22 - 03 - 2023, 02:04 PM
|
|
|
† Admin Woman †
|
|
|
|
|
|
فأَجَابَ أَيُّوبُ وَقَال: َ[1]
حَتَّى مَتَى تُعَذِّبُونَ نَفْسِي،
وَتَسْحَقُونَنِي بِالْكَلاَمِ [2].
كل ما حلّ بأيوب من آلام جسدية ونكبات، ليست فيها آلام نفسية كتلك التي حلت بنفسه من أصدقائه، فالتجارب دفعته لتقديم ذبيحة تسبيح وشكر لله، أما كلمات أصدقائه فسحقته. كأنه يصرخ مع المرتل: "اشفني يا رب، لأن عظامي قد رجفت" (مز 6: 2).
يرى الأب هيسيخيوس الأورشليمي في كلمات أيوب البار هنا عتابًا موجهًا ضد أصدقائه الذين كادوا أن يحطموا رجاءه، الأمر الذي لم يستطع إبليس أن يفعله به. فإن أقصى ما يفعله عدو الخير هو أن يصب عليه التجارب من آلام جسمانية تبلغ نهايتها بالموت. وهو في هذا كله لا يبالي بالآلام، ولا يخشى الموت، إذ يرى في معركته مع إبليس أنه ينال كمًا من الأكاليل كلما تزايدت التجارب. أما أصدقاؤه فقد صوّبوا سهامهم، لا ضد جسمه الذي ينحل يومًا ما، بل ضد نفسه لتحطيم رجائه، وهذا أخطر. وكأن ما يفعله الأصدقاء الأشرار أشر وأخطر مما يصوبه ضده عدو الخير.
كثيرًا ما يحدثنا الكتاب المقدس عن خطورة الكلمات العنيفة المحطمة للنفس، كما يحذرنا من الكلمات الناعمة التي تخفي قلبًا قتالًا مخادعًا. فاللسان السليط سهم قاتل، ضرباته أخطر من القتل بالسيف، أو الضرب بالسياط؛ ويوضع اللسان الكذاب مع العيون المتعالية المتشامخة والأيدي السافكة للدماء.
"كثيرون سقطوا بحد السيف، لكنهم ليسوا كالساقطين بحد اللسان" (سيراخ 28: 22).
"لسانهم سهم قتال، يتكلم بالغش بفمه، يكلم صاحبه بسلامٍ، وفي قلبه يضع له كمينًا" (إر 9: 8).
"ضربة السوط تُبقي رَضَّا، وضربة اللسان تحطم العظام" (سيراخ 28: 21).
"عيون متعالية، لسان كاذب، أيدٍ سافكة دما بريئا" (أم 6: 17).
"السليط اللسان بعيد السمعة، لكن العاقل يعلم متى يسقط" (سيراخ 21: 8).
"فمه مملوء لعنة وغشًا وظلمًا، تحت لسانه مشقة وإثم" (مز 10: 7).
"يقطع الرب جميع الشفاه الملقة، واللسان المتكلم بالعظائم" (مز 12: 3).
"نفسي بين الأشبال، اضطجع بين المتقدين بني آدم، أسنانهم أسنة وسهام، ولسانهم سيف ماض" (مز 57: 4).
"من يجعل حارسًا لفمي، وخاتمًا وثيقًا على شفتي، لئلا أسقط بسببهما، ويهلكني لساني" (سيراخ 22: 33).
* الوصية الأولى: "صُنْ لسانك عن الشر، وشفتيك عن التكلم بالغش" (مز 34: 13؛ 1بط 3: 10). لأن الخطية التي يسببها اللسان فعّالة للغاية ومتعددة الجوانب، لها دورها في السخط والشهرة والرياء والإدانة والغش. أتريد أن أعدد الأسماء الكثيرة التي لخطايا اللسان؟ فإنه عن اللسان تصدر النميمة، والسخرية والحماقة البالغة، والاتهامات الباطلة، والمرارة والقسم والشهادة الباطلة. اللسان هو مخترع كل هذه الشرور وأكثر .
القديس باسيليوس الكبير * لا يروض الحصان نفسه، ولا أيضًا الإنسان يقدر أن يفعل هذا. الحاجة مُلحة للإنسان أن يروض الحصان، وبنفس الطريقة إلى الله كي يروض الإنسان.
* يقتل السيف الجسم، ويقتل اللسان النفس. لا يعرف اللسان الاعتدال، فإما أن يكون عظيم الصلاح أو عظيم الشر. إنه عظيم الصلاح عندما يعرف أن المسيح هو الله، وعظيم الشر عندما يجحد ذلك. ليته لا يخدع أحد نفسه، ظانًا أنه لم يخطئ قط، فإنني أخطئ، وذلك بلساني.
* كلما أخطأ اللسان، صار بالأكثر بائسًا!
