|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
المراحم السابقة يتطلع المرتل في وسط الكارثة إلى الماضي، فتتجلى أمامه مراحم الله وخلاصه العجيب. هذا ما يدفعه للصراخ من كل القلب بدالة وجرأة مع تواضع وانسحاق أمام الله. وكما يقول بولس الرسول: "نحن الذين لنا باكورة الروح، نحن أنفسنا أيضًا نئن في أنفسنا متوقعين التبني فداء أجسادنا. لأننا بالرجاء خلصنا. ولكن الرجاء المنظور ليس رجاء، لأن ما ينظره أحد كيف يرجوه؟" (رو 8: 23-24). رَضِيتَ يَا رَبُّ عَلَى أَرْضِكَ. أَرْجَعْتَ سَبْيَ يَعْقُوبَ [1]. "رَضِيتَ يَا رَبُّ عَلَى أَرْضِكَ": إذ يتطلع المرتل بروح النبوة إلى السيد المسيح وقد حمل على رأسه إكليل الشوك، وقبل الموت ثم قام ليهبنا الحياة المطوَّبة المقامة، يراه قد حمل عنا اللعنة التي حلت بأرضنا، ووهبنا السماويات. رد السبي هنا يشير إلى التحرر من الشرور المؤلمة، كما قيل بداود المرتل: "عند ردّ الرب سبي شعبه، يهتف يعقوب ويفرح إسرائيل" (مز 14: 7). وإذ خلّص الله أيوب من متاعبه ووهبه مجدًا قيل: "ردّ الرب سبي أيوب" (أي 42: 10). هكذا حين يُعتق الإنسان من المتاعب، خاصة عبودية الخطية يشعر كمن ُأعتق من سبي مُر. فلا نعجب إن قيل: "أرجعت سبي يعقوب". إنها خبرة كل مؤمنٍ تحرر من سبي الخطية خلال الصليب. * تبارك يا رب أرضك! الأرض التي سبق أن لعنتها، الآن تباركها بمجيئك. الأرض التي سبق أن سمعت الحكم: "شوكًا وحسكًا تُنبت" (تك 3: 18). الآن تُدعى كما في سفر نشيد الأناشيد: "زهرة الحقل، سوسنة الوادي" (راجع نش 2: 1). الأرض التي أنبتت قبلًا شوكًا تسمع البركة في إشعياء: "يخرج قضيب من جذع يسى، وينبت غصن من أصوله" (إش 11: 1). يأتي الرب ليعلن الإطلاق للأسري. يوجد ما يعادل هذا في موضع آخر في الكتاب المقدس: "سبى سبيًا" (راجع أف 4: 8)، أي أننا نحن الذين كنا في الأزمنة السابقة مسبيين بواسطة الشيطان للهلاك الآن يقودنا المخلص للخلاص. * "رضيت يا رب على أرضك" [1] "هذا يشير إلى مجيء المخلص... الأرض التي عصتك وتدنست بالعبادة الوثنية خلصت عند مجيئك. "رضيت يا رب على أرضك". لتكن هذه هي صلاة الخاطي، من جهة حقيقة أنه نال المغفرة: أنت باركت الخزف (أي الجسد)... وإن كان قد أنبت شوكًا وحسكًا (تك 3: 18)، مع ذلك فهو خليقتك، ولهذا أنت جددته. "رددت سبي يعقوب" [1]، الذين يؤمنون بالمسيح ."رددت سبي يعقوب" أي كل خاطي قد صار أسيرًا. القديس جيروم * لقد رددت سبينا، لا بتحريرنا من برابرة هؤلاء الذين لم نلتقِ بهم، بل بتحريرنا من أعمالنا الشريرة ومن خطايانا التي بها يسيطر الشيطان علينا. فإن تحرر أحد من خطاياه، فإن رئيس الخطاه، يكون له أن يسيطر عليه. * اعترف إذن أنك تحت عبودية حتى تتأهل للتحرر؛ لأن من لا يعرف العدو، كيف يمكنه أن يستدعي المحرر؟ القديس أغسطينوس * القلب السليم الذي يقبل كلام الله مثل زرع، يثمر أعمالًا صالحة، يُقال عنه إنه أرض الله، ويُرى به. أيضًا يُدعى الإنسان أرضًا إذ قيل لآدم: أنت أرض وإلى الأرض تعود. فالله صار راضيًا على جنس البشر، وأرسل ابنه الوحيد متجسدًا، لينجي الطبيعة من أسرها . الأب أنسيمُس أسقف أورشليم غَفَرْتَ إِثْمَ شَعْبِكَ. سَتَرْتَ كُلَّ خَطِيَّتِهِمْ. سِلاَهْ [2]. غفران الإثم وستر كل الخطية يشيران إلى الكفارة ونوال المغفرة. ستر الخطية كما ورد في الكتاب المقدس يشير إلى اختفائها تمامًا. وكما قيل بداود: "طوبى للذي غُفر إثمه، وسُترت خطيته. طوبى لرجلٍ لا يحسب له الرب خطيته، ولا في روحه غش" (مز 32: 1-2). "أنت رفعت آثام خطيتي" (مز 32: 5). إذ يستر السيد المسيح على خطايانا بدمه، نتحرر من الدينونة. "إذا لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع، السالكين ليس حسب الجسد، بل حسب الروح" (رو 8: 1). إنه صفح أبدي، وكما قيل بإرميا النبي: "لأني أصفح عن إثمهم، ولا أذكر خطيتهم بعد" (إر 31: 34). * "غفرت إثم شعبك" [2]، ليس من أجل أعمالهم، وإنما من أجل رحمتك، خلصت شعبك. "سترت كل خطاياهم". هذا المزمور كله حتى آخر كلمة فيه يشير إلى مجيء المخلص... تسترها بالفضائل، فلا تظهر خطاياهم. كمثال تغطي الظلم بالعدل، والنجاسة بالطهارة. * "غفرت إثم شعبك". نحن نؤمن أن هذا تحقق في العماد. "سترت كل خطاياهم"؛ هذا يتحقق بالندامة كما يقول المزمور الحادي والثلاثين: "طوبى للذي غفر إثمه، وسُترت خطيته" (مز 32: 1). في المعمودية يُنزع إثمنا، وبالتوبة تُستر الخطايا التي ارتكبناها. إنها لا تُغسل بل تُغفر. ليتنا ندرك بحرصٍ شديدٍ قوة تلك الكلمات. بالحق بمجيء الرب المخلص، كل إثمنا قد أُزيل بالكامل بالمعمودية. حينما كنا نعيش بدون الناموس، كنا نخطئ بدون الناموس (رو 2: 12). مثل هذا النوع من الخطية يُدعى anomia في اليونانية؛ بمعنى آخر "بدون الناموس" يخطئ. بعد العماد لا تدعى بعد anomia، بل تُدعى الخطية sin خطية. فإن الخطية لا تُنسب إلا للذي يعرف أنه يرتكبها. فحيث لا توجد معصية لوصية الله لا توجد خطية. * أتريدون أن تعرفوا كيف تُستر الخطايا بالفضائل؟ بالأمس كنت شهوانيًا، واليوم أنا طاهر، فالطهارة تستر الشهوة. بالأمس كنت أحمق، واليوم أنا حكيم. لقد تبت عن خطأي، وتغطي الحكمة الحماقة. بالأمس كنت أسلب ممتلكات الغير، واليوم أعطي ما هو لي، فالعطاء يستر على الطمع. سعيد هو الإنسان الذي يُغفر له في المعمودية، وبعد المعمودية تكون الندامة مثل لوح خشبي بعد غرق السفينة. يُمكن أيضًا القول بأن النادم سعيد. يوهب له الإنقاذ من الدمار، وإذ يُنقذ بتأسفه على الخطية يُدعى سعيدًا. القديس جيروم * صار شعب الله من الأمم، ويثبت ذلك قوله في الأصحاح الثاني من نبوة زكريا النبي القائل: "افرحي يا بنت صهيون، لأني هأنذا آتي وأسكن في وسطك، فيتصل أمم كثيرة بالرب في ذلك اليوم، ويكونون لي شعبًا" (زك 2: 10-11). لقد ترك آثام هؤلاء بالمعمودية، وستر خطاياهم بالتوبة. وأيضًا بالمحبة والرحمة يستران الخطايا. الأب أنسيمُس الأورشليمي حَجَزْتَ كُلَّ رِجْزِكَ. رَجَعْتَ عَنْ حُمُوِّ غَضَبِكَ [3]. لا يطيق الله القدوس الخطية، فمن يصمم عليها، يعطي ظهره لله، ويصير كمن هو تحت الغضب الإلهي الرهيب. يرى القديس أغسطينوس في المرتل حرصه الشديد على الحياة المقدسة، سواء بالنسبة للشعب أو المؤمن. إذ يشكر المؤمن الله لأن ستر على جميع الخطايا، ولأنه رجع عن سخط غضبه، لماذا يعود فيقول: "اصرف سخطك عنا"؟ لأنه وإن كان لم يمارس خطايا معينة بالفعل، لكنه يعلم إمكانية السقوط في الخطية، فيصرخ إلى الله طالبًا أن يصرف غضبه عنه من أجل أفكاره الداخلية أو إمكانية السقوط! * "حجزت كل رجزك. رجعت عن حمو غضبك". انظروا مدى قوة التوبة عن الخطية؛ فإنها تمنع التهيج بسخط الله. القديس جيروم |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
يا أصل الخير يا أبو المراحم |
ليحتضنك أبو المراحم |
في مرحلة من المراحل |
المراحم الإلهية |
الحكيم يتعلم من الأخطاء السابقة والحوادث السابقة |