|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ميكال تنقذ داود الآن بدأ شاول ينهار، إذ كلم ابنه يوناثان وجميع عبيده أن يقتلوه [1]، وإذ تشفع فيه يوناثان وأقنعه أن يعدل عن قتله أقسم بالرب ألا يُقتل. لكن نصرة داود على الأعداء أثارت شاول من جديد ليضربه بالرمح، وإذ فشل أرسل يتعقبه في بيته فأنقذته ميكال ابنة شاول، وأخيرًا التجأ داود إلى صموئيل في الرامة ليذهبا معًا إلى نايوت وهناك يأتي شاول ورجاله فيتنبأون. يمكننا القول إن الله استخدم كل وسيلة ليوقف جنون أنانية شاول فلم يرتدع، إذ حدثه على لسان ابنه الوارث لملكه يوناثان، وعلى لسان ابنته زوجة داود وأخيرًا خلال الأنبياء. 1. يوناثان يشفع في داود: كان داود ناجحًا في كل عمل تمتد إليه يداه، لأن الرب كان معه، لذا أحبه جميع الشعب ورجال البلاط ويوناثان بن شاول وأخته ميكال زوجة داود، أما شاول فكان يمتلئ حسدًا وبغضة وقد صمم على قتله بطريقة أو أخرى. كان كبرياء قلب شاول يشحنه بالبغضة بينما كان داود ينمو في الاتضاع، حتى صار اسم "شاول" عبر الأجيال يمثل التشامخ والعجرفة واسم "داود" يمثل الاتضاع. * دُعى بولس أولًا شاول، لقد كان متكبرًا ثم اتضع. كان اسمه "شاول"، وهو اسم مشتق من "شاؤل" الملك المتعجرف الذي اضطهد داود في أيام حكمه (1 صم 18: 29). صار بعد ذلك "بولس" (1 كو 1: 1)، صار آخر الكل في الكنيسة بعد كان متعجرفًا يضطهد الأبرياء. * ماذا يعني اسم "بولس"؟ يعني "الصغير". عندما كان اسمه "شاول" كان متكبرًا متعجرفًا، وإذ صار "بولس" صار متضعًا صغيرًا (1 كو 15: 9؛ أف 3: 8). القديس أغسطينيوس حقًا لقد وُهب شاول "النبوة" كعطية إلهية، لكي يمارس حياة التسبيح والعبادة بكونه مسيح الرب، لكنه لم يحمل الاتضاع والحب في قلبه ولذا فقد كل صلاح، وقاوم داود بل وعصى الله نفسه وكسر وصيته. لا نعجب إذ كان شاول الذي نال "النبوة" في وقت ما (1 صم 10: 11) فقد كل صلاح بسبب كبرياء قلبه الذي أفقده كل حب. لذا نجد الآباء يركزون على التمتع بالحب كثمرة عمل الروح القدس فينا لنحيا بالرب ولا نفقد خلاصنا... أما بقية المواهب فلا تقدر أن تسندنا بدون الحب، حتى المعمودية أيضًا لا تنفع بدون الحب. * نوال المعمودية ممكن حتى بالنسبة للإنسان الشرير، ونوال النبوة ممكن للشرير. كان للملك شاول نبوة، ومع ذلك كان يضطهد القديس داود... يمكن حتى للشرير أن يتناول جسد الرب ودمه، وقد قيل: "الذي يأكل ويشرب بدون استحقاق يأكل ويشرب دينونة لنفسه" (1 كو 11: 29). يمكن أن يكون للشرير اسم المسيح، إذ يمكن أن يُدعى مسيحيًا، مثل هذا يقال عنه: "نجسوا اسم إلههم" (راجع حز 36: 20)... أما أن يكون لك الحب وتكون شريرًا فهذا مستحيل! الحب هو العطية الخاصة... القديس أغسطينوس إننا نعجب حين نرى رباط الصداقة الحقيقية يقوم بين بطلين متناظرين على تاج المملكة. فيوناثان وُلد ليملك، أما داود فدُعي ليملك. كان كلاهما بطلين عظيمين ورئيسين في الجيش، ومع ذلك فكانت نظرة كل منهما للآخر نظرة إعجاب وتقدير، مع حب صادق حتى الموت. دافع يوناثان عن داود حتى وبخه والده وأراد قتله. وهو الذي ساعده على الهروب (1 صم 20). ما أجمل