|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الأشرار والعناية الإلهية أَاللهُ يُعَلَّمُ مَعْرِفَةً، وَهُوَ يَقْضِي عَلَى الْعَالِينَ؟ [22] ليس من إنسان يقدر أن يدرك معرفة الله ديان السماء والأرض، الذي يدين الملائكة الساقطين والبشر في يوم الدين. أحكامه أبعد ما تكون عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء. هو وحده الذي يحكم إن كان شرير ما ينجح هنا حتى ولو امتد نجاحه كل أيام حياته أو يفشل. بحكمته الإلهية يدبر ما لا يستطيع إنسان أن يدركه. إذ نعجز عن إدراك معرفة الله وحكمته وخطته ليس لنا أن نحكم على إنسانٍ ما أنه بار أو شرير من خلال ما يحل به من متاعب أو ما يتمتع به من بركات زمنية. عوض الحكم على إخوتنا نحبهم ونصلي من أجلهم لبنيانهم الروحي ونموهم، وأيضًا لأجل توبتهم، حتى يهبنا الله معهم التوبة الصادقة والنمو الروحي الحقيقي. *أحكام الله القدير علينا غاية في السرية وليست بظالمة. لكن إذ رفعنا أعين أذهاننا إلى العلويات نرى بأعيننا (الداخلية) أنه ليس لدينا ما نشكو به بخصوص العدالة. فإن الله القدير يميز استحقاقات الملائكة، أقام بعضًا منهم ليسكنوا في نورٍ أبدي بدون سقوطِ، والآخرون سقطوا بإرادتهم من الثبات في علوهم، وانحدروا إلى سخط الدينونة الأبدية... إنه يفعل أمورًا عجيبة فوق مستوانا، وواضح بالتأكيد أنه يدبر كل الأمور الخاصة بنا بمعرفة. البابا غريغوريوس (الكبير) هَذَا يَمُوتُ فِي عَيْنِ كَمَالِهِ. كُلُّهُ مُطْمَئِنٌّ وَسَاكِنٌ [23]. الله وحده الذي يحدد إن كان الإنسان يموت في سلامٍ زمنيٍ ومجدٍ باطلٍ بالرغم من إصراره على خطاياه، وآخر يموت في آلام مُرة وتعاسة وشقاء، مع أن كليهما يلتقيان معًا في الظلمة الخارجية. قد يموت شرير وهو في عين كماله أو في ملء قوته، لم تضعف قوته بسبب مرضٍ أو شيخوخةٍ، "كله مطمئن وساكن". بكليته هو في راحةٍ وسلامٍ، لا يخشى الموت لأنه لا يفكر فيه ولا ينتظره. لقد جاء كلمة الله متجسدًا، وحلّ بيننا ليهبنا سلامه الحقيقي وعربون المجد الذي أعده لنا منذ تأسيس العالم. هذا السلام وهذا المجد هما وحدهما يُشبعان النفس. أما سلام العالم المزيف ومجده الباطل فيخدعان الإنسان، لكن إلى لحظة ويزولان. هنا يليق بنا أن نطلب استنارة الروح القدس حتى نميز نوع السلام الذي نحن فيه، إذ توجد أنواع كثيرة من السلام. أ. السلام الذي يخدع الأشرار، حيث يشربون الإثم كالماء، وفي استهتار يقولون: ليس إله، ولا دينونة ولا أبدية. "فلنأكل ونشرب فإننا غدًا نموت" (1 كو 15: 32). ب. السلام الذي ينبع عن صداقات ومشاركة للآخرين، كمشاركتنا لأحبائنا في مناسباتهم المفرحة والمحزنة، لكن لا يشغلنا خلاص نفوسهم ونفوسنا. هذا السلام مؤقت. عن هذا السلام يقول السيد المسيح: "سلامًا أترك لكم" (يو 14: 27). وكأنه يقول: سلامكم هذا لا أنزعه عنكم، بل أتركه لكم لكي ما يتقدس بسلامي الذي أهبكم إياه. ج. السلام الإلهي الذي وعدنا به السيد المسيح: "سلامي أنا أعطيكم" (يو 14: 27). هذا السلام، الذي هو عطية إلهية، نتمتع به خلال شركتنا معه، وحلوله في وسطنا، ومرافقتنا الدائمة خلال رحلة حياتنا. "ها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر" (مت 28: 20). أَحْوَاضُهُ مَلآنَةٌ لَبَنًا، وَمُخُّ عِظَامِهِ طَرِيٌّ [24]. يترجمها البعض "ثدياه ملآنان لبنًا، وعظامه طرية بالمخ". وجاءت في ترجمة اليسوعيين "السمنة تكسو جبينه، وتسقي مخ عظامه". بمعنى أنه في صحة جيدة، قوي البنية، لا يبالي بشيءٍ سوى أن يحيا سنوات طويلة في فرحٍ وسرورٍ. آماله عريضة في هذه الحياة حتى يفاجئه الموت بغتة! لعلهم يتحدون الموت في داخلهم، كأنه ليس من