منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 26 - 07 - 2023, 08:28 AM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,310

مَثلُ الزَّارِع وكَلِمَةُ الله




مَثلُ الزَّارِع وكَلِمَةُ الله


الأحَد الخامس عشر من السنة:
مَثلُ الزَّارِع وكَلِمَةُ الله (متى 13: 1-23)



النص الإنجيلي (متى 13: 1-23)



1 في ذلكَ اليوم خَرَجَ يسوعُ مِنَ البَيت، وجلَسَ بِجانِبِ البَحر. 2 فازْدَحَمَت عليهِ جُموعٌ كَثيرة، حتَّى إِنَّه رَكِبَ سَفينةً وجَلَسَ، والجَمْعُ كُلُّه قائمٌ على الشَّاطِئ. 3 فكلَّمَهُم بالأَمثالِ على أُمورٍ كثيرةٍ قال: ((هُوَذا الزَّارع قد خرَجَ لِيَزرَع. 4 وبَينما هو يَزرَع، وقَعَ بَعضُ الحَبِّ على جانِبِ الطَّريق، فجاءَتِ الطُّيورُ فأَكَلَتْه. 5 ووَقَعَ بَعضُه الآخَرُ على أَرضٍ حَجِرةٍ لم يكُنْ له فيها تُرابٌ كثير، فنَبَتَ مِن وقتِه لأَنَّ تُرابَه لَم يَكُن عَميقاً. 6 فلمَّا أَشرقَتِ الشَّمسُ احتَرَق، ولَم يكُن له أَصلٌ فيَبِس. 7 ووَقَعَ بَعضُه الآخَرُ على الشَّوك فارتفعَ الشَّوكُ فخَنقَه. 8 ووَقَعَ بَعضُه الآخَرُ على الأَرضِ الطَّيِّبَة فأَثمَرَ، بَعضُه مِائة، وبعضُه سِتِّين، وبعضُه ثَلاثين. 9 فمَن كانَ له أُذُنان فَلْيَسمَعْ!)). 10 فدَنا تَلاميذُه وقالوا له: ((لِماذا تُكلِّمُهم بالأَمثال؟)). 11 فأَجابَهم: ((لأَنَّكم أُعطيتُم أَنتُم أَن تعرِفوا أَسرارَ مَلكوتِ السَّمَوات، وأَمَّا أُولَئِكَ فلم يُعطَوا ذلك. 12 لأَنَّ مَن كانَ لَه شَيء، يُعْطى فيَفيض. ومَن ليس لَه شَيء، يُنتَزَعُ منه حتَّى الَّذي له. 13 وإِنَّما أُكلِّمُهم بِالأَمثال لأَنَّهم يَنظُرونَ ولا يُبصِرون، ولأَنَّهم يَسمَعونَ ولا يَسمَعون ولا هم يَفهَمون. 14 وفِيهِم تَتِمُّ نُبُوءةُ أَشَعيا حَيثُ قال: ((تَسمعونَ سَماعاً ولا تَفهَمون وتَنظُرونَ نظَراً ولا تُبصِرون. 15 فقد غَلُظَ قَلبُ هذا الشَّعب وأَصَمُّوا آذانَهم وأَغمَضوا عُيونَهم لِئَلاَّ يُبصِروا بِعيونِهم ويَسمَعوا بِآذانِهم ويَفهَموا بِقُلوبِهم ويَرجِعوا. أَفأَشفيهم؟)). 16 وأَمَّا أَنتُم، فَطُوبى لِعُيونِكم لأَنَّها تُبصِر، ولآذانِكم لأَنَّها تَسمعَ. 17 الحَقَّ أَقولُ لَكم إِنَّ كثيراً مِنَ الأَنبِياءِ والصِدِّيقينَ تَمَنَّوا أَن يَرَوا ما تُبصِرونَ فلَم يَرَوا، وأَن يَسمَعوا ما تَسمَعونَ فلَم يَسمَعوا. 18 ((فَاسْمَعوا أَنتم مَثَلَ الزَّارع: 19 كُلُّ مَن سَمِعَ كَلِمَةَ الملكوت ولم يَفهَمْها، يَأتي الشِّرِّيرُ ويَخطَفُ ما زُرِعَ في قَلبِه: فهذا هوَ الَّذي زُرِعَ في جانِبِ الطَّريق. 20 وأَمَّا الَّذي زُرِعَ في الأَرضِ الحَجِرة، فهُو الَّذي يَسمَعُ الكَلِمة ويَتَقَبَّلُها لِوَقْتِهِ فَرِحاً، 21 ولكن لا أَصلَ لَه في نَفْسِه، فلا يَثبُتُ على حالة. فإِذا حَدَثَت شِدَّةٌ أَوِ اضطِهادٌ مِن أَجلِ الكَلِمة عَثَرَ لِوَقْتِه. 22 وأَمَّا الَّذي زُرِعَ في الشَّوك فهُو الَّذي يَسمَعُ الكَلِمة، ويكونُ له مِن هَمِّ الحَياةِ الدُّنيا وفِتنَةِ الغِنى ما يَخنُقُ الكَلِمة فلا تُخرِجُ ثَمَراً. 23 وأَمَّا الَّذي زُرِعَ في الأَرضِ الطَّيِّبَة، فهُو الَّذي يَسمَعُ الكَلِمة ويَفهَمُها فيُثمِرُ ويُعطي بَعضُه مِائة، وبَعْضُه سِتِّين، وبَعضُه ثلاثين)).





مقدمة



يُسلط إنجيل الأحد الأضْواء على تعليم يسوع، في ختام خدمته العَلنية في الجَليل، عن ملكوت الله من خلال الأمْثال بعد أن علَّم بالمواعظ. إذ جمع متى الإنجيلي سبع أمثال مُبتدئًا مع مَثل الزَّارع (متى 13: 1-23)، حيث استعان يسوع به من الطبيعة. وهو آخر مجهود يقوم به يسوع لحَمْل التلاميذ وجُموع السَّامعين على الاختيار تجاه كَلِمة الله. فالمَثل يجعل السَّامعين يفكّرون، كي يتَّخذوا موقفًا، لانَّ كَلِمة الله سَيفٌ ذو حَدَّين (العبرانيين 4: 12) إمّا للولادة الجديدة (1 بطرس 1:23)، وإمَّا للدَّينونة والهَلاك (يوحنا 12: 48)؛ لذلك من الضروريّ "أن تُصبح كَلِمة الله أكثر فأكثر قلب كلّ نشاطٍ كنسيّ" (البابا بندكتس السَّادس عشر). ومن هنا تكمن أهمية البحث في وقائع النص الإنجيلي وتطبيقاته.





أولا: وقائع النص الإنجيلي (متى 13: 1-23)



1 في ذلكَ اليوم خَرَجَ يسوعُ مِنَ البَيت، وجلَسَ بِجانِبِ البَحر.




تشير عبارة "في ذلكَ اليوم" إلى انتقال جديد في أسلوب خدمة يسوع التعليمية باستخدام الأمْثال. أمَّا عبارة "خَرَجَ " فتشير إلى خارج بيته حيث خرج يسوع من عند الآب (بيته السماوي) (يوحنا 13: 3) قادمًا للعالم (البَحر) لتعليم شَعبه في السَّفينة (الكنيسة). ويُعلق العلامة أوريجانوس "عندما يكون يسوع مع الجموع يكون خارج بيته، لأنَّ الجُموع خارج البَيت. إذ يترك البَيت ويذهب بعيدًا إلى أولئك الذين يعجزون عن الحضور إليه". هذا العمل ينبع عن حُبّه للبَشر. أمَّا عبارة " البَيت" فتشير إلى الدار الذي هو موضع تجتمع فيه الجماعة، والبَيت في إنجيل متى يدلُّ على "الكنيسة المقدّسة كجماعة المؤمنين"؛ أَمَّا عبارة " بِجانِبِ البَحر" فتشير إلى المكان الذي يلتقي يسوع الجمع ويُعلِّمهم (مرقس 4: 1)؛ أمَّا عبارة "البَحر" فتشير إلى بحر طبريَّة، وهو رمز العالم المَملوء اضْطرابًا وصعوبات، بما فيها من مُقَاوَمَة لكَلِمة الله.



2 فازْدَحَمَت عليهِ جُموعٌ كَثيرة، حتَّى إِنَّه رَكِبَ سَفينةً وجَلَسَ، والجَمْعُ كُلُّه قائمٌ على الشَّاطِئ.



تشير عبارة "جُموعٌ كَثيرة" إلى كثرة عدد النَّاس وتعدّدهم. ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم "إن القصد من اجتماع النَّاس حوله هو سماع تعليم يسوع، وشفاء مرضاهم، وإشباع جوعهم ورؤية جماله. أمَّا "سَفينةً" فتشير إلى قاربٍ من قوارب الصَّيد استخدمه يسوع كمنبر يُخاطب منه الجُموع المُحتشدة على الشاطئ المقابل (مرقس 3: 9)؛ والسَفينة ترمز إلى الجماعة الجالسة حول يسوع؛ أمَّا عبارة " جَلَسَ" فتشير إلى عمل المعلم وكان الجلوس عادة المعلم عند التعليم ويسوع كمعلم يسير على نفس الخط (مرقس 5: 1).



3 فكلَّمَهُم بالأَمثالِ على أُمورٍ كثيرةٍ قال: ((هُوَذا الزَّارع قد خرَجَ لِيَزرَع.



