|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
فزعه من اتهامه بالرياء لِيَكُنْ عَدُوِّي كَالشِّرِّيرِ، وَمُعَانِدِي كَفَاعِلِ الشَّرِّ [7]. إذ كان أيوب في حالة ذهول من اتهام أصدقائه له بأنه شرير يستحق تأديبات أقسى مما حلت به، وأنه يلزم أن يتوقع هلاكًا تامًا، أكد لهم أنه ليس بالإنسان الشرير كما كانوا يتصورون. الآن يقول لهم إنه أبعد ما يكون عن أن يقبل أي طريق شرير أو يجد فيه لذة، فإنه لو كان له عدو لدود جدًا لتمنى له أن يكون شريرًا، إذ ليس شيء أسوا من هذا. هذا لا يعني أنه يكره أشخاصًا كأعداء له وأنه يشتهي لهم أن يكونوا هكذا، وإنما من قبيل إظهار مدى كراهيته للشر، وذلك كما قال دانيال النبي لنبوخذ نصر: "الحلم لمبغضيك" (دا 4: 19). كأن أيوب يقول له إنه يشتهي أن يكون في أي وضعٍ كأن يصير فقيرًا أو عبدًا محتقرًا أو فاقدًا لأولاده، ولا يكون شريرًا، فإن الخطية خاطئة جدًا" (رو 7: 13). وكما يقول السيد المسيح: "الحق الحق أقول لكم إن كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية" (يو 8: 34). ويقول الرسول يوحنا: "كل من يفعل الخطية يفعل التعدي أيضًا، والخطية هي التعدي (1 يو 3: 4)؛ "من يفعل الخطية فهو من إبليس، لأن إبليس من البدء يخطئ، لأجل هذا أظهر ابن الله لكي ينقض أعمال إبليس (1 يو 3: 8). * "ليكن عدوي كالشرير". أحيانًا تأتي كلمة "مثل" لا للتشبيه بل لتصوِّر واقعًا. مثل: "رأينا مجده مجدًا كما لوحيدٍ للآب" (يو 14:1). هنا كلمة "كما" تأتي للتأكيد وليس للتشبيه. البابا غريغوريوس (الكبير) القديس يوحنا الذهبي الفم لأَنَّهُ مَا هُوَ رَجَاءُ الْفَاجِرِ عِنْدَمَا يَقْطَعُهُ، عِنْدَمَا يَسْلِبُ اللهُ نَفْسَهُ؟ [8] يترجم البعض هذه العبارة "لأنه ما هو رجاء المرائي، حتى وإن جنى أي ربح، عندما يأخذ الله روحه؟" فالشرير، خاصة المرائي، يعيش بلا رجاء، لأن مصيره الهلاك الأبدي. فإذ اتهمه أصدقاؤه بالرياء، يؤكد لهم أنه ليس غبيًا ليمارس الرياء محطم الرجاء. فإن كان الرياء يقدم ربحًا زمنيًا، هو مديح الناس له أو نوال ثروة زمنية، فإن هذا ليس إلا خداعًا مؤقتًا، يظهر عندما تُطلب نفس المرائي منه، فينكشف كل ما في قلبه. يقول المرتل عن المرائي: لأنه عند موته كله لا يأخذ، لا ينزل وراءه مجده" (مز 49: 17). كما يقول الكتاب:"لا تكن مرائيًا في وجوه الناس، وكن محترسًا لشفتيك" (سيراخ 1: 37). *"فإنه ما هو رجاء المرائي، إن أمسك به الطمع، ولا يحرر الله نفسه؟" [8] المرائي الذي يقال عنه في اللاتينية simulator، أي متظاهر، ليس له هدف غير الظهور. البابا غريغوريوس (الكبير) إن كان الرياء لا ينفضح أحيانًا، لكن إلى حين، إذ لا يدوم كثيرًا، بل ينكشف كل شيء، فيجلب على صاحبه وبالًا، وهكذا يكون أشبه بامرأة قبيحة المنظر تُنزَع عنها زينتها الخارجيَّة التي وُضعت لها بطرق صناعيَّة. * الرياء غريب عن سمات القدِّيسين، إذ يستحيل أن يفلت شيء مما نفعله أو نقوله من عيني اللاهوت، إذ "ليس مكتوم لن يُستعلن، ولا خفي لن يُعرف". كل كلماتنا وأعمالنا ستُعلن في يوم الدين. لذلك فالرياء مُتعب وبلا منفعة. يليق بنا أن نتزكَّى كعبَّاد حقيقيِّين نخدم الله بملامح صريحة وواضحة. القديس كيرلس الكبير أَفَيَسْمَعُ اللهُ صُرَاخَهُ إِذَا جَاءَ عَلَيْهِ ضِيقٌ؟ [9] صلاة المرائي لا تُستجاب، فسيحل به الضيق ويصرخ، لكن صراخه لا قيمة له. لا يسمع الله صرخات المرائين حتى يتركوا رياهم، ويقدموا توبة، ويكون لهم رجوع إليه. يقول الرب لإشعياء النبي: "أخذت الرعدة المنافقين" (إش 33: 14). "إن راعيت إثمًا في قلبي لا يستمع لي الرب" (مز 66: 18). "من يحول أذنه عن سماع الشريعة فصلاته أيضًا مكروهة" (أم 28: 9). سيصرخ الأشرار في يوم الرب ولا يسمع الله لهم. يقول الرب: "لأني دعوت فأبيتم، ومددت يدي وليس من يبالي، بل رفضتم كل مشورتي ولم ترضوا توبيخي، فأنا أيضًا أضحك عند بليتكم" (أم 1: 24-25). مسكين الإنسان المرائي، فإنه لن يختبر سلام الله وتعزياته، فلا يتلذذ بالقدير، لأن لذته في ثروات العالم، ومجده الزائل وفي ملذات الجسد