منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 06 - 04 - 2023, 12:33 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,102

أيوب | الحكمة الإلهية تفوق الفكر البشري
الحكمة الإلهية تفوق الفكر البشري

لأَنَّهُ يُوجَدُ لِلْفِضَّةِ مَعْدَنٌ،
وَمَوْضِعٌ لِلذَّهَبِ حَيْثُ يُمَحِّصُونَهُ [1].
يجاهد البشر لمعرفة أسرار الطبيعة مثل اكتشاف المعادن الثمينة من ذهب وفضة، وقد أمكنهم ذلك. فمن أجل الغنى يجاهد الإنسان في هذه الأمور وما أشبهها، لكنه في غباوة لا يهتم بالتعرف على أسرار ملكوت السماوات. من أجل الغنى الزمني وحب الاستطلاع يبحث عما هو مدفون في الأرض ولا يبحث عن خلاص نفسه ومجده الأبدي.
*"لأنه يوجد موضع، منه تأتي الفضة، وموضع للذهب حيث يمحصونه؛ الحديد يُستخرج من التراب، والنحاس يُسكب مثل الحجارة" [راجع 1-2 LXX]. يعني بهذا أنه وإن كان الله قد وضع نظامًا خاصًا بالأمور العامة، فبالأكثر يضع نظامًا بخصوص الحقائق البشرية... إنه يسبق فيرى الأمور ويهتم بنفسه بها، ولا يحدث شيء ما مصادفة. أو بالحري يقصد أن تجميع الحقائق (الطبيعية) أمور منظورة بوضوح، أما خطة الله نفسه فغير منظورة. فللفضة والنحاس موضعهما المعروف، أما موضع الحكمة فلا يعرفه أحد، بل الله وحده يعرفه. يقول (الله) للإنسان: "التقوى هي الحكمة"، وأن تصنع الصلاح هو الفهم.
القديس يوحنا الذهبي الفم
* كما أن الفضة غالبًا ما تُنقى، هكذا يُمتحن البار، فيصير عُملَة الرب، تتقبل الصورة الملكية. سليمان أيضًا يدعو "لسان الصديق ذهبًا ممحصًا بالنار" (راجع أم 20:10)، مظهرًا أن التعليم الذي يُمتحن وتثبت حكمته يُمتدح ويُقبل، حيث يُمحص على الأرض عندما تتقدس نفس الغنوصي (الإنسان الروحي صاحب المعرفة) بعدة طرقٍ، منسحبة من النيران الأرضية. أما الجسد الذي تسكنه (هذه النفس) فيتطهر وتصير له النقاوة اللائقة بهيكل مقدس.
القديس إكليمنضس الإسكندري
يقدم لنا البابا غريغوريوس (الكبير) تفسيرًا رمزيًا لهذه العبارة، وهو إن كان الإنسان يبحث عن الفضة والذهب ليستخرجهما من الحجارة، يليق بالكارزين أن يعملوا بلا توقف ليكون لهم الفضة الروحية أي كلمة الله الممحصة بالنار سبع مرات كالفضة (مز 12: 6). وأن يكون لهم الذهب الذي يشير إلى الحياة البهية الحكيمة السماوية.
ويميز البابا بين الكرازة الصادقة التي تقدم الفضة والذهب النقيين من الأسفار المقدسة، مفسرين إياها حسب فكر الآباء، كما عاشتها الكنيسة الأولى، وبين الهراطقة. فإن الأخيرين لا يقدمون فضة وذهبًا مُنقّى بالنار، بل تعاليم من ذواتهم لأجل كرامتهم الخاصة ولمجدهم البشري.
* "الفضة بدايتها في العروق (في الحجارة)، وللذهب موضع حيث يمحصونه" [1]. تشير الفضة إلى قوة الكلام، والذهب إلى بهاء الحياة أو بهاء الحكمة... وكأنه يقول بوضوح: من يهيئ نفسه لكلمات الكرازة الصادقة يلزمه أن يستخلص أصول عَرْضِه (للمواضيع) من الأسفار المقدسة، فيجلب كل شيءٍ ينطق به على أساسٍ إلهيٍ، وذلك لنفع الذين يكلمهم.
غالبًا ما يسعى الهراطقة في مساندة ما يقدمونه من أمور خاطئة من عندهم، فيستخرجون أمورًا بالتأكيد لا سند لها من صفحات الأسفار المقدسة.