تشير عبارة " فكلَّمَهُم " إلى مُخاطبة يسوع جميع النَّاس دون تمييز. أمَّا عبارة "الأَمثالِ" فتشير إلى خبر يؤخذ من الطبيعة أو من حياة الإنسان من أجل العبرة التي يحملها أو تقديم فكرة معيّنة. وكَلِمة "مثل" في الأصل اليوناني παραβολή (معناها وضع شيئين جنبًا إلى جنب بقصد المقارنة) حيث أنَّ المثل هو مجرد تشبيه أو قصة من الواقع اليومي لتوضيح حقيقة روحية. ويختلف المثل عن الحكمةπαροιμία (معناها مثل حكمي) الذي هو عبارة وجيزة تتضمن معاني كثيرة كأمثال سليمان الحكيم على سبيل المثال "مَخافَةُ الرَّبّ رَأسُ العِلْم والحِكمَةُ " ( أمثال 1: 7). والكلام بأمثال هو أسلوب يدعو السَّامع للتفكير والاستنتاج لإثبات المعلومة على وجه التحديد ؛ ونجد ثلاثين مثلا في الأناجيل: متى، مرقس ولوقا؛ وجمع هنا متى الإنجيلي سبعة أمثال: مثل الزَّارع ( 13 : 1-23) ، ومثل الزُّؤان (13: 24-30) ومثل حَبَّة الخَرْدل (13: 31- 32) و مثل الخَميرة (13: 33-35) والكنْز واللؤلؤة (13: 44- 46) ومثل الشَّبكة ( 13: 47-50) ومثل الجديد والقديم (13: 51-52) ، وتدل هذه الأمثال على تعليم يسوع المُميَّز، وهي تُوضِّح الفَرق بين التعليم المُوجّه إلى الجمع والتفسير المقصور على التلاميذ (متى 13: 10-16)، ويُشدِّد متى الإنجيلي في الأمثال على وجهها اللّغزي (متى 13: 9)، حيث لا يُكشف سرَّها لجميع السَّامعين (متى 13: 11). ولم يكتفِ متى الإنجيلي أن يستخرج تعليمًا وعِبرة من الحَياة اليوميَّة، بل ربطها بحَياة يسوع وبحَياة الكنيسة. أمَّا عبارة "على أُمورٍ كثيرةٍ" فتشير إلى ما أورده يسوع من أمْثال كأسلوب جديد في تعليمه. أمَّا " الزَّارع " فتشير إلى رجل يُلقى البَذْرَ أو الحَبّ في الأرض كي ينبت، ويدل الزَّارع هنا على يسوع نفسه، كما يُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم "يدعو يسوع تعاليمه هنا بذارًا، ونفوس البشر حقلًا مفلحًا، ويدعو نفسه الزَّارع". أمَّا عبارة "خرَجَ" في الأصل اليوناني ἐξῆλθεν فتشير إلى الزَّارع الذي خرَجَ للزَرْع لأجل يسوع الذي خرج مثل الزَّارع ἐξελθὼν من البَيت ليُلقي كَلِمة الله (متى 13: 1)؛ يظهر الزَّارِع كشخص مبذِّر، فانه لا يعطي حسابا للمكان وللكمية التي سينثرها من البذار. ومن هذا المنطلق، نفهم أن الزَّارع هو يسوع نفسه الذي يُلقي كلمته بكل حرية ومحبة ورغب أن تستقبل هذه الكلمة بكل محبَّة وحرُّية. ويعلق القدّيس أوغسطينوس " فالزَّارع لا يهمّه أن يقع بعض الحَبّ على جانب الطريق أو على أرض حَجِرة أو على الشوك... لأنّه لو أُحبِطَت عزيمته بسبب هذه الأماكن العقيمة، لما تابع سيره نحو الأرض" (العظة 101). أمَّا عبارة "لِيَزرَع" فتشير إلى الفلاح الذي ينثر في أرضه الحَبَّ، وهو يمشي في الحقل، وذلك من كيس كبير يحمله على كتفه. وهكذا ينتشر ملكوت الله على الطَّريق ببذر الكَلِمة. وهذا المبدأ الأساسي في العمل التبشيري كلِّه. فعمل المُبشّر لا يقوم عن طريق المنطق أو الفصاحة لحمل النَّاس على التفكير بطريقة ما فحسب، إنَّما أيضا يقوم بزرع بذار كَلِمة الله الحَيَّة في تُربة القلوب البَشريَّة، كما جاء في تعليم بطرس الرسول "إِنَّكم ولِدتُم وِلادةً ثانِيَة، لا مِن زَرْعٍ فاسِد، بل مِن زَرْعٍ غَيرِ فاسِد، مِن كَلِمة اللهِ الحَيَّةِ الباقِيَة" (1 بطرس 1: 23). بذور الكلمة تنمو بالأصغاء والتأمل والحوار مع كلمة الإنجيل الّتي تُغني حياتنا وتجعلها أكثر خصوبة وتطلع نحو مستقبل أفضل، كما جاء في نبوءة أشعيا" كما يَنزِلُ المَطَرُ والثَّلجُ مِنَ السَّماء ولا يَرجِعُ إِلى هُناك دونَ أَن يُروِيَ الأَرض ويَجعَلَها تُنتِجُ وتُنبِت لِتُؤتِيَ الزَّارعَ زَرعاً والآكِلَ طَعاماً. فكذلك تَكونُ كَلِمَتي الَّتي تَخرُجُ مِن فمي: لا تَرجِعُ إِلَيَّ فارِغة بل تُتِمُّ ما شِئتُ وتَنجَحُ فيما أَرسَلْتُها لَه"(أشعيا 55: 10-11).



4 وبَينما هو يَزرَع، وقَعَ بَعضُ الحَبِّ على جانِبِ الطَّريق، فجاءَتِ الطُّيورُ فأَكَلَتْه.



تشير عبارة "الحَبِّ" إلى كَلِمة الله التي خرج يسوع من عند آبيه لإعلان كَلِمة الله حول المَلكوت. فالمسيح أيضًا هو البذرة أي كَلِمة الله والحَبّ أو البِذار الذي يُلقى في الأرض، ألم يُشبّه السيد المسيح نفسه بحَبة الحِنطة التي تقع في الأرض؟ (يوحنا 12: 24)، لكن الأرض التي يقع فيها الحَبّ هي ليست كلها طيّبة. أمَّا عبارة "جانِبِ الطَّريق" فتشير إلى المَمرّ المُؤدي إلى الحَقل حيث يبقى الحَبّ مكشوفًا لا يُغطَّى بالتراب، وتدل الطَّريق على القساوة وعدم المُبالاة التي عطَّلت قبول كَلِمة الحياة، ويُعلق القديس كيرلس الكبير "الطَّريق دائمًا صلب، تَطَأه أقدامُ كلِّ العَابرين على الدَّوام، لهذا لا تبذر فيه بذار"؛ وهذا هو واضح في نص إنجيل لوقا وهو أنَّ "بَعضُ الحَبِّ الذي وقع على جانِبِ الطَّريق، داسَتهُ الأَقدام" (لوقا 8 5). أمَّا عبارة " الطُّيورُ " فتشير إلى الشَّيطان، وهي قوة شخصية شريرة (مرقس 4: 15)، حيث أنَّ الشَّيطان يخطف ما قد زرع في القلب، وينتزع كَلِمة الله من صدور النَّاس لئلا يتنامى ملكوت الله في قلوبهم؛ وهذا هو السبب الأول لفشل خِصب الحَبِّ، أي نمو كَلِمة الله.



5 ووَقَعَ بَعضُه الآخَرُ على أَرضٍ حَجِرةٍ لم يكُنْ له فيها تُرابٌ كثير، فنَبَتَ مِن وقتِه لأَنَّ تُرابَه لَم يَكُن عَميقاً.



لا تشير عبارة "أَرضٍ حَجِرةٍ" في الأصل اليوناني πετρώδη (معناها أماكن صخرية) إلى أرض مملوءة بالحجارة، وهي الأرض المكوّنة من طبقة رقيقة من التُّربة تكمن تحتها طبقات صَخريّة غير صالحة للنبات أو للزِّراعة، وهذا النوع من التُرْبة شائعٌ في الجليل. وهذه الأرض هي سبب الفَشَل في خَصب الحَبّ. وعلى هذه الأرض الحَجِرة ينمو الزَّرع بسُرْعة فيها، ويَجفَّ بسرعة أيضًا، لانَّ فيها حِجارة كثيرة وتُراب قليل. وهذا المَشهد أقرب إلى الواقع الفلسطيني من الصَخر، كما ورد في إنجيل لوقا (لوقا 8: 6). أمَّا عبارة " فنَبَتَ مِن وقتِه " في الأصل اليوناني εὐθέως ἐξανέτειλεν (معناها نبت حالاً) فتشير إلى سرعة تأثير الحَرارة في الحَبّ وذلك لرقة تربة الأرض. في الأرض الحجرة ينبت الزرع حالا، ولهذا السبب لا تستمر، ولا تصمد أمام الوقت الطويل. أمَّا عبارة "تُرابَه لَم يَكُن عَميقاً" فتشير إلى الرطوبة (لوقا 8: 6) أي الافتقار إلى العمق الروحي.



6 فلمَّا أَشرقَتِ الشَّمسُ احتَرَق، ولَم يكُن له أَصلٌ فيَبِس.



تشير عبارة "احتَرَق " إلى حرارة الشَّمس التي ذهبت برطوبته، ولم يبق َفي تُرْبته الرَّقيقة رطوبةٌ يستعيض بها عمَّا ذهبت الشَّمس به، لانَّ رِقة التُرْبة منعت الزَّرع من تعمق أصوله. وهذا هو السَّبب الثَّاني لفشل خصب الحَبِّ أي كَلِمة الله، إذ يندفع البَعض لكَلِمة الله ولكنَّهم يتوقّفون بسرعة عند كل عاطفة وخوف وحَياء. ويُعلق أحد قال أحد الوعاظ " إنّ ربح نفس للمسيح يحتاج إلى 5% من العمل، أمَّا حفظها في علاقة معه فيحتاج إلى 95%".



7 ووَقَعَ بَعضُه الآخَرُ على الشَّوك فارتفعَ الشَّوكُ فخَنقَه.



أمَّا عبارة " الشَّوك" فتشير إلى الشَّوك الذي ينبت عادة في الحقول، وهو اقوى من الزَّرع فيسلبه الرَّطوبة والحَرارة. الشَّوك رمز إلى الانشغال بهموم الدُّنيا وغِناها: المَنصب، الشُّهرة، السَّعي إلى كسب رضى النَّاس واستحسانهم. فهموم الدنيا تحجب عن أبصار النَّاس كَلِمة الله، ومشاغل الحياة تخنق فيهم كَلِمة المَلكوت، ويُعلّق القديس كيرلس الكبير على الشَّوك يرمز إلى هموم الحياة وغناها وملذّاتها". ويوضّح القديس إقليمنضس الإسكندري "بأنه لا يجب أن نلوم المال، بل سوء استعماله". وأمَّا إنجيل مرقس فيضيف "وسائر الشهوات" (مرقس 4: 19)، مثل شهوة العَظمة والقوَّة والسُّلطان والانتقام والمُتعة. هذا هو سبب الفَشَل الرابع في خصب الحَبّ، وبالتَّالي نمو كَلِمة الله. أمَّا عبارة " فخَنقَه " فتشير إلى فعل خاص بالحَيوان، لكنَّه نُسب هنا إلى النَّبات على سبيل الاستعارة، لأنه يقطع الحياة.



8 ووَقَعَ بَعضُه الآخَرُ على الأَرضِ الطَّيِّبَة فأَثمَرَ، بَعضُه مِائة، وبعضُه سِتِّين، وبعضُه ثَلاثين.



تشير عبارة "الأَرضِ الطَّيِّبَة" إلى الأرض المُعَدة لقبول الزَّرع بخلاف الأرض التي يبست من وطء أقدام المَّارين، بخلاف الأرض الحَجِرة الكثيرة الأشواك. وهذه الأرض تدل على سماع كَلِمة الله وفهمها وتقبلها بالإيمان وحفظها في القلب فتعمل عملها في قلوب البشر وتنمو ملكوتا مُباركاً. يذكر القدّيس لوقا، في مثل الزّارع، معنى "الأرض الطَّيِبَة" حين قال: "وأَمَّا الَّذي في الأَرضِ الطَّيِبَة فَيُمَثِّلُ الَّذينَ يَسمَعونَ الكَلِمَةَ بِقلبٍ طَيِّبٍ كَريم ويَحفَظونَها، فَيُثمِرونَ بِثَباتِهم" (لوقا 8: 15). ويعلق القدّيس أوغسطينوس " هذه هي حالتنا: هل سنكون "جانب الطريق" تلك أم "الأرض الحَجٍرة" أم الشوك؟ أم نريد أن نكون الأرض الطَّيِبَة؟ فَلنُعِدَّ قلوبنا لتأتيَ بثلاثين أو ستّين أو مئة أو ألف ضعف من الثمار. ولْتكن ثمارنا في كلّ مرّة قمحًا صالحًا بدون سواه " (العظة 101). أمَّا عبارة " بَعضُه مِائة، وبعضُه سِتِّين، وبعضُه ثَلاثين " فتشير إلى درجات الثَّمر وخصب الحَبّ حين يقع في الأرض الطَّيِبَة. ومن هذا المنطلق، إنَّ كَلِمة الله إذا ما أتيحت لها الفرصة في ظروف مواتية بالطَّريقة عينها التي بها " فَالأَرضُ مِن نَفسِها تُخرِجُ العُشبَ أَوَّلاً، ثُمَّ السُّنُبل، ثُمَّ القَمحَ الَّذي يَملأُ السُّنبُل"(مرقس 4: 28)؛ وقيل أنَّ هناك سنابل تثمر 30 حَبَّة، وأخرى تثمر 60 حبَّة وثالثة تثمر 100حبَّة، وهذه الأمر تُعبِّر عن تفاوت النَّاس في عبادة الله وممارسة الفضيلة والرحمة، وظهور ثمار الرُّوح فيهم. ويظهر هذا الخَصب في الارتفاع التدريجي للأرقام. في حين لا يذكر لوقا إلاَّ الذي أثمر أعظم قدر، وهو مائة ضعف (لوقا 8: 8) كما أصاب إسحاق في أرضه "زَرَعَ إِسحقُ في تِلكَ الأَرضِ فأَصابَ في تِلكَ السَّنَةِ مِئَةَ ضِعْف"(التكوين 26: 12). فعلى الإنسان أن يكون بمثابة الأرض الطَّيِبَة، كما يُعلق القديس كيرلس الكبير " تُهَنِّئُكُم جَميعُ الأُمَم، لِأَنَّكم تَكونونَ أَرضاً شَهِيَّة، قالَ رَبّ القُوَّات" (ملاخي 3: 12). فإنه عندما تسقط الكَلِمة الإلهيّة على نفس طاهرة، تخرج جذورًا عميقة، وتأتي بسنابل حنطة تحمل ثمرًا متزايدًا". ومن وجهة نظر يوحنا الإنجيلي، كان يسوع على الصليب هو أيضًا البذرة الّتي تؤتي بثمار كثيرة عندما تُدفن في قلب الأرض "إنَّ حَبَّةَ الحِنطَةِ الَّتي تَقَعُ في الأَرض إِن لَم تَمُتْ تَبقَ وَحدَها. وإذا ماتَت، أَخرَجَت ثَمَراً كثيراً. "(يوحنا 12: 14).



