|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
﴿ثابِتٌ قَلبُه فَلا يَخاف﴾ (مزمور 8:112) عظة الأحد الخامِس مِن زمن الفصح الْمجيد في إنجيلِ الأحدِ الخامِس مِنْ زَمنِ الفِصحِ الْمَجيد، وَالْمَأخوذِ مِنَ الفَصلِ الرّابِع عَشر، مِنْ بِشارَةِ القِدّيسِ يُوحنَّا الإنجيليّ، نَجِدُ أنَّ أوّلَ مَا يُخاطِبُ بِهِ الْمَسيحُ تَلاميذَه كَان: ﴿لا تَضْطَرِبْ قُلوبُكم﴾ (يوحنّا 1:14). فَبَعدَ أَنْ غَسَلَ يَسوعُ أَقدَامَ تَلاميذِهِ في الفَصلِ الثّالِثِ عَشر، ثُمَّ أَخذَ يُخبِرهم عَنْ خِيانَةِ وَاحِدٍ مِنهم، وعَنْ إِنْكَارِ بُطرسَ لَهُ، وَعنْ رَحيلِه الّذي سَيَحدُثُ بعدَ وَقتٍ قَصير، حتّى تَسَلّلَ الخوفُ إليهِم، وَغَزَت مَشاعِرُ القَلقِ والاضطرابِ نُفوسَهُم. وبالْمُناسَبة، نَوبَاتُ الاضطرابِ والتَّخَبُّط، هيَ نَوبَاتٌ تُصيبُ الْمُؤمِن، وَهوَ لَيسَ مُحَصَّنًا أَمَامَها! فَكُلٌّ مِنّا عُرضَةٌ لأنْ يُصابَ بالاضطرابِ أَو الخوفِ أَو الشَّكّ، جَرَّاءَ شِدّةٍ أَو ضِيقٍ أَو أَلم. كُلُّ مُؤمِنٍ هوَ عُرضَةٌ لأن يختبِرَ التّركَّ وَالخُذلان، وَيَرى نَفسَهُ وَحيدًا بِلا نَصيرٍ وبِلا مُجير. وَهذهِ الخبرةُ قَدْ عَبّرَ عَنهَا الْمَسيحُ فَوقَ الصَّليب، حينَ ردَّدَ كَلِمَاتِ الْمَزمور الحادي والعشرين: ﴿إلهي، إلهي، لِمَاذا تَركتَني؟﴾ (مرقس 34:15). كُلُّ مُؤمنٍ عَرضَةٌ لأن يختبِرَ خبرةَ بُستانِ الزّيتون، حيثُ التَّلاميذُ كَانوا نِيَامًا، وَيَسوعُ وَحدهُ يُقاسِي: ﴿ونفسُهُ حَزينَةٌ حتّى الْمَوت﴾ (متّى 38:26). وَأَحيانًا قَدْ تجِدُ قَيرَوانِيًّا يَقفُ إلى جَانِبِك وَيَسندُك في حِملِكَ الثَّقيلِ وَالْمُرهِق، وَسَامِريًّا رَحيمًا يُواسيك ويُخَفِّفُ عَنك مُصَابَك. وَلكنَّك أَحيانًا أُخرَى، قدْ تجِدُ نَفسَك وَحيدًا في بُستانِ الزّيتون، لِتَشربَ كَأسَك الْمُرَّة، ولا يُشارِكُك فِيهَا أَحَد! ﴿لا تَضْطَرِبْ قُلوبُكم. إنَّكُم تُؤمِنون بالله، فَآمِنوا بيَ أيضًا﴾ (يوحنا 1:14). نحنُ نُؤمِنُ بالله، وَلَكِنَّ إيمانَنا قَدْ يَتَعَرَّضُ لِهزّاتٍ تُضعِفُه. يَكفي أنْ نُلاحِظَ الْمَرَّاتِ الّتي فيها، وبَّخَ الْمَسيحُ تَلامِيذَه عَلَى قِلَّة إيمانِهم. ﴿ما بالُكُم مُضطَرِبين، وَلِمَ ثارَتْ الشّكوكُ في قلوبِكم؟﴾ (لوقا 38:24). وَنحنُ، عِندَ بَعضِ الأزَمَاتِ والصُّعوبات، وَيَومَ نُبْتَلى بمرضٍ أَو شِدَّة، نَجعَلُ من الإيمانِ مَادَّةً مِنْ خِلالِها نُجرّبُ اللهَ ونمْتَحِنُ قُدرَتَهُ! تمامًا كَمَا صَنعَ الشَّيطانُ يَومَ جَرّبَ الْمَسيح قائِلًا: ﴿إنْ كُنتَ ابنَ الله، فَمُرْ هَذا الحَجَرَ أنْ يَصيرَ رَغيفًا﴾ (لوقا 3:4). أَو كَمَا فَعَلَ كَهَنَةُ اليَهود، يومَ اسْتَهزَؤا بالْمَسيحِ فَوقَ الصَّليب، قائِلين: ﴿فَلْيَنزِل الآنَ الْمَسيحُ ملِكُ إسرائيلَ عن الصّليبِ، لِنَرَى وَنُؤمِن﴾ (مرقس 32:15). لِيَتَّضِحَ أَنَّ الَّذي كُنَّا نَظُنُّهُ إيمانًا، كَانَ مُجرّدَ بُقَعٍ غَسَلَتهَا أَوّلُ مِحنَةٍ أَصابَتِ البَعض، وَأظهَرَتْ أنَّ الجوهَرَ هوَ كُفرٌ وَجُحود. إنجيلُ اليوم يُبَيّنُ مِقدارَ الخَوفِ، وَحالَةَ الاضطرابِ الشَّديدَة، الّتي كَانَت تَعصِفُ بالتّلاميذ. فَهَا هوَ تُومَا مِن جِهَةٍ يَقولُ لِلرّب: ﴿إنَّنا لا نعرِفُ إلى أينَ تَذهَب، فكيفَ نعرِفُ الطّريق؟﴾ (يوحنّا 5:14). وَفِيلبُّس مِن جِهةٍ أُخرى يُخاطِب الرّب قائِلًا: ﴿أَرِنا الآبَ وَحَسبُنا﴾ (يوحنّا 8:14). مِنْ نَاحية، نَرى أَنَّ تُومَا وَفِيلبُّس، وَمعهم باقي التّلاميذ، يَطلُبونَ تَأكيدَاتٍ وَضَمَانَاتٍ مَلموسَة يَقبَلُها الْمَنطِق. وَمِن ناحيةٍ أُخرى، لا يُعطيهم يسوع، سِوَى جَوابَ الإيمان: ﴿أَنَا الطّريقُ والحقُّ والحَياة... مَن رَآني رَأى الآب﴾ (يوحنّا 6:14، 9). جَوابُ الإيمانِ الّذي يَتَخَطَّى الْمَنطِقَ الإنسانيّ، وَيَتَطَلَّبُ قُبولَ الإنسان، بالرّغمِ مِن عَدمِ امتِلاكِ أَجوبَةٍ وَتَفسيراتٍ، لِكثيرٍ من الأحداثِ الّتي تَجري مَعنا، وَالتَّسَاؤلاتِ الّتي تعتَرِضُنا. جَوابُ الإيمان الّذي يَسعَى لِتَهدِئةِ مخاوِفِنا، وَإعادَةِ السَّكينَةِ وَالسَّلامِ إلى نُفوسِنا، عِندَ الشَّدةِ والاضْطِرَاب. يَقولُ سِفرُ الْمَزَامير: ﴿طُوبى لِلرَّجُلِ الّذي يَتَّقي الرَّب. لا يَخشَى خَبرَ السُّوء، ثَابِتٌ قَلبُهُ، مُتَّكِلٌ عَلَى الرَّب، فَلا يَخاف﴾ (مزمور 1:112، 7-8). هَنيئًا للإنسانِ الّذي يَتَّقي الرّبَّ في جميعِ الظّروفِ والأحوَال، خُصوصًا الصَّعبَةِ وَالحالِكةِ مِنها، وَقلبُهُ مُتَّكِلٌ عَلَى الله وثَابِتٌ في الله، عِندَ الرَّخَاءِ وَعِندَ الابتِلاء، في السَّرَاءِ وَفي الضَّرّاء. هَنيئًا للإنسانِ الّذي يَنعَمُ بالسّلام، والّذي يحيا بالإيمان. وَأخيرًا أيّها الأحبّة، أَلا يَعرِفُ الْمَسيحُ ضُعفَنا؟ نَعم يَعرف. ألا يَعرِفُ أَسبابَ اضْطرابِنَا وَمَخاوِفِنا؟ نَعم يَعرف. أَلا يَعرفُ معاناةَ كُلِّ واحِدٍ مِنَّا؟ نَعم يَعرف. ألا يَعرِفُ همومَنَا وَأثقالَنَا؟ نَعم يَعرِف. ﴿أَنتَ يَا ربّ تَعلَمُ كُلَّ شَيء﴾ (يوحنّا 17:21). ولأنَّهُ العَالِمُ والعارِفُ بِكُلِّ شَيء، قالَ لِبُطرس: ﴿دَعوتُ لَكَ ألّا تَفقِدَ إيمانَكَ﴾ (لوقا 32:22). وكَم نحنُ، بِحَاجَةٍ مَاسَّةٍ إلى هَذَا العَونِ وَالْمَدَدِ الإلهي، خُصوصًا وَقتَ الْمِحنَةِ والشّدّة. فَالثَّبَاتُ وحدهُ هوَ سَبيلُ الخلاصِ والنَّجاة. ومع القدّيس أوغسطينوس نقول: "سَيَظلُّ قَلبي قَلِقًا، إلى أَنْ يجِدَ رَاحَتَهُ فِيكَ يا الله". |
|