|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
اِحْتَمِلُونِي وَأَنَا أَتَكَلَّمُ، وَبَعْدَ كَلاَمِي اسْتَهْزِئُوا! [3] سألهم ألا يقاطعوه في كلامه وأن يحتملوا حديثه، عندئذ إن أرادوا فليسخروا به كما يريدون. يقول هذا أملًا في أن إنصاتهم بنية صادقة يجعلهم يقبلون كلماته، ويقتنعون بحججه، فيغيرون لهجتهم. لم يكن يشغل ذهن أيوب سخرية أصدقائه به، لكن ما يشغله أن يسمعوا له، ويحتملوا كلماته لأجل خلاصهم وبنيانهم وتعزيتهم. هكذا لا يشغل الكنيسة كرامتها الزمنية، ولا تبرير نفسها، وإنما ما يشغلها هو خلاص كل نفسٍ، حتى بالنسبة لمقاوميها ومضطهديها. فإن المحبة لا تطلب ما لنفسها، بل ما هو للغير. * واضح أنه عندما ينصح أحد آخر وفي نفس الوقت يتألم أكثر من الذي يوبخه، يفعل هذا لا ليسبب حزنًا للغير، بل يقدم محبة عميقة له. بينما من ينتهر آخر بغير هذا الشعور فإنه في الواقع يطأ بقدميه على مشاعر أخيه . الأب أمبروسياستر القديس يوحنا الذهبي الفم لا تستطيع سخرية الناس أن تحطم المؤمن أو تؤذي الساخرين أنفسهم، ومع هذا فبروح التواضع يتكلم أيوب، سائلًا إياهم أن يحتملوه، لكي يكسبهم لله، فيرجعوا عن أذية أنفسهم. لقد احتمل المرتل سخرية المتكبرين، هذه التي لم تستطع أن تهزّ أعماقه فيحيد عن شريعة الله، إذ يقول: "المتكبرون استهزأوا بي إلى الغاية، عن شريعتك لم أمل" (مز 119: 51). تصرخ الحكمة قائلة: "إلى متى أيها الجهال تحبون الجهل؟ والمستهزئون يسرون بالاستهزاء؟ والحمقى يبغضون العلم؟" (أم 1: 22). فضمَّت الجهلاء مع المستهزئين والحمقى في فئة واحدة، إذ جميعهم يقتنون لأنفسهم الدمار. هذا ويؤكد الحكيم: "إن كنت حكيمًا فأنت حكيم لنفسك، وإن استهزأت فأنت وحدك تتحمل" (أم 9: 12). والعجيب أنه في وسط ثورتهم عليه يتكلم بروح الوداعة والتواضع، متوسلًا إليهم أن يحتملوا كلماته، فمن جانبه سيقبل كل سخرية تُوجه إليه، لكن لأجل نفع الطرفين يسألهم التزام الهدوء. *كأنه يقول: "احسبوني شريرًا. لكنني لم أنتفع شيئًا من هذه الملاحظات، وأنا أعلم أنكم تسخرون بي. على أي الأحوال، لا استسلم". يقول: "لماذا؟ هل يسخر بي إنسان؟" هذا معناه أنه لا يقدر إنسان أن ينتهرني، فإنني لست أصارع مع إنسانٍ! القديس يوحنا الذهبي الفم *عندما ينطق الصالحون يلاحظون أمرين في حديثهم: أن يكون الحديث لنفعهم هم ولسامعيهم أو لنفعهم وحدهم إن لم يكن ممكنًا أن يكون لنفع السامعين. عندما تُسمع الأمور الصالحة التي ينطقون بها بهدفٍ صالحٍ، ينتفعون بها هم وسامعوهم، ولكن إن سخر بهم سامعوهم ينتفعون هم بها لأنهم تجنبوا خطية الصمت (على الخطأ)... وهكذا إن كان أصدقاؤه يرغبون في التعليم فليسمعوا، وإن كانوا مستعدين للسخرية فليحتملوا ما يُقال، فإن التعليم المقدم في تواضعٍ لذهنٍ متكبرٍ له وزنه الخطير والشاق. * يقول: "أسالكم"، مظهرًا كيف يتكلم بتواضٍع، إذ يتوسل إلى أشخاصٍ يبتلعهم الكبرياء ضده، وذلك لكي يردهم إلى التفكير في تعليم الحق المُنقذ. القديسون الذين في حظيرة الكنيسة الجامعة مستعدون ليس فقط لتعليم ما هو حق، بل وأن يحتملوا ما يُمارس ضدهم ولا يخشون السخرية بهم. البابا غريغوريوس (الكبير) عندما رأى القديس أنطونيوس شِبَاك الشيطان منصوبة، تنهد وسأل الله قائلًا: "من يقدر أن يهرب منها؟" فأجابه الله: "المتواضع يهرب منها... بل ولا تقدر أن تقترب إليه". أرأيت قوة هذه الفضيلة؟! حقًا إنه لا يوجد أعظم من التواضع، لأنه لا يوجد شيء يقدر أن يغلبه. فإن حلّت بعض الأحزان بإنسانٍ متواضعٍ، للحال يلوم نفسه على أنه يستحقها، ولا يلوم غيره أو يوبخه. وهكذا فإنه يحتمل كل ما قد يحدق به بهدوءٍ كاملٍ، دون أن يضطرب أو يحزن. بهذا لا يغضب من أحدٍ ولا يُغضب أحدًا. الأب دوروثيؤس * يأمرنا المسيح أن نحتمل الإهانات بوداعة، لكي ننمو في الفضيلة، ونجعل المقاومين في خزي (مت 5: 10-12). هذا الأمر يتحقق لا بتوبيخنا لهم، بل بالصمت. * يقول بولس إن النقطة الرئيسية ليس أنه هو وزملاءه الرسل يتألمون، فإن هذا أمر عام بالنسبة للكل. لكن ما هو مزيد في الرسل أنهم يتألمون بلا يأسٍ ولا غضبٍ، بل على العكس هم مملوءون فرحًا، بهذا يؤكدون أن الشرور التي تحل بهم تتحول للخير . القديس يوحنا الذهبي الفم الأب أمبروسباستر |
|