9 فمَن كانَ له أُذُنان فَلْيَسمَعْ!



تشير عبارة "فمَن كانَ له أُذُنان فَلْيَسمَعْ!" إلى ذوي الحاجة الشَّديدة إلى الإصغاء التام لإدراك معناه. وقد تكرَّرت هذه العبارة مرارًا في أسفار العَهد الجَديد (مرقس 9: 16، ولوقا 14: 35، ورؤيا 2: 7)؛ إنَّ عدم معرفة النَّاس طريق الخلاص ليس لعدم توفر آذان للسَّمع، بل لعدم إرادتهم للأصغاء بآذانهم وقلوبهم. أمَّا عبارة "أُذُنان" فتشير إلى الانتباه لإدراك فحوى تعليم مجازي، كما جاء في تعليم موسى النبي لشعبه "ولم يُعطِكمُ الرَّبُّ إلى هذا اليَومِ قُلوبًا لِتَعرِفوا وعُيونًا لِتُبصِروا وآذانًا لِتَسمعوا" (تثنية الاشتراع 29: 3). أمَّا عبارة "فَلْيَسمَعْ!" فتشير إلى ضرورة الانتباه المطلوب من المَرء كي يفهم معنى التعليم الذي يُقدّم له. ويتوجّه المثل إلى كل من يسمع ويستعدُّ ليأخذ الموقف المطلوب. نحن نسمع بآذاننا، ولكن هناك نوعا أعمق من الإصغاء، وذلك عن طريق الذهن والقلب. من شأن المَثل أن يحمل السَّامعين على التفكير فيتحقق مفعوله فيهم. فمن يفتح قلبه على الكَلِمة يسمع ويفهم ويلتزم، ويدخل في هذا السر ويحمل ثمرًا، أمَّا الذي ينغلق في الأنانية والكبرياء، فهو يسمع ولا يفهم، ينظر ولا يبُصر. ويُعلق القديس ايرونيموس بقوله " يقول أشعيا" يُنَبِّهُ أُذُني صَباحاً فصَباحاً لِأَسمعَ كتِلْميذ " (أشعيا 50: 4). لتفهم ماذا يقول؟ لقد أعطاني الرَّبّ أذنًا، إذ تكون لي أذن القلب؛ وهبني الأذن التي تسمع رسالة الله فما يسمعه النبي إنّما يسمعه في قلبه". لذلك فالسيد المسيح يقول " فتَنَبَّهوا كَيفَ تَسمَعون" لوقا 8: 18) أي كونوا ممن يريد أن يسمع ويفهم ويُنفِّذ ما تعلمه. وليس المهم السمع فقط، بل أن نسمع ونعمل، فيُنتج ثمر الأعمال الصالحة (يعقوب1: 21-25). هل نسمع باهتمام وتأمل لنفهم وننفِّذ ما سمعناه وفهمناه؟



10 فدَنا تَلاميذُه وقالوا له: ((لِماذا تُكلِّمُهم بالأَمثال؟ ))



تشير عبارة" تَلاميذُه " إلى جميع الذين سمعوا يسوع وتقبلوا كلامه وبقوا بعدما انصرف الجمع. والتلاميذ هم ليس فقط الاثني عشر رسولاً، كما وضَّح إنجيل مرقس "سأَلَه الَّذينَ حَولَه معَ الاثْنَي عَشَرَ عنِ الأَمثال" (مرقس 4: 10). أمَّا عبارة " تُكلِّمُهم" في الأصل اليوناني λαλεῖς αὐτοῖς (معناها تخاطبهم) فتشير إلى الضمير الذي يعود إلى الفَرِّيسيِّين الذين يخاطبهم يسوع، لكنَّهم لا يستطيعون أن يفهموا. أمَّا عبارة "لِماذا تُكلِّمُهم بالأَمثال؟" فتشير إلى سرِّ يسوع المقصورة معرفته على التلاميذ أثناء خدمة يسوع الرَّسولية (لوقا 8: 10) والمُعلن بعد ذلك في التبشير الفصحى (لوقا 8: 16: 16-17). الأدب الرؤيوي يحجب: الأسرار" السَّماوية ب"أمثال" تقتضي تفسيرًا، كما قال صاحب المزامير "أَفتَحُ فَمي بِالأَمْثال وأَفيضُ بِأَلْغازِ الزَّمَنِ القَديم " (مزمور 78: 2). ويُفسر متى الإنجيلي بهذا الكلام سبب فشل كرازة يسوع ثم كرازة الكنيسة لدى كثير من النَّاس. عندما تكلم يسوع بأمثال لم يكن يخفي الحق عمَّن يطلبونه بإخلاص، فالذين تقبلوا الحق، فهموا هذه التشبيهات، أمَّا الذين لم يتقبلوا الحَق، فهذه التشبيهات لا معنى لها.



11 فأَجابَهم: ((لأَنَّكم أُعطيتُم أَنتُم أَن تعرِفوا أَسرارَ مَلكوتِ السَّمَوات، وأَمَّا أُولَئِكَ فلم يُعطَوا ذلك.



تشير عبارة " فأَجابَهم" إلى جواب يسوع على سؤال لماذا تكلم بالأمثال مُميزا بين سامعيه الذين استناروا بتعاليمه فكانت لهم طريق للحق السَّماوي، والذين لم يستنيروا كانت أمثال يسوع عبارة عن قصص وأحاديث فقط، ولأجل ذلك كان الإنجيل رائحة حياة للبعض ورائحة موت للآخرين كما جاء في تعليم بولس الرسول " لِهؤُلاءِ رائِحَةٌ تَسيرُ بِهم مِن مَوتٍ إلى مَوت، ولأُولئِكَ رائِحَةٌ تَسيرُ بهم مِن حَياةٍ إلى حَياة" ( 2 قورنتس 2: 16) ؛ أمَّا عبارة " أَنتُم " فتشير إلى صورة التأكيد على التلاميذ (داخل الكنيسة) مقابل أولئك (خارج الكنيسة) الذين يجهلون الحق الروحي. لقد أعطى يسوع التلاميذ وحدهم أن يفهموا أسرار الملكوت، لأنَّهم من الداخل، من أهل البَيت. إن التلاميذ فهموا أسرار الملكوت، وهي جوهر رسالة يسوع. ولذلك لم يحتاجوا أمثالا لجذب انتباههم. أمَّا عبارة "لأَنَّكم أُعطيتُم أَنتُم" فتشير إلى الملكوت الذي يُقدَّم على سبيل هبة لا على سبيل أجرة يستحقونها للذين يرغبون في معرفة الحق (رومة 6: 23). فالخلاص مُقدَّم للجميع، كما جاء في تعليم بولس الرسول "فإِنَّه يُريدُ أَن يَخْلُصَ جَميعُ النَّاس ويَبلُغوا إلى مَعرِفَةِ الحَقّ" (1 طيموتاوس 2: 4)، لكن يسوع يحتفظ بسر تعليمه إلى تلاميذه الذين جعلهم الإيمان يفهمون أن ملكوت الله هو في مجيء يسوع. لذلك المَثل مُوجّه لأولئك الذين يجهلون الحق الرُّوحي جهلاً تامًا لجذب انتباههم. أمَّا عبارة "عرِفوا" فتشير إلى إحدى الكلمات الأساسية لمجموعة التلاميذ التي لا نجدها في مكان آخر في إنجيل متى. فالتلاميذ يواصلون اختبار يسوع الذي يُشركهم في وحي الملكوت، كما جاء في تعليم بولس الرسول "فالَّذينَ سَبَقَ أَن قَضى لَهم بِذلك دَعاهم أَيضاً، والَّذينَ دَعاهُم بَرَّرَهم أَيضاً والَّذينَ بَرَّرَهم مَجَّدَهُم أَيضاً " (رومة 8: 30). ولذلك استطاع أن يعرفوا ولم يلبثوا أن يعترفوا بإيمانهم على لسان بطرس "أَنتَ المسيحُ ابنُ اللهِ الحَيّ "(متى16: 16)، علمًا أن الفرِّيسيِّين والكتبة يزدادون قساوة. أمَّا عبارة " أَسرارَ " فتشير إلى ما لا يُدركه عقل بشري بلا وحي إلهي. وأعظم أسرار الملكوت نفسه يُعطى التلاميذ معرفته، أو إلى سر يسوع بصفته فاتح الملكوت (1 تسالونيقي 3: 16) أو إلى الأسرار المتعلقة بالملكوت بما فيها من ميزة مخفيّة ومتنازع عليها. وكَلِمة سر في العهد الجديد تعني سر مُعلن، أعلنه الوحي بعد أن كان قبلا مَخفياً، كما جاء في تعليم بولس الرسول "كَيْفَ أُطلِعتُ عَلى السِّرِّ بِوَحْيٍ كَما كَتَبتُه إِلَيكم بإِيجازٍ مِن قَبْلُ" (أفسس 3: 3). أمَّا عبارة "مَلكوتِ السَّمَوات " فتشير إلى عبارة مألوفة في الأدب الرؤيوي المُعاصر ليسوع، وهي تدلّ على ما في الله من تدابير خَفيّة تتعلّق بآخر الأزمنة: سر تدبيره ومجيء ملكوته النهائي (دانيال 20: 18-19) وهذا السر، سر ملكوت الله، المَخفي عن الجميع حتى الآن، لا يستطيع أحد أن يكشفه إلاّ الله بواسطة يسوع. ولذلك إن النهاية بدأت مع يسوع وتمّ ملُ الزمان (غلاطية 4: 4). وهذا السِّر هو محور أعمال يسوع وأقواله، ويكشفه يسوع لتلاميذه. (مرقس 3: 13)، أمَّا عبارة "أَمَّا أُولَئِكَ فلم يُعطَوا ذلك" فتشير إلى الذين لا يبالون بالمسيح، وهم الذين من الخارج (مرقس 4: 11)، وهذا يدل على طريقة متى الإنجيلي في إدراكه لماذا تُضرب الأمثال آخذًا بعين الاعتبار كيف رفض إسرائيل البشارة وكيف اختبرتها الكنيسة الأولى. تشير هذه الآية إلى أنَّ أمثال يسوع من وجهها التعليمي المليء بالاستعارات والقريب إلى عقول الكثيرين لا يُدرك معناها إلاّ إذا فهم النَّاس أنَّ قدرة الله قد ظهرت في يسوع. لكن سرّ عمله هذا بقي مُغلقًا على كثير من النَّاس. اختار الرب الكلام بالأمثال مع الذين يستمعون لكي يدركوا قساوة قلوبهم وعدم قدرتهم على الإصغاء والترحيب والفهم. ليس الغموض هو هدف الأمثال، إنما هو إلقاء الضوء على المُقَاوَمَة والقَساوة التي تسكن قلب الإنسان.



