|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
صرخة مؤمنٍ متألمٍ أَمِلْ يَا رَبُّ أُذْنَكَ. اسْتَجِبْ لِي، لأَنِّي مَسْكِينٌ وَبَائِسٌ أَنَا [1]. كثرًا ما تكررت الطلبة "أمل يا رب أذنك"، ففي مرارة نفس صرخ حزقيا الملك إلى الرب الجالس فوق الكاروبيم: "أمل يا رب أذنك واسمع. افتح يا رب عينيك وأنظر" (2 مل 19: 16). كثيرًا ما كرر المرتل هذه العبارة (مز 17: 6؛ 31: 2؛ 45: 10) وهو تعبير يصدر من شخصٍ يشعر أنه أشبه بطفلٍ على صدر أبيه يود أن يهمس في أذنيه. إنه يصدر عن شخصٍ وديعٍ متواضعٍ، يُسر به الرب القائل: "تعلموا مني، فإني وديع ومتواضع القلب". بقوله: "أمل يا رب أذنك"، يود المرتل أن يقول له، إنني عاجز عن أن أعبر عما في داخلي بفمي ولساني، وليس من أحدٍ يقدر أن يسمع تنهدات قلبي، ويدرك ما في أعماقي، ويشاركني مشاعري سواك. لعل المرتل شعر بأنه قد حُرم في كثير من الأوقات من الشركة الجماعية في العبادة بسبب اضطهاده وهروبه. لكن الله وحده يقَّدر ما في أعماقه! يرى القديس أغسطينوس أن المتحدث هنا ربنا يسوع المسيح الذي من أجلنا صار مسكينًا وبائسًا، لكي يغنينا به. يقول [يصلي لأجلنا، بكونه كاهنًا، ويصلي فينا بكونه رأسنا، ويُصلى إليه منا بكونه إلهنا. ليتنا نعرف كلماتنا فيه، وكلماته فينا... إننا نصلي إليه، وبه وفيه؛ ونتحدث معه وبه وفيه]. * إنه يميل بأذنه إن كنت لا ترفع رقبتك، فإنه قريب من المتواضعين، وبعيد عن المرتفعين... إنه هو في الأعالي، ونحن أسفل، لكننا لسنا متروكين. "نحن خطاة مات المسيح لأجلنا، فإنه بالجهد يموت أحد لأجل بارٍ. ربما لأجل الصالح يجسر أحد أيضًا أن يموت" (رو 5: 7، 8). لكن ربنا مات لأجل الأشرار. إذ لم يتقدمنا أي استحقاق لنا من أجله مات ابن الله، بل بالحري إذ لا توجد استحقاقات ظهرت رحمته عظيمة... "لأني مسكين وبائس أنا". لا يميل أذنه للغني، بل للمسكين والبائس، أي للمتواضع الذي يعترف إليه أنه محتاج إلى رحمته، وليس إلى المكتفي الذي يرفع نفسه ويفتخر، كمن لا يحتاج إلى شيءٍ. هذا الذي يقول: "أشكرك أني لست مثل هذا العشار". فقد افتخر الفريسي باستحقاقاته، واعترف العشار بخطاياه (لو 18: 11-13)... لا يأخذ أحد يا إخوتي ما قلته كما لو كان الله لا يسمع للذين لديهم ذهب وفضة وأسرة وحقول. فإبراهيم في غناه كان مسكينًا ومتواضعًا، يحترم كل الوصايا ويطيعها. بالحق كان يحسب كل غناه كلا شيءٍ، وبحسب وصية الله كان مستعدًا أن يقدم ابنه ذبيحة (تك 22: 10)، الذي لأجله كان يحفظ كل ثرواته. لتتعلموا أن تكونوا مساكين ومحتاجين سواء كان لديكم شيء في هذا العالم أو لم يكن لديكم . القديس أغسطينوس * أضعفت خطاياي نفسي، وأخفض الحياء صوتي، لذا أرجوك أيها الطبيب الرحوم أن تتنازل إلى تواضعي، وتميل سمعك، لأني متعدي على أعمال الصلاح وخالي من العون البشري. لكنني لست استعين بالناس بل بك وحدك،... وأنا استغفر ذاتي لكي ما استحق الطوبى التي تقولها للمساكين بالروح . الأب أنسيمُس أسقف أورشليم احْفَظْ نَفْسِي لأَنِّي تَقِيٌّ. يَا إِلَهِي خَلِّصْ أَنْتَ عَبْدَكَ الْمُتَّكِلَ عَلَيْكَ [2]. الكلمة المترجمة هنا "احفظ" تستخدم أحيانًا كتعبير حربي عن الحراسة والدفاع والحماية. فالمرتل يشعر دومًا بالحاجة إلى حماية الله له: "احفظني يا الله، لأني عليك توكلت" (مز 16: 1). إنه في حاجة إلى حماية إلهية لحياته المهددة بالدمار، ولنفسه الخالدة حتى لا تفقد مجدها الأبدي. بقوله "لأني تقي" أو لأني مقدس، لا يعني أنه يبرر نفسه أمام الله، لكنه يدافع عن نفسه، حيث يتهمه من هم حوله بالشر بسبب ما يلحق به من متاعبٍ وتجاربٍ وضيقاتٍ. هذا ما حدث مع داود النبي كما مع غيره مثل أيوب البار القديسين بطرس وبولس ويوحنا وغيرهم: "عزيز في عيني الرب موت أتقيائه" (مز 116: 15). "تمسكت ببرَّي ولا أرخيه، قلبي لا يعير يومًا من أيامي" (أي 27: 6). "نعم يا رب أنت تعلم إني أحبك" (يو 21: 16). "ألست أنا رسولًا؟! ألست أنا حرًا؟! أما رأيت يسوع المسيح ربنا؟! ألستم أنتم عملي في الرب؟!" (1 كو 9: 1). يحلو للمرتل أن يدعو نفسه عبدًا لله، مكررًا هذه التسمية في نفس المزمور، فإن من ذاق التحرر من عبودية الخطية يشعر بعذوبة العبودية لله، التي تهب النفس نوعًا من الحرية وفرحًا وسلامًا. مع دعوة نفسه أنه تقي لا يعتد بتقواه، بل يتكل على نعمة الله، إذ يصرخ: "يا إلهي خلص أنت عبدك المتكل عليك". يرى القديس أغسطينوس أن المتحدث هنا السيد المسيح الذي وحده قدوس (تقي) بلا خطية. وإذ نلبس المسيح (غل 3: 27)، يحق لنا ككنيسة جامعة وكأعضاء فيها أن نقول إننا به قديسون وأتقياء، لكن ليس من عندنا، إنما كعطية من عنده. ارْحَمْنِي يَا رَبُّ، لأَنِّي إِلَيْكَ أَصْرُخُ الْيَوْمَ كُلَّهُ [3]. في دالة مع ثقة في عمل الله يصرخ اليوم كله مرة فأخرى بغير يأس. ومع دعوة نفسه أنه تقي يطلب مراحم الله طول النهار. وهذا اعتراف ضمني أنه خاطي ومحتاج كل النهار إلى غفران خطاياه. جاء الفعل "أصرخ" في صيغة المستقبل، وكأنه يعلن أنه يبقى يصرخ كل يوم بلا توقف لأنه محتاج دومَا إلى مراحمه. يرى القديس أغسطينوس أن الكنيسة جسد المسيح كأنها إنسان واحد، يصرخ إلى نهاية العالم، ويسمع الرب صوته، ويشفع رأسنا الواحد فينا لدى الآب. * ليس ليومٍ واحدٍ، إنما لنفهم "كل يوم" بمعنى الاستمرارية، فإن الوقت الذي فيه يئن جسد المسيح في آلام إلى نهاية العالم. فإلى أن تعبر الضيقات تنهد الإنسان ويدعو الله. كل واحدٍ منا يساهم في تلك الصرخة التي للجسد كله حسب قياسه . القديس أغسطينوس فَرِّحْ نَفْسَ عَبْدِكَ، لأَنَّنِي إِلَيْكَ يَا رَبُّ أَرْفَعُ نَفْسِي [4]. لا يطلب أن ينزع الله منه الحزن والمرارة فحسب، بل يطلب أن يملأ نفسه بفرح الروح. إنه يرفع نفسه أو يقدم نفسه لله مصدر الفرح الحقيقي. إنه يرفع نفسه إلى الرب، كمن لا يأتمن قضيته في يدٍ أخرى سوى يد إلهه. لقد طلب من الرب أن يفرِّح نفسه، كما يرفع نفسه إليه، فما يشغله لا الخلاص من متاعب جسدية، إنما تمتع أعماقه بفرح الرب، وارتفاع نفسه كمن تطير إلى مصدر خلاصها. * ساهموا معي في تعبي، لأنكم ترون ما قد تعهدت به، ومن أكون أنا الذي قد تعهدت به. إنكم ترون ما أرغب الحديث