القول: "فقام يوناثان بن شاول وذهب إلى داود إلى الغاب، وشدّد يده بالله. وقال: "لا تخف، لأن يد شاول أبي لا تجدك وأنت تملك على إسرائيل، وأنا أكون لك ثانيًا، وشاول أبي أيضًا يعلم ذلك. فقطعا كلاهما عهدًا أمام الرب" (1 صم 23: 16-18). في البداية كلم شاول ابنه وجميع عبيده أن يقتلوا داود [1]، وإذ حذر يوناثان داود دعا أباه ليتمشى معه في البرية بقصد الدخول معه في حديث سري ليصالحه مع داود، مذكرًا إياه بالحاجة إلى رجل صالح وناجح وشجاع لبنيان المملكة، فسمع له شاول وحلف له، ولكن هذا إلى حين. كان يمكن ليوناثان من البداية أن يطلب من داود أن يهرب من وجه أبيه، لكن يوناثان حسب هروبه خسارة عظيمة على المملكة وأيضًا بالنسبة له فقد أحبه كنفسه. رجع داود إلى منصبه بعدما سمع شاول لصوت ابنه الصادق والأمين. عادت الحرب بين إسرائيل وأعدائهم؛ حاربهم داود وضربهم ضربة عظيمة فهربوا من أمامه [8]، وكانت مكافأته أن قلب شاول امتلأ حسدًا إذ دخله روح رديء هو روح الحسد. 2. شاول يبعث رسلًا لقتل داود: أراد شاول أن يقتل داود بالرمح فهرب من أمامه ونجا. أرسل شاول رسلًا إلى بيت داود ليراقبوه ويقتلوه في الصباح (1 صم 9: 11). هنا أنشد داود النبي المزمور التاسع والخمسين (58 في الترجمة السبعينية)، إذ يقول: "أنقِذني من أعدائي يا إلهي، من مقاوميّ احمني؛ نجني من فاعلي الإثم ومن رجال الدماء خلصني. لأنهم يكمنون لنفسي. الأقوياء يجتمعون عليّ... استيقظ إلى لقائي وانظر. يعودون عند المساء يهرّون مثل الكلب ويدورون في المدينة...". يرى القديس أغسطينوس في شرحه للمزمورأن عمل شاول يرمز إلى ما فعله رؤساء اليهود؛ فكما أرسل شاول رسلًا في الصباح إلى بيت داود ليراقبوه ويقتلوه، هكذا دفع الرؤساء رشوة للجند المراقبين لقبر السيد ليشيعوا في الصباح أن تلاميذه جاءوا ليلًا وسرقوه، وقد أرادوا بذلك أن يقتلوا السيد أي يحطموا الإيمان به، لكنهم فشلوا. في المزمور 59 (58) يشبِّه داود النبي رسلَ شاول المرسلين لمراقبته وقتله بكلب واحد صار يدور في المدينة لا ليُقتل بل ليُحمي. هكذا يفعل الله مع خائفيه إذ يحول الشر إلى خير. لقد طلب شاول قتل داود لكن الأخير نجا خلال تدبير ميكال ابنة شاول؛ إذ استخدمها الله وسيلة لتأكيد رعايته له وحفظه إياه. هكذا أيضًا عندما رشا اليهود الجندَ ليقتلوا خبر قيامة المسيح، تحول هذا لتأكيد القيامة، لأنه لم يعقل أحد أن التلاميذ الهاربين من الخوف يقدرون أن يسرقوا جسد السيد ليلًا وسط الحراسة المشددة وختم القبر. ما نادى به الجند صار تأكيدًا بأن الجسد ليس في القبر مما أكد قيامته. 3. ميكال تنقذ داود: لعل ميكال سمعت من بيت أبيها عن أمر الرُسل، وإذ كانت تحب رجلها دبرت أمر هروبه، إذ أنزلته من الكوة. ربما كان بيتها في حائط السور، لذا نزل داود إلى خارج المدينة ليبدأ حلقة جديدة من حياته حملت خبرات ثمينة. دخل إلى الآلام، يعيش وسط المظلومين والمطرودين ليس له موضع يستقر فيه، وكأن الله قد هيأه بهذه الآلام لممارسة الحياة الملوكية لا كسلطة وعجرفة إنما كخدمة ورعاية خاصة للمطرودين والمظلومين. لقد دخل إلى تجربة الطرد لكي يعين المطرودين والمجرمين. كان