|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الرجل البار كان يوسف رجلاً باراً: متى 18:1-19 نقرأ في الآية 19 أن “يُوسُفُ… كَانَ بَارّاً”، والواقع حتى لو أن الإنجيل لم يذكر لنا هذه الحقيقة، فإننا نستطيع استنتاج ذلك من خلال قراءتنا لما عمله يوسف مع القديسة مريم العذراء ومع الطفل يسوع. وصفة “البار” المستخدمة هنا تشير إلى أن أسلوب تفكير يوسف ومشاعره وأعماله كانت جميعها بحسب مشيئة الله. وجد يوسف نفسه في موقف حرج وصعب للغاية: فقد كان خطيباً لمريم، واكتشف فجأة أن خطيبته حبلى، فما العمل. موقف يوسف من حبل مريم العذراء يكشف لنا أنه كان رجلاً عظيماً ومباركاً. فهو لم يعلم بسر حبلها، وتفاجأ بها وهي تحمل جنينها في أحشائها. فلم يشتم ويلعن ويهدد ويضرب ويطالب بالإنتقام. بل تصرف بحب ورعاية عجيبة. فلم يخبر أي شخص بأن الجنين الذي كان في أحشاء مريم لم يكن منه، بل ترك الجميع يظنون أنه الأب الحقيقي للطفل. وأراد أن ينفصل عن مريم بهدوء. لقد كان باستطاعة يوسف أن يطالب بتطبيق شريعة الله ورجم مريم بالحجارة حتى الموت أو أن يطلقها (راجع سفر العدد 11:5-31، ولاويين 10:20) ولكنه لم يمارس حقه الشرعي. في نظر يوسف، كانت الرحمة والمحبة أعظم جداً من تطبيق حرف الناموس. حسب العادات التي سادت في أيام يوسف ومريم، كان الزواج يمر في مرحلتين: المرحلة الأولى هي مرحلة الخطوبة، ثم مرحلة الاحتفال بالزواج. وخلال مرحلة الخطوبة، يعمل أهل العروسين على ترتيب عقد الزواج الذي يتعهد فيه والد العريس بدفع مهر العروس الذي يمثل ضمانة أو مصدر أمن للعروس في حالة أراد العريس ترك خطيبته أو طلاقها. ومن الناحية القانونية، فإن الخطيبين يُعتبران زوجين منذ الإتفاق على عقد الزواج، ولكن لم تكن مراسم الزواج تتم عملياً إلا بعد سنة، حيث كانت فترة الخطبة للتحضير ولاختبار ولاء الخطيبين لبعضهما البعض. بدأت المشكلة عندما ظهر ليوسف أن خطيبته مريم قد خانت عهدها معه وأصبحت حاملا، أي أنها خيّبت آماله ووضعته في موقف محرج. فبحسب الشريعة كان يحق ليوسف أن يذل مريم أمام الناس بسبب خيانتها الظاهرة له، كما وكان من حقه أن يطالب برجمها بتهمة الزنا، وفي نفس الوقت كان يستطيع تركها بهدوء وبدون أية فضائح، وفي جميع الحالات لم يعد باستطاعة يوسف إتمام مراسم الزواج لأنها، كما بدا له، قد خانت عهدها معه ومع الله. ومع ذلك فقد اختار يوسف أن “لا يشهرها”، أي أن لا يسبب لها فضيحة أخلاقية واجتماعية ودينية، بل أراد أن يفسخ عقد الخطوبة بينهما بصمت وهدوء، حيث كان يتم فسخ العقد بحضور شاهدين أو ثلاثة يمكن الثقة بهم. وهذا الاختيار يدل بلا شك على أن يوسف كان يخاف الله، وبحسب تعبير الكتاب المقدس، لقد كان “باراً”، ولم يهتم بالجرح والألم الذي أصابه، ولكنه كان حريصاً أن لا تنجرح خطيبته مريم وأن لا تتعرض لأي سوء من المجتمع القاسي الذي لا يرحم. وهذا دليل قاطع على أنه كان يحب خطيبته مريم، وبالرغم مما جرى، فإن حبه لم يتغير، والذي يحب لا يمكن أن يتسبب بأيّ أذى لمن يحبه. موقف يوسف من القديسة مريم يدفع الكثيرين منا إلى الخجل من أنفسنا. فنحن على استعداد أن نشهر بأي شخص ولو أساء إلينا بإساءة بسيطة جداً، وليس إساءة فظيعة مثل الزنا والحبل. نحن لا نرحم. نحقد، ونفرغ سموم حقدنا بالثرثرة وتشويه سمعة الناس وحتى الإساءة إليهم. يوسف لم يشأ أن يشهر خطيبته. اليوم إن خطب شاب فتاة، واكتشفت هي شيئاً عليه أو اكتشف هو شيئاً عليها، فإن جميع الناس يعرفون ما الذي يجري بينهم، وتنتشر الفضيحة بين الناس. المسيحي إنسان محب ولا يسئ للآخرين حتى ولو أساؤوا إليه. المسيحي المحب يحب أن يستر على أخطاء الآخرين، فالمحبة تستر كثرة