04 - 04 - 2023, 10:40 AM
|
|
|
† Admin Woman †
|
|
|
|
|
|
سلطان الله على الطبيعة
يَمُدُّ الشَّمَالَ عَلَى الْخَلاَءِ،
وَيُعَلِّقُ الأَرْضَ عَلَى لاَ شَيْءٍ [7].
يشبه الكتاب المقدس الله الخالق كمن يبسط السماء والأرض، ويبقى في رعايته بخليقته يبسط كليهما إلى أن تنتهي الأزمنة فيطويها. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). يقول المرتل: "بسط السماوات كشقةٍ". وكما جاء في سفر الرؤيا: "السماء انفلقت كدرجٍ ملتفٍ" (رؤ 6: 14). أما عن اختياره "الشمال" فلأن أيوب يعيش في نصف الكرة الشمالي، فيرى الله يبسط الأرض كما على الخلاء، أي كما لو كانت فارغة أو كلا شيْ متى قورنت بالعالم الآخر. يقول المرتل: "الشمال والجنوب أنت خلقتهم" (مز 89: 12).
ويرى البابا غريغوريوس (الكبير)أن الشمال يشير إلى الشيطان، حيث مملكته فارغة من نعمة الله. حتى مملكة إبليس ليست مخفية على الله.
* أعطى الرب الأرض استقرارًا، وستبقى على هذا الحال مادام الله يريد لها هذا.
* من لا يليق به أن يدهش ويتحير من هذه الأمور، معلنًا بيقين أن هذه ليست من صنع الطبيعة، بل من عمل العناية الإلهية التي تفوق الطبيعة. إذ يقول أحدهم: "الذي يعلق الأرض على لا شيء" (أي 7:26). وآخر: "في يديه أركان الأرض" (مز 4:95).
*"يبسط الشمال على موضع فارغ" [7]. يُستخدم "الشمال" في الكتاب المقدس ليشير إلى الشيطان... إذ يملك (الشيطان) على من كانت قلوبهم غير ممتلئة بنعمة محبة الله. لكن يمكن لله القدير إنه يملأ حتى أواني الشيطان الفارغة من كل فضيلة بعطية نعمته، ويودع المخافة الإلهية في هؤلاء الأشخاص الذين لا يراهم مؤسسين بأي سلوك في البٌر. لذلك أضاف بحق: "يعلق الأرض على لا شيء". فإنه ماذا يقصد بالأرض إلا الكنيسة المقدسة؟ إنها تتقبل كلمات الكرازة، وتأتي بثمر الأعمال الصالحة. قال عنها موسى: "لتسمع الأرض كلمات شفتي، وليُنظر إلى حديثي مثل المطر" (تث 1:2-2). وما هو "اللاشيء" سوى شعوب الأمم المتعددة، والتي يقول عنها النبي: "كل الأمم أمامه كلا شيء، ويُحسبون أمامه أقل من العدم" (راجع إش 17:40).
البابا غريغوريوس (الكبير) "يعلق الأرض على لا شيء" فقد خلق الأرض وأقامها بغير أعمدة. ليس من شيء يمكن لإنسانٍ أن يعلقه على لا شيء، أما الله فثبت الأرض كلها على لا شيء. وكما يقول الرسول: "حامل كل الأشياء بكلمة قدرته" (عب 1: 3). هذا الذي أقام الكرة الأرضية وثبتها، ليمشي عليها الإنسان ويعيش، ألا يقدر بكلمة قدرته أن يدبر كل حياة الإنسان؟
* أقمت السماء لي سقفًا، وثبَّتَّ ليَ الأرض لأمشي عليها.
من أجلي ألجمت البحر، من أجلي أظهرت طبيعة الحيوان، أخضعت كل شيء تحت قدميّ. لم تدعني معوزًا شيئًا من أعمال كرامتك.
قداس القديس غريغوريوس اللاهوتي
يَصُرُّ الْمِيَاهَ فِي سُحُبِهِ،
فَلاَ يَتَمَزَّقُ الْغَيْمُ تَحْتَهَا [8].
يحفظ الله المياه التي قيل عنها أنها "فوق الجلد" (تك 1: 7)، فلا تنسكب بفيضان مرة واحدة ليغرق العالم كما حدث في أيام نوح. إنها محفوظة (مصرورة) بحكمة إلهية. يسقطها كأمطارٍ بتدبير الهي محكم، وبقدر معين مع ثقل هذه المياه التي صارت سحابًا لا تمزق الغيوم تحتها لتسقط دفعة واحدة، وذلك من أجل نفع سكان الأرض من بشر وحيوانات وزرع.
