|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
فقدان من يحنو عليه عَظْمِي قَدْ لَصِقَ بِجِلْدِي وَلَحْمِي، وَنَجَوْتُ بِجِلْدِ أَسْنَانِي [20]. بعد أن شكا لما سمح به الله له حيث ضيَّق عليه الطريق وحاصره ليكون بلا منفذٍ، وأضرم نيران غضبه عليه. أثار الغرباء (الغزاة) عليه ووهبهم قوة ضده. وأخذ كل أقاربه وأصدقائه وأهل بيته وخدمه وعبيده موقف الكراهية، الآن يشكو من جسمه، فقد كاد أن ينحل. ذهبت عنه نضارته وجماله وقوته، ولم تعد فيه صحة، حتى لصق عظمه بجلده، فصار هيكلًا عظميًا. كاد أن ينحل حتى جلده، فلم يبقَ له سوى جلد أسنانه. * "جسدي فسد تحت جلدي، وأمسكت عظامي بالأسنان" [20]. يُفهم من هذه الكلمات أنه يتحدث عن سرّ الرب، فإن كل البشرية يليق دعوتهم "جلدًا"، خاصة الكنائس واجتماعاتها. ففيها ومن أجلها لم يفسد جسد الرب، لأن جسده لن يرى فسادًا (مز 16: 10). ولكن من جهة حقيقة نزوله من السماوات من أجل الألم، شارك بطريقة ما في طعام الأتقياء. فإن أيوب لا يتكلم عن انحلال يخص الفساد، إنما يتحدث عن دور القوت (الروحي)، فقد صار المسيح طعامًا يُقدم ويُدرك بأسناننا. فما كان يمكننا أن نتناول جسد الرب لو لم يرد أن يقترب إلينا وأن نتذوق جسده. الأب هيسيخيوس الأورشليمي تَرَاءَفُوا! تَرَاءَفُوا أَنْتُمْ عَلَيَّ يَا أَصْحَابِي، لأَنَّ يَدَ اللهِ قَدْ مَسَّتْنِي [21]. بعد تقديم الوصف السابق المؤلم لحاله طلب من أصدقائه أن يتراءفوا عليه. لقد وقع تحت غضب الله، وهذه أقسى كل النكبات، فليتراءفوا عليه، ويظهروا له الحب العملي بالصلاة والتوسل إلى الله من أجله عوض اضطهادهم له. * كم كان أيوب نبيلًا عندما كان في محنة، إذ قال: "تراءفوا، تراءفوا أنتم علىٌ يا أصحابي" (أي 21:19) إنها ليست صرخة كما من بؤس، بل بالحري من شخص يعاتب. فعندما وبخه أصدقاؤه ظلمًا أجابهم: تراءفوا يا أصحابي"، أي كان يليق بكم أن تظهروا حنوًا، لكنكم هاجمتم وسحقتم إنسانًا كان يلزم أن تعطفوا عليه في آلامه من أجل الصداقة. القديس أمبروسيوس لقد ضُرب أيوب من الشيطان، ومع هذا لم ينسب الضرب للشيطان بل دعاه "يد الله قد مستني"، وذلك كما قال الشيطان نفسه: "ولكن أبسط الآن يدك ومسَّ عظمه ولحمه، فإنه في وجهك يجدف عليك" (أي 2: 5). فإن الإنسان القديس قد عرف أن ما قد فعله الشيطان نفسه من جهته بإرادته الشريرة، إنما نال بذلك سلطانًا لا من نفسه، بل من الرب. البابا غريغوريوس (الكبير) * يلزمنا أن نوافق الكل لنربح الكل، مقتدين بالرسول القائل عن نفسه: "صرت للكل كل شيء، لأخلص على كلٍ حال قومًا" (1 كو 9: 22). كن مع الحزين حزينًا، لأنه لا يوجد شيء يعزي الإنسان الحزين، مثل أن يرى أحدًا يحزن معه على شدته، ومع الفرح فرحًا، ومع الضعيف ضعيفًا. إلا أن هذه المرافقة تكون ضرورية