من الخطايا… ومن منا لا يخطأ، ومن منا لا يحتاج إلى رحمة الله. أراد يوسف أن يعمل ما هو حق وصواب، وقلب يوسف يعكس رحمة الله وعدله في نفس الوقت. فنحن نعلم من الكتاب المقدس أن الله محب وعادل في نفس الوقت. فالله في عدله يكره الخطية ويعاقب من لا يتوب عن خطاياه، ولكنه أيضاً محب، ولذلك يظهر رحمته لمن لا يستحق الرحمة. نقرأ في مزمور 7:45 عن شخص الرب: ”أَحْبَبْتَ الْبِرَّ وَأَبْغَضْتَ الإِثْمَ”. أجل إن الله يحب الخطاة حتى الموت، موت الصليب كما نقرأ في رومية 8:5 “وَلَكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا”. يوسف، هذا الرجل الذي لم يسجِّل لنا الإنجيل أية عبارة نطق بها، أي الذي يمكن أن نطلق عليه لقب “الرجل الهادئ” أو “الرجل الصامت”، أحب خطيبته وأراد أن يظهر لها الرحمة لمن ظنّ أنها لا تستحق الرحمة بسبب خيانتها وحبلها قبل الزواج. تماماً كما يظهر الله لنا الرحمة بسبب خيانتنا له وعدم طاعتنا له وارتكابنا لأبشع الخطايا مثل الكذب والنفاق والحسد ومحبة المال وغيرها من الخطايا البشعة. كره يوسف الخطية الظاهرة له، ومع ذلك كان رحيماً ومحباً لمريم، علماً بأن مريم لم ترتكب خطية في حبلها، بل أن كل شيء قد تم بحسب مشيئة الله وبقوة الروح القدس. لقد انتصرت المحبة على الدينونة لمن لا يستحق الرحمة، وما قام به يوسف يجسد موقف الله منا نحن البشر الخطاة. أجل: كان يوسف باراً ومحباً ورحيماً. “لكِنْ فِيمَا هُوَ مُتَفَكِّرٌ فِي هذِهِ الأُمُورِ، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لَهُ فِي حُلْمٍ قَائِلًا: «يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ، لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ. لأَنَّ الَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ.فَسَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ. لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ».وَهذَا كُلُّهُ كَانَ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ الْقَائِلِ: «هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا، وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ» الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللهُ مَعَنَا. فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ يُوسُفُ مِنَ النَّوْمِ فَعَلَ كَمَا أَمَرَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ، وَأَخَذَ امْرَأَتَهُ”(متى20:1-24). عندما يكلمنا الله من خلال الكتاب المقدس أو حتى من خلال إعلان معين بالروح القدس، فإن علينا أن نطيع، ولو كان ذلك مكلفاً لنا، كما كان بالتأكيد مكلفاً ليوسف. لقد استمع هذا الرجل البار لكلمة الله، وآمن بهذه الكلمة، وعمل طائعاً للكلمة. وهكذا فإن استماع يوسف وإيمانه وطاعته لكلمة الله تعطينا مثالاً عظيماً لما يجب عليه أن يكون المؤمن والمؤمنة في أيامنا هذه: كان يوسف مطيعاً لله، وليتنا جميعاً نجعل من طاعة الله أسلوباً في حياتنا اليومية. فهل نستمع لكلمة الله كما استمع يوسف؟ وهل نؤمن حقاً بكل كلمة نسمعها من الله كما آمن يوسف؟ وهل نطيع الله ونتصرف بحسب كلمته كما أطاع يوسف؟ صلاة: اجعلينا يا مريم أن نسلك طرق الربّ القويمة وكوني شفيعتنا رغم تناسينا لك، لأنّنا ضعفاء، قوّينا بقوّة الروح القدس الذي حلّ عليك، فنكون رسلاً وشهودًا لكلمة الله القدّوس نحملها في قلوبنا وتكون الوحيدة على ألسنتنا لأنّ لا شيء أرفع وأسمى وأقدس منها. آمين. اكرام: اهتف باسم مريم في بدء اعمالك وسائر ساعات حياتك نافذة : السلام عليك يا حياتنا ولذتنا ورجائنا يتلى سر من اسرار الوردية -طلبة العذراء المجيدة |
|