنة لبنان = لبنان مشهور بجباله العالية وأرزه الشامخ وهذا يشير لكبريائهم وإطمئنانهم الزائف وثقتهم فى أنفسهم وثرواتهم وحكمتهم ولكن حين يتخلى الله عنهم سيتألمون كوجع الوالدة. مهما كان إرتفاع قلبهم حتى لو كانت معششة فى الأرز. وكنياهو (24) هو يكنيا ولكنها صيغة تصغير إشارة ونبوة لصغر مدة حكمه. فالرب لا يبارك الأشرار. عكس قول الكتاب عن زربابل "أخذك يا زربابل وأجعلك كخاتم" (حج23:2). وزربابل هو الذى قاد الشعب فى العودة من السبى والخاتم على يده اليمنى = هو الختم الذى يمهر به الملوك القدماء معاملاتهم الرسمية لتكتسب السلطة وتصبح صالحة للتنفيذ فهو يحمل إمضاء الملك الرسمى وكان يختم به على الشمع فهو أعز ما يمتلكه الملك أو هو رمز سلطته وقوته. ولكن يهوياكين كرئيس لشعب الرب ورمزاً لقوة الرب فى حكم شعبه أو وكيلاً للرب قد رُفِضَ لشره. وأتى الله بوكيل أخر هو زربابل. وهكذا فطاعة زربابل أعادت البركة التى فقدَتْ بسبب خطية يكنيا وغيره. وفى (25-27) وقوع يكنيا وأمه فى يد نبوخذ نصر(الخطية حولته من خاتم فى يد الله (24:22) إلى عبد فى السبى. وموتهم فى بابل وليس فى أرضهم أورشليم. وفى (28) صار يكنيا كإناء مكسور فمهما كانت قيمة هذا الإناء فهو حين يكسر يُرمى فلم يصبح لهُ قيمة. ولماذا طُرِحَ = (الأنبياء الكذبة قالوا أنه سيعود) بسبب خطيته وشهوته الأرضية لذلك فى (29) يا أرض يا أرض يا أرض = فهذا موجه لكل إنسان دنيوى أرضى متعلق بالأرضيات. فهذا عليه أن يسمع أن هذه الأرض زائلة ومكانهُ هو السماويات وأن تعلقه بالأرضيات يجعله يفقد السماويات. فيدفن فى أرض لم يعرفوها. من إرتبط بالأرضيات سيعيش ويموت فيها ويدفن فيها "ومات الغنى ودُفِنَ هذا نهايته ونهاية مسراته... ومات لعازر وحملته الملائكة" فلنترك الأرضيات فهى زائلة. وفى (30) لن يكون من نسلِهِ من يجلس على كرسى يهوذا = كرسى داود فالذى أتى بعده كان عمه صدقيا وبموت صدقيا هذا إنتهى كرسى داود الزمنى. وإنتظر العالم المسيح إبن داود الذى يجلس على عرش داود، على العرش الروحى، الذى يملك على قلوب المؤمنين بالحب وبصليبه. وقد حصل المسيح على عرشه هذا بطاعته التى هى مثال نموذجى سار عَليه زربابل من قبل فباركه الله. وخالف هذه الطاعة يكنيا فإنتهت مملكته. فيكنيا هو رمز آدم الذى خسر الجنة بسبب عدم الطاعة. وزربابل رمز للمسيح الذى حصل على لقب خاتم فى يد الله. والمسيح هو ذراع الله وقوته. ونقرأ فى (1أى17:3) أن يكنيا لهُ أولاد ويبدو أنهم ولدوا فى السبى ولكن لم يجلس منهم أحد على العرش " وإبناً يكنيا أسير أى المسبى " وقد يكون إبنا يكنيا بالبتنى فشألتئيل إبن منسوب لنا ثان بدل سليمان ولنيرى بدل يكنيا. وبذلك يستمر عقيماً روحياً وجسدياً حسب الأية.
الإصحاح الثالث والعشرون
فى الإصحاح السابق رأينا نبوات ضد يكنيا ويهوياقيم ويهوأحاز والأن جاء الدور على صدقيا، لكن النبى لا يشير صراحة إلى إسم صدقيا. ولكن يشير إليه وإلى نهاية حكمه بطريقة رمزية، ونلاحظ الآتى :- فمعنى إسم صدقيا = الرب بر. وهنا يتنبأ أرمياء بأن هناك ملك جديد يخرج كغصن من شجرة داود التى قطعت فى شخص صدقيا حين قتله نبوخذ نصر ويسمى المسيح هنا الرب برنا أية 6 وأن المسيح هو غصن البر الذى يأتى ليملك أية 5 والمعنى أن البر بالمفهوم اليهودى أى المظاهر سينتهى ليقيم الله بر حقيقى بالمسيح. والإصحاح يشير للفساد الذى وصلت لهُ البشرية عموماً تنجسوا جميعاً (11) بل أن الأيات 9-40 تشير لفساد عام. وهذه إلى حد بعيد تشبه ما قاله بولس الرسول "الجميع زاغوا وفسدوا" (رو3) وإحتاج الجميع للبر الذى بالمسيح (راجع رو3). ولكننا نرى فى الأيات 1-8 أن المسيح يبرر. وكون أن الأيات 1-8 تسبق الأيات 9-40 أو ان فكرة المسيح الذى يبرر تسبق أخبار فساد الشعب، فهذا يشير لأزلية فكرة الفداء. وهذا الإصحاح يجمع وظيفتى المسيح 1- ملك أية 5 2- راعى أية 4 ولاحظ أن المسيح هو المخلص الذى يرد لنا ميراثنا السماوى أية (6) فى أيامه يخلص يهوذا (الكنيسة) ويسكن إسرائيل امناً (فى ميراثه السماوى).
لكن الخلاص ليس للجميع، بل للبقية التى ستؤمن، فدائماً فى الضربات هناك بقية هى تخلص (نوح وعائلته فى الطوفان/ لوط وبنته...) وفى خراب أورشليم هناك بقية تخلص. وحين يأتى المسيح هناك بقية ستؤمن = أنا أجمع بقية غنمى (أية 3) ومن يؤمن تعود لهُ البركة. التى فقدها أدم = "اثمروا واكثروا" وهنا نسمع فتثمر وتكثر (أية 3). ولاحظ أن بالخطية صار كنياهو ومعه البشر فى حالة عقم، لكن بالمسيح تعود البركة، ولاحظ فبولس صار لهُ بلايين الأولاد (1كو15:4).
الأيات 1-8 :- ويل للرعاة الذين يهلكون و يبددون غنم رعيتي يقول الرب. لذلك هكذا قال الرب اله اسرائيل عن الرعاة الذين يرعون شعبي انتم بددتم غنمي و طردتموها و لم تتعهدوها هانذا اعاقبكم على شر اعمالكم يقول الرب. و انا اجمع بقية غنمي من جميع الاراضي التي طردتها اليها و اردها الى مرابضها فتثمر و تكثر. و اقيم عليها رعاة يرعونها فلا تخاف بعد و لا ترتعد و لا تفقد يقول الرب. ها ايام تاتي يقول الرب و اقيم لداود غصن بر فيملك ملك و ينجح و يجري حقا و عدلا في الارض. في ايامه يخلص يهوذا و يسكن اسرائيل امنا و هذا هو اسمه الذي يدعونه به الرب برنا. لذلك ها ايام تاتي يقول الرب و لا يقولون بعد حي هو الرب الذي اصعد بني اسرائيل من ارض مصر. بل حي هو الرب الذي اصعد و اتى بنسل بيت اسرائيل من ارض الشمال و من جميع الاراضي التي طردتهم اليها فيسكنون في ارضهم.
هنا كلمات مرعبة ويل للرعاة المهملين سواء ملوك أو كهنة الذين كان يجب أن يرعوا رعية الله (غنم رعيتى) ولكنهم بظلمهم بددوها. وهؤلاء الرعاة سيعاقبهم الله (2،1) وكلمة راعى أطلقت على كورش كملك حرر اليهود من السبى (أش28:44) وها هى تطلق هنا على الكهنة. ولكن الراعى الحقيقى كملك حررنا وككاهن قدم ذبيحة نفسه ليفتش على الخروف الضال هو السيد المسيح (يو11:10). لذلك فى (3) يتولى الله رعاية غنمه، أنا أجمع بقية غنمى. من جميع الأراضى فهو سيجمع الجميع يهوداً وأمم. فالله طرد الإنسان من الجنة بسبب الخطية وها هو بالفداء سوف يعيده للسماويات. وسيقيم الله على شعبه رعاة كوكلاء عنهُ. والمسيح كراعٍ صالح يقول " الذين أعطيتنى لم يهلك منهم أحد إلا إبن الهلاك ". وحدث هذا فى العودة من السبى الذى كان رمزاً لعمل المسيح، أن أقام الله رعاة أمناء، مثل زربابل ونحميا وعزرا. ثم ينتقل الكلام بوضوح أكثر عن المسيا المنتظر، المسيح الذى يبررنا ويحررنا ويرعانا ويملك علينا وسيأتى فى أواخر الأيام (أيام الدولة اليهودية) ليبارك كنيسته ويكون مجداً لشعبه (6،5) فبعد أن تنبأ النبى بأنه لن يجلس إبن ليكنيا على كرسى داود. ولكن الله سبق وَوَعد داود بأن له إبن يجلس على العرش إلى الأبد. وهكذا يتحقق الوعد فى المسيح وفى المسيح قام عرش داود أكثر لمعاناً. وهذه النبوة واضحة جداً عن المسيح. ويسمى هنا الغصن (زك8:3) وهذا يعنى أن بداية المسيحية كانت صغيرة وبعد ذلك نمت وإخضرت الشجرة وإمتلأت ثماراً فالمسيح هو أصل وذرية داود (رؤ16:22). وهو غصن بر وإسمه الرب برنا = وهنا تلاعب بالألفاظ فمعنى كلمة صدقيا (ياه = الرب – صدق) الذى معناه الرب برنا فبنهاية يكنيا إنتهى كرسى داود وأصبح عقيماً. وصدقيا هذا سيأتى بعد ذلك أخباره الرديئة فليس هو الإنسان البار المخلص الذى يجب أن ينتظره الشعب فهذا برزائف بل هناك فى المستقبل المسيح برنا وهو أتٍ. وسيقيمه الرب كغصن جديد (فرخ أو نبت) بعد أن ينتهى كرسى داود الزمنى. والمسيح هو القدوس البار وحده ويبرر من يؤمن به. وفى أيامه يخلَص بهوذا ويسكن إسرائيل أمناً = هى الكنيسة التى قال لها "سلامى أترك لكم" فالكنيسة هى إسرائيل الروحى. وهناك ملحوظة أن الهيكل بُنى فى السنة 480 للخروج من أرض مصر والتحرر من العبودية (1مل1:6). وبعد السبى البابلى ب 490 سنة بنى هيكل المسيح إذاً هنا مقارنة فى (8،7) بين خلاص الشعب فى المرتين. والمقارنة تعطى أهمية للخلاص من سبى بابل لأن هذا الخلاص أتى بعده وكان رمزاً واضحاً لخلاص المسيح. لذلك فمعنى هذه الأيات صراحة أنه حين نعرف خلاص المسيح وعمله فى تحريرنا من الخطية لن نعود نذكر خلاص اليهود من مصر ولا من بابل لأن كل هذه إنما كانت رموزاً فقط. وهناك ملحوظة أخرى أن وقت بناء الهيكل الأول كانت الأمة اليهودية فى أوج عظمتها أيام سليمان الملك والمسيحية بالمسيح الذى أسسها ككنيسة هى جسده بل هيكل جسده كانت ولا زالت فى أوج مجدها طالما مسميها فيها نورها ومجدها. فالمجد الروحى أبدى.