عنه، وأين، وما هو حالي سوى أني في "الجسد البالي يُثقل النفس، والمسكن الأرضي يُثقل العقل الكثير الاهتمام" (حك 9: 15). لهذا أجرد فكري من الأشياء العديدة، وأجمعه في الإله الواحد، الثالوث غير القابل للانقسام، حتى أستطيع أن أرى شيئًا أتحدث عنه. فليعرفوا أنني في ذلك الجسم (الذي) يثقل النفس أستطيع أن أقول: "إليك يا رب أرفع نفسي" (مز 86: 4)، ذلك لكي ما أستطيع أن أحدثكم عن أمور جديرة في الموضوع. فليساعدني الرب وليرفع نفسي معي. لأنني ضعيف جدًا بالنسبة له، وهو قدير جدًا بالنسبة لي . * أنت وحدك هو البهجة، والعالم كله مملوء بالمرارة. بسبب حسن ينصح بالتأكيد أعضاءه أن ترفع قلوبها... فالقلب الذي يرتفع إلى الله لا يفسد... لا يرتفع القلب مثل الجسد، فالجسد يرتفع بتغيير الموضع، أما القلب فيرتفع بتغيير الإرادة . القديس أغسطينوس لأَنَّكَ أَنْتَ يَا رَبُّ صَالِحٌ وَغَفُورٌ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ، لِكُلِّ الدَّاعِينَ إِلَيْكَ [5]. رجاؤنا في الرب وثقتنا فيه واعتمادنا عليه إنما يقوم على إدراكنا لسماته، كما تعلنها لنا كلمة الله، ويشهد لها التاريخ وخبرتنا الماضية في التعامل معه. * لم يُوجد قط أي ملك عادل وفي نفس الوقت مخَّلص ووديع وجاء إلى أورشليم راكبًا على أتان إلا ذاك وحده الذي هو ملك الملوك، الله المخلَّص، يسوع. إنه لطيف وغني في الرحمة لكل الذين يدعونه (مز 86: 5). القديس ساويرس الأنطاكي * "لأني إليك يا رب أرفع نفسي" [4]. كيف أرفع نفسي؟ قدر ما استطعت، إذا أعطيتني قوة؛ قدر ما أمسكت بها عندما هربت... بالضعف أنا أغرق، لتشفني فأقف. قوّني فأتقوى. إلى أن تفعل هذا احتملني. "لأنك أنت يا رب صالح ورءوف وكثير الرحمة" . فكلما كثرت آثامنا هكذا تزداد رحمتك "لكل الداعين إليك" . القديس أغسطينوس أِصْغَ يَا رَبُّ إِلَى صَلاَتِي، وَأَنْصِتْ إِلَى صَوْتِ تَضَرُّعَاتِي [6]. يتوسل المرتل إلى الله كي يتعهد قضيته بنفسه، فليس له معين سواه. * يا لعظم غيرة ذاك الذي يصلي! بمعنى لا تسمح لصلاتي أن تذهب بعيدًا عن أذنيك؛ ثبتها في أذنيك... ليُجب الله ويقول لنا: "أتريد أن أثبت صلاتك في أذني؟ ثبت أنت ناموسي في قلبك! القديس أغسطينوس فِي يَوْمِ ضِيقِي أَدْعُوكَ، لأَنَّكَ تَسْتَجِيبُ لِي [7]. هذه هي خبرته في تجاربه الماضية، ليس من إنسانٍ بلا يوم ضيقٍ، مهما بلغ مركزه أو كانت إمكانياته. * ليته لا يقول إنسان مسيحي إنه يوجد يوم لم يتضايق فيه. فبالقول: "اليوم كله" [3] يُفهم كل الزمن... لأننا "ونحن مستوطنون في الجسد، فنحن متغربون عن الرب" (2 كو 5: 6). مع كل ما سنذخر به هنا إلا أننا لسنا في المدينة التي نسرع إليها. فمن يجد عذوبة في أرض الغربة لا يحب مدينته، لو أن مدينته حلوة فالسفر مُر، وإن كان السفر مرًا فإنه في ضيق اليوم كله . القديس أغسطينوس |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
مزمور 83 | صرخة لله |
مزمور 55 - صرخة من أجل الضيق |
مزمور 71 | صرخة قلب |
مزمور 60 - صرخة للخلاص من العدو |
مزمور 44 - صرخة من أجل الخلاص |