يقف القديس يوحنا الذهبي الفم في دهشة أمام عناية الله الفائقة إذ يسمح للماء (في السحب) أن يكون محمولًا إلى فوق الهواء، ويختم الله عليه بالهواء فيجري إلى أماكن كثيرة ليروي الأرض.
* من الذي "يصر المياه في السحب"؟ هذه أعجوبة أنه يضع شيئًا بطبيعته يفيض أن يبقي على السحاب يثبته بكلمته. لكنه يفيض بجزءٍ منه على وجه الأرض، ينضح به في الوقت المناسب. إنه لا يطلق العنان لكل رصيد المياه، إنما يكتفي بالتطهير الذي تم في أيام نوح. يبقي الله صادقًا في عهده.
القديس غريغوريوس النزينزي يقدم لنا البابا غريغوريوس (الكبير) تفسيرًا رمزيًا، فيرى في المياه رمزًا للمعرفة، وفي السحاب الكثيف للجماعة، فإن الله هو الذي يهب الكارزين المعرفة السماوية.
إن كان بلدد ورفيقاه يدعيان الحكمة والمعرفة، فيليق بهم أن يكونوا كالسحاب الخفيف الذي يطير في السماء، ويرتفع عن التراب والأرضيات، فيتمتعوا بالحكمة السماوية والمعرفة الإلهية.
الله في عنايته الفائقة يهبنا بنعمته أن نصير سحابًا، أو مركبه إلهية، كما قال إشعياء النبي: "هوذا الرب راكب على سحابةٍ سريعةٍ (بهية)، وقادم إلى مصر" (إش 19: 1). بحلوله فينا يملأنا بمعرفته وحكمته وحبه، ويطير بنا كما إلى مصر، أي إلى قلب كل إنسانٍ لنقدم لهم الساكن فينا، الله الحب الحقيقي!
* "يوثق المياه في سحابه الكثيف، حتى لا تنفجر إلى أسفل " [8]. بماذا يشير بالمياه في هذا الموضع سوى المعرفة، والسحاب سوى الكارزين؟ فالماء في الكتاب المقدس يُستخدم أحيانًا ليشير إلى المعرفة كما يعلمنا سليمان شاهدًا بذلك. يقول: "كلمات فم الإنسان كمياهٍ عميقة، وينابيع الحكمة كجدول ماء يتدفق" (أم 4:18). ويشهد داود النبي بأن المياه تشير إلى المعرفة، قائلًا بأن المياه القاتمة في سحاب السماء، وبالأسرار الخفية، إذ كانوا يحملون فيهم أسرارًا بلا حدود، معانيها غامضة في أعين ناظريها.
وماذا يشير اسم "السحاب" في هذه العبارة سوى إلى الكارزين القديسين، أي الرسل، الذين أُرسلوا في كل اتجاهٍ في بقاع العالم، يعرفون كيف يمطرون بالكلمات، ويبرقون بالمعجزات؟ عن هؤلاء تطلع إشعياء منذ زمنٍ طويل وقال: "من هم هؤلاء الذين يطيرون كالسحاب؟" (إش 8:60).
البابا غريغوريوس (الكبير) *"أضاءت بروقه المسكونة" (مز 97: 4). هذا فرح عظيم... بروقه تضيء في كل العالم: أعداؤه يجلسون على نارٍ ويحترقون... كيف تضيء البروق؟ بأن يؤمن العالم. من أين تأتي البروق؟ من السحاب. وما هو سحاب الله؟ الكارزون بالحق... أرسل ربنا يسوع المسيح رسله ككارزين مثل السحاب. نُظروا كبشرٍ فاحتُقروا، وظهروا كسحابٍ.
*الفضيلة أمر منير ومبهج، والذين يعيشون في طريقها يطيرون كالسحاب كقول إشعياء: "وكالحمام مع صغاره" (إش 60: 8). وأما الخطية فكشيءٍ ثقيل جالس كقول نبي آخر: "ثقل الرصاص" (زك 5: 8).
يرى القديس باسيليوس الكبير أن كل البشر مثل السحاب دائمو الحركة، يتحركون حسبما توجههم الرياح. فمن يحركه ريح الرب ينطلق نحو السماء، ومن يترك نفسه لرياح العالم والشهوات يتحرك نحو الجحيم لدماره.
