|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
رحلة في عقل نوح نواصل معًا من خلال صفحات مجلتنا المحبوبة «نحو الهدف»، حديثنا عن الإيمان ونغوص في عقول رجاله، لنحاول أن نفهم كيف استطاع الإيمان أن يؤثر في قرارات حياتهم، وكيف كان نافعًا لهم. واليوم سنلتقي مع نوح رجل الإيمان، وبخيال مُقدَّس سنُجري معه حوارًا تخيليًا: أهلاً بك يا جدو نوح، ممكن تعرَّف نفسك؟ أنا نوح بن لامك بن متوشالح بن أخنوخ، وأبو سام وحام ويافث، فأنا الجيل العاشر من آدم. ياه حضرتك من عبق التاريخ، فماذا تعلمت من جدودك؟ تعلمت الكثير، ولكن أكتفي بما تعلمته من جدي أخنوخ، وهو أول من سار مع الله (تكوين٥: ٢٢) فكانت حياته مؤثِّرة، وأشكر الله لقد شُهد عني إني سرت أمام الله (تكوين٦: ٩). جميل أن يكون للجد مثال في حياة الأحفاد، هل لسيرك مع الله تأثير في حياتك؟ وكيف تأثرت؟ نعم، كان للسير مع الله تأثير واضح في حياتي، فجعلني أولاً كاملاً في كل الأجيال التي عشت معها، فحياتي على الأرض استمرت ٩٥٠ سنة (تكوين٩:٢٦)، فأفضل طريق لمشابهة الله هو العشرة معه، ثانيًا جعلني أصدّق الله في كل ما قاله لي. متى وماذا قال لك؟ كنت في عمر يقارب ٤٨٠ سنة، وقَالَ لي: «نِهَايَةُ كُلِّ بَشَرٍ قَدْ أتَتْ أمَامِي... فَهَا أنَا مُهْلِكُهُمْ مَعَ الأرْضِ. اصْنَعْ لِنَفْسِكَ فُلْكا مِنْ خَشَبِ جُفْرٍ... فَهَا أنَا آتٍ بِطُوفَانِ الْمَاءِ عَلَى الأرْضِ لِأهْلِكَ كُلَّ جَسَدٍ» (تكوين٦: ١٣-١٧). كيف، وأنت لم تَرَ أمطارًا من قَبل، صدَّقت بطوفان الماء؟ عزيزي، الإيمان لا يُبنى على ما نراه، فهذا هو العيان، لكنه يؤسَّس على ما قاله الله. أتفق معك أنه لم يكن مثل ذلك من قبل، لكن الله قال؛ لذلك صدقت. ربما لقدرة الله صدّقت إنه سيفعل، لكن كيف تُصدِّق أن المُحب يُهلك؟ سبق وأشرت لك أمر السير مع الله، فهذا جعلني أعرف ولو قليلاً عن طبيعته، فهي ليست محبة فقط، بل نور أيضًا؛ فكيف لله البار أن يسكت على شر الإنسان دون أن يتخذ قرارًا، فعشرتي به جعلتني أتيقن مِنْ حقيقة غضبه حسب قوله. صَدَقت يا جدو فطبيعة الله تُعرف بالعشرة أكثر. وماذا فعلت؟ الإيمان الفاعل يا ولدي لا يقف عند حد التصديق، بل يطيع ما قاله الرب، فهو قال لي: اصنع فلك، فأطعت. كم كانت مقاساته؟ بلغة عصرك كان طوله ١٣٣م، وعرضه ٢٢م، وارتفاعه ١٣م، والرب هو مَنْ حَدَّدَ مقاساته. هل كان كافٍ لأخذ كل ما أمرك به الرب؟ نعم، فحجم الفلك كان ٤٦ ألف متر مكعب، أي ما يعادل في زمانكم ٥٢٢ شاحنة، وهي تسع ١٢٥ ألف خروف، وبحساب أن كل فصيلة دخل منها زوجين (وفصائل أكثر) يكون كافٍ لـ ٦٢ ألف فصيلة، مع الوضع في الاعتبار أن عدد الفصائل في الأرض الآن ١٨ ألف فصيلة! لم أكن أتخيلها من قبل هكذا، حقًا عظيم الفُلك. متى حدث الطوفان؟ قبل أن أجيبك عن متى، أرجوك ألا تقدس الفلك، فهو فقط وسيلة نجاة، فبعد خروجي منه لم أصنع له متحفًا أو أقدسه؛ فمن خلصني هو الله وليس خشب الفلك. أما عن زمن الطوفان فهو كان عام ١٧٠٠ من خلق أدم. أستغربك قليلاً، كيف لا تحتفظ بالفلك وهو مَن نجاك؟ الذي نجاني من غضب الله هو الإيمان بقوله، وكان الفلك وسيلة فقط، فليس التبرير أمام الله إلا بالإيمان وهذا ما شُهد عني به في وقت لاحق، «بِالإِيمَانِ نُوحٌ لَمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ عَنْ أُمُورٍ لَمْ تُرَ بَعْدُ خَافَ، فَبَنَى فُلْكاً لِخَلاَصِ بَيْتِهِ» (عبرانيين١١: ٧). فهمت ما تقصد وما قيل عنك، ولكن صف لي ماذا كنت تواجه من ضغوط؟ لم يكن الأمر سهلاً، فقد عانيت من ضغوط داخلية وخارجية، تمثَّلت الأولى في الشعور بالأقلية، فكل العالم يعيش في مبادئه المُعادية لله وأنا واحد من ٨ أفراد نحيا لنرضي الله. والثانية هي تهكُّم العالم على ما أقوم به، فربما ظنوا أني مُختَلّ، ولكن اسمح لي أن أشجع كل تابعي الإيمان، ليست الأكثرية ضمان الصواب، ولا تتوقعوا أن يرحب العالم بطاعة إيمانكم؛ فلا تستبعدوا أن يتهكموا عليها. أشعر إني أمام بطل صامد في وجه الظروف، فكيف تغلبت عليها؟ بالإيمان، وليس غيره. فتصديق قول الله يمنحك قوة وليست الأكثرية، وطاعة الله تهبك ثباتًا أمام التهكمات. اسمح لي أن أعبّر عن إعجابي بالإيمان في حياتك، ولكن إعجابي يثير سؤالاً عما تعريفك له؟ إن كان لكل عضو في جسدك دور هام، فالإيمان هو العضو الذي يجعلك تُصدّق ما قاله الرب، وتَتَيقن من جهة أمور مستقبلية قالها، حتى وإن لم تحدث من قبل مثل الطوفان. تعريف منطقي، ولكن كيف ينمو ذلك الإيمان؟ إن كنت تسير مع الله وتبحث عن أقواله، فهذا يزيد إيمانك، فلا بد من وجود خبر مستقبلي ليصير الإيمان فاعل، وليس من مصدرٍ آمِن للأخبار المستقبلية غير كلمة الله. هل تمسُّكك بالإيمان كان له حصاد في حياتك؟ نعم وحصاد وفير، فالإيمان أولاً جعلني أخاف الله وأقدِّر طبيعته البارة وأطيعه. ثانيًا: جعلني في موقف معادٍ للعالم الذي هو مُعادٍ لله، فصار إيماني دليل دينونة على العالم. ثالثًا: نِلت بِرّ الله، مع إني لست بلا خطية، فبدون إيمان لا يمكن إرضاءه. أتعجب لطول أناتك في انتظار قول الرب، فكيف تقويت على ذلك؟ كنت أتمنى أنك تتعجب أكثر بطول أناة الله على الخاطئ أكثر مني! ولكن كيف تقويت؟ ببساطة بعمل روح الله فيا؛ فقد شُهد عني في وقت لاحق أن الروح الذي كرز للعالم من خلالي هو روح المسيح (١بطرس٣: ١٩-٢٠). رحلتي في تاريخك ممتعة، ولكن إن أردت نصيحة لقارئي، ماذا تقول؟ صدّق قول الرب حتى وإن لم ترَ، اطِع وصاياه وإن لم تفهمها كلها. اعتبر من التاريخ وما حدث في أيامي (إشعياء٥٤: ٩). واحذر من غضب الله القادم على العالم كما قال في وقت لاحق لي «كَانُوا فِي الأَيَّامِ الَّتِي قَبْلَ الطُّوفَانِ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَتَزَوَّجُونَ وَيُزَوِّجُونَ إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ نُوحٌ الْفُلْكَ وَلَمْ يَعْلَمُوا حَتَّى جَاءَ الطُّوفَانُ وَأَخَذَ الْجَمِيعَ كَذَلِكَ يَكُونُ أَيْضاً مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ» (متى٢٤: ٣٨٣٩). |
|