12 لأَنَّ مَن كانَ لَه شَيء، يُعْطى فيَفيض. ومَن ليس لَه شَيء، يُنتَزَعُ منه حتَّى الَّذي له.



تشير عبارة " مَن كانَ لَه شَيء" إلى ما يملكه الإنسان من مَعرفة المَلكوت عن طريق الإيمان بيسوع من خلال الإصغاء بأُذنه، والإدراك بعقله، والتقبل بقلبه. أمَّا عبارة " يُعْطى فيَفيض" تشير إلى ما يهبه يسوع من مَعِرفة تفوقها كمالاً. من كان أمينًا، وحرص أن يبحث عن الحَقِّ، يُعطيه الرَّب أن يفهم، وينمو فهمه يومًا فيومًا ويتذوَّق حلاوة أسرار ملكوت الله، كما هي الحال عند تلاميذ سيدنا يسوع المسيح. وأمَّا عبارة "مَن ليس لَه شَيء" فتشير إلى من لا يستفيد من الإصغاء بأُذنه، والإدراك بعقله، وتقبُّل تعليم المسيح والعمل بها. وهنا يدل على الفِرِّيسيِّين الذين ظنّوا أنَّهم يمتلكون شيئًا، فإذا أيديهم فارغة، ونفوسهم في شقاء تام أمام الدَّينونة لانَّهم جهلوا الملكوت الذي دشّنه يسوع. أمَّا عبارة " يُنتَزَعُ منه حتَّى الَّذي له " إلى خسارة الإنسان المعرفة الرُّوحية القليلة الذي حصل عليها. ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم "إنَّ الأمثال حملت توبيخاً غير مباشر للسامعين، إذ لم يُرد أن يوبّخهم يسوع بعنف (مباشرة) حتى لا يسقطوا في اليأس". أوضح السيّد المسيح قوله بمثَل الوَزَنات، فإن الَّذي أَخَذَ الوَزَناتِ الخَمسَ أسرع إلى المُتاجَرَةِ بِها فَربِحَ خَمسَ وَزَناتٍ غَيرَها. أمّا الذي له وزنة واحدة وقد دفنها في الأرض، ولم يتاجر بها، فحتى هذه الوزنة سُحبت منه لتُعطى لمن تاجر وربح"! (متّى 25: 16). تُعد هذه الآية مبدأ لاكتساب المَعرفة الرُّوحية، فمراده من يسمع تعليم يسوع ويحفظه، ويعمل بمقتضاه، يحصل على معرفة زائدة، وأمَّا من لا يستفيد من هذه المعرفة تؤخذ منه. فلا بُدَّ للإنسان إمَّا أن يتقدَّم أو أن يتأخر فلا يستطيع أن يقف على نقطة واحدة. سُنة التاريخ: من لا يتقدَّم يتأخر، ومن يتوقف عن المسير يخرج من القَافلة!



13 وإِنَّما أُكلِّمُهم بِالأَمثال لأَنَّهم يَنظُرونَ ولا يُبصِرون، ولأَنَّهم يَسمَعونَ ولا يَسمَعون ولا هم يَفهَمون.



تشير عبارة "وإِنَّما" في الأصل اليوناني διὰ τοῦτο (معناها من اجل هذا) إلى المبدأ الذي ذُكر في الآية السَّابقة. أمَّا عبارة " لأَنَّهم يَنظُرونَ ولا يُبصِرون" فتشير إلى إلقاء مسؤولية الْعَمَى على البشر لا على الله، لأنَّه عندما كان النَّاس يرفضون تقبّل تعليم يسوع، كانت الحقيقة مَخفيَّة عنهم. لذلك فان عدم تمييز سر الملكوت في يسوع يُزيد الْعَمَى عن رؤية هذا الملكوت؛ وهذه هي حالة الشعب اليهودي والفِرِّيسيِّين والكتبة الذين رأوا السيد المسيح ولم يعرفوه ولم يسمعوه ولم يميَّزوا صوته الإلهي، بينما تلاميذ المسيح انفتحت بصيرتهم الرُّوحية فعرفوه وأحبُّوه. فالدخول إلى الملكوت أو الانفصال عنه يتقرّران بقبول شخص يسوع وتعليمه بالأمثال أو برفضها، وليس هناك من موقف حيادي. فمن لم يكتشف سر الملكوت في يسوع، زاد عَمَى على عَمَى، لان الدُّخول إلى الملكوت أو عدم دخوله يتقرّران في قلب السَّامعين: من رفض شخص يسوع وتعليمه رفض الملكوت، ومن تقبل يسوع تقبل الملكوت. وهنا نحن أصبحنا بين خيارين: إمَّا إن نختار الخلاص وإما أن نختار الهلاك. فمن لا يتقبل الملكوت لا تعني الأمور الرُّوحية له شيئا، كما جاء في تعليم بولس الرسول "الإِنسانُ البَشَرِيُّ لا يَقبَلُ ما هو مِن رُوحِ الله فإِنَّه حَماقةٌ عِندَه، ولا يَستَطيعُ أَن يَعرِفَه، لأَنَّه لا حُكْمَ في ذلِكَ إلاَّ بِالرُّوح (1 قورنتس 2: 14). أمَّا عبارة " لأَنَّهم يَسمَعونَ ولا يَسمَعون ولا هم يَفهَمون" فتشير إلى السَّامعين الذين اتَّخذوا ظاهر كلام المَثل ولم يسألوا عن باطنه، فكان له بمنزلة قصة. وكان تأثير كلام المثل في الأُذن دون تأثيره في العقل أو في القلب ولا فائدة في السيرة. ويوضِّح صاحب الرسالة إلى العِبرانيين السبب بقوله: "لأَنَّكم كَسالى عنِ الإِصْغاء" (العبرانيين 5: 11).



14 وفِيهِم تَتِمُّ نُبُوءةُ أَشَعيا حَيثُ قال: تَسمعونَ سَماعاً ولا تَفهَمون وتَنظُرونَ نظَراً ولا تُبصِرون.



تشير عبارة "تسمعونَ سَماعاً ولا تَفهَمون وتَنظُرونَ نظَراً ولا تُبصِرون" إلى مسؤولية الشعب المُتصلَّب. (يوحنا 12: 39-41) ويستشهد متى الإنجيلي هنا بكلمات النَّبي أشعيا "اِسمَعوا سَماعاً ولا تَفهَموا وآنظُروا نَظراً ولا تَعرِفوا" (أشعيا 6: 9-10)، حيث يتنبَّأ عن رفض إسرائيل "فقَد غَلُظَ قَلْبُ هذا الشَّعْب وأَصَمُّوا آذانَهم وأَغمَضوا عُيوَنهم لِئَلاَّ يُبصِروا بِعُيونِهم وَيسمَعوا بِآذانِهم ويَفهَموا بِقُلوبِهم وَيرجِعوا. أَفأُشْفيهم؟ "(أعمال الرسل 28: 27). وهي تصف حالة الشعب الذي أرسل إليه النَّبي أشعيا. كما كان في أيام أشعيا كان النَّاس يسمعون كلماته ويرون معجزاته ولكنَّهم لم يفهموا معنى ذلك (أشعيا 6: 9) كذلك حدث مع يسوع، أغمض اليهود عيونهم عن الحقِّ الرُّوحي "هُوَذا الوارِث، هَلُمَّ نَقتُلْه، فيَكونَ الميراثُ لَنا. فأَمسَكوهُ وقتَلوه وأَلقَوْهُ في خارِجِ الكَرْم" (مرقس 7:12). وقساوة القلب هو السَّبب الذي لأجله صار بنو إسرائيل لا يفهمون، على الرغم من قدرتهم على السَّمع. والجدير بالذكر أن متى الإنجيلي إذ يكتب لليهود أورد لهم نبوة أشعيا، لأنَّهم يعرفون النبوءات، وأمَّا مرقس ولوقا إذ يكتبان للأمم لم يوردا نبوءة أشعيا. أمَّا عبارة " تَسمعونَ سَماعاً " فتشير إلى إدراك الصوت دون الاستفادة منه روحيًا. أمَّا عبارة " تَنظُرونَ نظَراً ولا تُبصِرون" فتشير إلى إدراك ظاهر الأمر والإغفال عن المقصود منه، أي إدراك الأعراض دون الجوهر الرُّوحي.



15 فقد غَلُظَ قَلبُ هذا الشَّعب وأَصَمُّوا آذانَهم وأَغمَضوا عُيونَهم لِئَلاَّ يُبصِروا بِعيونِهم ويَسمَعوا بِآذانِهم ويَفهَموا بِقُلوبِهم ويَرجِعوا. أَفأَشفيهم؟ )).



تشير عبارة "فقد" في الأصل اليوناني γὰρ (معناها لأنّه) إلى كم يوَدُّ السَّيد المسيح أن يسمع هذا الشَّعب فيؤمن ويرجع إليِّه فيشفيه، لكنَّ كبرياؤهم وعنادهم وارتباطهم بشهواتهم غَلَّظَ قلوبهم وأغلق عيونهم وأذانهم فلم يعرفوا المسيح بل صَلبوه. أمَّا عبارة "غَلُظَ قَلبُ هذا الشَّعب" في الأصل اليوناني ἐπαχύνθη ( معناها قساوة) فتشير إلى وصف الفِرِّيسيِّين، وهم مجموعة مُميَّزة من النَّاس والذين اضطهدوا يسوع (مرقس 3: 5) ، وتقوم قساوتهم على غلبة جسدهم على روحهم فأصبحوا بلا شعور بالرُّوحانيات. هذا هو السَّبب الذي لأجله صاروا لا يفهمون على الرغم من قدرتهم على السَّمع. ويوضِّح بولس الرسول سبب غلاظة قلوبهم بقوله: " قد أَظلَمَت بَصائِرُهم، وجَعَلَهُم جَهلُهم غُرَباءَ عن حَياةِ اللّهِ لِقَساوةِ قُلوبِهِم. فلَمَّا فَقَدوا كُلَّ حِسّ اِستَسلَموا إلى الفُجور فانغَمَسوا في كُلِّ فاحِشَةٍ مُستَهتِرين" (أفسس 4: 18-19). أمَّا عبارة " أَغمَضوا عُيونَهم " فتشير إلى شعب رفض إن يفتح عيونه على وَحي الله لئلا يبصر الحق وينقاد إلى التَّوبة. أمَّا عبارة "لِئَلاَّ يُبصِروا بِعيونِهم ويَسمَعوا بِآذانِهم ويَفهَموا συνῶσιν بِقُلوبِهم ويَرجِعوا" فتشير إلى ما أتوه عمدًا في البدء أصبح لهم قصاصًا في النتيجة. حيث أنَّ الله الديّان العادل تركهم يغرقون في الظلمة التي اختاروها، والجهل الذي أرادوه، كما جاء في نبوءة أشعيا "لِأَنِّي دَعَوتُ ولم يُجيبوا وتَكَلَّمتُ ولم يسمَعوا وصَنَعوا الشَّرَّ في عَينَيَّ وما لم أشاء اخْتاروا" (أشعيا 66: 4). أمَّا عبارة " َفأَشفيهم؟ " فتشير إلى الفاء السبيبة التي تُعبِّر، لا عن رغبة يسوع في حجب رسالته، بل عن مطابقة موقف النَّاس من تعليمه، لما ورد في نبوءة أشعيا "اِسمَعوا سَماعاً ولا تَفهَموا وآنظُروا نَظراً ولا تَعرِفوا غَلِّظْ قَلبَ هذا الشَّعْب وثَقِّلْ أُذُنَيه وأَغمِضْ عَينَيه لِئَلاَّ يُبصِرَ بِعَينَيه ويَسمَعَ بِأُذُنَيه ويَفهَمَ بقَلبه وَيرجعَ فيُشْفى (أشعيا 6: 9-10). يسوع أراد شفاءهم من مرض الخطيئة، لكنَّهم لم يريدوا، كما صرّح يسوع "كَم مَرَّةٍ أَرَدتُ أَن أَجمَعَ أَبناءكِ، كما تَجمَعُ الدَّجاجَةُ فِراخَها تحتَ جنَاحَيها! فلَم تُريدوا"(متى 23: 37).