*الناس كالسحاب، يتحركون هنا وهناك في السماء حسب تغير الرياح .
يَحْجِبُ وَجْهَ كُرْسِيِّه،ِ
بَاسِطًا عَلَيْهِ سَحَابَهُ [9].
من محبة الله لنا ورعايته العجيبة أنه يحجب وجه عرشه، فلا نراه كما هو، لأنه كما قال: "لأن الإنسان لا يراني ويعيش" (خر 33: 20). يبسط عليه السحاب والضباب فيبدو كما في قتامٍ، إذ تعجز أعيننا عن معاينته، فنعيش بالإيمان لا بالعيان، حتى نلتقي معه وجهًا لوجهٍ في يوم الرب العظيم قدرما نحتمل.
* وجه عرشه يُحجب، يعني أننا لا ندرك مجد ملكوته في هذه الحياة. فمع عظمته في الداخل، ينشر سحابه، لأن مجد الملكوت السماوي لا يُرى كما هو. فإن "الجسد الفاسد يحط من النفس، والخيمة الأرضية تثقل الذهن الذي يفكر في أمورٍ كثيرة" (حك 15:9). هكذا ينتشر علينا الضباب فلا نرى مجده، إذ نظلم بسحاب جهلنا. بحقٍ يقول المرتل: "الظلام تحت قدميه، وهو يركب الشاروبيم ويطير. يطير فوق أجنحة الريح، ويجعل الظلمة موضعه السرٌي" (راجع مز 9:18-11)...
لكن إن حسبنا عرشه هو القوات الملائكية، إذ يتربع على هذه القوات عينها كما على عرشٍ ملوكيٍ، يرد وجه عرشه عنا، فإنه مادام لنا الجسد المائت لا ندرك عجب خدمة الملائكة وكيفيتها.
"ويبسط سحابة عليها"، إذ يرفع قلبنا ليبحث؛ ويعبر القلب بطريقة خفية، حتى أنه مع بحثه اللانهائي يرتد. هكذا مكتوب: "ينطق العمق بصوته من أجل علو تصوره" (حب 10:3).
البابا غريغوريوس (الكبير) * "طأطأ السماوات ونزل، والضباب كان تحت رجليه" (مز 18: 9). تواضع العادل، الذي انحنى إلى أسفل من أجل ضعف البشر.
"والضباب تحت رجليه". الذين أعمت شرورهم عيونهم؛ فلا يقدر هؤلاء الأشرار الذين لا يبالون إلا بالأرضيات أن يعرفوه، لأن الأرض تسقط تحت رجليه مرتبطة بموطئ القدمين.
* كل عقل حسب مقدار قامته يستنير بكمية محدودة من النور.
*وجه الله هو رسم جوهره (عب 3:1). من يشتهي وجه الله بكل قلبه، فيستطيع أن يتأمله بقلبٍ نقيٍ، ويثبت نظره عليه، يُرحم كقول الرب. مثل هذا الإنسان يستطيع أن ينطق بالكلمات التي أمامنا.
يا لعظمة ذاك الذي يرى وجه الله. ليعلمك الرب يسوع عظمته، إذ يقول: "طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله" (مت8:5).
رَسَمَ حَدًّا عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ،
عِنْدَ اتِّصَالِ النُّورِ بِالظُّلْمَةِ [10].
يتطلع أيوب إلى البحار الضخمة فيرى الأنهار تنصب فيها ومع هذا لا تزيد مياهه فيطغى على الأرض، إنما تقف الرمال وهي حبات صغيرة كحاجزٍ تصده. هكذا وهب الله البحار أن تحترم الأرض فلا تطغى بمياهها على الأرض.
إن كانت مياه البحار تعرف حدودها فلا تتجاوزها، يليق بالشعوب والأمم (المياه الكثيرة) أن تحترم الغير، فلا تطغى أمة على أمةٍ، ولا إنسان على إنسانٍ.
*بخصوص البحر، فإن كنت لا أدهش من عظمته، يلزمني أن أدهش من نبله: ما الذي يحده؟ كيف يرتفع ويهدأ حتى النهاية كمن يحترم جاره "الأرض"؟ كيف يتقبل فيه كل الأنهار، ويبقى كما هو بالرغم من فيض كيانه الضخم إن صح التعبير...؟ كيف يكون حدٌَه بعنصر مثل الرمل وحده...؟ "رسم حدًا على وجه المياه بوصيته" (أي 10:26 LXX).
القديس غريغوريوس النزينزي * "يضع حدودًا للمياه حتى ينتهي النور والظلام" [10]. كما قلنا قبلًا يُشار في الكتاب المقدس إلى الشعوب بالمياه. يضع الرب حدودًا للمياه، إذ يعالج المعرفة البشرية، فلا تبلغ بالكمال إلى معرفة البهاء الداخلي حتى يعبر تعاقب الفصول المتغيرة.
إن كنا نفهم بالنور الأبرار، وبالظلمة الخطاة، يقول بولس: "أنتم الذين كنتم قبلًا ظلمة والآن نور" (أف 8:5)، فليس ما يمنع أن نفهم بأن المعرفة الكاملة للأبدية لا تُوهب لأحدٍ حتى تنتهي مسيرة الأبرار ومسيرة الأشرار.
البابا غريغوريوس (الكبير)
أَعْمِدَةُ السَّمَاوَاتِ تَرْتَعِدُ،
وَتَرْتَاعُ مِنْ زَجْرِهِ [11].
* ما هي أعمدة السماء سوى الملائكة القديسين، كارزي الكنيسة الأساسيين، الذين يقوم عليهم كل العالم السماوي الذي للصرح الروحي المرتفع بلا توقف، كما يقول الكتاب المقدس في موضع آخر: "من يغلب أجعله عمودًا في هيكل إلهي" (رؤ 13:3). فمن يتأسس بثباتٍ بهدفٍ سليمٍ في الذهن في عمل الله إنما يقوم كعمودٍ في إنشاء الصرح الروحي. إذ يُوضع في هذا الهيكل الذي هو الكنيسة، يصير للنفع والزينة معًا. لكن أيوب يدعو أعمدة السماء هؤلاء الذين يدعوهم الرسول أعمدة الكنيسة، إذ يقول: "بطرس ويعقوب ويوحنا، المعتبرون أعمدة، أعطوني يمين الشركة" (غل 9:2).
ليس من غير اللائق أن نفسر "أعمدة السماء" بكونها الكنائس ذاتها. فبكونها كثيرة في العدد لكنها تقيم كنيسة كاثوليكية (جامعة) واحدة تنتشر على كل وجه الأرض. هكذا أيضًا يكتب الرسول يوحنا إلى السبع كنائس، قاصدًا الكنيسة الواحدة الجامعة مزودة بالروح الذي له نعمة في سبعة جوانب...
الآن قوات العالم السماوي ذاتها التي تراه بلا انقطاع، وهو موضوع تأملهم، صاروا في رعبٍ. لكنه ليس رعب الويل، إذ ليس هو رعب الخوف، بل رعب الدهشة. فإنه إذ جلب رعبًا عظيمًا كهذا خلال عمله العجيب، يروي لنا الآن تدبير خلاصنا.
البابا غريغوريوس (الكبير)
بِقُوَّتِهِ يُزْعِجُ الْبَحْرَ،
وَبِفَهْمِهِ يَسْحَقُ رَهَبَ [12].
يرى بعض الدارسين الذين يحسبون أيوب أنه كان يعيش في أيام موسى النبي أو بعده يتحدث هنا عن عمل الله مع شعبه، حيث بقوته شق بحر سوف، وبفهمه سحق مصر، إذ كثيرًا ما استخدمت كلمة "رهب" لتعبر عن مصر (مز 87: 4 ؛ إش 51: 9).
* "بقدرته تجمعت البحار معًا فجأة، وحكمته هزت المتكبر " [12]. بماذا يشير البحر سوى العالم الحاضر، الذي فيه تطلب قلوب البشر الأمور الأرضية، وتنتفخ بموجات الأفكار المتباينة؟ فإنها إذ تُثار بعجرفة الكبرياء ومعارضة الواحد الآخر في عبور الأمواج يحطمون أنفسهم معًا في مواجهة التيارات. ولكن "بقدرته تجمعت البحار معًا"، فإنه إذ تجسد الرب آمنت قلوب البشر العالميين المتعارضة وصارت في اتفاقٍ...
من هو الذي يُدعى هنا بالمتكبر إلا ذاك القائل: "أصعد إلى أعالي السحاب، أصير مثل العلي" (إش 14: 14)؟ قال عنه صوت الله: "الذي جعل نفسه لا يخشى أحدًا، وأقام نفسه ملكًا على كل أبناء الكبرياء". يتفق داود النبي مع هذه العبارة قائلًا: "أذللت المتكبر كمن هو مجروح" (راجع مز 10:89).
البابا غريغوريوس (الكبير)
|