الأيات 9-32 :- 9- في الانبياء انسحق قلبي في وسطي ارتخت كل عظامي صرت كانسان سكران و مثل رجل غلبته الخمر من اجل الرب و من اجل كلام قدسه. 10- لان الارض امتلات من الفاسقين لانه من اجل اللعن ناحت الارض جفت مراعي البرية و صار سعيهم للشر و جبروتهم للباطل. 11- لان الانبياء و الكهنة تنجسوا جميعا بل في بيتي وجدت شرهم يقول الرب. 12- لذلك يكون طريقهم لهم كمزالق في ظلام دامس فيطردون و يسقطون فيها لاني اجلب عليهم شرا سنة عقابهم يقول الرب. 13- و قد رايت في انبياء السامرة حماقة تنباوا بالبعل و اضلوا شعبي اسرائيل. 14- و في انبياء اورشليم رايت ما يقشعر منه يفسقون و يسلكون بالكذب و يشددون ايادي فاعلي الشر حتى لا يرجعوا الواحد عن شره صاروا لي كلهم كسدوم و سكانها كعمورة. 15- لذلك هكذا قال رب الجنود عن الانبياء هانذا اطعمهم افسنتينا و اسقيهم ماء العلقم لانه من عند انبياء اورشليم خرج نفاق في كل الارض. 16- هكذا قال رب الجنود لا تسمعوا لكلام الانبياء الذين يتنباون لكم فانهم يجعلونكم باطلا يتكلمون برؤيا قلبهم لا عن فم الرب. 17- قائلين قولا لمحتقري قال الرب يكون لكم سلام و يقولون لكل من يسير في عناد قلبه لا ياتي عليكم شر. 18- لانه من وقف في مجلس الرب و راى و سمع كلمته من اصغى لكلمته و سمع. 19- ها زوبعة الرب غيظ يخرج و نوء هائج على رؤوس الاشرار يثور. 20- لا يرتد غضب الرب حتى يجري و يقيم مقاصد قلبه في اخر الايام تفهمون فهما. 21- لم ارسل الانبياء بل هم جروا لم اتكلم معهم بل هم تنباوا. 22- و لو وقفوا في مجلسي لاخبروا شعبي بكلامي و ردوهم عن طريقهم الرديء و عن شر اعمالهم. 23- العلي اله من قريب يقول الرب و لست الها من بعيد. 24- اذا اختبا انسان في اماكن مستترة افما اراه انا يقول الرب اما املا انا السماوات و الارض يقول الرب. 25- قد سمعت ما قالته الانبياء الذين تنباوا باسمي بالكذب قائلين حلمت حلمت. 26- حتى متى يوجد في قلب الانبياء المتنبئين بالكذب بل هم انبياء خداع قلبهم. 27- الذين يفكرون ان ينسوا شعبي اسمي باحلامهم التي يقصونها الرجل على صاحبه كما نسي اباؤهم اسمي لاجل البعل. 28- النبي الذي معه حلم فليقص حلما و الذي معه كلمتي فليتكلم بكلمتي بالحق ما للتبن مع الحنطة يقول الرب. 29- اليست هكذا كلمتي كنار يقول الرب و كمطرقة تحطم الصخر. 30- لذلك هانذا على الانبياء يقول الرب الذين يسرقون كلمتي بعضهم من بعض. 31- هانذا على الانبياء يقول الرب الذين ياخذون لسانهم و يقولون قال. 32- هانذا على الذين يتنباون باحلام كاذبة يقول الرب الذين يقصونها و يضلون شعبي باكاذيبهم و مفاخراتهم و انا لم ارسلهم و لا امرتهم فلم يفيدوا هذا الشعب فائدة يقول الرب.
هنا الكلام موَجه للأنبياء الكذبة وللشعب الذى إنخدع بأقوالهم. وفى (9) هذا النبى المحب كان قلبه ينسحق عند سماعه كلام الربَ ضد شعبه = من أجل كلام قدسه. وكان ينسحق بالأكثر من أجل الرب = الذى كان هؤلاء الكذبة يستخدمون إسمه باطلاً وبالكذب. وفى (10) الفاسقين = أى الزناة روحياً وجسدياً بلا خوف من الله. لأنه من أجل اللعن = نتيجة خطاياهم وإهاناتهم لله لعنهم الله فجفت أرضهم. لأنه لا توبة وهم لهم قوة جبارة لكن للأسف فهى مستخدمة للشر ولذلك فكل تعبهم باطل لأنه بدون بركة الله. وفى (11) فالأنبياء والكهنة يتظاهرون بخدمة الرب حتى فى بيته ولكن هم لهم أغراضهم الأخرى وهم تنجسوا جميعاً*(* النجاسة إشارة للزنا الجسدى والزنا الروحى).
بل فى بيتى. ويشرح حزقيال هذا فى (حز 8) كيف أدخل هؤلاء العبادة الوثنية داخل الهيكل وفى (12) لأنهم ضللوا الشعب فهم سيكونون فى ظلام. وبينما هم يحاولون أن يقودوا آخرين لن يجدوا هم أمان أو سلام فى طريقهم. هم يخدعون الناس ليجدوا راحة مزيفة بينما هم ليس لديهم راحة. بل ستأتى سنة عقابهم = أى الوقت الذى حدده الله ليعاقبهم. وفى (13) يقارن بينهم وبين أنبياء السامرة الذين كانوا يتنبأون بإسم "بعل" الههم فجعلوا الناس يتركون عبادة الله ويعبدون البعل. ولكن الحال فى أورشليم أسوأ فهم يستخدمون إسم الله مما يخدع الناس بالأكثر. فشعب الله إذا سمع من يتكلم بإسم البعل سيرفضون السماع ولكن إذا وجدوا من يتكلم بإسم الله قد ينخدعوا ويسمعوا فيسقطوا.
وفى (15) إفسنتينا = مر وسام هكذا ماء العلقم. وفى (16) لا تسمعوا لهم فيجعلونكم باطلاً = من يتبع الباطل يصير باطلاً مثله. وهم باطل فهم لا يسمعون من الرب بل برؤيا قلبهم. وفى (17) لمحتقرىَ = أى من يحتقر الرب عوضاً عن أن يوبخوه يقولون لهُ سلام. وفى (18) يتهمهم الله أنهم لم يتشاوروا معهُ ولم يسألوه ماذا يقولون ولا حتى قرأوا كتابه المقدس فيعرفون إرادته. وفى (19) غضب الرب كعاصفة لا شىء يقف أمامها وفى (20) الله لن يغير مقاصده حتى ينفذ ما يريد. والشعب لن يفهموا الأن بل حين يأتى الخراب فى نهاية الأيام سيرون بعيونهم ويفهمون وهم لن يفهموا الأن ليس لأن كلام الله فيه غموض فها هو أرمياء يصيح فى كل مكان بوضوح تام ولكن هم لا يريدون أن يفهموا وفى (21) لم يرسل الله هؤلاء بل هم جروا = بكل جرأة لا شىء يعوقهم. فالمعوقات تقف فى سبيل الأنبياء الحقيقيين مثل أرمياء. ولكن لماذا سمح الله بهم؟ لماذا لم يمنعهم؟. لأن الشعب لم يكن يستحق هذا. وهم لم يطلبوا الله ليعرفوا الحق من الباطل. بل هو سألوا شهوات قلوبهم. وفى (23) العلى إله من قريب و لست من بعيد = الله يعرف كل شىء فمن يتصوَر أنه بعيداً فى السماء على عرشه فهو لا يعرف ما يحدث هنا على الأرض يخطىء. والمعنى الله يعرف كل شىء ولا داعى أن يكون قريب ليرى كل شىء ونخشاه فهو وهو من بعيد يعرف ويرى كل شىء. "كيف أصنع هذا الشر أمام الرب" هذا بعين الإيمان الذى يرى الله دائماً قريب. وهو يعرف الأحلام*(لعل الأحلام تشير لأوهامهم)
(25) والتى يدعون كاذبين أنهم يرونها. ملحوظة:- هذه هى لعبة الشيطان الدائمة أن يعطينا شعور أن الله بعيد ولن يرانا. أو يعطى وهم خاطىء بأن الله يمكن أن يرى.... نعم ولكن لن يعاقب على هذه فهو يعرف ظروفك الخاصة. وفى (26) إلى متى يظل هذا فى قلوب الأنبياء الكذبة الذين هم أنبياء خداع قلبهم. ونفس هذا السؤال موجه لكل من إنخدع بخطاياه وفى (28) هنا الله يضع الإنسان أمام حقيقة هامة. فليستعمل الأنبياء الكذبة أحلامهم ليخدموا شعبى أما رجالى وأنبيائى الحقيقيين يستعملون كلمتى. ولكن فالأولى كالتبن وكلمتى كالحنطة. الأولى تحرقها النار والثانية تشبع وتغذى وتنمى. الأولى بلا قيمة تطير فى الهواء والثانية هى التى لها قيمة. وليسأل أحد المخدوعين وكيف لى أن أعرف فأنا برىء مخدوع والرد فى (29) لا بل كل كلمة من فم الله كنار تُصَلبْ الصلصال أى تقوى وتشدد الركب المرتخية وتذيب الشمع. القلوب المتحجرة كالشمع تذيبها وإذا لم تذوب بالنار تكون كلمة الله كمطرقة تحطم الصخر. إذا لم يذوب بنار الحب فيطبع الله فيه صورته، فكلمته تحطم القلب المتحجر لأنها تخيف الخاطىء. فنفس الكلمة التى تعزى وتفرح، تخيف وترعب على حسب حالة القلب. وهناك قلب شمعى كلمة الله تذيبه بالمحبة وهناك قلب صخرى يحطمه الله بالخوف. وإذا كان هناك خبث فكلمة الله تحرقه وتنقى الذهب منه والله يضع السامعين أمام سؤال هام. ما تأثير كلمة أى إنسان عليكم؟ اسألوا قلوبكم. ماذا فى داخلها توبة، عزاء، فرح، حب، عطف وشفقة إذاً هى كلمة الله. أو شهوة وغم وقلق وإضطراب إذاً هى خداعات الأنبياء الكذبة أو شهواتكم وفى (30) يسرقون كلمتى = هم يسرقون كلمة الله الحقيقية من قلوب سامعيها (مت 19:13) أو بخداعاتهم يفقدوا كلمة الله تأثيرها فى القلوب. وهم يسرقون كلمات أنبيائى وتعبيراتهم ويخلطونها بما عندهم وفى (31) يأخذون لسانهم ويقولون قال = أى يتكلمون بما يريدون وينسبونه لى.
الأيات 33-40 :- 33- و اذا سالك هذا الشعب او نبي او كاهن قائلا ما وحي الرب فقل لهم اي وحي اني ارفضكم هو قول الرب. 34- فالنبي او الكاهن او الشعب الذي يقول وحي الرب اعاقب ذلك الرجل و بيته. 35- هكذا تقولون الرجل لصاحبه و الرجل لاخيه بماذا اجاب الرب و ماذا تكلم به الرب. 36- اما وحي الرب فلا تذكروه بعد لان كلمة كل انسان تكون وحيه اذ قد حرفتم كلام الاله الحي رب الجنود الهنا. 37- هكذا تقول للنبي بماذا اجابك الرب و ماذا تكلم به الرب. 38- و اذا كنتم تقولون وحي الرب فلذلك هكذا قال الرب من اجل قولكم هذه الكلمة وحي الرب و قد ارسلت اليكم قائلا لا تقولوا وحي الرب. 39- لذلك هانذا انساكم نسيانا و ارفضكم من امام وجهي انتم و المدينة التي اعطيتكم و اباءكم اياها. 40- و اجعل عليكم عارا ابديا و خزيا ابديا لا ينسى.
التهمة الموجهة لهم هنا هى الإستهزاء بأنبياء الرب وكلمته. وجعلهما مادة للسخرية (34،33). فهم يسخرون قائلين ما هو وحى الرب. وكلمة وحى هى فى الأصل تستخدم بمعنى وحى أو حمل. والأنبياء إستخدموها بمعنى حمل ليعبروا عن أن كلمة الله داخلهم كحمل وهى تضغط عليهم حتى لا يكفوا عن ترديدها. وعمل الشيطان دائماً أن يعلَم الخطاة أن يسخروا من كلمة الله. (وحتى اليوم فالهازئين يهزأون من خدام الله الذين يحذرون من أن جهنم مصير الأشرار. بل هناك من يهزأ بالكتاب المقدس نفسه) وغالباً فإن هذا بدأ من الكهنة والأنبياء الكذبة وعلموه للشعب. اما نحن فعلينا أن نطلب بوقار أن نعرف مشيئة الله وفكره. أما كلمة الله لهم ووحيه فهى إنى أرفضكم (33) وفى (34) الله سيعاقبهم بسبب سخريتهم بكلمة الوحى. وفى (36) كلمة كل إنسان تكون وحيه = لها معنيان فكل إنسان سيضلله عقله والله لن يرشده للحق. ولكن إذا فهمنا كلمة وحى بحسب أصلها أن معناها حمل burden فإن هذا الإنسان الشرير سيكون ذنب خطيته ثقيلاً عليه حتى يغرقه فى هوة الخراب. وقد تكون سخريتهم معناها "ما هو الثقل الجديد علينا".