لمساعدة القريب، وتخليصه من شره، لا مشاركته في شره. انظر كيف ينحني الإنسان ليقيم بيده من كان ساقطًا، فإنه لا يسقط معه ليقيمه، بل يقف مثبتًا قدميه على الأرض لئلا يسقط بسبب الساقط، ثم يمد يده إليه قليلًا، وبمقدار ما يحتاج إلى معونة، وبذلك ينهضه من سقطته. لتكن هذه الحال صورة مناسبة لنا، فعلينا أن ننحني قليلًا، ونرافقهم يسيرًا في أحوالهم، لنخلصهم من سقطاتهم، ونربحهم لله. إلا أن هذا يلزمنا أن نثبت قلوبنا لئلا يجذبونا وراءهم. القديس أغسطينوس لِمَاذَا تُطَارِدُونَنِي كَمَا اللهُ، وَلاَ تَشْبَعُونَ مِنْ لَحْمِي؟ [22] إن كان الله يطارده فلعلةٍ لا يعرفها أحد، أما يكفي هذا، لماذا يطاردونه هم أيضًا. الله له السلطان المطلق عليه، وحكمته تفوق كل فكرٍ بشريٍ، فلماذا يمارسون هم أيضًا الضيق عليه؟ إن كانوا قد فرحوا بنكباته، فليكتفوا بلحمه الذي أوشك على الانحلال التام، لماذا يجرحون روحه ويحطمون نفسيته؟ * لم يقل إن الله اضطهده بطريقة تعارض تقواه. فإنه يوجد مضطهد صالح، كما يقول الرب عن نفسه بشفتي النبي: "الذي يغتاب صاحبه سرًا أنا اضطهده" (مز 101: 5). وعندما يعاني القديس من الضربة يدرك أنه يعاني من اضطهادٍ مقابل الشر الذي ارتكبه داخليًا... كأنه يقول: لماذا تضطهدونني على ضعفاتي، كما لو كنتم أنتم أنفسكم على مثال الله بلا ضعفٍ...؟ حسنًا أضاف: "وتشبعون من لحمي". فإن الذهن الذي يجوع إلى معاقبة القريب حتمًا يطلب أن يشبع من لحم الغير. علاوة على هذا من الضروري أن يُعرف أن الذين يقتاتون على الافتراء على حياة الغير هم بالتأكيد "يشبعون من لحم" الغير. هكذا يقول سليمان: "لا تكن بين شريبي الخمر، بين المتلفين أجسادهم" (أم 23: 20). فإن من يحضر جسدًا ليأكله هو بلغة حديث الانحطاط، أن تخبر بما هو رديء في سمات الاخوة، وعقوبته هو: "لأن السكير والمسرف يفتقران، والنوم يكسو الخرق" (أم 23: 21). الذين يسكرون يسلمون لكؤوس، أما المسرفون فهم الذين ينطقون بالافتراءات، مساهمين بالكلمات، كمن يساهم في تقديم مئونة لكي تؤكل... وكما كتب: "كل واشٍ يُقتلع"، أما الخامل (النائم) فيغطي إنسانًا بخرقٍ، فيجده موته موضع سخرية، فارغًا من كل الأعمال الصالحة. البابا غريغوريوس (الكبير) * الله وحده يدين، له أن يبرر وله أن يدين، هو يعرف حال كل واحدٍ منا وإمكانياته وانحرافاتنا ومواهبنا وأحوالنا واستعداداتنا، فله وحده أن يدين حسب معرفته الفريدة. إنه يدين أعمال الأسقف بطريقةٍ، وأعمال رئيسٍ بطريقة أخرى، يحكم على أب دير أو تلميذ له بطريقة مُغايرة، الشخص القديم (الذي له خبراته ومعرفته) غير طالب الرهبنة، والمريض غير ذي الصحة السليمة. من يقدر أن يفهم كل هذه الأحكام سوى خالق كل شيءٍ والعارف بكل الأمور؟ الأب دوروثيؤس القديس أغسطينوس القديس يوحنا الدرجي |
|