لهذا ينصح الكارز العظيم تلميذه، قائلًا: "يا تيموثاوس، احفظ الوديعة، مُعرضًا عن الكلام الباطل الدنس، ومخالفات العلم الكاذب الاسم" (1 تي 20:6). إذ يشتاق الهراطقة أن يتمجدوا كأنهم بارعون في الفكر، يقدمون أمورًا جديدة لم ترد في الكتب القديمة للآباء القدامى، إذا بهم يلقون بذور الجهل إلى البائسين الذين يستمعون إليهم، رغبة في الظهور أنهم حكماء.
إنه كمن يقول بوضوح: "الحكمة الحقيقية للمؤمنين، لها موضع في الكنيسة الجامعة، وهي تعاني من متاعب تصدر عنكم ومن اضطهادكم لها، لكنها تتنقى من كل شوائب الخطايا بنار اضطهادكم. هكذا مكتوب: "يُختبر الذهب في النار، والناس المقبولون في أتون المحنة" (ابن سيراخ 5:2)...
يعلمنا الرسول بولس إذ يقول: "إن سلمت جسدي حتى احترق، ولكن ليس لي محبة فلا أنتفع شيئًا" (1 كو 3:13). فإن أفكار البعض عن الله خاطئة، وآخرون أفكارهم صادقة من جهة الخالق، لكنهم لا يحفظون الوحدة مع إخوتهم. الأولون يُقطعون بسبب خطأهم في الإيمان، والآخرون بسبب انشقاقهم. لهذا فإن أول جزء في الوصايا العشرة منع الخطية التي للفريقين، إذ جاء القول بالصوت الإلهي: "حب الرب إلهك من كل قلبك وكل نفسك وكل قوتك". وفي الحال أضاف "حب قريبك كنفسك" (تث 5:6؛ مر 30:12-31). فمن يعتقد بما هو خطأ بخصوص الله بالتأكيد لا يحب الله، ومن له مفاهيم صادقة نحو الله ويشق وحدة الكنيسة المقدسة واضح أنه لا يحب قريبه، إذ يرفض أن يأخذه رفيقًا له.
البابا غريغوريوس (الكبير)
* كلام الرب كلام نقي (مز 12: 6)... يقول "نقي"، ليس فيه زغل المظهر المزيف. فإن كثيرين يكرزون بالحق في غير نقاوة، إذ يبيعونها من أجل نوال رشوة لنفع زمني.
القديس أغسطينوس
* (الانشقاق) هو سلاح الشيطان يقلب كل شيء رأسًا على عقب. مادام الجسد متحدًا معًا لا يقدر أن يجد الشيطان له مدخلًا، أمّا العثرة فتأتي بسبب الانقسام. من أين يأتي الانشقاق؟ من الآراء المخالفة لتعاليم الرسل. ومن أين تأتي هذه الآراء؟ من عبوديّة الناس للبطن والأهواء الأخرى... هذا ما قاله عندما كتب إلى أهل فيلبي: "الذين إلههم بطنهم" (في 3: 19) .
القديس يوحنا الذهبي الفم
يليق بالكارز بالحق، بل وبكل مؤمن أن يقدم فضة وذهبًا من قبل الله، أي سلامه السماوي الفائق، لا سلام هذا العالم الزائل، يقدم الله المخلص هو السلام الحقيقي.
* سيكون السلام هو ذهبك؛ السلام هو فضتك؛ السلام هو أرضك. السلام هو حياتك، إلهك هو السلام. يكون لك السلام في كل ما تشتهيه!
القديس أغسطينوس


الْحَدِيدُ يُسْتَخْرَجُ مِنَ التُّرَابِ،
وَالْحَجَرُ يَسْكُبُ نُحَاسًا [2].
إن كان استخراج الفضة والذهب يتطلب جهدًا أعظم من استخراج الحديد والنحاس، إلا أن المعدنين الآخيرين أكثر نفعًا للإنسان، ولوفرتهما فإن ثمنهما أقل بكثير من الفضة والذهب. يمكن لإنسانٍ أن يعيش بدون الفضة والذهب، لكنه يصعب عليه جدًا، وحاليًا يستحيل عليه أن يعيش بدون الحديد والنحاس. إنها حكمة الله الفائقة جعلت ما هو ضروري للإنسان أكثر وفرة واستخراجه أكثر سهولة، بينما ما هو للترف أقل في الكمية وأصعب في استخراجه.