مقدمة للإصحاحين 25،24
لقد فسد حال الشعب، والله الأب المحب لابد أن يتدخل ليصلح هذا الفساد وكان فساد شعب إسرائيل هو نموذج لما حدث للجنس البشرى كله (رو9:3-12) والله خلق الإنسان فى كرامة ومجد، بل على صورته ولكن أنظر نتائج الخطية :-
وهذا يشار إليه ضمناً هنا كنتائج لخطية إسرائيل، فماذا سيلحق إسرائيل كنتائج لخطيتها؟ تصير دهشاً = فكيف تنحط خليقة الله هكذا؟! وصفيراً = أى سيلحقها إهانات وسخرية وخراباً أبدياً. وبلا فرح = أبيد منهم صوت الطرب وصوت الفرح. وبلا شبع = بلا صوت الأرحية، ويصير الإنسان فى عمى روحى، يتخبط ولا يعرف طريقه = بلا نور سراج. هذا ما حدث لكل الجنس البشرى، وكإشارة لذلك يُذكر هنا كل شعوب المنطقة التى خضعت لبابل أيات 15:25-24. فذكر كل هذه الأمم يشير أن الكلام موجه لكل العالم وسقوط هذه الأمم تحت نير ملك بابل بسبب خطيتها، هو رمز لسقوط البشر تحت عبودية إبليس، وهذا يساوى قول الرسول "أسلمت الخليقة للباطل" (رو20:8) ولماذا يسمح الله بذلك؟ هذا للتأديب فكل من يحبه الرب يؤدبه (عب6:12). وهذا معنى مثل التين الجيد والتين الردىء. فبعد السبى الأول لأورشليم على يد ملك بابل، ظن من بقى فى أورشليم أنهم الأحسن وأن الأسوأ هم من ذهبوا إلى السبى، والله يقول لا، فإن من أرسلته للسبى وأسلمته ليد ملك بابل هم الأحسن، إنما أرسلتهم للتأديب (وحتى الأن يظن من هم بلا تجارب أليمة أنهم الأحسن والعكس صحيح). ونلاحظ فى 8:25 أن الله يسمى نفسه رب الجنود فالكل خاضع لهُ، والله يستخدم الكل، فهو إستخدم ملك بابل ليؤدب أورشليم وإستخدم إبليس ليؤدب البشر، ومن يتأدب يصير تيناً جيداً ويخلص، ومن يظل فى حالة تمرد على الله يصير تيناً رديئاً ويهلك كما هلك الأشرار بيد ملك بابل أيضاً. لذلك نسمع أرمياء يخبرنا بهلاك ملك شيشك أخيراً وهو إسم رمزى لبابل يعنى يغطس، فهذه نهاية إبليس ومن يتبعه البحيرة المتقدة بالنار (رؤ15،10:20).
الإصحاح الرابع والعشرون
الايات 1-10:- 1- اراني الرب و اذا سلتا تين موضوعتان امام هيكل الرب بعدما سبى نبوخذراصر ملك بابل يكنيا بن يهوياقيم ملك يهوذا و رؤساء يهوذا و النجارين و الحدادين من اورشليم و اتى بهم الى بابل. 2- في السلة الواحدة تين جيد جدا مثل التين الباكوري و في السلة الاخرى تين رديء جدا لا يؤكل من رداءته. 3- فقال لي الرب ماذا انت راء يا ارميا فقلت تينا التين الجيد جيد جدا و التين الرديء رديء جدا لا يؤكل من رداءته. 4- ثم صار كلام الرب الي قائلا. 5- هكذا قال الرب اله اسرائيل كهذا التين الجيد هكذا انظر الى سبي يهوذا الذي ارسلته من هذا الموضع الى ارض الكلدانيين للخير. 6- و اجعل عيني عليهم للخير و ارجعهم الى هذه الارض و ابنيهم و لا اهدمهم و اغرسهم و لا اقلعهم. 7- و اعطيهم قلبا ليعرفوني اني انا الرب فيكونوا لي شعبا و انا اكون لهم الها لانهم يرجعون الي بكل قلبهم. 8- و كالتين الرديء الذي لا يؤكل من رداءته هكذا قال الرب هكذا اجعل صدقيا ملك يهوذا و رؤساءه و بقية اورشليم الباقية في هذه الارض و الساكنة في ارض مصر. 9- و اسلمهم للقلق و الشر في جميع ممالك الارض عارا و مثلا و هزاة و لعنة في جميع المواضع التي اطردهم اليها. 10- و ارسل عليهم السيف و الجوع و الوبا حتى يفنوا عن وجه الارض التي اعطيتهم و اباءهم اياها.
النبوات السابقة بخراب أورشليم جعلت النبى فى حزن 0وفى هذة الرؤيا يُظهر الله انه يميز بين الجيد والردىء0 فهناك معيار دقيق يقيس به الله ويعاقب. وكان النبى يرثى من ذهب للسبى مع يكنيا 0ولكن نجد هنا ان الله يقول بل هذا لصالحهم فأحكام الله التى هى للبعض رائحة موت لموت هى للاخرين رائحة حياة لحياة. فالجميع يشترك فى نفس المأساة 0ولكن الحال ليس واحداً للجميع فمنهم من يراها تأديب لهُ وهى للأخرين سيف نقمة. وهذه النبوة جاءت بعد سبى يكنيا وهو نفسه قيل عنه أنه إناء مكسور. لكن كان من ضمن المسبيين معهُ النبى حزقيال وفى أية (1) ملك بابل أخذ معهُ كل من له قيمة ويجيد حرفة فيضعِفْ يهوذا وينعش مملكته. ولاحظ أن سلتا التين موضوعتان أمام الهيكل فكأن الشعب معروض أمام الله أو واقف أمامه للقضاء فكان منهُ من هو جيد ومنهُ من هو ردىء. وعموماً فشجرة التين تشير لإسرائيل. وفى (2) لا يؤكل = هذا يشير لإنسان خاطىء لا يعرف لماذا خُلِق وما هو دوره ومظهره ردىء ولا فائدة منهُ مثل الملح الردىء الفاسد والتين الجيد فهم الأولاد المحبوبون لله وهؤلاء يؤدبهم بأن يرسِلهم للسبى " من يحبه الرب يؤدَبه " عب 6:12 لذلك أرسلهم للسبى (5) ولكن لأنهم أبنائى فأجعل عينى عليهم = كان المتصور أن من يذهب للسبى سيقتدى بالوثنيين وينتهى أمرهم تماماً لكن يد الله حفظتهم وحمتهم بل نقتهم من وثنيتهم وعاداتهم الشريرة وتواضعوا وتابوا. فالتأديب حقَق المطلوب هذه هى حماية الرب لمن يقتنيهم حتى فى وادى ظل الموت. والله الذى يعرف فعالية طرقه يعرف ذلك فقال وأرجعهم إلى هذه الأرض فيثمرون. بهذا أخرجهم من فرن التنقية. وبعد ذلك يعدهم للمراحم والعطايا الروحية = وأعطيهم قلباً. ولنلاحظ عجباً أن عناية الله جعلتهم يعرفون عن الله فى بابل أكثر من الذى عرفوه فى أورشليم. والله يعطيهم قلباً أى حب ومشاعر وبهذا يكون الله لهم إلهاً ويكونون لهُ شعباً. ولننظر فعالية التوبة فهى تعيد الإنسان لمرتبته الأولى. أما التين الردىء فهو صدقيا ورجالهُ (8-10) الذين يشعرون بالإطمئنان الكاذب وتمادوا فى خطيتهم. فهؤلاء سيتشتتون فى الأرض ولن يشعروا بفرح وسيحملون للسبى ليس للتنقية بل للسخرية منهم ولضررهم ويسخر منهم ساكنو الأرض لمصائبهم ولن يروا أرضهم ثانية
الإصحاح الخامس والعشرون
ملخص لخدمة أرمياء فى كل الفترة السابقة.
الأيات 1-7 :- 1- الكلام الذي صار الى ارميا عن كل شعب يهوذا في السنة الرابعة ليهوياقيم بن يوشيا ملك يهوذا هي السنة الاولى لنبوخذراصر ملك بابل. 2- الذي تكلم به ارميا النبي على كل شعب يهوذا و على كل سكان اورشليم قائلا. 3- من السنة الثالثة عشرة ليوشيا بن امون ملك يهوذا الى هذا اليوم هذه الثلاث و العشرين سنة صارت كلمة الرب الي فكلمتكم مبكرا و مكلما فلم تسمعوا. 4- و قد ارسل الرب اليكم كل عبيده الانبياء مبكرا و مرسلا فلم تسمعوا و لم تميلوا اذنكم للسمع. 5- قائلين ارجعوا كل واحد عن طريقه الرديء و عن شر اعمالكم و اسكنوا في الارض التي اعطاكم الرب اياها و اباءكم من الازل و الى الابد. 6- و لا تسلكوا وراء الهة اخرى لتعبدوها و تسجدوا لها و لا تغيظوني بعمل ايديكم فلا اسيء اليكم. 7- فلم تسمعوا لي يقول الرب لتغيظوني بعمل ايديكم شرا لكم.
هذه النبوة مؤرخة بالسنة الأولى لنبوخذ نصر حين بدأ سيف الرب يعمل. وفى هذه الأيات مراجعة للنبوات التى قيلت عن يهوذا وأورشليم لسنوات ماضية والإشارة لأن الشعب لم يهتم بها ولم تنجح خدمة النبى مع هذا الشعب غليظ الرقبة. فى (2) كلمة الرب على كل شعب يهوذا = إهتمام الله بكل واحد. وهكذا خدام الله يجب أن يهتموا بكل واحد ويعملوا على توصيل كلمة الله لكل واحد وذكر إسم نبوخذ نصر فى (1) ثم خطايا الشعب بعد ذلك يعنى أن الله يريد أن يُظهر أنه لعدم توبة الشعب ولخطاياهم الكثيرة بدأ الرب يُعَد أداة التأديب فى نفس الوقت. لذلك سماه الله فى (9) عبدى. وفى (3) أرمياء يعظهم ويعلمهم 23 سنة إذاً فالله يحصى لنا كم تمتعنا بوسائل النعمة التى يعطيها لنا. وبقدر ما تطول بقدر ما يكون حسابنا عسيراً. فكلمتكم مبكراً = أى أنذرتكم مبكراً قبل وقوع الضربات فلم تسمعوا وفى (4) كل عبيده = فالله لإهتمامه بشعبه أرسل لهم أنبياء كثيرين مثل ميخا وناحوم وحبقوق قبل أرمياء بقليل وصفنيا عاصر أرمياء وهؤلاء كلهم سجل الكتاب المقدس نبواتهم ولكن هناك كثيرين لم يُسَجل الكتاب نبواتهم. عموماً الله لا يبقى نفسه بلا شاهد وفى (5)، (6) الكل كانت لهم كلمة واحدة إرجعوا كل واحد = أى توبوا ولكنهم لم يسمعوا (7).
الأيات 8-14:- 8- لذلك هكذا قال رب الجنود من اجل انكم لم تسمعوا لكلامي. 9- هانذا ارسل فاخذ كل عشائر الشمال يقول الرب و الى نبوخذراصر عبدي ملك بابل و اتي بهم على هذه الارض و على كل سكانها و على كل هذه الشعوب حواليها فاحرمهم و اجعلهم دهشا و صفيرا و خربا ابدية. 10- و ابيد منهم صوت الطرب و صوت الفرح صوت العريس و صوت العروس صوت الارحية و نور السراج. 11- و تصير كل هذه الارض خرابا و دهشا و تخدم هذه الشعوب ملك بابل سبعين سنة. 12- و يكون عند تمام السبعين سنة اني اعاقب ملك بابل و تلك الامة يقول الرب على اثمهم و ارض الكلدانيين و اجعلها خربا ابدية. 13- و اجلب على تلك الارض كل كلامي الذي تكلمت به عليها كل ما كتب في هذا السفر الذي تنبا به ارميا على كل الشعوب. 14- لانه قد استعبدهم ايضا امم كثيرة و ملوك عظام فاجازيهم حسب اعمالهم و حسب عمل اياديهم.
هم لم يسمعوا الصوت الأنبياء ويتوبوا. لذلك فالله لهُ طرق متعددة لذلك فلأنهم أهانوا أرمياء وسخروا منهُ لذلك سيُرسل الله عليهم ملك بابل الجبار الذى لن يقدروا أن يهزأوا بهِ ويهينوه كما فعلوا بأرمياء. فالله لهُ ألات رحمة مثل أرمياء وباقى الأنبياء ولهُ ألات غضب مثل نبوخذ نصر. ولأن الله يؤدب فقط ولا يفنى فبعد ما إستخدم ألات غضبه وأدبهم عاد وإستخدم ألات رحمة لإنقاذهم مثل كورش (فالله هو رب الجنود، الكل جنود تحت أمره لينفذوا مشيئته). وفى (9) عشائر الشمال = هم الشعوب الشمالية المتحدة تحت قيادة نبوخذ نصر وهى الشعوب الخاضعة لهُ التى كون منهم جيشه. وعلى كل هذه الشعوب حواليها = فالله هو إله يهوذا وكل الشعوب، وهو يؤدب الجميع ولكن هو يذكر يهوذا أولاً، فمن يعرف أكثر يعاقب أكثر. وفى (10) الله يبيد صوت الفرح = لأن أفراحهم لم تكن مقدسة بل كلها خطية ووثنية. لذلك فالخراب عام لأن الخطية عمت الجميع. صوت الأرحية = جمع رحى فالأرض أُفْرِغَتْ من ساكنيها.
أية (11) نتيجة الخطية سيخسرون حريتهم ويخدمون ملك بابل 70 سنة
1. تحديد السبعين سنة فيه إثبات لصدق نبوة إرمياء وفيه راحة وعزاء للشعب المسبى فسيعرفون أن هناك نهاية لألامهم هى نبوة تعطيهم أمل ورجاء فى الخلاص.
2. عين دانيال كانت على هذه النبوة التى حسب منها زمن الرجوع (دا2:9) إذاً فنبوة هذا الكتاب كلها كانت مع المسبيين. وأيضاً عين عزرا كانت على هذه النبوة (عز1:1).