نصيبهم. يتطلع أصدقاء أيوب إليه كإنسانٍ فقد كل ما يملكه من غنى وكرامة، ويحسبون هذا مؤشرًا أكيدًا عن شره، يظنون أنه في عوز داخلي شديد وفراغ لن يمتلئ. أما هو فيرى أشرارًا كثيرين أغنياء وأصحاب سلطة وكرامة زمنية، يحسبون صدورهم (الثدي) مملوءة لبنًا، أي أشبه بالأم التي بين يديها رضيع تقدم له من لبنها، وأن عظامهم مملوءة حيوية لن يتطرق إليها الجفاف. هذه المشاعر التي تسيطر على مثل هؤلاء الأشرار تصدر عن الغنى المؤقت والكرامة الباطلة، لكن إلى لحظة، حيث يأتي الديان، ويكتشفون أنهم كانوا في حلمٍ وقد تبدد. شتان ما بين اللبن الصادر عن الغنى المؤقت والعظام التي تبدو مملوءة قوة وحيوية بسبب الكرامة الزمنية، وبين اللبن غير الغاش الذي يقدمه الله لأولاده، حيث يرضعون النفوس بكلمة الله الواهبة الحياة، وبالعظام القوية التي تقدمها نعمة الله، فيكون المؤمن أشبه بالصخرة الثابتة التي لن تزعزعها رياح هذا العالم! * "أحشاؤه ملآنة سمنة، وعظامه مرطَّبة بالمخ" [24]. فكما أن السمنة تنشأ عن كثرة الطعام، هكذا الكبرياء عن فيض الخيرات، هذه التي تجعل الذهن يسمن بكثرة الغنى، بينما روحه بعجرفةٍ... يوجد أناس ليس لهم غنى في هذا العالم، لكنهم يشتهونه، ويطلبون أن يُمجدوا، بالرغم من عجزهم عن نوال ما يشتهونه في هذا العالم. بينما ليس لديهم مادة (غنى) ولا كرامة لمساندتهم، لكن بشهواتهم الشريرة يعلن ضميرهم عن جُرمهم في عيني الديان... لاحظوا أنه لذات السبب كيف يفرح الغني بقلبٍ متعجرف. لذلك قيل بحق: "كلاهما يضطجعان في التراب، والدود يغطيهما" [26]. أما الطوباوي أيوب فلم يتكبر حين كان لديه الغنى، ولا اشتهاه بقلقٍ عندما أُخذ منه، كما لم يهلك بسبب الخسائر الخارجية. البابا غريغوريوس (الكبير) وَذَلِكَ يَمُوتُ بِنَفْسٍ مُرَّةٍ، وَلَمْ يَذُقْ خَيْرًا [25]. يموت آخر بعد الآم مريرة وحالة تعسة، فيلتقي مع من قضى لحظة عبوره في هذا العالم في غنى وأمجاد زمنية. لا يستطيع الغنى ولا المجد، كما ولا الألم أن ينقذ الأشرار في ذلك اليوم، ماداموا لم يرجعوا إلى الرب. إن كان الله قد سمح لبعض الأشرار بالبركات الزمنية حتى آخر نسمة لهم في هذا العالم، إنما لكي يقدموا ذبيحة شكر لواهب العطايا، ويرجعوا إليه، ويتمتعوا بالشركة معه. وإن كان يسمح لآخرين بالآلام، إنما لكي لا تلتصق نفوسهم بمحبة الزمنيات وتشتاق إلى العبور إلى الله، ويتمتعوا بالمجد الذي أعده لمحبيه. لكن للأسف كثيرون لا ينتفعون بالعطايا ولا يتعلمون بالآلام! أما بالنسبة لأولاد الله فإن البركات الزمنية تسندهم في تقديم ذبائح شكرٍ لا تنقطع، والآلام تزكيهم في قبولهم إياها كشركة آلام مع مخلصهم. كِلاَهُمَا يَضْطَجِعَانِ مَعًا فِي التُّرَابِ، وَالدُّودُ يَغْشَاهُمَا [26]. في القبر يلتقي الأصحاء مع المرضى، والأغنياء مع الفقراء، فإن مات شرير في قصر وآخر في كوخٍ يلتقيان معًا مع جماعة الموتى، ويكون نصيبهما هو ثمر شرهما، الدود الذي لا يموت والنار التي لا تُطفأ. *مرح الأشرار يعبر إلى الويل، ويعبر ويل النفس البارة من الحزن إلى الفرح. هكذا لا يليق بالغنى أن يرفع النفس ولا بالفقر أن يربكها. لم يتقبل الطوباوي أيوب وسط الأضرار المادية أفكارًا مؤذية، أما الذين احتقروه وهو تحت ضربة العصا فقد انتهرهم قائلًا: "هوذا قد علمت أفكاركم..." [27]. * كيف يمكن للخسائر الخارجية أن تؤذي ذاك الذي لم يفقد ذاك (الإله) الذي أحبه في داخله؟ البابا غريغوريوس (الكبير) |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
كتابة كورش والعناية الإلهية |
ديونسيوس والعناية الإلهية |
نوحُ والعناية الإلهية |
إيليا والعناية الإلهية |
إيليا والعناية الإلهية |