يرى البابا غريغوريوس (الكبير) أن استخراج هذه المعادن جميعها من فضةٍ وذهبٍ وحديدٍ ونحاسٍ هو من التراب والحجارة، إشارة إلى رجال الله القديسين - مع اختلاف مستواهم الروحي ودورهم في العمل الكرازي والشهادة لله، لكن الكل مُستخرج من التراب والحجارة. كنا ترابًا وحجارة، مشغولين بالزمنيات، قساة القلوب. لكن نعمة الله أقامت منا أناسًا شهودًا لله، ننعم بالشركة في الطبيعة الإلهية من حبٍ وحنوٍ ووداعةٍ وتواضعٍ وطهارةٍ وقداسة إلخ. هذه كلها ليست من عندنا، لكنها عطايا الله المجانية للمؤمنين الجادين في طلب خلاص نفوسهم وخلاص إخوتهم في البشرية.
* "الحديد يستخرج من الأرض" [2]. كأنه يقول في وضوحٍ: رجال القوة الذين بألسنتهم الأحد من السيوف، صاروا حديدًا في هذه المعركة العنيفة في الدفاع عن الإيمان، هؤلاء الذين كانوا وقتًا ما "أرضًا"، في مجال الأعمال الدنيا. فعندما يخطئ الإنسان، يقال له: "أنت تراب وإلى تراب تعود". وأما "الحديد فيُستخرج من الأرض"، عندما ينفصل محارب الكنيسة الصارم من السلوك الأرضي...
ألم يُستخرج حتى من الأرض، إذ كان مشغولًا بالأمور الأرضية، ذاك الذي كان يخدم في جمع الجزية (مثل زكا العشار)؟ لكنه إذ استخرج من الأرض، تقوى بقوة الحديد، ألزمه الرب بالإنجيل، ممزقًا بلسانه قلوب غير المؤمنين كما بسيفٍ حادٍ. هذا الذي كان قبلًا ضعيفًا ومرتبكًا بالأعمال الأرضية صار فيما بعد قويًا بالكرازة السماوية.
"والحجر يُسكب بالحرارة، فيصير نحاسًا" ينحل الحجر بالحرارة، عندما يكون القلب قاسيًا وباردًا يتلامس بنار الحب الإلهي، وينسكب في نار الروح المتوهجة. عندئذ تصير له الحياة الملتهبة بحرارة في العمل. بقدر ما كان قاسيًا من قبل في محبته للعالم، يصير قويًا في حبه لله.
البابا غريغوريوس (الكبير)
يرى القديس غريغوريوس النزينزيأن فكر المؤمن التقي يشبه الحديد المستخرج من الصوان أو الحجارة.
* إنهم يشبهون الحديد المستخرج من الصوان يشع نارًا من الذهب الخصب المتأهل للنور، فإن شرارة صغيرة يمكنها أن تشكل شعلة الحق في داخلها بسرعة .
القديس غريغوريوس النزينزي
إذ يتحدث القديس كيرلس الأورشليمي عن قيامة الجسد يقول إنه يصير كالحديد المُحمي بالنار. إنه ذات الجسد الذي لنا في هذه الحياة، لكن بطبيعته نارية تليق بالأبدية.
* لقد دّون هذا خصيصًا، كيف يقول بولس بصراحة: "لأن هذا الفاسد لا بُد أن يلبس عدم فساد" (1 كو 15: 53). إذن هذا الجسد سيقوم ويلبس عدم الفساد ويشكل جديدًا. وكما يمتزج الحديد بالنار ويصبح نارًا، أو الأفضل كما يعرف الرب الذي يقيمنا: هذا الجسد سيقوم لكنه لن يمكث كما هو الآن.
إنه جسم أبدي. لا يحتاج تغذية لحياته كما هو عليه الآن، ولا إلى درجات لصعوده لأنه سيكون روحيًا. إنه لأمر عجيب لسنا جديرين بالكلام عنه، إذ قيل في إنجيل القديس متى البشير: "حينئذ يضيء الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم" (مت 13: 43)، "وكالقمر وكضياء الجلد" (دا 12: 3).
القديس كيرلس الأورشليمي


قَدْ جَعَلَ لِلظُّلْمَةِ نِهَايَةً،
وَإِلَى كُلِّ طَرَفٍ هُوَ يَفْحَصُ.
حَجَرَ الظُّلْمَةِ وَظِلَّ الْمَوْتِ [3].