3. أما كاتب سفر أخبار الأيام فقد فهم حكمتها. لماذا هى 70 سنة بالذات (2أى21:36) فقد قال "لإكمال كلام الرب بفم أرمياء وحتى إستوفت الأرض سبوتها لأنها سبتت فى كل أيام خرابها لإكمال سبعين سنة" والمعنى :- حين دخل الشعب أرض الميعاد كان لهُم وصية الله، أن يزرعوا الأرض ست سنوات ويتركوها فى السنة السابعة للراحة لكن العقلية المادية رفضت هذا المنطق. وبينما وعدهم الله أنه فى السنة السادسة ستعطيهم الأرض ضعفين إلا أنهم لم يقتنعوا بهذا المنطق الإيمانى ولم ينفذوا هذه الوصية إلا لفترات قصيرة ثم إمتنعوا عن تنفيذها. وغالباً كانت المدة التى إنقطعوا فيها عن تنفيذ هذه الوصية = 490 سنة. فتكون السنين التى فلحوا الأرض وزرعوها فيها ضد الوصية = 490 على 7 = 70 سنة. ولكن الله أراح الأرض هذه السبعين سنة بطردهم منها. وتكون كلمة سبتت تعنى أن الأرض أخذت راحتها التى كان مفروضا أن تأخذها فى كل سنة سابعة فيوم السبت هو اليوم السابع فى الأسبوع وهو يوم راحة.
4. ذهابهم للسبى كان عقوبة لخطيتهم. ولكنه كان لفترة محدودة بعدها جاء كورش رمز المسيح وأطلقهم أحراراً هكذا نحن بخطيتنا سقطنا فى عبودية إبليس إلى أن جاء المسيح وخلصنا.
5. 70 = 7×10 ورقم 10 يشير للوصايا العشر ورقم 7 يشير للكمال ولأيام هذا العالم إذاً رقم 70 هى المدة التى فيها إستعبد شعب الله وتشير للإستعباد نتيجة كسر الوصايا فى هذا العالم.
6. وفى نهاية السبعين سنة ستخرب بابل (12) وهذا ما حدث بعد الصليب فقد قُيد الشيطان الذى رمزه بابل (رؤ2،1:20) وتكون ال 70 سنة رمز للمدة من سقوط أدم حتى الصليب حين حررنا المسيح.
7. كيف تحسب السبعين سنة :- بدأ تسلط بابل على يهوذا سنة 606 ق.م بعد معركة كركميش (صفحة 1) ونداء الملك كورش الفارسى برجوع أهل السبى إلى أوطانهم كان سنة 536 وفى سنة 606 جاء نبوخذ نصر إلى يهوذا وأخضع يهوياقيم وقام بسبى كثيرين من يهوذا (السبى الأول) الذين كان منهم دانيال والثلاث فتية. وبحساب هذه المدة بين السبى الأول ونداء كورش نجدها 70سنة 0وهناك طريقة أخرى للحساب فقد تم تخريب الهيكل سنة 586 ق0م وتم تجديده سنة 515 ق0م فيكون الزمن أيضا سبعين سنة 0.
8. تصير هذة الارض خراباً ودهشاً = فمن يتملك عليه الشيطان يصير خراباً ودهشاً لأنة بعد ان كان الإنسان على صورة الله ومثاله فسدت طبيعته ولكن شكراً لله الذى اعطانا إمكانية استعادة صورته. ثم فى (12) تصير هذة الامة بابل التى ترمز للشياطين خراباً ابدياً 0 اذاً الإنسان كان إستعباده للشيطان مؤقتاً منذ سقوط ادم حتى مجىء المسيح وهوما رمزله بفترة السبعين سنة اماالشيطان فخرابه أبدى.
9. فى اية (14):استعبدهم أمم كثيرة وملوك عظام = فقد سقطت بابل تحت حكم كورش الفارسى فإستعبدها واولاد الله "الملوك والكهنة"اعطاهم الله ان يدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو اى الشياطين.
الايات 15-29:- 15- لانه هكذا قال لي الرب اله اسرائيل خذ كاس خمر هذا السخط من يدي و اسق جميع الشعوب الذين ارسلك انا اليهم اياها. 16- فيشربوا و يترنحوا و يتجننوا من اجل السيف الذي ارسله انا بينهم. 17- فاخذت الكاس من يد الرب و سقيت كل الشعوب الذين ارسلني الرب اليهم. 18- اورشليم و مدن يهوذا و ملوكها و رؤساءها لجعلها خرابا و دهشا و صفيرا و لعنة كهذا اليوم. 19- و فرعون ملك مصر و عبيده و رؤساءه و كل شعبه. 20- و كل اللفيف و كل ملوك ارض عوص و كل ملوك ارض فلسطين و اشقلون و غزة و عقرون و بقية اشدود. 21- و ادوم و مواب و بني عمون. 22- و كل ملوك صور و كل ملوك صيدون و ملوك الجزائر التي في عبر البحر. 23- و ددان و تيماء و بوز و كل مقصوصي الشعر مستديرا. 24- و كل ملوك العرب و كل ملوك اللفيف الساكنين في البرية. 25- و كل ملوك زمري و كل ملوك عيلام و كل ملوك مادي. 26- و كل ملوك الشمال القريبين و البعيدين كل واحد مع اخيه و كل ممالك الارض التي على وجه الارض و ملك شيشك يشرب بعدهم. 27- و تقول لهم هكذا قال رب الجنود اله اسرائيل اشربوا و اسكروا و تقياوا و اسقطوا و لا تقوموا من اجل السيف الذي ارسله انا بينكم. 28- و يكون اذا ابوا ان ياخذوا الكاس من يدك ليشربوا انك تقول لهم هكذا قال رب الجنود تشربون شربا. 29- لاني هانذا ابتدئ اسيء الى المدينة التي دعي اسمي عليها فهل تتبراون انتم لا تتبراون لاني انا ادعو السيف على كل سكان الارض يقول رب الجنود.
يشبه هنا الغضب القادم بكاْس يدور على الجميع. هو كأس غضب الله وأداته هو نبوخذ نصر. هو كأس مملوء شراباً ساماً وسيرغمون على شربه (28) ولاحظ أن غضب الله هنا مهما كان شديداً فهو مثل كأس فى مقابل غضبه فى الأبدية. وهذا الكاْس مُرسَل بيد ارمياء فالله امامه كقاضى للأمم (10:1) ليحكم عليهم 0 والأمم هى الأمم المجاورة ليهوذا0 ومعنى ان ارمياء يعطيهم ليشربوا هو أنه سيتنبأ عليهم ويهوذا وضعت اولاً (18) لأن القضاء يبدأ ببيت الله (ابط 17:4)+(حز6:9) وغالباً فقد كانت عين نبو خذ نصر على اْورشليم المحصنه الغنية وسط كل هؤلاء اولاً. وذلك لأن عين الله كانت ضدهم فمن يعرف أكثر يدان أكثر0 وقولهُ مثل هذا اليوم ان هذا الخراب كان قد بدأ يحدث 0 ثم يأتى الدورعلى فرعون ‘الذى كان اليهود يحبون أن يعتمدوا عليه (19) ولكنه فى نظر الله كان كقصبة مكسورة ولأن كثيرين منهم هرب لمصر فالنبوة كانت موجهة لهم بأن هذا البلد الذى لْجأوا إليه وأحسوا فيه بالإطمئنان وإستمروا فى خطاياهم بلا توبة سوف يخرب أيضاً وفى(20) اللفيف= هم الشعوب المختلطة بهم اوالأقليات التى تعيش وسطهم ومن (19-26) يعدَد كل الأمم المحيطة التى سيسودها ملك بابل 0والسبب انَ كل هذه الشعوب قد أخطأت لله 0 "فالجميع زاغوا وفسدوا معاً، ليس من يعمل صلاحاً ليس ولا واحد" (رو12:3) الكل فسد يهوداً وأمم، الكل إستجاب لاغراءات إبليس فسقط فى عبوديته 0وهذا معنى ان بابل ستسود على الكل يهوداً وأمم بل كل ممالك الأرض التى وجه الأرض 0 فالكل أبناء آدم 0 والكل ورث خطيه أدم 0 فالكل إستُعبِِدَ لإبليس وكما رأينا سابقاً فلن ينجو إبليس من نتائج عمَلهُ فيسقط هو ايضاً وملك شيشك يشرب بعدهم، ربما يذكر النبى إسم بابل بطريقة رمزية حتى لا يثير ملك بابل ضده ولأن شيشك تعنى يغطس إشارة لإلقاء إبليس فى البحيرة المتقدة بالنار (رؤ10:20). (26) وملك شيشك هو ملك بابل (راجع أر41:51) وقد تكون شيشك إسم مدنية كبيرة فى بابل والدمار الذى سيأتى على كل هؤلاء مشبه بالترنح والجنون من شدة الضربة وخطيئة السُكْرْ تفقد الإنسان صحته وكرامته وعقله وقراره الصحيح. أليس هذا ما يصنعه إبليس مع كل من يتملكه حين يقبل غوايته. يفقده كل شىء. حقاً " إن الخطية قتلت كثيرين وكل قتلاها أقوياء " وتشبيه الحرب بالسكر معناه أنهم من شدة الأهوال يفقدون القدرة على إتخاذ القرار الصحيح ويجن القادة المسئولين من حجم الخسائر ويتقيأون كل الغنى والثروة التى حصلوا عليها بالظلم ويفقدون كرامتهم ولا يقومون (27) وفى (29،28) رفضهم شرب الكأس هو رفضهم لكل المعانى والإنذارات وعدم تصديقهم لشىء منها ورفضهم التوبة. ولكن كان على أرمياء أن يخبرهم أنها كلمة الله وأنهم لن يمكنهم مقاومة ضابط الكل وهو الذى يحاكم كل الأمم مهما كانت عظمتها. وهو الذى دان إبليس.
الأيات 30-38 :- 30- و انت فتنبا عليهم بكل هذا الكلام و قل لهم الرب من العلاء يزمجر و من مسكن قدسه يطلق صوته يزئر زئيرا على مسكنه بهتاف كالدائسين يصرخ ضد كل سكان الارض. 31- بلغ الضجيج الى اطراف الارض لان للرب خصومة مع الشعوب هو يحاكم كل ذي جسد يدفع الاشرار للسيف يقول الرب. 32- هكذا قال رب الجنود هوذا الشر يخرج من امة الى امة و ينهض نوء عظيم من اطراف الارض. 33- و تكون قتلى الرب في ذلك اليوم من اقصاء الارض الى اقصاء الارض لا يندبون و لا يضمون و لا يدفنون يكونون دمنة على وجه الارض. 34- ولولوا ايها الرعاة و اصرخوا و تمرغوا يا رؤساء الغنم لان ايامكم قد كملت للذبح و ابددكم فتسقطون كاناء شهي. 35- و يبيد المناص عن الرعاة و النجاة عن رؤساء الغنم. 36- صوت صراخ الرعاة و ولولة رؤساء الغنم لان الرب قد اهلك مرعاهم. 37- و بادت مراعي السلام من اجل حمو غضب الرب. 38- ترك كشبل عيصه لان ارضهم صارت خرابا من اجل الظالم و من اجل حمو غضبه.
يظهر فى هذه الأيات غضب الله على الخطية وسقوط الإنسان فيها. وهذا يجلب مزيداً من الخراب على الأمم وعلى يهوذا، بواسطة نبوخذ نصر ولكن فليعرف الكل أن الله هو الذى أتى عليهم زائراً (30) على مسكنه = على بيته الذى جعلوه مغارة لصوص كالدائسين = دائس المعصرة. فنبوخذ نصر سيدوس كل هذه الشعوب والله سمح بهذا بسبب خطاياهم. ولأن للرب خصومة معهم بسببها (31) وسيكون الشر شاملاً الأرض كلها (33،32) وزئير الرب مرعب للخطاة مفرح للقديسين ولكنه هنا ضد الأشرار ومن مسكن قدسه = فالقرار سماوى وليس قرار نبوخذ نصر. وهم قام ضد الأشرار كشبل ترك عيصه = أى عرينه ليبحث عن فريسته. وكان غضبه ضد الخطية كنوء عظيم. فالجيش الكلدانى كان كإعصار قادم من الشمال محطماً كل شىء أمامهُ. وفى (34) سيصبح كل الملوك = الرعاة ورؤساء الغنم = غير قادرين على شىء إلا لأن يتركوا أنفسهم للأسف ولأن يولولوا. وسيسقطون كإناء شهى = وحين يكسر الإناء سيُرمى فهو أصبح بلا قيمة وفى (35) يبيد المناص منهم = أى لن يجدوا طريقاً للهرب وفى (37) بادت مراعى السلام = فالله أعطاهم مراعى سلام ولكنهم عوضاً عن أن يشكروا على هذه النعم أحبوا الخطية ودنسوا أنفسهم.
لاحظ أن الأية (32) أن الشر يخرج من امة لأمة = هى تحقيق نبوة النبى السابقة فى أنه سيعطى الكأس للجميع (15) فالشر يدور مثل الكأس. ولكن فى هذا أيضاً تحذير لأن مجىء الكأس على جارى أولاً يعطينى فرصة لكى أتوب قبل أن تأتى على الكأس.
الإصحاح السادس والعشرون
كما إختلط فى سفر أعمال الرسل ألام الرسل مع تبشيرهم. نجد نفس الشىء فى سفر أرمياء. فهو كان أميناً فى رسالته لكن واجه إضطهادات عنيفة من شعبه والكهنة والأنبياء الكذبة والرؤساء.
