|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
حكاية غصن ناس كتير ع الأرض عاشت، وزي ما عاشت ماتت. وناس عاشت والحياة فيهم بتكبر، بس السبب إنه في حياتهم حاجات ماتت، فبقيت في حياتهم عبرة وإلهام للأجيال الجاية واللي فاتت. السر في إنهم عرفوا من الأول معناها، وعرفوا إن التمتع فيها مش من الظروف اللي عايشاها، وإن قيمتها تتحسب بقد إيه كانت في المشيئة اللي راسماها، مش قد إيه عملت اللي هي عايزاها. ودي حكاية الغصن، اللي سماه الكتاب “غصن”.. مش بس غصن، لكن كمان مليان ثمار لما تشوفها تحب الحياة وتقبل تعيش الاختبار.. ويبقي الثمر، مش الظروف، مش السهولة، مش الخطط، مش التمتع؛ يبقي الثمر هو القرار والاختيار. حكاية الغصن ده لخَّصها أبوه يعقوب في عبارات موجزة في تكوين٤٩: ٢٢-٢٦. أقراها من فضلك. حابب أشاركك ببعض الأفكار من حياة الغصن الجميل “يوسف” والواردة قصته في سفر التكوين ٣٧-٥٠. الموت أولاً ثم الحياة المنطق الطبيعي عند معظم الناس “عيش حياتك” قبل ما تموت. لكن واهب الحياة وصاحبها، كشف لنا الطريق للحياة عندما قال «اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ الْحِنْطَةِ فِي الأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا. وَلكِنْ إِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ» (يوحنا١٢: ٢٤). هو عايز يقول ببساطة إن الموت أولاً، وبعديه تيجي الحياة المثمرة. والسؤال: كيف ولماذا نموت؟ المسيح نفسه تمم ذلك «سَكَبَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ» (إشعياء٥٣: ١٢). كان الموت غرض تجسده «ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ» (متى٢٠: ٢٨)، كي يخرج منه ثمر لا حصر له من المؤمنين الذين فيهم حياته (رومية٨: ١٠؛ ٢كورنثوس١٣: ٥؛ كولوسي١: ٢٧)، يتغيرون كل يوم أدبيًا لصورته «مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ» (٢كورنثوس٣: ١٨)، وقريبًا سيكونون على صورة جسد مجده (فيلبي٣: ٢٠). هذا هو الموت بالنسبة للمسيح. أما بالنسبة لنا، فالضروري هو موتنا عن الذات والملذات. ليس بالضرورة الشرور، لكن أحيانًا أيضًا حتى الاحتياجات الطبيعية والمشروعة. فكَّر في هذا الغصن، يوسف، ما الذي مات فيه؟ كان يحتاج كأي إنسان لمحبة الأم واحتضانها، لكنه حُرِم منها وهو طفل (تكوين٣٥: ١٩). ترجَّى أن يكون في إخوته التعويض، ولا سيما أنه كان يحبهم (تكوين٣٧: ١٦)، لكنهم خذلوه وأرادوا التخلص منه، وعندما أشفقوا عليه وعلى أبيه باعوه عبدًا (تكوين٣٧: ٢٨؛ مزمور١٠٥: ١٧). مضى الأهل، فلتبقَ إنسانيته، لتبقَ حرّيته وكرامته. لكن حتى الحرية والكرامة ضاعت إذ بيع يوسف عبدًا، صار عبدًا ذليلاً بعدما كان المُدلَّل، وسُجن بتهمة أخلاقية! (تكوين٣٩: ٢٠). كل شيء يموت يا يوسف.. أمك ماتت، والشركة مع أبيك، وأجواء العائلة، وراحة البيت، ماتت. حريتك وكرامتك ماتت. وماذا عن أحلامك؟ كيف بعد كل هذا الزمان، وأنت عبد ومسجون لا تتظر إفراجًا في مصر، وكانت أحلامك أن تصبح سيدًا بين إخوتك؟ ماتت الأحلام يا يوسف. تخيلته يجيبني: أتفق معك، ربما ماتت الأحلام، ومات كل شيء قلته. لكن دعني أشاركك باختباري: “عندما جفَّت كل مصادر الإنعاش الطبيعية التي كانت فوق الأرض واحده فواحده، ضَرَبتُ جذوري عميقًا لأبحث عن مصادر أخرى؛ فوجدتُ عينَ ماءٍ عذبٍ يروي الغليل، فزرعت نفسي عليها، وكلما شعرت بالعطش، آخذ منها ما يكفيني. «مِنَ النَّهْرِ يَشْرَبُ فِي الطَّرِيقِ، لِذلِكَ يَرْفَعُ الرَّأْسَ» (مزمور١١٠). هناك حياة تسري في كياني، وتنبض كل يوم بالجديد «لِذلِكَ لاَ نَفْشَلُ، بَلْ وَإِنْ كَانَ إِنْسَانُنَا الْخَارِجُ يَفْنَى، فَالدَّاخِلُ يَتَجَدَّدُ يَوْمًا فَيَوْمًا» (٢كورنثوس٤: ١٦). كلّما مات المنظور نَمَت هذه الحياة غير المنظورة. كلما مات المادي والترابي نما الروحاني. كلما مات الطبيعي نما الفائق للطبيعة. وهذا الموت ما كان إلا طريق الإعداد للمجد!” ففهمت لماذا كان يقبل بولس الموت ويقول «حَامِلِينَ فِي الْجَسَدِ كُلَّ حِينٍ إِمَاتَةَ الرَّبِّ يَسُوعَ، لِكَيْ تُظْهَرَ حَيَاةُ يَسُوعَ أَيْضًا فِي جَسَدِنَا. لأَنَّنَا نَحْنُ الأَحْيَاءَ نُسَلَّمُ دَائِمًا لِلْمَوْتِ مِنْ أَجْلِ يَسُوعَ، لِكَيْ تَظْهَرَ حَيَاةُ يَسُوعَ أَيْضًا فِي جَسَدِنَا الْمَائِتِ. إِذًا الْمَوْتُ يَعْمَلُ فِينَا، وَلكِنِ الْحَيَاةُ فِيكُمْ»(٢كورنثوس٤: ١١) سالكًا بالمبدأ الذي علمه المسيح «مَنْ يُحِبُّ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُبْغِضُ نَفْسَهُ فِي هذَا الْعَالَمِ يَحْفَظُهَا إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ» (يوحنا١٢: ٢٥). الكتاب يحذِّرنا بشده من العيشة بحسب الجسد - الطبيعة الساقطة فيَّ؛ بإرادتها وشهواتها - قائلاً إنه علينا إماتته «لأَنَّهُ إِنْ عِشْتُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ فَسَتَمُوتُونَ، وَلكِنْ إِنْ كُنْتُمْ بِالرُّوحِ تُمِيتُونَ أَعْمَالَ الْجَسَدِ فَسَتَحْيَوْنَ» (رومية٨: ١٣). علينا إماتة أعمال الجسد، وترك الرب يميت فينا ما يشاء، كي يُظهر فينا أسمى حياة. ثم تخيَّلت أن الغصن، يوسف، عاد يكلِّمني مستدركًا بسرعة قائلاً لي: “ولا أريدك أن تنسي أن بعد الموت لا بد قيامةً. والقيامة تنهي الموت وتعيد مظاهر الحياة”. ولقد أتت ساعة “قيامته” وصدر الأمر «فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ وَدَعَا يُوسُفَ، فَأَسْرَعُوا بِهِ مِنَ السِّجْنِ. فَحَلَقَ وَأَبْدَلَ ثِيَابَهُ وَدَخَلَ عَلَى فِرْعَوْنَ» (تكوين٤١). وبدأت الأمجاد بعد الآلام. وكما كانت المعاناة شديدة، كانت الأمجاد ثقيلة! «لأَنَّ خِفَّةَ ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيًّا» (٢كورنثوس٣). لكنني أحتاج مثل يوسف لهذه العَين، عين الماء الذي يعوِّض عطش الحرمان؛ فرُحتُ أبحث عنه في الكتاب.. |
|