|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
شاول يقتل الكهنة: إذ رجع داود ورجاله إلى اليهودية بدأت الأخبار تنتشر وأحبهم الكثيرون الأمر الذي أثار غيرة شاول من جديد، حتى ضاقت نفسه جدًا في داخله، شعر كأن لا عمل لداود إلا تحطيم مملكته ولا همّ لمن حوله إلا خيانته من أجل المكافأة حتى ابنه وارث عرشه يقف ضده. إذ كان شاول مقيمًا تحت شجرة في مدينة جبعة في الرامة (غالبًا لا تعني مدينة الرامة إنما تعني الأكمة، أي على مرتفع) وقف أمامه عبيده وقد أمسك بالرمح كصولجان في يده، وصار يوبخهم قائلًا: "اسمعوا يا بنيامينيون. هل يعطيكم جميعكم ابن يسى حقولًا وكرومًا؟! وهل يجعلكم رؤساء ألوف ورؤساء مئات؟! [7]. كشف هذه الكلمات عن انغلاق قلب شاول، فمع كونه ملكًا على إسرائيل كله لكنه اختار جميع رجال البلاط وأصحاب المراكز العليا من سبطه وحده، لذا دعاهم: "اسمعوا يا بنيامينيون". هذه صورة مؤلمة تكشف عن قيادة مملوءة أنانية تهتم بما لنفسها وليس بما للجميع. ما أبعد الفارق بين شاول وموسى النبي، فإن الأخير اختار يشوع بن نون تلميذًا له يتسلم القيادة من بعده وليس أحدًا من أولاده. ما أجمل كلمات القديس يوحنا الذهبي الفم إذ يحمل قلبه أبوة للجميع بلا تحيز: [جماعتكم هي إكليلي؛ كل واحد منكم- في عيني - يساوي المدينة كلها]. لعل شاول بسبب عدم إيمانه كان متخوفًا من إقامة عبيد غير بنيامينيين لئلا يغتصب الملك منه أو من أولاده من بعده. بلا شك إن هذا التحيز أثار متاعب كثيرة في نفسية شيوخ الأسباط الأخرى. بسبب الحسد لم يحتمل شاول أن يذكر اسم داود لذا سما "ابن يسى". إذ كان شاول طماعًا ومحبًا للمجد الباطل بدأ يثير عبيده بأن ابن داود يحرمهم مما تمتعوا به من حقول وكروم ومراكز قيادية... وهو في هذا يتمثل بعدو الخير الذي يحرض البشرية على الشر خلال الإغراءات المادية والكرامات الزمنية. تسلطات الظنون على شاول فحسب كل عبيده يقاومونه، إذ يتهمهم قائلًا: "حتى فتنتم كلكم عليّ وليس من يخبرني بعهد ابني مع ابن يسى؟! وليس من يحزن عليّ أو يخبرني بأن ابني قد أقام عبدي عليّ كمينا كهذا اليوم؟!" [8]. حين يفقد الإنسان علاقته مع الله مصدر السلام يرى الجميع حوله أعداءً، يهرب إلى سبعة طرق وليس من عدو خلفه... أفكاره الداخلية هي التي تطارده وتشتت طاقاته. أما من ينعم بسلام مع الله فيحمل سلامًا في قلبه وسلامًا مع الناس ولا يخاف حتى مقاوميه. أراد دواغ الأدومي أن يبرر نفسه وزملاءه، إذ كان الكل خائفين لئلا يفتك بهم شاول ألقى بالمسئولية على رئيس الكهنة قائلًا: "قد رأيت ابن يسى آتيًا إلى نوب إلى أخيمالك بن أخيطوب، فسأل له من الرب وأعطاه زادًا وسيف جليات الفلسطيني أعطاه إياه" [9-10]. كان دواغ صادقًا فيما قاله لكنه بتر الحقيقة وشوهها، إذ لم يعرض الحوار الذي دار بين أخيمالك وداود ليبرر نية أخيمالك؛ على العكس ببتر الحقيقة صور أخيمالك كخائن لشاول يتعمد مساندة عدوه داود. كان يليق به أن يظهر أن أخيمالك حسب داود يقوم بعمل هام بأمر الملك كما سمع من داود، وأنه قصد خدمة الملك نفسه. استدعى شاول أخيمالك وجميع بيت أبيه الكهنة لكي ينكل بالجميع؛ هكذا فعل هامان إذ ازدُرى في عينيه أن يمد يده إلى مردخاي وحده بل طلب أن يقتل كل الشعب انتقامًا منه (إس 3: 6). تحدث شاول مع أخيمالك بأسلوب مهين قائلًا: "اسمع يا ابن أخيطوب..."، مع أن الكاهن أظهر كل احترام وتوقير للملك، إذ أجابه: "هأنذا يا سيدي". فنّد أخيمالك الاتهام هكذا: أ. لم ينكر أنه أعطاه خبزًا وسيفًا وسأل له من الله، لكنه فعل هذا من أجل أمانة داود له، وقرابته له كصهر الملك، ومركزه وكرامته في البلاط، إذ قال: "مَنْ مِنْ جميع عبيدك مثل داود أمين وصهير الملك وصاحب سرك ومكرم في بيتك؟!". سؤال فيه دفاع عن نفسه ويتضمن أيضًا توبيخًا لشاول الذي اتسم بعدم الاستقرار يصاحب ويخاصم بلا تعقل. ب. إنه لم يكن على علم بما حدث بينه وبين داود لا في الأمور الصغيرة ولا الكبيرة. لم يكن لدى شاول ما يُجب به عليه، لكن كعادته يأخذ قراره المتسرع كإجابة ظالمة دون استشارة أحد. أصدر الحكم "موتًا تموت يا أخيمالك أنت وكل بيت أبيك". دخل كخصم وحكم بنفسه، وطلب من السعاة أن ينقذوا فلم يقبلوا أن يمدوا أيديهم إلى كهنة الرب، ليكونوا شهودًا على الظلم والعنف وإهانة خدام الرب. أما دواغ الأدومي الذي قدم الاتهام فقام بتنفيذ الأمر وقتل في ذلك اليوم خمسة وثمانين كاهنًا، ثم ذهب إلى مدينتهم -نوب- ليقتل الرجال والنساء والأطفال والرضعان حتى الحيوانات بحد السيف. صورة بشعة لوثت تاريخ شاول واقشعرت لها كل الأسباط. لم يخرب شاول مدينة للأعداء بل إحدى مدن شعبه... هذا ما تفعله الخطية في حياة الإنسان، إذ يحطم حياته الداخلية وتفسد طاقاته ومواهبه، يصير عدوًا ومقاومًا حتى لنفسه. على أي الأحوال تحققت كلمات الرب بخصوص بيت عالي الكاهن (1 صم 2: 31) إذ قُتل أخيمالك والكهنة الذين من نسل عالي. |
|