إذ يتحدث أيوب عن استخراج المعادن من بطن الأرض، أي من المناجم المظلمة، فإن الإنسان من أجل حصوله عليها يدخل إلى المناجم ليفحص ما فيها مستخدمًا المشاعل ليضع للظلمة حدًا فلا تعوقه عن تحديد هدفه. إنه يغامر بحياته، ويدخل إلى الوعر من أجل استخراج المعادن.
من ليس له دراية بفن استخراج المعادن يسخر بالباحثين عنها. يتطلع إليهم كمن يعرضون أنفسهم للمخاطر والموت دون هدفٍ. هكذا يستخرج الله من ترابنا وحجارتنا معادن نفيسة في عينيه. لكن كثيرين يجهلون خطة الله فيحسبونه كمن يدخل إلى ظلمةٍ ويفحص أمورًا لا قيمة لها. بمعنى آخر يليق بنا أن نثق في خطة الله وعنايته وعمله من أجلنا. إنه يقدم لنا الخلاص، مهما تكن تكلفته، إذ يرى بسابق معرفته ما سنتمتع به من أمجاد. يرانا ذهبًا وفضة ونحاسًا وحديدًا مستخرجًا من الأرض والحجارة! يستخرج منا نحن الذين كنا ظلمة نورًا. وكما يقول الرسول: "لأنكم كنتم قبلًا ظلمة، والآن فنور في الرب" (أف 5: 8).
* يقول "جعل للظلمة موضعًا" [3] كمن يقول إن للعقل أيضًا موضع، فإن الظلمة تعرف أن تتراجع خطواتها، وتطمس ذاتها (قبل بزوغ النهار)... إنه يحثنا ألا نطلب محاسبة (الله). يقول: "لماذا توجد الظلمة؟ ألا تعرف الله أنه الكلي القدرة، يفعل كل شيءٍ بحكمةٍ؟"
القديس يوحنا الذهبي الفم
* "قد جعل للظلمة زمانًا، وهو نفسه يفحص كل شيءٍ، وكل أحدٍ" [3]. لقد وضع بنفسه زمانًا للظلمة، أي وضع حدًا للأشرار، حيث يتوقفون عن كونهم أشرارًا. هكذا يُقال لهم بالرسول: "لأنكم كنتم قبلًا ظلمة، وأما الآن فنور في الرب" (أف 8:5). يقول ذات الرسول العظيم لتلاميذ آخرين: "قد تناهى الليل، وتقارب النهار، فلنخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور. لنسلك بلياقةٍ كما في النهار" (رو 12:13-13). لهذا جاء في نشيد الأناشيد عن مجيء الكنيسة: "من هذه المشرقة مثل الصباح؟" (نش 10:6). تُشَّبه الكنيسة بالصباح، أي بمعرفة الإيمان، تتحول من ظلمة الخطايا إلى بهاء نور البٌر...
إذ يفعل الله ما هو صالح، ويقوم بالتدبير، ولا يفعل ما هو شر، يضبط الأمور التي يفعلها الأشرار حتى لا تسير الأمور إلى ما هو رديء، بل يفحص نهاية كل الأمور ونهاية كل أحدٍ، ويحتمل كل الأشياء في طول أناةٍ، ويرى نهاية المختارين، إذ يتحول الشر بالنسبة لهم إلى الخير...
لقد رأى الله نهاية ما يصل إليه شاول حتى وهو يضطهد (الكنيسة)، يراه يسقط على الأرض يقول: "يا رب ماذا تريد أن أفعل؟" (أع 6:9)...
رأى أهل نينوى يعصون، لكنه تطلع إلى نهاية عصيانهم في ممارستهم الإصلاح (التوبة).
أيضًا رأى نهاية سدوم العاصية، وتطلع إلى نهاية احتراق الشهوة في نار جهنم.
رأى نهاية عالم الأمم، حيث انشغل في ظلمة الشرور، كيف أنه يومًا ما يتلألأ بنور الإيمان.
البابا غريغوريوس (الكبير)
الله الخالق العجيب في أعماله خلق الأرض وأوجد عليها الزحافات والوحوش، كما خلق الإنسان من ترابها. إنه لا زال طبيعة جديدة تليق بالحياة الأبدية.
* من أرض واحدة تخرج الزحافات والوحوش المفترسة والقطيع وعليها تثبت الأشجار، وتوجد الأطعمة والذهب والفضة والنحاس والحديد والحجر!