داود في هذا رمزًا للسيد المسيح الذي أنزلته محبته من السماء كما من بيته، وجال في البرية هذا العالم ليس أين يضع رأسه؛ عاش طريدًا، مجربًا يقدر أن يعين المجرَّبين. استخدمت ميكال الخداع والكذب لإنقاذ داود، فمن جهة أخذت الترافيم ووضعته في الفراش ووضعت لبدة المعزى تحت رأسه وغطته بثوب [13]. جاءت كلمة "ترافيم" كمفرد، هنا تعني تمثالًا كبيرًا في حجم إنسان، غالبًا كانت ميكال قد خبأته في بيتها لا لتتعبد له وإنما كفأل لكي تحبل وتنجب ولدًا. ولم يكن داود يعلم عنه شيئًا. ومن جهة أخرى كذبت ميكال فقالت عن داود إنه مريض، وعندما عاتبها والدها منتهرًا إياها: "لماذا خدعتِني فأطلقتِ عدوي حتى نجا؟!" كذبت إذ قالت: "هو قال لي: أطلقيني، لماذا أقتلك؟" [17]. 4. الأنبياء يبطلون خطة شاول: إذ هرب داود ذهب إلى الرامة حيث أقام مع صموئيل النبي في نايوت [تعني مسكنًا]، هو غالبًا مبنى لسكن الملتحقين بمدرسة الأنبياء، وربما اسم الحيّ الذي فيه السكن. على أي الأحوال ترك صموئيل مسكنه الخاص وأقام مع داود ربما ليحميه من شاول لا بسيف أو رمح وإنما بعمل الله وسلطانه الروحي، بكونه رئيس مدرسة الأنبياء ومؤسسها، وبكونه ماسح الملكين شاول وداود. لعل داود جاء إلى هذا الموضع لأنه سبق أن التحق به إلى حين، فجاء إلى معلمه واضعًا في حسبانه أن شاول يهاب الموضع ورئيسه. لكن شاول الذي امتلأ قلبه حقدًا لم يراجع نفسه ولا ذهب بنفسه ليطلب مشورة صموئيل النبي إنما بعث بإرسالية لأخذ داود كي يقتله. عندما بلغت الإرسالية الموضع نسيت هدفها لأنها ثأثرت بالجو الروحي التعبدي وحل روح الرب عليهم وصاروا يتنبأون أي اشتركوا مع الأنبياء في التسبيح والعبادة. ظن شاول أن هذه الجماعة قد انخدعت أو خافت سلطان صموئيل فأرسل جماعة ثانية وتكرر ذات الأمر معها، وللمرة الثالثة جاءت إرسالية من قبله وصارت تتنبأ... وفي هذا كله لم يرجع شاول إلى نفسه ولا اتعظ. قرر شاول أن يذهب بنفسه، فجاء إلى الرامة إلى البئر العظيمة التي عند سيخو؛ وإذ أراد الله أن يتمجد حل عليه هو أيضًا روح الله، فذهب إلى نايوت في الرامة وصار يتنبأ. ومن شدة تأثره بالمسبحين بموسيقى رائعة خلع رداءه وجبته وعُدته وبقى بلباسه الأبيض منطرحًا النهار والليل يسبح ويرنم. دهش كل من رآه فقالوا: "شاول أيضًا من الأنبياء؟!" [24]. لقد أراد الله أن يؤكد أنه إله المستحيلات، قادر أن يحوّل قلب شاول المملوء حقدًا إلى قلب ملتهب بالشوق نحو العبادة خاصة التسبيح، خالعًا كل ثياب المجد والكرامة، لكنه لا يلزمه بذلك بل تركه لإرادته الحرة، لذلك سرعان ما ارتد شاول إلى شره. ظن بعض الدارسين أن صموئيل وداود سخرا من شاول حينما نظراه منطرحًا عريانًا النهار كله وكل الليل، إنما الواقع كان عكس ذلك فقد مجّد هذان النبيان الله على عمله في شاول ولو إلى حين، وقد ترك هذا النظر أثرًا طيبًا في قلب داود لذا مدحه مع ابنه يوناثان قائلًا: "شاول ويوناثان المحبوبان الحلوان.." (2 صم 1: 23). هذا ما تبقى في قلب داود من جهة شاول؛ فقد نسى حسده وحقده ومقاومته له ومؤامراته لقتله، ليراه الإنسان المحبوب الحلو الذي يسبح الله بين الأنبياء. |
|