|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
خيلها أسرع من النمور: في هذا الأصحاح يُقدّم لنا الوحي الإلهي صورة حيّة واقعيّة لبشاعة العدوّ الحقيقي، إبليس، الذي يبذل كل طاقاته ليستعبدنا: فمن جهة سرعة حرّكته في الافتراس أسرع من النمور، وفي دهائه يعمل في الظلمة أعنف من ذئاب المساء، دائرة عمله بلا حدود، منتشر في كل موضع ينصب شباكه، إمكانيّاته جبّارة، قادر أن يأتي من بعيد لينقض على فريسته من حيث لا نتوقع، قدرته على الاغتصاب والهرب كالنسر الذي يخطف الفريسة ويطير بها، دستوره هو شريعة الظلم بلا رحمة ولا تفاهم، في طبيعته حيواني مفترس وجهه إلى قدام كالوحوش، مسبيّوه كالرمل بلا عدد، يذل الملك ويهزأ بالرؤساء، قتلاه أقوياء، يُحطّم الحصون ويكوّمها كتراب يستخدمه لحساب مملكته، أثيم بطبيعته. والآن نتحدّث عن هذه السمات في شيء من التفصيل، فمن جهة سرعة حرّكته في الافتراس كما قلنا أسرع من النمور. فهو سريع الحرّكة، مملوء مكرًا ودهاءً، يقتنص كل فرصة لاصطياد النفس، مترقّبًا أقل إهمال أو تراخي لسحب النفس إلى شبكته. والمؤمنون بدورهم يقظون ينتهزون كل فرصة للنمو والتمتّع بالإكليل... الحياة الروحيّة في حقيقتها انتهاز فرص، العدوّ ينتهز الفرصة والمؤمن ينتهز الفرصة. إنه صراع روحي مستمرّ لبلوغ كل منهما غايته. يمكننا تلمّس ذلك من كلمات القدّيس أغناطيوس الأنطاكي الذي أسرع بالكتابة إلى أهل رومية ليوقف خطّتهم التي وضعوها لإنقاذه من الاستشهاد، إذ حسب ذلك محبّة لكن في غير أوانها... حسب استشهاده فرصة قد لا تتكرّر فلماذا يحرمونه منها؟! إنه يقول: [أطلب إليكم ألاَّ تظهروا ليّ عطفًا في غير أوانه، بل اسمحوا ليّ أن أكون طعامًا للوحوش الضارية، التي بواسطتها يوهب ليّ البلوغ إلى الله. إنني خبز الله، اتركوني أطحن بأنياب الوحوش لتصير قبرًا ليّ، ولا تترك شيئًا من جسدي، حتى إذا ما متّ لا أتعب أحدًا... توسّلوا إلى المسيح من أجلي حتى أعد بهذه الطريقة لأكون ذبيحة لله... ليتني أتمتّع بالوحوش الضارية التي أُعدّت ليّ، فإنني أُصلي أن يكون لها شغفًا أكثر لتنقض عليّ، وإنني سأُحرّضها لتفترسني سريعًا]. |
|