القديس كيرلس الأورشليمي


حَفَرَ مَنْجَمًا بَعِيدًا عَنِ السُّكَّانِ.
بِلاَ مَوْطِئٍ لِلْقَدَمِ.
مُتَدَلِّينَ بَعِيدِينَ مِنَ النَّاسِ يَتَدَلْدَلُونَ [4].
جاء النص في كتابات البابا غريغوريوس (الكبير)"حجر الظلمة أيضًا وظل الوادي (الجارف) ينقسم من الشعب في رحلة".
إذ يحفر البعض في أرض صخرية غير آهلة بالسكان، يسمع عنهم البعض أو ينظرونهم وهم يفعلون هكذا، فيسخرون منهم. يحسبون أنهم يريدون استخراج ماء من باطن الأرض، لكن لماذا يختارون مناطق حجرية بعيدة عن السكان؟ إنهم كمن يدلدلون أرجلهم في حفرة لا نفع منها. هكذا يسخر البعض من خطة الله وعمله الخلاصي، وذلك كما سخر اليهود بالرسل والتلاميذ الذين خرجوا يكرزون بين الأمم الوثنية، كمن يحفرون مناجم في أرضٍ صخرية بلا ماء، بلا هدف ولا رجاء!
* "حجر الظلمة أيضًا وظل الوادي (الجارف) ينقسم من الشعب في رحلة" [3-4]. ماذا كان ذلك الشعب اليهودي، القساة في عدم إيمان، الذين رفضوا قبول الإيمان الذي سبق فأعلن لهم عنه واهب الحياة خلال النبوات، إلا أنهم حجر الظلمة؟ يتحقق هذا بقسوة عنفهم والتحافهم بعدم الإيمان....
ربما يشير بالسيل الجارف إلى الارتواء بالكرازة المقدسة، كما قيل بسليمان: "العين المستهزئة بأبيها، والمحتقرة عذاب أمها، تقورها غربان الوادي (الجارف)" (أم 17:30). فإن الأشرار إذ يجدون خطأ في أحكام الله، يستهزئون بأبيهم، والهراطقة من كل نوع الذين يزدرون بكرازة الكنيسة المقدسة، ويسخرون بثمرها، ليسوا إلا محتقرين لعذاب أمهم؟ ليس بغير لياقةٍ ندعوها أمهم أيضًا، إذ خرج منها هؤلاء الذين يتكلمون ضدها، كما يشهد يوحنا، قائلًا: "منا خرجوا، لكنهم لم يكونوا منا، لأنهم لو كانوا منا لبقوا معنا" (1 يو 19:2). ولكن "غربان الوادي تأتي" عندما يخرج الكارزون الحقيقيون يدافعون عن الكنيسة المقدسة من مجاري الأسفار المقدسة.
البابا غريغوريوس (الكبير)




أَرْضٌ يَخْرُجُ مِنْهَا الْخُبْزُ،
أَسْفَلُهَا يَنْقَلِبُ كَمَا بِالنَّارِ [5].
يرى البعض أن الأرض التي تُخرج حنطة لنقتات بها، هي أيضًا تخرج وقودًا (بترول) لتقتات بها النار. بالحكمة التي وهبت لنا من الخالق نجد ما يشبعنا من ذات الأرض التي نخرج منها ما نستخدمه كوقودٍ.
ويرى آخرون أن أيوب يشير إلى سدوم وعمورة، الأرض التي تتسم بأنها خصبة للغاية، فتنتج حنطة بفيض يقتات بها الكثيرون، تحولت بسبب شرور سكانها إلى أتون نار، حيث أنزل الله عليها نارًا وكبريتًا.
كما يرى آخرون أنه إذ يتحدث عن اهتمام الإنسان باستخراج المعادن النفيسة من مناجم تحت الأرض، حولوا الأرض التي تفيض عليهم بالغذاء إلى مناجم، يهلك فيها كثيرون بسبب المخاطر التي يتعرضون لها، فتحولت إلى أشبه بأتون نار تحت الأرض.