16 وأَمَّا أَنتُم، فَطُوبى لِعُيونِكم لأَنَّها تُبصِر، ولآذانِكم لأَنَّها تَسمعَ.



تشير عبارة "أَنتُم" إلى المفارقة بين "هم" و"أنتم"، بين التلاميذ والكتبة والفِرِّيسيِّين. أمَّا عبارة "فَطُوبى" فتشير إلى تهنئة المسيح لتلاميذه، لأنَّهم ليسوا عُميانًا وغليظي القلوب كغير المؤمنين مثل الكتبة والفِرِّيسيِّين، لانَّ عيونهم كانت مفتوحة وآذانهم مُصغية إلى الصوت الإلهي، فنظروا وأدركوا الحقائق التي أعلنها لهم. أمَّا عبارة " لِعُيونِكم لأَنَّها تُبصِر، ولآذانِكم لأَنَّها تَسمعَ" فتشير إلى فعلين " تُبصِر وتَسمعَ" فهما لا يدلان على الحاستين البصر والسمع، وإنَّما على الإيمان والطاعة. نبصر حين نؤمن ونسمع حين نطيع. إن النور بزغ بمجيء المسيح، الذي لم يكن قد عُرف في عصر العهد القديم.



17 الحَقَّ أَقولُ لَكم إِنَّ كثيراً مِنَ الأَنبِياءِ والصِدِّيقينَ تَمَنَّوا أَن يَرَوا ما تُبصِرونَ فلَم يَرَوا، وأَن يَسمَعوا ما تَسمَعونَ فلَم يَسمَعوا.



تشير عبارة " الأَنبِياءِ والصِدِّيقينَ" إلى أهل العهد القديم الذين عرفوا أسرار الملكوت، وشاهدوا يسوع، وسمعوا كلامه؛ أمَّا أبناء العهد الجديد، فنعِموا بحضور السيد المسيح وعمله. وأمَّا لوقا الإنجيلي يذكر "الأنبياء والملوك" (لوقا 10: 24) بدل عبارة " الأَنبِياءِ والصِدِّيقينَ؛ أمَّا عبارة " تَمَنَّوا أَن يَرَوا ما تُبصِرونَ فلَم يَرَوا " فتشير إلى رغبة الأنبياء والصِدِّيقينَ في رؤية المسيح حين يتجسَّد. يهنئ يسوع تلاميذه أيضا بمشاهدتهم وأدراكهم ما اشتهى الأنبياء والأتقياء القدماء أي إن يروه ولم يروا. إذ راوا المسيح عيانا وشاهدوا معجزاته وسمعوا تعاليمه من فمه كما جاء في تعليم صاحب الرسالة إلى العبرانيين "في الإِيمانِ ماتَ أُولئِكَ جَميعًا ولَم يحصُلوا على المَواعِد، بل رَأَوها وحَيَّوها عن بُعْد، واعتَرفوا بِأَنَّهم غُرَباءُ نُزَلاءُ في الأَرض" (العبرانيين 11: 13). وشرح بطرس الرسول حال أولئك الأتقياء "عن هذا الخَلاصِ كانَ فَحْصُ الأَنبِياءِ وبَحْثُهم فَتَنبَّأُوا بِالنِّعمةِ المُعَدَّةِ لَكم " (1 بطرس 1: 10).



18 ((فَاسْمَعوا أَنتم مَثَلَ الزَّارِع: 19 كُلُّ مَن سَمِعَ كَلِمَةَ الملكوت ولم يَفهَمْها، يَأتي الشِّرِّيرُ ويَخطَفُ ما زُرِعَ في قَلبِه: فهذا هوَ الَّذي زُرِعَ في جانِبِ الطَّريق.



تشير عبارة " كَلِمَةَ الملكوت " إلى البشارة أو رسالة الإنجيل أو كَلِمة الله (لوقا 8: 11) حيث إنَّنا لم نعد أمام زارع يلقي كَلِمة الله، بل أمام من يسمع.

أمَّا عبارة " ولم يَفهَمْها " فتشير إلى من يسمع بإُذنه لا بقلبه، أي لا ينتبه لما سمعه، ولا يُدرك معناه الرُّوحي. أمَّا عبارة "يَأتي الشِّرِّيرُ" فتشير إلى الشَّيطان، مُقاوم النفوس الذي يتوقع الفرصة لمنع الإنسان عن الاستفادة من كَلِمة الله. أمَّا عبارة " ويَخطَفُ ما زُرِعَ في قَلبِه " فتشير إلى الشَّيطان الذي يصرف أفكار الإنسان عن كَلِمة الله إلى الأمور الدنيوية التافهة، إذ يتدخّل في حياته ويفسد الكَلِمة.



20 وأَمَّا الَّذي زُرِعَ في الأَرضِ الحَجِرة، فهُو الَّذي يَسمَعُ الكَلِمة ويَتَقَبَّلُها لِوَقْتِهِ فَرِحاً،



تشير عبارة "وأَمَّا الَّذي زُرِعَ في الأَرضِ الحَجِرة " إلى الصِّنف الثَّاني، أي مَن يسمعون الكَلِمة بلا فائدة، لأنَّهم لم يحسبوا النفقة أي إنكار الذَّات والاضطهادات والمَشقَّات المتعلقة به، كما يقتضي متطلبات إتباع يسوع (لوقا 14: 25، 33)؛ أما عبارة " ويَتَقَبَّلُها لِوَقْتِهِ فَرِحاً" فتشير إلى فَرح ٍوقتيٍ ناتج ٍعن انفعال سريع الزَّوال يوضِّحه حزقيال النبي بقوله "إِنَّما أَنتَ لَه كأُغنِيَّةِ حُبِّ مِن ذي صَوتٍ مُطرِبٍ يُحسِنُ العَزْف. فيَستَمِعْ كَلامَكَ ولا يَعمَلُ بِه"(حزقيال 33: 32).



21 ولكن لا أَصلَ لَه في نَفْسِه، فلا يَثبُتُ على حالة. فإِذا حَدَثَت شِدَّةٌ أَوِ اضطِهادٌ مِن أَجلِ الكَلِمة عَثَرَ لِوَقْتِه.



تشير عبارة "لا أَصلَ لَه في نَفْسِه" إلى الفَشَل الثَّاني، أي من تقبل كَلِمة الله لكن لا جذور له ولا مبادئ راسخة له: كالإيمان والتوبة والمحبة لله، وبالتالي لا ثبات لديه، فكَلِمة الله تتطلب بعض الوقت لتُثمر (متى 24: 13) فلا يكفي تقبل كَلِمة الرَّبّ "لوقته " εὐθὺς أي حالا وعلى عجل وفي لحظة دون صبر ووقت. ويقول المثل "ما يأتي بسهولة يذهب بسهولة " Easy come, easy go". وهذا الصنف من السَّامعين كَلِمة الله كالبَيت المَبني على الرَّمل " ومَثَلُ مَن سَمِعَ كلاَمي هذا فلَم يَعْمَلْ بِه كَمَثَلِ رَجُلٍ جاهِلٍ بَنى بَيتَه على الرَّمْل. فنزَلَ المطَرُ وسالتِ الأَودِيةُ وعَصَفَتِ الرِّياح، فضَرَبَت ذلكَ البَيت فسَقَط، وكان سُقوطُه شديداً" (متى 7: 26-27) أمَّا عبارة "يَثبُتُ" في الأصل اليوناني σκανδαλίζεται. (معناها يتشكك أو يعثر أي يؤخذ في الفخ الذي نصبه له الشَّيطان) فتشير إلى عدم إمكانية الوقوف في وجه المخاطر التي تُهدِّد الكَلِمة (لوقا 21: 19)؛ وقد شدّد بولس الرَّسول على هذا الثَّبات في رسائله "لا نَنفَكُّ نَذكُرُ ما أَنتُم علَيه مِن نَشاطِ الإِيمانِ وجَهْدِ المَحَبَّةِ وثَباتِ الرَّجاءَ بِرَبِّنا يسوعَ المسيح، في حَضرَةِ إِلهِنا وأَبينا"(1 تسالونيقي 1: 3). أمَّا عبارة " شِدَّةٌ " فتشير إلى الاضطهاد والضيق في الأزمنة الأخيرة، أمَّا لوقا الإنجيلي فيتوقف عند التجربة التي تُعرض للمؤمن في الحياة اليوميَّة "والَّذينَ على الصَّخْرِ هُمُ الَّذينَ إِذا سَمِعوا الكَلِمة تَقبَّلوها فَرِحين، ولكِن لا أَصلَ لَهم، فإِنَّما يؤمِنونَ إلى حين، وعِندَ التَّجرِبَةِ يَرتَدُّون" (لوقا 8: 13). أمَّا عبارة " اضطِهادٌ" فتشير إلى الشدة الأخيرة من اجل البشارة، كما ورد في إنجيل مرقس (مرقس 13: 19-24). هنا نفهم أنَّ كنيسة متى الإنجيلي عرفت الاضطهاد واختبرت سقوط الكثيرين. أمَّا عبارة "لِوَقْتِه" في الأصل لليوناني εὐθὺς (معناها حالا) فتشير إلى الإنسان الذي يكون متحمسا حيال كلمة الله ولكن محبَّته ليست عميقة. فهو يعيش بصورة مشتتة ولا يوحِّد جهوده حول كملة الله. فهو عديم الصبر.

22 وأَمَّا الَّذي زُرِعَ في الشَّوك فهُو الَّذي يَسمَعُ الكَلِمة، ويكونُ له مِن هَمِّ الحَياةِ الدُّنيا وفِتنَةِ الغِنى ما يَخنُقُ الكَلِمة فلا تُخرِجُ ثَمَراً.