الأيات 1-6 :- 1- في ابتداء ملك يهوياقيم بن يوشيا ملك يهوذا صار هذا الكلام من قبل الرب قائلا. 2- هكذا قال الرب قف في دار بيت الرب و تكلم على كل مدن يهوذا القادمة للسجود في بيت الرب بكل الكلام الذي اوصيتك ان تتكلم به اليهم لا تنقص كلمة. 3- لعلهم يسمعون و يرجعون كل واحد عن طريقه الشرير فاندم عن الشر الذي قصدت ان اصنعه بهم من اجل شر اعمالهم. 4- و تقول لهم هكذا قال الرب ان لم تسمعوا لي لتسلكوا في شريعتي التي جعلتها امامكم. 5- لتسمعوا لكلام عبيدي الانبياء الذين ارسلتهم انا اليكم مبكرا و مرسلا اياهم فلم تسمعوا. 6- اجعل هذا البيت كشيلوه و هذه المدينة اجعلها لعنة لكل شعوب الارض.
المكان الذى عَينه الله لإرمياء لإلقاء نبوته كاد يعرض حياته للخطر لكنه ذهب. قف فى دار بيت الرب = فغالباً ذهب وأثناء مناسبة عيد أو إحتفال. قطعاً كان أسهل لهُ أن يعظ وسط أصدقاؤه فى مكان هادىء. ولكن مما يزيد من خطورة الموقف أن الشعب سيشجع الكهنة والكهنة يشجعون الشعب على إلحاق الضرر به وهنا لأول مرة يتنبأ عن خراب الهيكل وهنا يشبهها بشيلوه (راجع إصحاح 7). فإذا كانت أورشليم قد شابهت شيلوه فى خطيتها فلماذا لا تشبهها فى مصيرها وعقوبتها.
الأيات 7-15 :- 7- و سمع الكهنة و الانبياء و كل الشعب ارميا يتكلم بهذا الكلام في بيت الرب. 8- و كان لما فرغ ارميا من التكلم بكل ما اوصاه الرب ان يكلم كل الشعب به ان الكهنة و الانبياء و كل الشعب امسكوه قائلين تموت موتا. 9- لماذا تنبات باسم الرب قائلا مثل شيلوه يكون هذا البيت و هذه المدينة تكون خربة بلا ساكن و اجتمع كل الشعب على ارميا في بيت الرب. 10- فلما سمع رؤساء يهوذا بهذه الامور صعدوا من بيت الملك الى بيت الرب و جلسوا في مدخل باب الرب الجديد. 11- فتكلم الكهنة و الانبياء مع الرؤساء و كل الشعب قائلين حق الموت على هذا الرجل لانه قد تنبا على هذه المدينة كما سمعتم باذانكم. 12- فكلم ارميا كل الرؤساء و كل الشعب قائلا الرب ارسلني لاتنبا على هذا البيت و على هذه المدينة بكل الكلام الذي سمعتموه. 13- فالان اصلحوا طرقكم و اعمالكم و اسمعوا لصوت الرب الهكم فيندم الرب عن الشر الذي تكلم عليكم. 14- اما انا فهانذا بيدكم اصنعوا بي كما هو حسن و مستقيم في اعينكم. 15- لكن اعلموا علما انكم ان قتلتموني تجعلون دما زكيا على انفسكم و على هذه المدينة و على سكانها لانه حقا ارسلني الرب اليكم لاتكلم في اذانكم بكل هذا الكلام.
كان المتوقع بعد العظة التى قالها أن تكون هناك توبة. ولكن العكس فقد حدث هيجان عظيم بسبب كلامه (كما حدث مع بولس ولوقا فى أفسس فهكذا الشيطان دائماً) وهم إتهموه بنفس التهمة التى إتهموا بها رب المجد وهى التجديف على البيت، وهكذا أيضاً إتهموا إسطفانوس ولاحظ أنهم تذكروا كلامه على البيت ونسوا كلامه عن التوبة أو تناسوه (9) وفى (10) باب الرب الجديد = لعله المذكور فى (2مل35:15) وقد بنى قبل هذه الحادثة بـ15 سنة تقريباً. وكان موقف أرمياء خطير فالكهنة والأنبياء حينما ذكروا التهمة الموجهة إليه فى حديثهم مع الرؤساء ركزوا على قول النبى ضد المدينة وذلك لإثارة الرؤساء عليه لأنهم ظنوا أن الرؤساء سيدينوه بسبب المدينة فهم يهتمون بها أكثر من الهيكل. وفى (12) لم يتراجع إرمياء بل أكد أن الله هو الذى أرسله بهذا الكلام ومعنى دفاع أرمياء عن نفسه ملخصه، هل إذا قال إنسان لأخر إحذر هذا الطريق لئلا تموت هل يعاقبه لأنه قال لهُ تموت ولا يشكره لأنه دلَه على طريق الحياة. خصوصاً أن هذا الكلام هو كلام الرب وفى (14) هأنذا بيدكم = كشاة سيقت للذبح لا تستطيع أن تقاوم وفى (15) دماً زكياً على أنفسكم = ستزيدون جرائمكم جريمة جديدة تؤذون بها أنفسكم.
الأيات 16-24 :- 16- فقالت الرؤساء و كل الشعب للكهنة و الانبياء ليس على هذا الرجل حق الموت لانه انما كلمنا باسم الرب الهنا. 17- فقام اناس من شيوخ الارض و كلموا كل جماعة الشعب قائلين. 18- ان ميخا المورشتي تنبا في ايام حزقيا ملك يهوذا و كلم كل شعب يهوذا قائلا هكذا قال رب الجنود ان صهيون تفلح كحقل و تصير اورشليم خربا و جبل البيت شوامخ وعر. 19- هل قتلا قتله حزقيا ملك يهوذا و كل يهوذا الم يخف الرب و طلب وجه الرب فندم الرب عن الشر الذي تكلم به عليهم فنحن عاملون شرا عظيما ضد انفسنا. 20- و قد كان رجل ايضا يتنبا باسم الرب اوريا بن شمعيا من قرية يعاريم فتنبا على هذه المدينة و على هذه الارض بكل كلام ارميا. 21- و لما سمع الملك يهوياقيم و كل ابطاله و كل الرؤساء كلامه طلب الملك ان يقتله فلما سمع اوريا خاف و هرب و اتى الى مصر. 22- فارسل الملك يهوياقيم اناسا الى مصر الناثان بن عكبور و رجالا معه الى مصر. 23- فاخرجوا اوريا من مصر و اتوا به الى الملك يهوياقيم فضربه بالسيف و طرح جثته في قبور بني الشعب. 24- و لكن يد اخيقام بن شافان كانت مع ارميا حتى لا يدفع ليد الشعب ليقتلوه.
من المخجل أن الرؤساء هم الذين ينبهون الكهنة إلى كتاب الله وأن ميخا المورشتى صنع هذا من قبل وحذر حزقيا. فكم كان العمى الذى أصاب هؤلاء الكهنة. وكان الكهنة أيضاً هم الذين هيجوا الشعب ضد المسيح. ولكن للأسف فالرؤساء إقتنعوا بأرمياء إقتناعاً عقلياً لكنهم لم يقدموا توبة. ورجوع الرؤساء لقضية ميخا هو يشبه ما يحدث فى المحاكم اليوم، فى الإستناد لقضايا سابقة مماثلة. وميخا هو أحد الأنبياء الصغار الذين تنبأوا أيام حزقيا وحينما إستمع حزقيا وخضع لنبواتهم أرسل الله ملاكاً وأهلك جيش أشور. وفى الأيات (20-24) نجد قصة نبى أخر هو أوريا كان يتنبأ بنفس الكلمات التى يقولها إرمياء وهذا مما يثبت أن الكلام من الله ولكن خطأ أوريا خوفه وهروبه إلى مصر ففى هذا عدم ثقة بالله. ولاحظ دموية يهوياقيم الملك فهو لم يكتفى بقتله فى مصر ولكنه أراد أن يراه بعينيه قتيلاً فأتى به إلى أورشليم بل هو الذى قتله بيده (23) ورمى جثته مع جثث العامة حتى لا يعتبره الناس نبياً، وليسىء لسمعته وليمنع الأنبياء الأخرين الحقيقيين من التنبؤ مثله. ولكن كان هذا باطلاً فهيرودس قتل يوحنا ولكن سرعان ما وجد المسيح فظنه يوحنا. وأرسل الله للنبى أرمياء صديقه يشجعه ويحميه من رجال الملك (2مل 12:22) وربما يكون جدليابن أخيقام إبنه آية 24. ولكن يبدو أن هذا الصديق كان لهُ نفوذاً قوياً على الكهنة لأنه إستطاع أن يبطل حيلهم. ولكن لماذا ذكرت هذه القصة هنا؟ لكى نقارن بين موقفين أرمياء يقول كلامه ولا يهرب فيدافع الله عنهُ وأوريا يقول كلامهُ ويهرب فيموت، أليس هذا تطبيقاً للمعاهدة بين الله وأرمياء "لا ترتاع من وجوههم لئلا أريعك" (17:1).
الإصحاح السابع والعشرون
فشل أرمياء فى إقناع شعبه بالتوبة وهنا يبحث عن حل وسط ليمنع تدمير المدينة. وهذا الحل أن يستسلموا لملك بابل. فأن يخسروا حرياتهم فهو أفضل من أن يخسروا حياتهم ولامدينتهم. عجيب هو الله الذى يبحث عن الخير والأفضل حتى لهؤلاء الأشرار الذين يقاومونه. وقد أعطى النبى هذه النصيحة للملوك المحيطين بإسم الله. وملخص الموضوع أن هذا هو "أحسن الوحش" ولا علاج سوى هذا. ولن يستمر ذلك سوى 70 سنة فقط. وهذه النصيحة وجهها النبى أيضاً لصدقيا الملك ثم للكهنة والشعب وهو يدلهم عن السياسة الصحيحة كشفقة منه.
الأيات 1-11 :- 1- في ابتداء ملك يهوياقيم بن يوشيا ملك يهوذا صار هذا الكلام الى ارميا من قبل الرب قائلا. 2- هكذا قال الرب لي اصنع لنفسك ربطا و انيارا و اجعلها على عنقك. 3- و ارسلها الى ملك ادوم و الى ملك مواب و الى ملك بني عمون و الى ملك صور و الى ملك صيدون بيد الرسل القادمين الى اورشليم الى صدقيا ملك يهوذا. 4- و اوصهم الى سادتهم قائلا هكذا قال رب الجنود اله اسرائيل هكذا تقولون لسادتكم. 5- اني انا صنعت الارض و الانسان و الحيوان الذي على وجه الارض بقوتي العظيمة و بذراعي الممدودة و اعطيتها لمن حسن في عيني. 6- و الان قد دفعت كل هذه الاراضي ليد نبوخذناصر ملك بابل عبدي و اعطيته ايضا حيوان الحقل ليخدمه. 7- فتخدمه كل الشعوب و ابنه و ابن ابنه حتى ياتي وقت ارضه ايضا فتستخدمه شعوب كثيرة و ملوك عظام. 8- و يكون ان الامة او المملكة التي لا تخدم نبوخذناصر ملك بابل و التي لا تجعل عنقها تحت نير ملك بابل اني اعاقب تلك الامة بالسيف و الجوع و الوبا يقول الرب حتى افنيها بيده. 9- فلا تسمعوا انتم لانبيائكم و عرافيكم و حالميكم و عائفيكم و سحرتكم الذين يكلموكم قائلين لا تخدموا ملك بابل. 10- لانهم انما يتنباون لكم بالكذب لكي يبعدوكم من ارضكم و لاطردكم فتهلكوا. 11- و الامة التي تدخل عنقها تحت نير ملك بابل و تخدمه اجعلها تستقر في ارضها يقول الرب و تعملها و تسكن بها.