* يرى البابا غريغوريوس (الكبير) هنا نبوة عن اليهودية التي كان يليق بها عند مجيء السيد أن تشهد له وتكرز، فتقدم للعالم المسيح خبز الحياة، لكن بحسب حسد القيادات اليهودية تحولت إلى نارٍ خفية مهلكة للنفوس."الأرض يخرج منها الخبز، تنقلب في موضعها بالنار" [5]. كان ما يشغل اليهودية أن تعطي خبزًا، إذ اعتادت أن تعد كلمات الناموس أمام الناس. لم يعد أبناء الهلاك قادرون على تفسير هذا الناموس عينه، كما ينتحب إرميا النبي في مراثيه، قائلًا: "الأطفال يسألون خبزًا، وليس من يكسره لهم" (مرا 4:4). لكن هذه "الأرض تنقلب في موضعها بالنار"، إذ تهلك نفسها بجمرة الحسد، عندما ترى معجزات المؤمنين... ألم تكن ملتهبة بلهيب جمر حسدها عندما رأت معجزات مخلصنا، فقال بعض رجالها: "ماذا نصنع، فإن هذا الإنسان يعمل آيات كثيرة" (يو 47:11)؟ أو "انظروا، إنكم لا تنفعون شيئًا. هوذا العالم قد ذهب وراءه" (يو 19:12)
البابا غريغوريوس (الكبير)


حِجَارَتُهَا هِيَ مَوْضِعُ الْيَاقُوتِ الأَزْرَقِ،
وَفِيهَا تُرَابُ الذَّهَبِ [6].
كان يليق برجال اليهودية أو قياداتها الدينية أن يقدموا المسيح خبز الحياة، فيصيرون حجارة حيَّة في هيكل الرب، من ياقوتٍ أزرق، أي يحملون السمة السماوية، فيتحول، التراب إلى ذهب، حيث يتحول الترابيون إلى سمائيين إن صح التعبير.
يرى البعض أن الله بحكمته الفائقة جعل الكثير من الأمور الثمينة كالفضة والذهب والبترول مخفية تحت الأرض، أو في الحجارة، حتى لا يركز الإنسان عينيه على هذه الأمور، بل يرفع عينيه إلى السماء. إنه يطأها بقدميه مستخفًا بها، ليكون كل قلبه ملتصقًا بالله.
يُعتبر الياقوت في قيمته يلي الماس، وهو من أثمن الحجارة الكريمة، منه الأحمر والأزرق والأصفر، لكن غالبًا ما يكون أزرق اللون.
* "حجارتها هي موضع الياقوت الأزرق، وفيها تراب الذهب" [6]. أضيف إلى إعلان المجد السابق ذكره إثم الخطية الذي يتبعها. فإن سقوط كل فردٍ هو عمل إجرامي رديء، إذ كان في مقدوره قبل السقوط أن يبلغ إلى سمو أعظم... تشير الحجارة إلى أذهان الأقوياء، عندما قال بطرس للقديسين: "كحجارة حية، بيتًا روحيًا، كهنوتًا مقدسًا" (1 بط 5:2). ويعد الرب الكنيسة بذلك حين تأتي، قائلًا بالنبي: "هأنذا أبني بالاثمد حجارتك، وبالياقوت الأزرق أؤسسك، وأجعل شرفكِ ياقوتًا، وأبوابك حجارة بهرمانية، وكل تخومك حجارة كريمة، وكل بنيكِ متعلمين من الرب" (إش 11:54-13). إذ يضع فيها حجارة بنظام، حيث يميز النفوس المقدسة فيها حسب اختلاف استحقاقاتها. "يضع أساساتها بياقوت ازرق"، حيث تحمل هذه الحجارة في ذاتها شبه لون السماء، فتتأسس قوة الكنيسة في النفوس التي تطلب السماويات...
ولأنها تشرق بالإيمان في بهاء الحياة الفائقة والحكمة، أُضيف: "تراب ذهبها"... لكن هذا الذهب قد انطمس بعد ذلك بظلمة عدم الإيمان. رثى النبي إرميا سواده، قائلًا: "كيف اكدر الذهب؟ تغير الإبريز الجيد؟" (مرا 1:4) فقد صار الذهب مكدرًا، فاعتم البهاء القديم للإيمان، والبراءة عينها بليل الشر، حيث حلٌ عدم الإيمان بهم.
البابا غريغوريوس (الكبير)


رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
نفوس المختارين تفوق بجمالها الباهر كل الجنس البشري
أعمال الحكمة الإلهية العظيمة وبين أعمال الحكمة الإلهية الخفية العظيمة
إن المحن التي حلت بي تفوق طاقة الجسم البشري
راعوث انطلقت بالإيمان إِلي ما فوق الفكر البشري
مراحمك الإلهية تفوق كل ضعفنا 🙏🏼


الساعة الآن 10:03 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024