تشير عبارة "وأَمَّا الَّذي زُرِعَ في الشَّوك" إلى الصنف الثالث من السَّامعين لكَلِمة الله وهم الذين شبّههم بالزَّرع بين الشَّوك. أمَّا عبارة "هَمِّ الحَياةِ الدُّنيا" فتشير إلى الاضطراب والقلق اللذان كثيرًا ما يُسبّبهما الانشغال بأمور هذه الحياة، كما ورد في العظة على الجبل من الاهتمام بالمال واللباس والأكل والشُّرب (متى 6: 24 -34)، ولا يذكر الشهوات كما ورد في انجلي مرقس " هُمومَ الحَياةِ الدُّنْيا وفِتنَةَ الغِنى وسائرَ الشَّهَواتِ" (مرقس 4: 19). فهناك حثٌّ على الإعراض عن هموم الدنيا. فهموم هذه الدنيا والاكتفاء بالذات والطُمأنينة التي يعطيها المال (مرقس 10: 17-25) جعلت كَلِمة الله عقيمة وغير مُجدية (متى 6: 24-34). وهكذا يكون استعداد سيئ لدى السَّامعين. أمَّا عبارة "فِتنَةِ الغِنى" في الأصل اليوناني ἡ ἀπάτη τοῦ πλούτου (معناها غرور الغنى) فتشير إلى محبة المال وزيادة الرغبة في إحرازه وشدَّة التَّمسك به واجتذاب الغنى، كما جاء في تعليم بولس الرسول: الشَّهَواتُ الخادِعة" (أفسس 4: 22). وهنا يجب أن نحسن الاختيار "لا تَستَطيعونَ أَن تَعمَلوا لِلّهِ ولِلمال" (متى 6: 24). إن الاهتمامات المادية والملذات وحُبَّ الغنى، كل هذه الأمور باستطاعتها خنق كَلِمة الله ومحوها فتُهلك النفس، كما جاء في تعليم بولس الرسول" أَمَّا الَّذينَ يَطلُبونَ الغِنى فإِنَّهم يَقَعونَ في التَّجرِبَةِ والفَخِّ وفي كَثيرٍ مِنَ الشَّهَواتِ العَمِيَّةِ المَشؤُومَةِ الَّتي تُغرِقُ النَّاس في الدَّمارِ والهَلاك" (1 تسالونيقي 6: 9). أمَّا عبارة " فلا تُخرِجُ ثَمَراً " فتشير إلى كَلِمة الله باعتبارها كالزَّرع الذي لا يأتي بالثمر المطلوب في إصلاح قلب الإنسان وسيرته.



23 وأَمَّا الَّذي زُرِعَ في الأَرضِ الطَّيِبَة، فهُو الَّذي يَسمَعُ الكَلِمة ويَفهَمُها فيُثمِرُ ويُعطي بَعضُه مِائة، وبَعْضُه سِتِّين، وبَعضُه ثلاثين.



تشير عبارة " وأَمَّا الَّذي زُرِعَ في الأَرضِ الطَّيِبَة " إلى الصنف الرابع من النَّاس، وهم الذين سمعوا كَلِمة الله وقبلوها في قلوبهم قولاً وفعلاً. فالأرض الطَّيِبَة التي تلقت البذرة وجعلتها تنمو ترمز إلى الإيمان. أمَّا عبارة " يَسمَعُ " فتشير إلى عمل الأُذن، وأمَّا عبارة " يَفهَمُها " فتشير إلى عمل القلب الذي لا يكتفي بالعواطف والأقوال، بل يؤمن بها ويعمل بها كما أوضح يسوع بقوله: " فمَثَلُ مَن يَسمَعُ كَلامي هذا فيَعمَلُ به كَمَثَلِ رَجُلٍ عاقِلٍ بَنى بيتَه على الصَّخْر"(متى 7: 24). أمَّا عبارة "يُثمِرُ" فتشير إلى الذين يفتحون قلوبهم على سرِّ المَلكوت الذي يُعلن في الكَلِمة فيحملون ثمرًا. لكن هذه الكَلِمة تبقى غير مفهومة للذين ينغلقون عليها ولا ينزلون إلى أعماق نفوسهم حيث يتوجّه إليهم نداء الله الُمُعلن في وضح النهار خلال الكرازة الفصيحة (متى 13: 3). أمَّا عبارة "فيُثمِرُ" فتشير إلى نتيجة سمع كَلِمة الله وإدراكها وطاعتهم إيَّاها والعمل بها وَفقا لقول يسوع " أَنا اختَرتُكم وأَقمتُكُم لِتَذهَبوا فَتُثمِروا ويَبْقى ثَمَرُكم" (يوحنا 15: 16)؛ أمَّا عبارة "ويُعطي بَعضُه مِائة، وبَعْضُه سِتِّين، وبَعضُه ثلاثين" فتشير إلى نمو حياة جديدة يختلف نموها نظرًا إلى الأمانة والغيرة وممارسة الصلاة. ونجد تناقص في المقادير التي تدل على تضاؤل حماس الكنيسة بعد أن ابتعدت عن يسوع في الزَّمن، كما تنبَّنا هو "يَزْدادُ الإِثْم، فتَفتُرُ المَحَبَّةُ في أَكثرِ النَّاس" (متى 24: 12).





ثانياً: تطبيقات النص الإنجيلي (متى 13: 1-23)



بعد دراسة موجزة عن وقائع النص الإنجيلي وتحليله (متى 13: 1-23)، نستنتج انه يتمحور حول مثل الزَّارع. والمثل ليس مجرد تشبيه مأخوذ من الحياة اليوميَّة المستخدم في التعليم، بل هو رواية توحي بحياة يسوع نفسه. ويُقسم مثل الزَّارع إلى ثلاثة مقاطع: المثل وغايته وتفسير. ومن هنا نتساءل: ما هو موضوع المثل؟ وما هو غايته؟ ما هو تفسيره أو العبرة منه؟



(1) ما هو محتوى مثل الزَّارع؟ (متى 13: 3-9).



عندما ازدحم النَّاس على يسوع، صعد إلى سَفينة راسية في بُحيرة طبريَّة وابتعد عنهم، وجلس واخذ يكلمهم من هناك، وهم قائمون على الشاطئ (متى 13: 1-2). وكشف عن حقيقة ملكوت الله سواء للجُموع عامة، أو لتلاميذه خاصة. واستخدم يسوع لغة الأمثال ليخاطب الجُموع حول سرِّ المَلكوت. والمثل الزَّراع هو إيضاح لحقيقة روحيَّة في صورة قصة أُخذت من الطبيعة لجذب الانتباه.



يدلُّ مثل الزَّارع على غلة أو محصول الحبوب بحسب نوعية الأرض: الطريق، والأرض الحَجِرة، والأرض المملوءة أشواكًا، والأرض الطَّيِبَة. أمَّا الثمر أو عدمه فيتوقّف على الأرض التي تستقبل البذار. فهناك ثلاث أراضٍي عقيمة وأرضٌ طيّبة ذات ثلاثة غلاّت (100، 60، 30). أمَّا في الأرض الطَّيِبَة فبرز خِصبُ الأرض في شكل متدرج انطلاقا من الأكثر إلى الأقل مما يدل على بعض الفتور في كنيسة متى الإنجيلي. أمَّا في إنجيل مرقس فينطلق خصب الأرض من الأقل فيصل إلى الأكثر، فهو يركز على نمو كنيسته على مثال الزَّرع الذي ينمو ويواصل نموّه (مرقس 4: 26-29). ويعلق القدّيس يوحنّا ماري فِيَنّي "إن سألتموني الآن عمّا قصد الرّب يسوع المسيح حين أعطى مثل الزّارع الّذي خرج ليزرع البذور في حقله، أقول لكم يا إخوتي، أنّ الزّارع هو الله بنفسه الّذي بدأ بالعمل على خلاصنا منذ بداية العالم، وكان هذا بإرساله أنبياءه قبل مجيء المسيح لكي يعلّمونا ما يجب علينا عمله لنخلص؛ ولم يكتف بإرسال خُدّامه، إنّما أتى بنفسه ورسم لنا الطّريق الّذي يجب أن نسلكه؛ لقد أتى ليعلن لنا كلامه المقدّس" (عظات).



ويوجّه يسوع المَثل إلى كل من يسمع ويستعدُّ لاتِّخاذ الموقف المطلوب "فمَن كانَ له أُذُنان فَلْيَسمَعْ ". الزَّرع أعطى في الأرض ثلاثة حقول عقيمة التي لم تُعطِ ثمرًا يدوم. وهناك حقل واحد أعطى ثلاث غلات (100، 60، 30). نلاحظ ثقة الزَّارع (الذي هو يسوع) بالغلال الأخيرة رغم بعض الفَشَل والإخفاق. فيسوع يوجّه نداء إلى كل إنسان ليكون الأرض الطَّيِّبَة التي تعطي ثمرًا، وأراد أن يُشرك التلاميذ والجُموع في ثقته بإعلان عن مجيء المَلكوت، وانَّه هو الذي يفتتح المَلكوت.





(2) ما هو غاية مثل الزَّارع؟ (13: 10-17)



بعد تعليم يسوع عن طريق المثل يأتي السؤال الذي طرحه التلاميذ "لِماذا تُكلِّمُهم بالأَمثال؟ بدأ يسوع مرحلة تعليم خاصة بالتلاميذ: فأَجابَهم: ((لأَنَّكم أُعطيتُم أَنتُم أَن تعرِفوا أَسرارَ مَلكوتِ السَّمَوات، وأَمَّا أُولَئِكَ فلم يُعطَوا ذلك". ووجّه يسوع الأمثال لأولئك الذين يجهلون الحق الرُّوحي كالفِريسيِّين الذين يظنُّون انهم يمتلكون شيئًا، فإذا هم فارغو الأيدي، ونفوسهم في شقاء أمام الدَّينونة، وهذا ما يعني "مَن ليس لَه شَيء، يُنتَزَعُ منه حتَّى الَّذي له". فعندما نصرُّ على رفض المسيح تسلبنا قساوة قلوبنا الفهم الذي عندنا ونزداد عَمَى. في حين أنَّ تلاميذ يسوع ليسوا بحاجة إلى التعليم بالأمثال، لأنهم من أهل البَيت وقد فهموا المَلكوت، وهم يملكون معرفة المَلكوت عن طريق الإيمان بيسوع، لذلك يهبهم يسوع معرفة إضافية "لأَنَّ مَن كانَ لَه شَيء، يُعْطى فيَفيض" (متى 13: 12).



يُلقي متى الإنجيلي مسؤولية الْعَمَى على البشر، لا على الله، حيث أنَّ عدم تمييز سرّ المَلكوت في يسوع يزيد الْعَمَى عن رؤية هذا المَلكوت "لأنهم لا يَسمَعون ولا هم يَفهَمون". إذ يتقرّر الدخول إلى المَلكوت أو الانفصال عنه بقبول شخص يسوع وتعليمه بالأمثال أو برفضهما، وليس هناك من مجال للحياد. كما كان في زمن أشعيا كذلك في زمن الرَّبّ، أغمض اليهود عيونهم عن الحقِّ الرُّوحي. فمن لم يكتشف سر المَلكوت في يسوع، زاد عَمَى على عَمَى، لانَّ الدُّخول إلى المَلكوت أو الابتعاد عنه يتقرران في قلب السَّامعين: من رفض شخص يسوع وتعليمه رفض المَلكوت، ومن تقبل يسوع تقبّل المَلكوت. ليس هناك موقف حيادي: إمَّا أن نختار الخلاص، وإمَّا الهلاك. "وأَمَّا أَنتُم، فَطُوبى لِعُيونِكم لأَنَّها تُبصِر، ولآذانِكم لأَنَّها تَسمعَ". فنحن نبصر حين نؤمن، ونسمع حين نطيع. الذين يفتحون قلوبهم على الكَلِمة، يسمعونها ويفهمون، ويلتزمون بطريق الله، ويدخلون في هذا السِّر ويحملون ثمرًا. غير أنَّ الكَلِمة تبقى لغزًا لا مفهومًا للذين ينغلقون عليها، فيعيشون حياة سطحيِّة أو يظلُّون عبيد أهوائهم.





(3) ما هو تفسير مثل الزَّارع (13: 18-23)



يقدِّم يسوع تفسيرًا لمَثل الزّاَرع بعد إجابته على سؤال التلاميذ. إن الفرِّيسيِّن سمعوه بشكل حرفي، والتلاميذ سمعوه بطريقة أخرى بعيدًا عما اعتاد عليه معلمو اليهود في تطبيقاتهم العِلمية والأخلاقية. ويسوع يُشدِّد من ناحية على الثقة أنَّه لا بُدَّ من الإثمار النهائي بالرغم من أنواع الفَشَل الحالي، ومن ناحية أخرى يُشدِّد على الدعوة أن يكون الإنسان أرضًا طيّبة تُخرج ثمرًا وافرًا. ومن هنا نبحث في مجموعات نماذج الفَشَل والنَّجاح في نمو كَلِمة الله وردود الفعل تُجاها ومعيار تقبلها.