نجد هنا مشكلة ظاهرية أن فى أية (1) يذكر إسم يهوياقيم بينما يُذكر إسم صدقيا فى باقى الإصحاح. وحل هذه المشكلة بسيط جداً، أن النبى صنع الأنيار ووضعها على عنقه فى بداية حكم يهوياقيم ولكنه لم يرسلها إلا فى بداية حكم صدقيا. وغالباً هو وضعها فى بداية حكم يهوياقيم حيث بدأت سيطرة بابل على يهوذا. ويبدو أنه كانت هناك مؤامرة بين صدقيا وهؤلاء الملوك بتشجيع من فرعون مصر ضد نبوخذ نصر. وجاء رُسل هذه الأمم ليتشاوروا مع صدقيا لعقد حلف ضد بابل. وهنا النبى يمنعهم ويُرسِل لهم الأنيار التى كان يلبسها منذ زمن يهوياقيم، ليُعلِنْ أن هذه هى إرادة الرب، خضوعهم لملك بابل ويبدو أن إرميا نجح هذه المرة فى أن يرد صدقيا عن أن يشترك فى هذه الفتنة. وصنع رُبُط وأنيار(النير هو قطعة خشبية يربط بها الثور عن طريق أربطة فى رأسه مع ثور آخر ليقوم بالعمل معناها أنه ليس أحد قادراً أن يجعل رأسه حراً أمام ملك بابل. والله أعطى لملك بابل كل شىء حتى حيوان الأرض. وهذا ليس راجع لقداسة نبوخذ نصر فهو كان طاغية متوحش لكن ملك الأرض لا يدل على رضا الله على الشخص فقد قيل عن إبليس "رئيس هذا العالم" أما أولاد الله فلا يقنعهم أى نصيب فى العالم مهما كان. والعكس فمن غاب عنهً مجد السماء لا يكتفى بأى شىء على الأرض مثال :- الإسكندر الأكبر بعد ما غزا العالم المعروف كله بكى لأنه لم تعد هناك أماكن يغزوها. وقد حدد الله سابقاً مدة السيادة البابلية بـ70 سنة ولكن ها هو هنا يحددها بطريقة أخرى. أن هذه السيادة ستستمر فى أيام نبوخذ نصر وإبنه وهو أبل مرودخ وإبن إبنه بيلشاحر (7) الى إنتهت الدولة البابلية فى أيامه على يد كورش وهذا معنى = يأتى وقت أرض أى يأتى وقت تسقط فيه أرضه تحت حكم شعوب كثيرة وملوك عظام = هم ملوك فارس وجيشه فتستخدمه = لأن بابل خدمت فارس. وهنا الله يحذر من أن تستخدم هذه الأمم قوتها لكى تحارب بابل فالله أعطى التفويض لملك بابل فمن يستطيع مقاومته. وهو سمح بهذا لكى يؤدب هذه الأمم على وثنيتها. فمن لا يخدم الله سيجعله الله يخدم سادة غيره. والله حين يسود على إنسان يحرره أما الأخرين (الشياطين) حين يسودون يستعبدون ويذلون ومع هذا فالله يعطيهم نصيحة أن لا يقاوموه حتى لا يفنيهم. ويبدو من (9) أن هذه الأمم المجاورة أيضاً كانت تعانى من وجود الأنبياء الكذبة. وفى (11) حدث هذا فعلاً حين خضع يهوياقيم لملك بابل ثم حين خضع صدقيا له فى أوائل ملكه ولكن بعد تمرد صدقيا ومؤامراته سمح الله بخراب أورشليم.
الأيات 12-22 :- 12- و كلمت صدقيا ملك يهوذا بكل هذا الكلام قائلا ادخلوا اعناقكم تحت نير ملك بابل و اخدموه و شعبه و احيوا. 13- لماذا تموتون انت و شعبك بالسيف بالجوع و الوبا كما تكلم الرب عن الامة التي لا تخدم ملك بابل. 14- فلا تسمعوا لكلام الانبياء الذين يكلمونكم قائلين لا تخدموا ملك بابل لانهم انما يتنباون لكم بالكذب. 15- لاني لم ارسلهم يقول الرب بل هم يتنباون باسمي بالكذب لكي اطردكم فتهلكوا انتم و الانبياء الذين يتنباون لكم. 16- و كلمت الكهنة و كل هذا الشعب قائلا هكذا قال الرب لا تسمعوا لكلام انبيائكم الذين يتنباون لكم قائلين ها انية بيت الرب سترد سريعا من بابل لانهم انما يتنباون لكم بالكذب. 17- لا تسمعوا لهم اخدموا ملك بابل و احيوا لماذا تصير هذه المدينة خربة. 18- فان كانوا انبياء و ان كانت كلمة الرب معهم فليتوسلوا الى رب الجنود لكي لا تذهب الى بابل الانية الباقية في بيت الرب و بيت ملك يهوذا و في اورشليم. 19- لانه هكذا قال رب الجنود عن الاعمدة و عن البحر و عن القواعد و عن سائر الانية الباقية في هذه المدينة. 20- التي لم ياخذها نبوخذناصر ملك بابل عند سبيه يكنيا بن يهوياقيم ملك يهوذا من اورشليم الى بابل و كل اشراف يهوذا و اورشليم. 21- انه هكذا قال رب الجنود اله اسرائيل عن الانية الباقية في بيت الرب و بيت ملك يهوذا و في اورشليم. 22- يؤتى بها الى بابل و تكون هناك الى يوم افتقادي اياها يقول الرب فاصعدها و اردها الى هذا الموضع.
النبى هنا يستغل بداية غزو بابل ليهوذا ليثبت كذب الأنبياء الكذبة حتى يصدقوه. ولذلك يشرح لهم أن ما يقولونه عن الصمود هو كذب. وأعمى يقود أعمى يقع كلاهما فى حفرة. ومن يقود خاطىء لخطية يهلك معهُ. وهم عشموا الكهنة أن الأنية الذهبية سترجع (2مل15،13:24) + (2أى10:36) ولكن النبى هنا يتحداهم!! هم يتنبأون، دعهم يصلون ولنرى شفاعتهم فى وقف أحكام الله.
فلنقارن بأنفسنا أيهما أفضل أن نخضع لنير إلهنا يسوع المسيح أو نخضع لنير الشيطان بقبولنا فعل الخطية. فخضوعنا للمسيح يرفعنا للمجد وخضوعنا للشيطان يقودنا للموت الثانى وخضوعنا للمسيح يحررنا وخضوعنا للشيطان يذلنا ونعيش فى هم وكأبة وحزن.
الإصحاح الثامن والعشرون
نجد هنا خصام أرمياء مع أحد هؤلاء الأنبياء الكذبة وإسمه حنانيا. وحنانيا هذا تنبأ بنهاية نبوخذ نصر ورجوع المسبيين والأنية وكعلامة لذلك كسر النير من على عنق أرمياء.
الأيات 1-9 :- 1- و حدث في تلك السنة في ابتداء ملك صدقيا ملك يهوذا في السنة الرابعة في الشهر الخامس ان حننيا بن عزور النبي الذي من جبعون كلمني في بيت الرب امام الكهنة و كل الشعب قائلا. 2- هكذا تكلم رب الجنود اله اسرائيل قائلا قد كسرت نير ملك بابل. 3- في سنتين من الزمان ارد الى هذا الموضع كل انية بيت الرب التي اخذها نبوخذناصر ملك بابل من هذا الموضع و ذهب بها الى بابل. 4- و ارد الى هذا الموضع يكنيا بن يهوياقيم ملك يهوذا و كل سبي يهوذا الذين ذهبوا الى بابل يقول الرب لاني اكسر نير ملك بابل. 5- فكلم ارميا النبي حننيا النبي امام الكهنة و امام كل الشعب الواقفين في بيت الرب. 6- و قال ارميا النبي امين هكذا ليصنع الرب ليقم الرب كلامك الذي تنبات به فيرد انية بيت الرب و كل السبي من بابل الى هذا الموضع. 7- و لكن اسمع هذه الكلمة التي اتكلم انا بها في اذنيك و في اذان كل الشعب. 8- ان الانبياء الذين كانوا قبلي و قبلك منذ القديم و تنباوا على اراض كثيرة و على ممالك عظيمة بالحرب و الشر و الوبا. 9- النبي الذي تنبا بالسلام فعند حصول كلمة النبي عرف ذلك النبي ان الرب قد ارسله حقا.
حكم صدقيا 11 سنة وفى السنة الرابعة لحكمه ذهب شخصياً لملك بابل (59:51) إثباتاً لخضوعه وولائه وهذا أعطى للناس أملاً أن الحرب ستنتهى مع بابل بعد هذه الزيارة وهذا شجع حنانيا على نبوته الكاذبة. وكان حنانيا هذا من جبعون مدينة الكهنة. فلم يكن من المستبعد أن يكون كاهناً مثل إرمياء. وغالباً ما قال هذه النبوة فى الهيكل فى إحتفال مهيب أمام الكهنة ورؤساء الكهنة والشعب. وكان بنبوته يتحدى إرمياء فإرمياء قال أن الشعب سيعود من السبى بعد 70 سنة ولكنه يقول لا بل بعد سنتين (3) ولكن نبوته بلا حياة. هى ليست مثل نبوات الأنبياء الحقيقيين، فلا مشورة للناس ولا دعوة للتوبة ولا صلاة بل هو يَعد الناس بعطايا مادية ولا سيرة للعطايا الروحية مثل (7:24) وهنا يظهر أرمياء محبته للشعب فى أنه يتمنى لو كان هذا الكلام صحيحاً ويكون هو أى أرمياء كاذباً. وهو يصلى حتى لا يدخل شعبه هذه المحنة. لكن القرار هو قرار الله وليس قراره هو. ويالغباء الشعب فهم يتركون من يحبهم ويتشفع لأجلهم من أجل نبى كاذب يغشهم.
الأيات 10-16 :- 10- ثم اخذ حننيا النبي النير عن عنق ارميا النبي و كسره. 11- و تكلم حننيا امام كل الشعب قائلا هكذا قال الرب هكذا اكسر نير نبوخذناصر ملك بابل في سنتين من الزمان عن عنق كل الشعوب و انطلق ارميا النبي في سبيله. 12- ثم صار كلام الرب الى ارميا بعدما كسر حننيا النبي النير عن عنق ارميا النبي قائلا. 13- اذهب و كلم حننيا قائلا هكذا قال الرب قد كسرت انيار الخشب و عملت عوضا عنها انيارا من حديد. 14- لانه هكذا قال رب الجنود اله اسرائيل قد جعلت نيرا من حديد على عنق كل هؤلاء الشعوب ليخدموا نبوخذناصر ملك بابل فيخدمونه و قد اعطيته ايضا حيوان الحقل. 15- فقال ارميا النبي لحننيا النبي اسمع يا حننيا ان الرب لم يرسلك و انت قد جعلت هذا الشعب يتكل على الكذب. 16- لذلك هكذا قال الرب هانذا طاردك عن وجه الارض هذه السنة تموت لانك تكلمت بعصيان على الرب. 17- فمات حننيا النبي في تلك السنة في الشهر السابع.
أنظر لروح الكذب فى حنانيا فهو أراد أن يقدم علامة كما قدم إرمياء علامة فكسر النير عن عنق إرمياء وأهانه أمام الشعب. وإنصراف إرمياء ساكتًا (11) من حكمته فلا داعى للوقوف فى وجه هذا الكاذب الهائج المختال. ولأن الله لم يضع كلاماً بعد فى فمه يقولهُ. فهو بذلك أعطى مكاناً للغضب. ولاحظ أنه لم يهتم بالإهانة ولم يثور بفعل مضاد فهو واثق من صحة موقفه. وهو ليس لهُ شىء يخسره لا كرامة ولا مركز فهو يثق أن الحق معهُ والله سيظهره فى الوقت المناسب. وسريعاً ما وضع الله كلاماً فى فمه. فصنع أنياراً من حديد حتى لا يكسره أحد. والمعنى تأكيد الخضوع لملك بابل بل بصورة أقوى من الأول. ثم كانت هناك عقوبة لحنانيا. فهو غش الشعب فجعلهم يتقسون فى طريقهم فلا يقدموا توبة وهذا يزيد من خرابه. وعقوبة حنانيا كانت موته ولنلاحظ أن بعض الناس الصالحين يموتون لكى يضموا من وجه الشر مثل يوشيا (أش1:57) ولكن هذا النبى الكاذب يموت كعقاب لهُ. وموتهُ كان شهادة بصدق نبوة أرمياء. ولكن لماذا لم يموت فوراً؟
لو حدث هذا لإمتلأ أرمياء غروراً أو ربما لحساسيته وبكائه على شعبه ربما يمتلىء حزناً.
من محبة الله أنه يعطى هذا الشرير المنافق أيضاً فرصته للتوبة.
ملحوظة :-
نلاحظ فى هذا الإصحاح أن الأنبياء الكذبة طالما تنبأوا بأن السبى لن يحدث والأن وقد حدث السبى فها هم يستمرون فى كذبهم ببجاحة ويقولون أنه لن يستمر أكثر من سنتين.
الإصحاح التاسع والعشرون
الجدال السابق بين أرمياء والأنبياء الكذبة كان سابقاً عن طريق الوعظ. وتحول الأن ليكون عن طريق الكتابة لأن بعض الأنبياء الكذبة ذهب لبابل بينما أرمياء باقى بأورشليم.
الأيات 1-7 :- 1- هذا كلام الرسالة التي ارسلها ارميا النبي من اورشليم الى بقية شيوخ السبي و الى الكهنة و الانبياء و الى كل الشعب الذين سباهم نبوخذناصر من اورشليم الى بابل. 2- بعد خروج يكنيا الملك و الملكة و الخصيان و رؤساء يهوذا و اورشليم و النجارين و الحدادين من اورشليم. 3- بيد العاسة بن شافان و جمريا بن حلقيا اللذين ارسلهما صدقيا ملك يهوذا الى نبوخذناصر ملك بابل الى بابل قائلا. 4- هكذا قال رب الجنود اله اسرائيل لكل السبي الذي سبيته من اورشليم الى بابل. 5- ابنوا بيوتا و اسكنوا و اغرسوا جنات و كلوا ثمرها. 6- خذوا نساء ولدوا بنين و بنات و خذوا لبنيكم نساء و اعطوا بناتكم لرجال فيلدن بنين و بنات و اكثروا هناك و لا تقلوا. 7- و اطلبوا سلام المدينة التي سبيتم اليها و صلوا لاجلها الى الرب لانه بسلامها يكون لكم سلام.