وشهواته. لا يعرف المرائي كيف يدعو الله، لأنه في وقت الرخاء يلهو بما لديه، ويستخف بالعبادة الروحية، وفي وقت الضيق يتذمر ويجدف على الله. لا يعرف المرائي كيف يدعوه، لأن ليس لله موضع في قلبه، إذ لا يسكن الله مع الرياء، ولا الحق مع الغش والخداع. قد يعتقد المرائي بوجود الله، وأنه القدير ويلزم الصلاة إليه، لكنه عمليًا لا مكان لله في أعماقه. يظن أن قدرته الحقيقية فيما يناله من أمور زمنية، واتكاله على ممتلكاته وسلطانه وصداقاته لا على الله القدير! غاية الكنيسة أن تقدم السيد المسيح للعالم كي يخبر الكل عن الآب، ويعلن عن خطته القديرة لخلاص البشرية. إذ تختبر الكنيسة الشركة مع عريسها، ربنا يسوع، المدعو يد الله، تذوق عذوبة أسرار الله، وتختبر قوته وقدرته، فتدعو الكل ليشاركوها هذه الخبرة المفرحة. * "هل يسمع الله صرخته عندما تحل به المتاعب؟ أو هل يكون قادرًا على أن يُسر نفسه في القدير؟" [9] لا يسمع الله صرخته في وقت الشدائد، لأنه في وقت الهدوء لم يسمع للرب الذي يصرخ في وصاياه. مكتوب: "من يحول أذنه عن سماع الشريعة، حتى صلاته تكون مكرهة" (أم 9:28). إذ يرى الإنسان القديس أن كل الذين لا يبالون بممارسة ما هو مستقيم الآن، ففي النهاية يفزع من كلمات التوسل... هكذا يقول النبي: "اطلبوا الرب حيث يوجد، ادعوه وهو قريب" (إش 6:55). الآن الله لا يُري، وهو قريب، فيما بعد سيُرى ولا يكون قريبًا. إنه لم يظهر بعد في الدينونة، فإن طُلب يُوجد. فإنه عندما يظهر في الدينونة بطريقٍ عجيبٍ، يُرى ولا يُوجد. هكذا يصف سليمان الحكمة بأنها تعانق بعذوبة، وتدين برهبة، فيقول: "الحكمة تدعو عاليًا في الخارج. ترفع صوتها في الساحات المفتوحة". البابا غريغوريوس (الكبير) * بالمثل علمنا مخلِّصنا هذا النوع من الصلاة. يجب أن تصلِّي سرًا لذاك الذي هو في الخفاء وهو يرى الكل، هكذا قال السيِّد المسيح: "أدخل إلى مخدعك، وأغلق بابك، وصلِّ إلى أبيك الذي في الخفاء، فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية" (مت 6: 6). أحبَّائي، لماذا يعلمنا مخلِّصنا قائلًا: "صلِّ إلى أبيك في الخفاء، والباب مغلق"؟ سوف أريكم ذلك على قدر استطاعتي. تعرِّفنا كلمات سيِّدنا أنه يجب أن تصلِّي بقلبك في الخفاء، والباب مغلق، لكن ما هو الباب الذي يجب أن تغلقه؟ إن لم يكن هو فمك، لأنه هو الهيكل الذي يسكن فيه المسيح، كما قال الرسول: "أما تعلمون أنكم هيكل الله؟" (1 كو 3: 16)، فلكي يدخل الله إلى إنسانك الداخلي في هذا المسكن، يجب أن يُنظِّف من كل شيء غير طاهر، بينما يكون الباب، أي فمك، مغلقًا. القديس أفراهاط القديس يوحنا الذهبي الفم * نصلّي داخل مخدعنا عندما ننزع من قلوبنا الداخلية الأفكار المقلقة والاهتمامات الباطلة، وندخل في حديث سرّي مغلق بيننا وبين الرب. * نصلّي بأبواب مغلقة، عندما نصلّي بشفاه مغلقة في هدوءٍ وصمتٍ كاملٍ لذاك الذي يطلب القلوب لا الكلمات. *نصلّي في الخفاء عندما نكتم طلباتنا الصادرة من قلوبنا وأذهاننا المتقدة بحيث لا نكشفها إلا لله وحده، فلا تستطيع القوات المضادة (الشياطين) أن تكتشفها. لذلك يجب أن نصلّي في صمت كامل، لا لنتحاشى فقط التشويش على إخوتنا المجاورين لنا وعدم إزعاجهم بهمسنا أو كلماتنا العالية، ونتجنب اضطراب أفكار المصلّين معنا، وإنما لكي نخفي مغزى طلباتنا عن أعدائنا الذين يراقبوننا، بالأخص في وقت الصلاة، وبهذا تتم الوصية: "احفظ أبواب فمك عن المضطجعة في حضنك" (مي 5:7) . الأب إسحق أَمْ يَتَلَذَّذُ بِالْقَدِيرِ؟ هَلْ يَدْعُو اللهَ فِي كُلِّ حِينٍ؟ [10] يرى البعض أنه يقصد هنا: أي رجاء للشرير أو للمرائي حتى وإن نال الكثير من الغنى حسب شهوة قلبه؟ هل سيسمع للحال صراخه عندما يكون في ضيقٍ؟ ويرى آخرون أن أيوب يعلم أنه لا منفعة للشرير حتى إن نال الكثير، فحتمًا سيرحل ويكون مرعبًا للمرائي . |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
أيوب | اتهامه بالإلحاد العملي |
أيوب | اتهامه بمحاباة الوجوه |
أيوب | اتهامه بمقاومة صنع الخير |
أيوب | اتهامه بالوحشية |
اتهام أيوب بالرياء |