(ا) نماذج الفَشَل أو النَّجاح تجاه سِماع كَلِمة الله



يقابل الزَّارع ثلاث نماذج لسِماع كلمة الله، وهذه النماذج تقسم إلى قسمين مجموعة فاشلة ومجموعة ناجحة



مجموعة النماذج الفاشلة



نموذج الفَشَل الأول يأتي من الشِّرّير.



يمثل يَبْس الزَّرع وأكل بعض القمح قبل أن ينمو المِرء الذي يسمع كَلِمة الله حول المَلكوت، أي رسالة الإنجيل بقلب سطحي. ويُعلق القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم "إن يبس الزَّرع، فهذا ليس بسبب الحرارة. لم يقل الرَّبّ يسوع إنّه يبس بسبب الحرارة، بل لأنّه "لَم يكُن له أَصلٌ" (العظة 44 عن إنجيل القدّيس متّى). يقبل المرء كَلِمة الرَّبّ ولكن ليس أصل، فهو يريد أن يصلي ويُحب ويشهد، لكنَّه لا يواظب، ولا يتعب، ولا يتأمل ولا يتعمق في أقوال الرَّبّ لاهيًا عنها وعن واجباته الرُّوحية. ويعلق البابا فرنسيس "إنه قلب حيث حجارة الكسَل تتغلّب على الأرض الطَّيِّبَة، وحيث المحبة هي عابرة" (عظة 19/7/2017) وهكذا يتدخَّل الشِّرّير في حياته فيُفسد الزَّرع. فعدم تقبل كَلِمة الله يأتي من الشِّرّير. ومن هنا جاءت توصية بطرس الرسول: " إِنَّ إِبليسَ خًصْمَكم كالأَسدِ الزَّائِرِ يَرودُ في طَلَبِ فَريسةٍ لَه، فقاوِموه راسِخينَ في الإِيمان " (1بطرس 8-9).





نموذج الفَشَل الثاني يأتي من شِدَّةٌ أَوِ اضطِهادٌ.



يحترق الزَّرع الذي نبت من وقته ويتوقف عن النمو بسبب أشعة الشَّمس الحارقة، وهو يمثل المَرء الذي لا يتشبث بكَلِمة الله، لانَّ لا أَصلَ لَه ولا جذور، لتحمّل الشِّدة والاضطهاد. فعدم تقبُّل كَلِمة الله يأتي من شِدَّةٌ أَوِ اضطِهادٌ مِن أَجلِ الكَلِمة. لذلك يُذكِّر بولس الرَّسول المسيحيين " أَرى أَنَّ آلامَ الزَّمَنِ الحاضِرِ لا تُعادِلُ المَجدَ الَّذي سيَتَجَلَّى فينا" (رومة 8: 18).





نموذج الفَشَل الثالث يأتي من هَمِّ الحَياةِ الدُّنيا وفِتنَةِ الغِنى



يطوّق الشَّوك الزَّرع الذي استطاع أن ينمو فيخنقه، إن اختنقت الكَلِمة، السبب هو مَن ترك الشُّوك ينمو بحرِّيّة، وهو يُمثل المرء الذي أشغلته هموم هذه الدُّنيا وغناها وملذاتها والشَّهوات الخادعة فخنقت الكَلِمة وأفسدتها وجعلتها عقيمة وغير نافعة (أفسس 4: 22). ويعلق القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم " يمكنك أن تمنع نموّ تلك الأشواك باستخدام الإرادة، كما باستطاعتك أن تستخدم الغِنى بشكل مناسب" (العظة 44 عن إنجيل القدّيس متّى). ولذلك، علينا أن نصغي بانتباهٍ إلى الكَلِمة ونحفظها بأمانة في ذاكرتنا، ونمتلئ شجاعة لننبذ بعدها الغنى، ونتجرّد من حبِّ خيرات هذا العالم. عدم تقبل كَلِمة الله يأتي من هَمِّ الحَياةِ الدُّنيا وفِتنَةِ الغِنى. لم يتحدّث يسوع عن العَالَم، بل عن "هموم العَالَم"، ولم يتكلّم عن "الغنى" بل عن "جاذبيّة الغنى". لذلك يوصي يسوع تلاميذه "لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ تَهْتَمُّوا لِحَيَاتِكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَبِمَا تَشْرَبُونَ، وَلاَ لأَجْسَادِكُمْ بِمَا تَلْبَسُونَ. أَلَيْسَتِ الْحَيَاةُ أَفْضَلَ مِنَ الطَّعَامِ، وَالْجَسَدُ أَفْضَلَ مِنَ اللِّبَاسِ؟ ...وَلِمَاذَا تَهْتَمُّونَ بِاللِّبَاسِ؟ ...فَلاَ تَهْتَمُّوا قَائِلِينَ: مَاذَا نَأْكُلُ؟ أَوْ مَاذَا نَشْرَبُ؟ أَوْ مَاذَا نَلْبَسُ؟ فَإِنَّ هذِهِ كُلَّهَا تَطْلُبُهَا الأُمَمُ. لأَنَّ أَبَاكُمُ السَّمَاوِيَّ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إلى هذِهِ كُلِّهَا. (متَّى 6: 25-34). ومن هذا المنطلق، إنّ الخَلَل لا يكمن في الزَّارع ولا في الزَّرع، بل في الأرض التي تستقبل الزَّرع، أي إنّ الخَلل يكمن مدى استعداد قلوبنا. وهكذا يعتبر الفَشَل جزءً من الرِّسَالة بحيث تتمُّ دينونة الله.



هذه النماذج تروي أحداثًا طالما تكلّم فيها الله عبر تاريخ الخلاص، ولم يبذل الإنسان قصارى جهده كي يُصغي.

لذلك يدعونا يسوع إلى المُبادرة والإصغاء وقبول الكَلِمة بإيمان من ناحية، وعدم اتهام الأشياء بحدّ ذاتها، بل الفساد المستشري في ضمائرنا من ناحية أخرى. لكن يؤكد لنا مثل الزراع أن كلمة الله لن تفشل في هدفها، لأنها ستحقق الهدف الّذي خُلقت من أجله.





مجموعة النماذج الناجحة



كما أنَّ ليس أمام الزَّراع خيار سوى أن يزرع في كل مكان، ويخاطر مع ثقته بأنَّ بذور الحَبّ تصل إلى الأرض الجيدة كذلك كَلِمة الرَّبّ هي للجميع من دون استثناء أو تفرقة، ولا يمكن أن تفشل إذا وجدت أرضًا طيِّبة. فكما ينهمر المَطر على الأرض فيُخصبها كذلك كَلِمة الله، كما جاء في نبوءة أشعيا النبي: " كما يَنزِلُ المَطَرُ والثَّلجُ مِنَ السَّماء ولا يَرجِعُ إلى هُناك دونَ أَن يُروِيَ الأَرض ويَجعَلَها تُنتِجُ وتُنبِت لِتُؤتِيَ الزَّارع زَرعاً والآكِلَ طَعاماً فكذلك تَكونُ كَلِمَتي الَّتي تَخرُجُ مِن فمي: لا تَرجِعُ إِلَيَّ فارِغة بل تُتِمُّ ما شِئتُ وتَنجَحُ فيما أَرسَلْتُها لَه" (أشعيا 55: 10-11).



إنَّ نجاح تقبُّل كَلِمة الله يأتي من الأرض الطَّيِّبَة. فالأرض الطَّيِّبَة تُمثل المرء الَّذي يَسمَعُ الكَلِمة ويَفهَمُها ويُثمِرُ ويُعطي بَعضُه مِائة، وبَعْضُه سِتِّين، وبَعضُه ثلاثين، ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم " يستقبل يسوع مَن يأتون أوّلاً، ولا ينبذ مَن يأتون ثانيًا ويهيّئ دائمًا مكانًا لمَن يأتون ثالثًا" (العظة 44 عن إنجيل القدّيس متّى).



وقيل أنَّ هناك سنابل تثمر 30 حبة وأخرى تثمر 60 حبة وثالثة تثمر 100حبة، وهذه تُعبِّر عن تفاوت النَّاس في تلقِّي كَلِمة الله بالمَحبَّة والإيمان، واقترابهم من يسوع، وعبادة الله وممارسة الفضيلة والرَّحمة، وظهور ثمار الرُّوح فيهم. فالذين يفتحون قلوبهم على هذه الكَلِمة، ويسمعونها ويفهمونها ويؤمنون ويمتلكونها ويلتزمون بها، على الرغم من كل التجارب والمِحن والاضطهادات والمصاعب والهموم، فهؤلاء يدخلون في هذه السِّر ويحملون ثمرًا طيبًا للحياة لميراثٍ مُبارك.



يعرض الإنجيل اليوم علينا نماذج مختلفة من البشر الذين سمعوا الكَلِمة الإلهية، ويظهر أيضا تفاوت التزامهم بها. وترك لنا الخيار أن نحدِّد نحن من أي نموذج نكون. يقول لنا أنَّ هناك الكثير من المسيحيين سمعوا الإنجيل وبشَّروا بالكَلِمة الإلهية، أي بيسوع المسيح ولم يطبِّقوا ما سمعوه ولم يؤمنوا به. يختم المسيح مثل الزَّارع بالقول " فمَن كانَ له أُذُنان فَلْيَسمَعْ: وكأنَّه يريد أن يخاطب كلَّ واحد منا سائلاً إيَّاه ما نوعية أرضك، أي قلبك، أهو قلب طائشٌ أم سطحي أم متلذذ بحطام هذه الدنيا أم هو قلب طيب؟



الإصغاء إلى الكَلِمة هو الشرط الأساسي. إذ "كَيفَ يُؤمِنونَ بِمَن لم يَسمَعوه؟" (رومة 10: 14). ونحن أيضًا إن لم نتنبّه إلى ما قيل لنا، فلن نعرف ما هي واجباتنا، وبالتالي نشعر بعدها بشجاعة كي نرفض خيرات هذا العالم. يدعو يسوع إلى الأصغاء ِإلى الكَلِمة وترسيخ جذورنا في الأرض ونتخلّص من كلّ همّ دنيوي.



نستنتج مما سبق أنَّ التلاميذ فهموا أن تأسيس ملكوت الله يصطدم بصعوبات واعتراضات، وأن بداياته ليست ناجحة تمامًا. ولكن المَثل يوضِّح أن المسيح يقوم بعمله وسط صعوبات كثيرة، وينتصر في النهاية. ومن هنا جاء توصية يسوع "اُثبُتوا فيَّ وأَنا أَثبُتُ فيكم. وكما أَنَّ الغُصنَ، إِن لم يَثْبُتْ في الكَرمَة لا يَستَطيعُ أَن يُثمِرَ مِن نَفْسِه، فكذلكَ لا تَستَطيعونَ أَنتُم أَن تُثمِروا إِن لم تَثبُتوا فيَّ. إِنَّ ما يُمَجَّدُ بِه أَبي أن تُثمِروا ثمراً كثيراً وتكونوا لي تلاميذ. لم تَخْتاروني أَنتُم، بل أَنا اختَرتُكم وأَقمتُكُم لِتَذهَبوا فَتُثمِروا ويَبْقى ثَمَرُكم فيُعطِيَكُمُ" (يوحنا 15: 4، 8، 16). إنَّ نداء يسوع مُوجّه إلى كل إنسان ليكون الأرض الطَّيِّبَة التي تعطي ثمرًا من خلال تقبل كَلِمة الله بقلوب مُعدَّة ومؤمنة. ففي الواقع، "الله تكلّم، لم يعد المجهول الأكبر، لكنّه أظهر ذاته" (البابا بندكتس السَّادس عشر). فلنستقبل كنز الكَلِمة المُعلَنَة السَّامي، لان البشارة كلّها مرتكزة على كَلِمة الله المَسْموعة والمُتأمَّلة والمُعاشة والمُحتفَل بها والمَشهود لها (البابا فرنسيس، الإرشاد الرّسولي "فرح الإنجيل"، عدد 175).