* البرهان العملي على الذهن السليم والفكر الكامل ألا يوجد خطأ على ألسنتنا، وأن نحفظ أفواهنا مغلقة عند الضرورة. إنه من الأفضل أن يقودنا الحديث اللائق، القادر أن يعرف كمال كل مديح ويعبِّر عنه. فإن أكثر المواهب نفعًا أن تكون قادرًا على النطق بالحكمة عند التحدث عن الحياة الصالحة. الكلام الرديء يلزم أن يكون غريبًا عن القديسين .
* احفظ طرف لسانك، فإنه مثل فرسٍ ملوكي. إن وُضع لجامًا في فمه، وعلَّمته السير بكياسة، يخضع لذلك ويكتفي. أما أن تركته يجري بلا ضابط، يصير مركبة للشيطان وملائكته .
* اللسان سيف ماضٍ. ليتنا لا نجرح به أحدًا، بل بالحري نقطع به "الغرغرينا" التي فينا.
* عندما يكون الجسم مرهقًا، لا أشعر باحتياج ضروري، أحسب آلامي كلا شيء، ولا أبالي بجسمي عندما يُستنفذ هذا الطين ويعبر. لا تعذبوا نفسي، ولا تربكوا روحي، فإذ تحمل نفسي نغمًا (روحيًا) أُصيب به عَدُوِي. أنا غالب في المعركة، لا أخشى الآلام. أما أنتم فتسحقونني بكلماتكم، وتنزعون عني الرجاء في نوال الأكاليل، وتجعلوني أرتد بخطواتي كمن لم يركض حسنًا.
* لتفهم كلمات الرجل القديس كمن ينطق بها عن شخصه تارة، وتارة أخرى بلسان الرأس (المسيح)، وتارة كرمزٍ للكنيسة الجامعة.
الآن فإن نفس البار في حزنٍ عميقٍ عندما يقذفه الأشخاص بعبارات ضده دون أن يتعلموا أن يمارسوا الحياة الصالحة، وبالكلمات ينسبون البرّ إلى ذواتهم مع أنهم عمليًا هو أعداء له...
ينطق أيوب بخصوص شخصه، ليتكلم معترفًا بلسان الكنيسة الجامعة: "لكنني بالحق أنا جاهل، وجهلي يرافقني (معي)" [4 Vulgate]. كأنه يقول عن الهراطقة: "كل معرفتكم ليست معكم، بل هي ضدكم، مادامت ترفعكم في كبرياء غبي. أما جهلي أنا فهو معي، فإنه يعمل لحسابي، حيث لا أتجاسر وأبحث فيما يخص الله بكبرياء قلبٍ. احفظ نفسي في الحق بروح التواضع...
البابا غريغوريوس (الكبير) إن كانت جراحات أيوب البار مرة للغاية بسبب كلمات أصدقائه القاسية أكثر من أية مرارة أخرى، يليق بنا نحن كمؤمنين نحرص على سلامة اخوتنا وخلاصهم وفرحهم في الرب. ألا ننطق بكلمات جارحة، بل تكون لنا الكلمات الطيبة التي تشفي جراحاتهم وتطَّيب خاطرهم في الرب. يحثنا الكتاب المقدس لا على التحفظ من اللسان السليط فحسب، وإنما أن يهبنا الله لسانًا لطيفًا يسندنا ويسند اخوتنا بعذوبته الشافية.
* قال الرسول هذا (يع 3: 8)، لا لكي نتساهل مع هذا الشر الذي للسان، بل كي نطلب النعمة الإلهية لتروض ألسنتنا .
* النبع هو قلب الإنسان، ومجرى الماء الذي يفيض هو حديثه، والفتحة التي يخرج منها هي فمه. الماء الحلو هو التعليم السليم، والماء المر هو ما يضاد ذلك .
* إنه أمر عظيم أن تكون قادرًا على ضبط اللسان، لأن الفشل في ذلك هو أعظم الشرور .
"الكلام الحسن شهد عسل، حلو للنفس، وشفاء للعظام" (أم 16: 24).
"الذي لا يشي بلسانه، ولا يصنع شرًا بصاحبه، ولا يحمل تعييرًا على قريبه" (مز 15: 3).
"فاض قلبي بكلام صالح، متكلم أنا بإنشائي للملك، لساني قلم كاتب ماهر" (مز 45: 1).
"هدوء اللسان شجرة حياة، واعوجاجه سحق في الروح" (أم 15: 4).
"الموت والحياة في يد اللسان، وأحباؤه يأكلون ثمره" (أم 18: 21).
"ببطء الغضب يقنع الرئيس، واللسان اللين يكسر العظم" (أم 25: 15).
"لا تكن جافيًا في لسانك، ولا كسلًا متوانيًا في أعمالك" (سيراخ 4: 34).
"الفم العذب يكثر الأصدقاء، واللسان اللطيف يكثر المؤانسات" (سيراخ 6: 5).
"وإن كان في لسانها رحمة ووداعة، فليس رجلها كسائر بني البشر" (سيراخ 36: 25).
"المزمار والعود يطيبان اللحن، لكن اللسان العذب فوق كليهما" (سيراخ 40: 21).
|