فى أية (2) الملكة = هى أم يكنيا والخصيان هم خدام الملك. ولننظر محبة الله الذى لم ينس أولاده وهم فى السبى مشتتين. وأرسل أرمياء خطابه بيد سفراء صدقيا الذين أرسلهم لملك بابل ليجددوا العهد أو ليطلبوا معاهدة سلام. وغالباً فحين يرى من فى السبى هؤلاء ستزيد أمالهم فى الرجوع سريعاً بمقتضى معاهدة السلام هذه. خصوصاً أن الأنبياء الكذبة عشموهم بهذا (8) ولكن الله يذكرهم أنه هو إلههم لم ينساهم وهو سيفك سبيهم فى زمن محدد. وهذا يشجعهم أن لا يسيروا وراء أوثان بابل لأن الله لو كان قد رفضهم ما كان أرسل لهم أى شىء (لقد شعر المسبيين أن الله تركهم ورفضهم (هكذا كل من يكون فى تجربة صعبة) لذلك هنا يشجعهم الله).
ولاحظ فى (4) لكل السبى الذى سبيته = الله يشعرهم أنه هو الذى صنع وأنهم هم فى يده. هو الذى أخذهم للسبى وليس نبوخذ نصر فهذا لم يكن لهُ سلطان إن لم يكن قد أعطى من فوق. لذلك علينا أن نقبل المصائب التى تأتى علينا من أى أحد على أنها من يد الله. والله من محبته هنا يخبرهم عن المستقبل وأنهم لن يرجعوا سريعاً حتى لا يعيشوا فى إضطراب. بل هو يريد سعادتهم وأن يحيوا حياة طبيعية وتكون لهم أسرهم. هناك كانوا يبكون حينما يتذكرون صهيون وهم لن يروا أرضهم لكن إن عاشوا فى تقوى فسيرى أبنائهم وطنهم. وكيف نستفيد نحن من هذا؟ بأن نعيش فرحين فى أى ظرف. وفى (7) يطلب منهم النبى أن يخضعوا للحاكم ويعيشوا فى سلام بلا ثورات فيتعامل معهم البابليين باللطف لذلك تصلى الكنيسة للملك وللحكومات حتى لو إضطهدتها (1بط11:2-17) + (رو13).
الأيات 8-14 :- 8- لانه هكذا قال رب الجنود اله اسرائيل لا تغشكم انبياؤكم الذين في وسطكم و عرافوكم و لا تسمعوا لاحلامكم التي تتحلمونها. 9- لانهم انما يتنباون لكم باسمي بالكذب انا لم ارسلهم يقول الرب. 10- لانه هكذا قال الرب اني عند تمام سبعين سنة لبابل اتعهدكم و اقيم لكم كلامي الصالح بردكم الى هذا الموضع. 11- لاني عرفت الافكار التي انا مفتكر بها عنكم يقول الرب افكار سلام لا شر لاعطيكم اخرة و رجاء. 12- فتدعونني و تذهبون و تصلون الي فاسمع لكم. 13- و تطلبونني فتجدونني اذ تطلبونني بكل قلبكم. 14- فاوجد لكم يقول الرب و ارد سبيكم و اجمعكم من كل الامم و من كل المواضع التي طردتكم اليها يقول الرب و اردكم الى الموضع الذي سبيتكم منه.
الأحلام هى أحلامهم الكاذبة أى التى من الشيطان أو أحلام اليقظة أى رغباتهم الشخصية. والله يحدد هنا ثانية ميعاد رجوعهم أنه بعد 70 سنة حتى لا يخدعهم أحد. وهذا هو الوقت المناسب الذى يراه الله وهو يعطينا ليس بحسب توقعاتنا وأحلامنا فهذه غاشة بالتأكيد ولكنه هو الوحيد الذى يعرف متى يؤتى التأديب ثماره. ولاحظ أن الله لهُ أفكار سلام نحو الشعب لا شر فهذا السبى هو للسلام فما يهتم به الرب هو أن أعطيكم أخرة = فالله كان يمكن أن يعيدهم سريعاً بل أن لا يسمح بالسبى ولكن كان هذا الشعب سيخسر آخرته وفى (13) وتطلبوننى فتجدوننى = هذه فائدة أخرى للضيقة، أن يطلب الذى فى ضيقة الله بل حينئذ وأنتم فى الشدة تطلبوننى من كل قلبكم = وما علينا حين يأتى الخلاص سوى أن نستمر فى الصلاة والشكر والتسبيح فلا نخسر بركات الضيقة. وهنا قاعدة أساسية فمن يطلب الله بكل قلبه لا يتركه الله "إسألوا تعطوا ".
الأيات 15-23 :- 15- لانكم قلتم قد اقام لنا الرب نبيين في بابل. 16- فهكذا قال الرب للملك الجالس على كرسي داود و لكل الشعب الجالس في هذه المدينة اخوتكم الذين لم يخرجوا معكم في السبي. 17- هكذا قال رب الجنود هانذا ارسل عليهم السيف و الجوع و الوبا و اجعلهم كتين رديء لا يؤكل من الرداءة. 18- و الحقهم بالسيف و الجوع و الوبا و اجعلهم قلقا لكل ممالك الارض حلفا و دهشا و صفيرا و عارا في جميع الامم الذين طردتهم اليهم. 19- من اجل انهم لم يسمعوا لكلامي يقول الرب اذ ارسلت اليهم عبيدي الانبياء مبكرا و مرسلا و لم تسمعوا يقول الرب. 20- و انتم فاسمعوا كلمة الرب يا جميع السبي الذي ارسلتهم من اورشليم الى بابل. 21- هكذا قال رب الجنود اله اسرائيل عن اخاب بن قولايا و عن صدقيا بن معسيا اللذين يتنبان لكم باسمي بالكذب هانذا ادفعهما ليد نبوخذراصر ملك بابل فيقتلهما امام عيونكم. 22- و تؤخذ منهما لعنة لكل سبي يهوذا الذين في بابل فيقال يجعلك الرب مثل صدقيا و مثل اخاب اللذين قلاهما ملك بابل بالنار. 23- من اجل انهما عملا قبيحا في اسرائيل و زنيا بنساء اصحابهما و تكلما باسمي كلاما كاذبا لم اوصهما به و انا العارف و الشاهد يقول الرب.
بعد أن شجع أرمياء المسبيين بدأ يهاجم الأنبياء الكذبة على تشجيعهم الشعب على الخطية ويبدو أن رسائل أرمياء قابلوها بإستخفاف قائلين لماذا يشغل أرمياء بالهُ ونحن قد أقام الله لنا هنا نبيين ونحن نكتفى بهما ولا نريد أن نسمع من أنبياء أورشليم (15) وفى (16) وهؤلاء الأنبياء الكذبة خدعوا من فى السبى ووعدوهم بعودة سريعة ولكن الله هنا يقول "هل تظنون أن من فى أورشليم أحسن منكم لأنهم لم يذهبوا للسبى؟ لأنهم كالتين الردىء وعقوبتهم فى (17-19) وفى (18)".
حلفاً = أى لعنة. وخطية الأنبياء الكذبة بشعة فالكذب نفسه خطية رديئة وإذا كان الكذب يُضلل أولاد الله فهو أرداً وإذا كان بإسم الله فهو أسوأ الكل. ومن لهُ هذه الجرأة فلا عجب أن يصنع أى خطية أخرى وها نحن نرى هذين النبيين يزنيان بنساء أصحابهما (23) ولذلك عاقبهما الرب بأن أسلمهم ليد ملك بابل، غالباً لإثارتهم الشعب بأحلام الرجوع وليس لزناهم. وهم ماتوا وصار موتهم عبرة عكس القديسين الذين يصير موتهم مجداً.
الأيات 24-32 :- 24- و كلم شمعيا النحلامي قائلا. 25- هكذا تكلم رب الجنود اله اسرائيل قائلا من اجل انك ارسلت رسائل باسمك الى كل الشعب الذي في اورشليم و الى صفنيا بن معسيا الكاهن و الى كل الكهنة قائلا. 26- قد جعلك الرب كاهنا عوضا عن يهوياداع الكاهن لتكونوا وكلاء في بيت الرب لكل رجل مجنون و متنبئ فتدفعه الى المقطرة و القيود. 27- و الان لماذا لم تزجر ارميا العناثوثي المتنبئ لكم. 28- لانه لذلك ارسل الينا الى بابل قائلا انها مستطيلة ابنوا بيوتا و اسكنوا و اغرسوا جنات و كلوا ثمرها. 29- فقرا صفنيا الكاهن هذه الرسالة في اذني ارميا النبي. 30- ثم صار كلام الرب الى ارميا قائلا.31- ارسل الى كل السبي قائلا هكذا قال الرب لشمعيا النحلامي من اجل ان شمعيا قد تنبا لكم و انا لم ارسله و جعلكم تتكلون على الكذب. 32- لذلك هكذا قال الرب هانذا اعاقب شمعيا النحلامي و نسله لا يكون له انسان يجلس في وسط هذا الشعب و لا يرى الخير الذي ساصنعه لشعبي يقول الرب لانه تكلم بعصيان على الرب.
كنا نتوقع بعد هذا الخطاب لأرمياء أن يشكره المسبيين ولكن الأنبياء الكذبة إستغلوه ضدَه. النحلامى = غالباً معناها الحالم أى الذى يرى رؤاه فى الأحلام. وشمعياً هذا أرسل رسالة دورية لكل الكهنة والشعب ضد أرمياء. وكانت هذه الرسالة موجهة أساساً لصفنيا بن معسيا = وربما كان مساعداً لرئيس الكهنة أو نائباً له. وعلى أية حال فيبدو أنه شخص لهُ إعتباره مثل فشحور. وفحوى رسالة شمعياً أنه يقول لصفنيا أن الله أقامك مكان يهوياداع فتولى مركزك ونفذ ما جاء بالناموس ضد أرمياء. فهو يستغل كلمة مجد الله ليغطى أفكاره الشريرة نحو أرمياء (أش5:66) + (يو2:16). وهو إتهم أرمياء بأنه نبى كاذب ومجنون (أى ملموس بالشياطين)، إذاً هو يجب قتله وقد إعتمد فى كلامه على خطاب أرمياء للمسبيين وفيه كان يخبرهم بأن مدة السبى مستطيلة = أى ستطول. ولاحظ العمى الذى يصيب القلب. فكان فى الماضى حين يقول إرمياء أن السبى قادم، كان هؤلاء الكذبة يقولون أنه لا سبى والأن أرمياء يقول المدة ستطول وهم يقولون لا بل ستقصر، بدلاً من أن يخزوا من إنكشاف كذبهم فى المرة الأولى. وهو يوبخ صفنيا على تركه أرمياء بدون عقاب وبذلك كان يأمل فى سجنه حتى لا تؤثر رسائله فى المسبيين. وأنظر أية جرأة ووقاحة لهؤلاء الأنبياء الكذبة حتى وهم فى السبى يأمرون الكهنة ولكن يبدو أن صفنيا كان يحترم أرمياء فهو إكتفى بأن قرأ لهُ هذه الرسالة دون أن يضطهده أو لم ينفذ ما جاء بها. بل غالباً ما كان يحميه. وكان رد الرب على لسان أرمياء ليس لشمعيا نفسه بل لكل المسبيين حتى يعرفوا حقيقة من تصوروه نبياً لله وهو كذاب غشهم بتعزيات زائفة فمنع عنهم التعزيات الحقيقية ولاحظ أنه أى شمعيا حين تذمر على كلام النبى أنه بينما أن المسبيين يعيشون حياة طبيعية ويكون لهم عائلات كان عقابهُ هو أن لا تكون لهُ أسرة. فمن يحتقر بركات الله يستحق أن يحرم منها.
الإصحاح الثلاثون
الإصحاحات (30-33) هى إصحاحات تعزية.
فى هذا الإصحاح وما يليه عظة مختلفة النبرة عن كل ما سبق بتوجيه من الله. فهنا نجد وعود حلوة بالرجوع من السبى وهى ظل ورمز للأمجاد المذخرة فى كنيسة المسيح. والله أمره ليس فقط أن يعظ بها بل أن يكتبها لأنها وعود معزية لكل جيل.
الأيات 1-9 :- 1- الكلام الذي صار الى ارميا من قبل الرب قائلا. 2- هكذا تكلم الرب اله اسرائيل قائلا اكتب كل الكلام الذي تكلمت به اليك في سفر. 3- لانه ها ايام تاتي يقول الرب و ارد سبي شعبي اسرائيل و يهوذا يقول الرب و ارجعهم الى الارض التي اعطيت اباءهم اياها فيمتلكونها. 4- فهذا هو الكلام الذي تكلم به الرب عن اسرائيل و عن يهوذا. 5- لانه هكذا قال الرب صوت ارتعاد سمعنا خوف و لا سلام. 6- اسالوا و انظروا ان كان ذكر يضع لماذا ارى كل رجل و يداه على حقويه كماخض و تحول كل وجه الى صفرة. 7- اه لان ذلك اليوم عظيم و ليس مثله و هو وقت ضيق على يعقوب و لكنه سيخلص منه. 8- و يكون في ذلك اليوم يقول رب الجنود اني اكسر نيره عن عنقك و اقطع ربطك و لا يستعبده بعد الغرباء. 9- بل يخدمون الرب الههم و داود ملكهم الذي اقيمه لهم.