(ب) معيار لتقبل كَلِمة الله ورفضها



مبدأ التقسيم بين من يتقبلون كَلِمة الله والذين يرفضونها يقوم على المعايير التالية:



المعيار الأول المبادرة الإلهية، كما صرّح يسوع لتلاميذه "لأَنَّكم أُعطيتُم أَنتُم أَن تعرِفوا أَسرارَ مَلكوتِ السَّمَوات، وأَمَّا أُولَئِكَ فلم يُعطَوا ذلك" (متى 13: 11). ولكن ليس في هذا الأمر تعسّف عند الله: "لأَنَّ مَن كانَ لَه شَيء، يُعْطى فيَفيض" (متى 11: 12).



المعيار الثاني الحُرّيّة: يكمن المعيار الثاني في حرِّية الإنسان حيث أنَّ كَلِمة الله لا تُجبر ولا تُكرِه ولا تفرض نفسها ولا تستخدم القوة، أو عنف، بل تُعرض نفسها دون تقييد الآخرين. وهذا الأمر يفسّر أسباب عدم اقتناع الجميع بكَلِمة الله، وعن إمكانية رفضها؛ كَلِمة الرَّبّ تكشف وتُعرض ذاتها دون عنف أو قوة بل بمحبَّة بحيث تسمح لحرّيّة الآخر أن يَحِدَّ منها.



يُبيِّن النص الإنجيلي أن المَعنيِّين بسماع كَلِمة الله هم " يَنظُرونَ ولا يُبصِرون، ولأَنَّهم يَسمَعونَ ولا يَسمَعون ولا هم يَفهَمون" (متى 13: 13). في الواقع، نميّز بين "لأنهم ينظرون" أي ما يعود إلى الله (النعمة) وبين "لا يبصرون " أي ما يرتبط بالاختيار عند البشر (الحُرّيّة). فنحن أمام لاهوت الحُرّيّة والنعمة. فالحد الفاصل يمر في قلب الإنسان. فالتلاميذ تسلموا مفتاحًا ليفهموا سرَّ ملكوت الله، ويبقى عليهم أن يستعملوه (مرقس 4: 13). لا يريد يسوع عَمَى النَّاس، بل هو يكتفي بإثباته، اختار السيد المسيح التكلّم بالأمثال مع الذين يستمعون لكي يُدركوا قساوة قلوبهم وعدم قدرتهم على الإصغاء والترحيب والفهم.



المعيار الثالث السمع والعمل: إن سر الله ليس حقيقة تفرض على العقل، إنَّما هو سِرٌّ خَفي، سِرٌّ يُكشف للمُستعدّين إن يصغوا إليه ويجتهدوا في معرفته وفهمه بروح الإيمان، حيث أنَّ الحقيقة الإنجيلية ليست معرفة ذهنية محضة، إنَّما هي معرفة مُوجّهة إلى القلب حيث يطبّق الإنسان على حياته كل ما يكتشفه من تعاليم الرَّبّ. إذاً السَّماع لكَلِمة الرَّبّ ضرورية، ولكن لا تكفي للخلاص لوحدها، وإنَّما الحاجة لان يترجم هذا السِّماع إلى فعل، أي عمل يأتي بثمر كثير



يدعونا يسوع أن ننظر إلى داخلنا ونسأل ذواتنا إن كانت قلوبنا منفتحًة لتقبُّل بإيمان بذرة كَلِمة الله. يدعونا يسوع إلى الإصغاء إلى كَلِمة الله التي تجعلنا تلاميذه الذين يُثمرون. لذلك لنسأل ذواتنا إن كانت حجارة الكسَل والشَّوك لا تزال كثيرة وكبيرة تمنعنا عن الإصغاء إلى كَلِمة الله. وهل لنا الشَّجاعة للقيام بتنقية قلوبنا وإزالة الحجارة والشَّوك التي تخنق الكَلِمة حاملين إلى الرَّبّ في الاعتراف والصلاة حجارتنا وشوكنا؟





الخلاصة



افتتح متى الفصل الثالث عشر من إنجيله بمثل الزّارع والحقه في ستة أمثال، يدور موضوعها حول ملكوت السماوات. اضرب يسوع مثل الزَّارع وفسَّره للرسل، وهو المثل الرئيسي. يتكلم يسوع عن زارع خرج ليزرع، فنثر بذوره في كافة أنواع التُربة. بعضها لم يثمر، أمَّا ما سقط على الأرض الطَّيِّبَة، فأثمر ثمرًا كثيرًا. يدور مثل الزَّراع حول خروج السيد المسيح ليزرع كَلِمة في البشرية، وما زال يزرع اليوم وبشتّى الطرق. ويريد يسوع، عن طريق مثل الزَّارع، الذي يمثله أن ينشر بأناة وسخاء كلمته. وأن قلبنا وكأرض، يمكن أن يكون طيّبًا وهكذا تعطي الكَلِمة الثمر، ولكن قد يكون أيضًا قاسيًا. وهذا الأمر يحدث كل يوم حيث يُنادى الإنجيل. ومن هذا المنطلق يدعونا مثل الزراع إلى قراءة معاصرة لتاريخ الله معنا بعيون الله.



أهتمِّت الأناجيل متى مرقس ولوقا في تطبيق مثل الزَّارع طبق ردود فعل تختلف باختلاف استعداد الذين يتقبلون كَلِمة الله وبقدر اهتمامهم بالتعرض للفشل والأحوال الباطنية التي تحول دون إثمار الكَلِمة. فشدّد متى الإنجيلي في مثل الزَّارع (متى 13: 1-23) على ضرورة "معرفة" الرسالة، أي تفهُّمها الرُّوحي الذي يحمل على ممارستها. وهذا الفهم يؤدِّي إلى التمييز بين الجموع والتلاميذ (متى 13: 10-17). أمَّا مرقس فشدّد على أوضاع زمنه، فيوحي بأن التعرض للفشل يعود إلى الاضطهادات، مما أضطر كثيرين من المسيحيين على التراجع (مرقس)؛ وأمَّا لوقا الإنجيلي بيّن أنَّ تقبل الكَلِمة يفترض عند الأنسان وجود الإيمان، ولا سيما الثبات في ساعة التجربة (لوقا 8: 9-15).



أراد يسوع أن يُعلّمنا أن كرازة الإنجيل لا بُدّ أن تلقى العثرات والفَشَل، ولذلك تمثل الأنواع الأربعة من التربة ردود أفعالنا المختلفة نحو كَلِمة الله. تختلف ردود أفعالنا باختلاف استعداداتنا، فبعض النَّاس يُقسّون قلوبهم أمام نداء كَلِمة الرَّبّ، والبعض لا عُمق لهم، وآخرون قد أفسدتهم همومُ الدُّنيا وشهواتها، والبعض يتقبلون الكَلِمة. وهنالك ناحية أخرى يضعنا فيها المَثل، وهي التذكير بالثمار الأخيرة للأرض الطَّيِّبَة والتي تفوق كل توقع سابق وكل مقياس بشري. وهكذا يُهيئ يسوع تلاميذه بصورة مناسبة لكيلا ييأسوا من الفَشَل، بل أن يتابعوا عملهم بإيمان وصبر وثبات. فدعوتنا أن نُصبح تُرْبة بلا صخور ولا حصى، أو أي شيء يُعيق نمو الكَلِمة، تُربة مُعدَّة تمامًا لاستقبال مشيئة الرَّبّ وكلمته برضى وفرح. فنتساءل أخيرًا: أي نوع من التُربة نحن؟ فإلى أي مدى قد تأصلت كَلِمة الله في حياتنا؟





دعاء



أيها الآب السماوي، يا من أرسلت ابنك الحبيب يسوع المسيح لكي يلقي كلمتك الإلهية في قلوبنا، نطلب إليك أن تُزيل من قلوبنا حجارة المصاعب والهموم، ومن نفوسنا أشواك الأهواء، ومن حياتنا طيور التجارب، وأعطنا عيون نبصر بها وآذان نسمع بها كلمتك الحيَّة فنحفظها، ونعمل بموجبها فتنمو فينا ثمرًا ويَبْقى ثَمَرُنا ونكون تلاميذك الحقيقيين نزرع معك كَلِمة الله.





قصة حقيقية: كَلِمة الرَّبّ



دعي كاهن مبارك لإلقاء كَلِمة للشباب في الكنيسة موضوعها "الحياة مع المسيح". وللأسف تعرض الاجتماع لموجة شديدة البرودة تصاحبها أمطار رعدية غزيرة. وقف الأب الكاهن يصلى قبل الذهاب إلى الكنيسة ليتكلم الرَّبّ على فمه ويمكنه من الوصول إلى الكنيسة بسهولة في هذا الطَّقس الرَّديء ويطرد من فكره الاعتذار عن الذهاب لسُوء الطَّقس وقد يحضر شباب لسِماع كَلِمة الله.



رغم هذا الطقس خرج الأب الكاهن ليصل الكنيسة بعد طول معاناة في الموعد المُحدَّد ليجد كل شيء قد أُعد َّ فالكنيسة مفتوحة ومضاءة وفوق منضدة أمام المُصلِّين موضوع الكتاب المقدس والميكروفون، ولكن الكنيسة خالية تمامًا من الشَّباب أو حتى الخُدام ولا حراس



وبدأ يتكلم بدون مستمعين لعلَّ أحد يصل ولو متأخرًا إلى الكنيسة، تحدث عن جمال العلاقة مع المسيح تحت كل الظروف والصعوبات. تحدث عن طهارة يوسف وتحمله ظلم إخوته، وظلم فوطيفار ليصبح في النهاية الثاني بعد فرعون (التكوين 41: 43) تحدث عن حنانيا وسفيرة اللذان اختلسا من ثمن الحقل (أعمال الرسل 5: 3) واستمر يتحدث حتى انتهى الوقت المحدَّد دون أن يحضر أحد وصلى واختتم قائلاً "امضوا بسلام، سلام الرَّبّ يكون معكم”. لم يكن هناك من يرد عليه. فغادر الكنيسة ومازالت الأمطار تهطل والرعد يزمجر والبرق يتوعد.



وتمرُّ الأيام والشهور والسنوات ليقابله شابٌ بعد القداس ويبادره بقوله "أنت يا أبى لا تعرفني، ولكنى أعرفك جيدًا وكنت أبحث عنك طويلاً لقد التقيت بك في يوم شديد البرودة لم تكن وحدك بالكنيسة كنت أختبئ في أحد أركانها لعَلك تغادرها فأسرق صندوق التبرعات منتهزًا فرصة الطَّقس السَّيء. وكان الشَّيطان ملأ قلبي ولكن كلماتك أنارت كالبرق ذهني وملأت كالرعد أُدني فانهمرت كالمطر دموعي، فخرج بعدها الشَّيطان من قلبي بعد حوار، لتسكن كَلِمة الله كلمتك يا أبي. كانت كَلِمة الله، لأنَّها لم ترجع فارغة.
رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
مَثلُ الزَّارِع | أي نوع من التُربة نحن
مَثلُ الزَّارِع | استعداد الذين يتقبلون كَلِمة الله
مَثلُ الزَّارِع | هو المثل الرئيسي
مَثلُ الزَّارِع | المَعنيِّين بسماع كَلِمة الله
مَثلُ الزَّارِع | معيار لتقبل كَلِمة الله ورفضها


الساعة الآن 02:40 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024