الأمر لأرمياء هنا فى (2) أن يكتب كل النبوات السابقة والتى تأتى ليستفيد من لم يسمع ولأنها مكتوبة لأيام قادمة. ومن هذا الكتاب عرف دانيال ميعاد نهاية السبى وفى (3) الله يعِد هم هنا برجوعهم من السبى لأرض أبائهم. والمعنى الروحى هو رجوع الإنسان بفداء المسيح لمكانته عند الله وبنوته لهُ. وهو هنا يصور الألام التى يعانون منها عند أى هجوم للجيش الكلدانى ولكن بمقارنة هذه الألام بالخلاص الذى يعَده الرب سيبدو هذا الخلاص مدهشاً. ونحن فى العالم نعيش فى ألم ولكن سوف نتمجد معهُ. وفى (5) صوت هذا الألم وهذا عكس ما قاله الأنبياء الكذبة. ولاحظ، ألا يحدث هذا حتى الأن حين يخدع الشيطان إنساناً بالخطية ويكذب حين يغريه بملذاتها ويجعله ينسى الألام التى سيمر بها بعد سقوطه والحزن والإكتئاب بعدها. كما فعل بالشعب بعد خروجهم من أرض مصر فذكرهم بقدور اللحم وجعلهم ينسون ألام السياط والإستعباد. وفى (6) يصوَر ألامهم حتى الرجال بأنها كألام الماخض من رعبهم رؤيتهم لبلادهم تحترق بلا أمل فى نهاية لهذه الألام ولكن لماذا شبهها الله بألام الماخض؟ لأنها تنتهى نهاية سعيدة وليس بالموت. بل بعد الولادة تنسى الألام. وكلمة الصفرة فى اللغة الأصلية تدل على لون الوجه الذى يمرض نتيجة عادات سيئة مثل فقر الدم فى أثناء فترة المراهقة. فالله خلقنا على صورته ولكن الخطية غيرت هذه الصورة إلى صفرة. وفى (7) ذلك اليوم عظيم.. هو وقت ضيق على يعقوب ولكنه سيخلص منه يمكن أن نفهمها على أنه يوم خراب أورشليم على يد بابل وسيكون يوماً رهيباً لكن النهاية أن يعقوب سيخلص ويرجع من السبى ويمكن أن نفهمها أنه يوم الصليب فهو يوم عظيم ولكنه يوم ضيق على المسيح أصل وذرية يعقوب. ولكنه سيخلص منهُ بالقيامة والصعود وما جناه البشر من بركات هذه النعمة. ويمكن أن نفهمها أنها عند النهاية والضيقات التى تحل بالعالم قبل النهاية حين يحل الشيطان من أسره ولكن النتيجة أن شعب المسيح (يعقوب سيخلص) ومهما طالت ألام الكنيسة ستنتهى بالمجد. وفى (8) بعد الصليب قُيَد الشيطان بسلسلة وبعد مجىء المسيح الثانى سيطرح فى بحيرة النار. ولكن هذا يعنى بالنسبة لنا أن المسيح قد حررنا " إن حرركم الإبن فبالحقيقة تكونون أحراراً وهذه الأية تعنى للمسبيين خلاصهم من بابل وفى (9) داود ملككم = هو المسيح إبن داود فمن حرره المسيح عليه أن يظل يخدمه وبذلك يحتفظ بحريته. وتعنى لليهود أن يلتزموا بالسير وبخدمة زربابل ونحميا الذين قادوهم بعد السبى.
الأيات 10-17 :- 10- اما انت يا عبدي يعقوب فلا تخف يقول الرب و لا ترتعب يا اسرائيل لاني هانذا اخلصك من بعيد و نسلك من ارض سبيه فيرجع يعقوب و يطمئن و يستريح و لا مزعج. 11- لاني انا معك يقول الرب لاخلصك و ان افنيت جميع الامم الذين بددتك اليهم فانت لا افنيك بل اؤدبك بالحق و لا ابرئك تبرئة. 12- لانه هكذا قال الرب كسرك عديم الجبر و جرحك عضال. 13- ليس من يقضي حاجتك للعصر ليس لك عقاقير رفادة. 14- قد نسيك كل محبيك اياك لم يطلبوا لاني ضربتك ضربة عدو تاديب قاس لان اثمك قد كثر و خطاياك تعاظمت. 15- ما بالك تصرخين بسبب كسرك جرحك عديم البرء لان اثمك قد كثر و خطاياك تعاظمت قد صنعت هذه بك. 16- لذلك يؤكل كل اكليك و يذهب كل اعدائك قاطبة الى السبي و يكون كل سالبيك سلبا و ادفع كل ناهبيك للنهب. 17- لاني ارفدك و اشفيك من جروحك يقول الرب لانهم قد دعوك منفية صهيون التي لا سائل عنها.
أية (10) لم تتحقق تماماً فى العودة من سبى بابل لذلك فتحقيقها لم يتم إلا فى كنيسة المسيح التى جمع الله لها أولادها من بعيد. فالمؤمنين بالمسيح هم من كافة أنحاء الأرض وهؤلاء خلصهم من أرض سبيهم = أى من سبى وعبودية إبليس. بل يعطيهم سلام = يطمئن ويستريح أية (11) الأمم رمز الشياطين ستفنى لكن أولاد الله يؤَدبون فقط ثم يعودون. وهم لا يتبرأون = فالله لا يحابى، ومن يخطىء يعاقب ويؤدب. وهم لم يتبرأوا بأعمالهم إنما بدم المسيح. وفى (12) هذا حال الإنسان بعد الخطية قبل مجىء المسيح وفدائه وفى (13) ليس لها صديق أو محب يعصر جرحها ويضع لها عقاقير رفادة = أى أدوية شافيه. لم يكن أحد ليتوسط لهم ويتدخل لحل قضيتهم. لذلك سيتدخل الله بنفسه. وفى (14) حتى أصدقائها غير قادرين على تعزيتها فالله هو الذى ضربها. وإذا تركنا الرب فمن يقف بجانبنا. وفى (15) حالهم ميئوس منه والسبب خطاياهم. ولنلاحظ أن الأحزان عديمة الشفاء سببها شهوات عديمة الشفاء. بل صارت محتقرة وسموها منفية صهيون (17) ولكل ذلك سيقوم الله لخلاصها بالرغم من أنه يظهر بعيداً. وهذه الأمم ستخرب ولكنك ستهربين من هذا الخراب وأنقذك وأشفيك هذا هو عمل الفداء وليس سواه.
أرفدك = أضع لك عصابة لأشفيك.
الأيات 18-24:- 18- هكذا قال الرب هانذا ارد سبي خيام يعقوب و ارحم مساكنه و تبنى المدينة على تلها و القصر يسكن على عادته. 19- و يخرج منهم الحمد و صوت اللاعبين و اكثرهم و لا يقلون و اعظمهم و لا يصغرون. 20- و يكون بنوهم كما في القديم و جماعتهم تثبت امامي و اعاقب كل مضايقيهم. 21- و يكون حاكمهم منهم و يخرج و اليهم من وسطهم و اقربه فيدنو الي لانه من هو هذا الذي ارهن قلبه ليدنو الي يقول الرب. 22- و تكونون لي شعبا و انا اكون لكم الها. 23- هوذا زوبعة الرب تخرج بغضب نوء جارف على راس الاشرار يثور. 24- لا يرتد حمو غضب الرب حتى يفعل و حتى يقيم مقاصد قلبه في اخر الايام تفهمونها.
أية (18) هم الأن فى سبى إذاً هم فى خيام لأنها إقامة مؤقتة. ولكن حين يعودون لأورشليم ستبنى مدينتهم وبيوتهم وقصرهم فمن جعل مدينة خراباً (أش 2:25) قادر أن يجعلها مدينة من جديد. ولكن الخيمة تشير لهذا الجسد الذى نحيا به الأن وهذا الجسد كان فى سبى الخطية، معذب لا يجد عزاء حقيقياً مثل الإبن الضال لا يجد ما يشبع بطنه سوى الملذات الدنسة والشهوات الرديئة التى هى خرنوب الخنازير. ولكن بعد الفداء حررنا الله بمراحمه بل وأصبح جسدنا هيكلاً لروحه القدوس. بل صار جسدنا قصراً فالذى يسكن فيه هو ملك الملوك "إن أحبنى أحد يحفظ كلامى ويحبه أبى وإليه نأتى وعنده نصنع منزلاً" (يو23:14) + (2كو1:5) بل يبنى البيت الجديد على تل. فأورشليم مبنية على تل عالٍ والمعنى سمو البيت الجديد فهو جسد سمائى، خليقة جديدة سماوية تصلى "أبانا الذى فى السموات" وخلال فترة سبى الجسد كانوا لا يسبحون الله. لكن بعد خلاصهم من السبى يعودون للتسبيح (19) فالتسبيح هو لغة الذين خلصهم المسيح. وهم يسبحون الله على صنيعه. من هو مسرور فليرتل وبالنسبة لليهود فهذا معناه أنه ستعود لهم أفراحهم وأعيادهم. ويزداد عددهم. وهذا ما حدث مع الكنيسة حينما نمت وإنتشرت فى العالم كله = ولا يقلون وأعظمهم. ويكون بنوهم كما فى القديم = عادت لنا البنوة فى المسيح الإبن وجماعتهم تثبت أمامى = لا أعود أخرجهم من أمامى كما أخرجت آدم. وأعاقب كل مضايقيهم (20) الشياطين. وهى تنطبق جزئياً فى العودة من السبى. وفى (21) الله يباركهم بحكم جديد فيحكمهم حاكم منهم وليس من الأعداء أو الغرباء. أى واحد من إخوتهم إشترك معهم فى ألام السبى وفى هذا إشارة للمسيح الذى شابهنا فى كل شىء وأخذ جسداً كجسدنا بل خيمة كخيمتنا. فهو أخلى ذاته آخذاً صورة عبد. وشابه إخوته فى كل شىء. وأقربه فيدنو إلىَ = بالنسبة لإسرائيل يعودوا للعبادة فى الهيكل بعد أن كانوا قد رُفضوا وهذا من نعمة الله عليهم ومراحمه. فلا أحد يستحق هذا ولا أحد يستطيع هذا إن لم يقربه الله بمراحمه. ولكن هذه الأية تنظر للمسيح كشفيع وهو كشفيع عمله أن يقترب من الله ليس لحساب نفسه بل لحسابنا كرئيس كهنة فقد قيل عن الكهنة أنهم يقتربون إلى الله (لا3:10 + 17:21) + (خر21:20) والله أرسل المسيح وقدَسه لذلك العمل وبه سُرَت نفس الله. والمسيح قد أطاع حتى الموت وقدم نفسه ذبيحة لذلك سُرَت به نفس الله. وهو قَبِلَ كل الألام ولم يهرب منها. ولذلك كان السؤال من هو هذا الذى أرهن قلبه ليدنو إلىَ = وفى ترجمة أخرى يرتبط قلبه بى إرتباطاً لا فكاك منهُ إرتباط فيه كل الطاعة. لم يكن أحد يستطيع هذا سوى المسيح وبعمله هذا حملنا كلنا فيه وقربنا للأب. هذا معنى شفاعة المسيح ولذلك وبعمل المسيح هذا تكونون لى شعباً (22) وأنا أكون لكم إلهاً. ولاحظ أن من يرتبط بالله يجب أن يعطيه القلب كاملاً ويرتبط معهُ قلبياً ويكون القلب مستعد لخدمة الله فى حب حقيقى ويبقى قريباً من الله فالله يطلب القلب. وهذا هو ما يحتاج لجهاد كبير لأن القلب نجيس ومخادع. وبعد ذلك يعاقب الله الأشرار من الشعب البابلى أو الشياطين (راجع أش23،22:51) ويكون ألمهم وعذابهم مثل الزوبعة مذهلاً لا يقاوم ومحزن جداً ومؤلم جداً وسيتعقبهم وهو دائم. ولن يفهم أحد معنى هذا الخلاص الذى بالمسيح سوى فى آخر الأيام أى بعد مجىء المسيح (24،23) ونلاحظ فى هذا الإصحاح أن الخلاص سيكون مبهج بالرغم من أنهم الأن فى ألام السبى (4-7) وبالرغم من ان ظالميهم أقوياء جداً (8-10) وبالرغم من أن أمم أخرى هلكت ولن تعود (11) وبالرغم من أن كل وسائل الخلاص الظاهرة أمامهم تبدو وكأنها إنتهت (12-14) ومع أن الله هو الذى أرسلهم للسبى بسبب خطاياهم وغضبه عليهم وبالرغم من يأس كل من حولهم من خلاصهم (17) بالرغم من كل هذه العقبات فهم ونحن أبناء الله لا يمكن أن يتركنا فى أيدى ظالمينا ومستعبدينا.